الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - الصورة:
يذهب أبو محمد إلى نفي أن يكون لله تعالى صورة لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
(1)
حيث إنه تعالى لا يتمثل في صورة شيء مما خلق إذ لو حصل ذلك لكان مثلًا له وهو يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
ثم إن الضرورة توجب أن الصورة في المتصور لمتصور بها، وهذا من باب الإِضافة، فلو كان كل مصمور متصورًا لوجب وجود أفعال لا أوائل لها وهذا باطل. فوجب ضرورة وجود مصور ليس متصورًا ضرورة ولابد وهو الباري تعالى مصور المصورات لا إله إلا هو
(2)
.
والقول في الحديث الثابت "خلق الله آدم على صورته"
(3)
. إن الإِضافة في الحديث إضافة ملك يريد الصورة التي تخيرها الله سبحانه وتعالى ليكون آدم مصورًا عليها، وكل فاضل في طبقته فإنه ينسب إلى الله عز وجل كما تقول بيت الله عن الكعبة، وروح الله لجبريل وعيسى وناقة الله لناقة صالح. والبيوت والأرواح والنوق كلها لله تعالى
(4)
.
لقد أطلق ابن حزم "نفي الصورة عن الله تعالى" صراحة استدلالًا بقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
(5)
والاية دليل على نفي أن يكون له تعالى وتقدس مثل ومن يقول إن له مثلًا فقد ضل نعوذ بالله
(1)
سورة الشورى آية (11).
(2)
انظر الفصل جـ 2 ص 119. والمحلى، جـ 1 ص 9.
(3)
انظر صحيح البخاري ج 4 ص 61، وصحيح مسلم جـ 4 ص 2017، 2184. ومسند الإِمام أحمد جـ 2 ص 244، 251، 315، 323، 434، 463، 519.
(4)
انظر الفصل جـ 2 ص 167.
(5)
سورة الشورى آية (11).
من الضلال، ولا تدل على نفي ما ثبت له تبارك وتعالى من أسماء أو صفات أما قوله في الحديث الصحيح "خلق الله آدم على صورته" فله وجه نبينه قريبًا إن شاء الله تعالى. ونقول لقد اتفق سلف الأمة على أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه لأنه أعلم بنفسه يقول تعالى {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}
(1)
وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يصف الله تعالى بعد الله أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى في حقه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}
(2)
فيجب الإِيمان بما وصف الله به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه لصفات الباري تعالى بصفات خلقه، يدل على هذا قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
(3)
وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}
(4)
وقوله: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ}
(5)
وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}
(6)
وقوله: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
(7)
ومن ظن أن صفة الخالق تشبه شيئًا من صفات خلقه فهو ضال جاهل، وقد بين تعالى اتصافه بالصفات بعد نفي مماثلتها لشيء بقوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
(8)
بعد قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وهذه إشارة للخلق أن لا ينفوا عنه تعالى صفة سمعه وبصره بحجة أن في الخلق من يسمع ويبصر فيكون في الإثبات تشبيهًا بل عليهم إثبات ذلك على أساس
(1)
سورة البقرة آية (140).
(2)
سورة النجم الآيتان (3، 4).
(3)
سورة الشورى آية (11).
(4)
سورة الإِخلاص آية (4).
(5)
سورة النحل آية (74).
(6)
سورة مريم آية (65).
(7)
سورة البقرة آية (22).
(8)
سورة الشورى آية (11).
(1)
لأن الله تعالى له صفات لائقة بكماله وجلاله لا تدرك حقيقة كيفيتها يقول تعالى {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}
(2)
، والمخلوقات لهم صفات مناسبة لحالهم
(3)
.
وعلى هذا فقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لله تبارك وتعالى صورة فيجب علينا الإِيمان بذلك وأن لا نروم إدراك كيفيتها ولا نشبهها بالصورة الجسمية
(4)
لأنها صورة خالق غني عما سواه وكل ما سواه مفتقر إليه فصورة الخالق الغني. تناسب كماله وعظمة جلاله
(5)
روى أبو هريرة رضي الله عنه "أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا لا يا رسول الله، قال فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا لا يا رسول الله، قال فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئًا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها شافعوها، أو منافقوها، شك إبراهيم. فيأيتهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا
(1)
سورة الشورى آية (11).
(2)
سورة طه آية (110).
(3)
انظر شرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية ص 9. ومنهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات للشنقيطي ص 3، 4، وآداب البحث والمناظرة له القسم الثاني ص 127 - 129.
(4)
الصورة بالضم الشكل، وتستعمل بمعنى النوع والصفة، وتعرف الصورة الجسمية بأنها: الجوهر الممتد في الأبعاد كلها المدرك في باديء النظر بالحس. انظر القاموس المحيط جـ 2 ص 73. والتعريفات للجرجاني ص 119.
(5)
انظر المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى ص 58.
عرفناه فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون، فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه، ويضرب السراط بين ظهري جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ أللهم سلم سلم "الحديث"
(1)
وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوًا؟ قلنا لا، قال: فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما، ثم قال: ينادي مناد ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم وأصحاب الأوثان مع أوثانهم وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغبرات من أهل الكتاب ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود ما كنتم تعبدون؟ قالوا كنا نعبد عُزَيرَ ابن الله، فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون، قالوا نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى ما كنتم تعبدون؟ فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون فيقولون، نريد أن تسقينا، فيقال اشربوا. فيتساقطون حتى يبقى من كان يعبد الله من برّ أو فاجر فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم وإنا سمعنا مناديا ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا. قال: فيأتيهم الجبار في صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون
(1)
صحيح الإِمام البخاري جـ 4 ص 200، وانظر صحيح الإمام مسلم جـ 1 ص 163 - 167.
الساق، فيكشف عن ساق فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة، فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا "الحديث"
(1)
.
فلهذا نقول إن لله تبارك وتعالى صورة يعرفها من عبده إذا رآه يوم القيامة وهي صوره تليق بجلاله وعظمته لا تشبه المخلوقات ولا يحيط بها الإِدراك، ولا يعرف كنهها إلا هو تعالى وتقدس عن مشابهة الممكنات.
أما القول في الحديث "إن الله خلق آدم على صورته" ونص الحديث برواية أبي هريرة "إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته" أن الإضافة في قوله "صورته" إضافة ملك يريد الصورة التي تخيرها الله سبحانه ليكون آدم مصورًا عليها وقد ذكر هذا القول ابن حزم فلا داعى لإِعادة تقريره، وقال أبو بكر بن خزيمة:"توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله "على صورته" يريد صورة الرحمن عز ربنا وجل عن أن يكون هذا معنى الخبر بل معنى قوله "خلق آدم على صورته" الهاء في هذا الموضوع كناية عن اسم المضروب.
أراد صلى الله عليه وسلم أن الله خلى آدم على صورة هذا المضروب الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب"
(2)
.
فإن قيل: إن الحديث روى في إحدى الروايات بلفظ "على صورة
(1)
صحيح الإمام البخاري جـ 4 ص 201 وانظر صحيح مسلم جـ 1 ص 167 - 171. وسنن الدرامي جـ 2 ص 326، 327. ومسند الإمام أحمد جـ 3 ص 17. والمستدرك على الصحيحين للحاكم جـ 4 ص 582 - 584.
(2)
كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 37. وانظر أساس التقديس للرازي فقد أورد هذا ص 87.
الرحمن فأضاف الصورة إلى الرحمن تبارك وتعالى من إضافة صفات الذات. قلنا: إن البيهقي قال بعد ما ساق هذه الرواية: "يحتمل أن يكون لفظ الخبر في الأصل كما رويناه في حديث أبي هريرة" بلفظ على صورته "فأداه بعض الرواة على ما وقع في قلبه من معناه"
(1)
وهذه الرواية كما روى ابن خزيمة قال: حدثنا يوسف بن موسى قال ثنا جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن أبي رباح عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبحوا الوجه فإن ابن ادم خلق على صورة الرحمن" وروى الثوري هذا الخبر مرسلا غير مسند حدثناه أبو موسى محمد بن المثنى قال: ثناء عبد الرحمن بن مهدي قال ثناء سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن عطا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يقبح الوجه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن"
(2)
.
وفي رواة الحديث مقال: قال ابن خزيمة: "والذي عندي في تأويل هذا الخبر إن صح من جهة النقل موصولًا فإن في الخبر عللًا ثلاثًا إحداهن أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده. فأرسل الثوري ولم يقل عن ابن عمر، والثانية أن الأعمش مدلس لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت، والثالثة أن حبيب بن أبي ثابت أيضًا مدلس لم يعلم أنه سمعه من عطاء .. فإن صح هذا الخبر مسندًا - بأن يكون الأعمش قد سمعه من حبيب بن أبي ثابت. وحبيب قد سمعه من عطاء بن أبي رباح وصح أنه عن ابن عمر على ما رواه الأعمش - فمعنى هذا الخبر عندنا أن إضافة الصورة إلى
(1)
كتاب الأسماء والصفات للبيهقي ص 291. بتصرف وانظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة 219، 220.
(2)
انظر التوحيد لابن خزيمة ص 38.
الرحمن في هذا الخبر إنما هو من إضافه الخلق إليه"
(1)
فليست الإِضافة في الخبر من إضافة صفات الذات على زعم من توهم ذلك بل إنها إضافة ملك أي الصورة التي تخيرها الله سبحانه ليكون عليها آدم عليه السلام، وقد سبق ذكرها عند ذكر معنى إضافه الصورة إلى الضمير "الهاء" في قوله "صورته" في الرواية الأولى.
ويكون المعنى فإن ابن آدم خلق على الصورة التي خلقها الرحمن حين صور آدم ثم نفخ فيه الروح. والدليل على صحة هذا التأويل. ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعا"
(2)
وفي الحديث إشارة إلى أن ادم كان مخلوقًا على صورته كاملًا لم يتنقل في أطوار الخلقه وهي الصورة التي كان عليها بعد الخروج من الجنة، وهي ما علمها أبناؤه، فلم تشوه صورته، ولم تغير خلقته بعدما أخرج من الجنة والله أعلم
(3)
.
يقول ابن قتيبة
(4)
"والذي عندي - والله تعالى أعلم - أن الصورة ليست بأعجب من اليدين، والأصابع
(5)
، والعين، وإنما وقع الألف
(1)
كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 38 - 39، وانظر أساس التقديس للرازي فقد أشار إلى هذا ص 87.
(2)
صحيح البخاري جـ 4 ص 61، وصحيح مسلم جـ 4 ص 2183، 2184.
وكتاب التوحيد لابن خزيمة ص 40، والأسماء والصفات للبيهقي ص 289.
(3)
انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 39، 40، وأصول الدين للبغدادي ص 76. والأسماء والصفات للبيهقي ص 290، 291. وأساس التقديس للرازي ص 84، 85.
(4)
هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري أبو محمد نحوي لغوي كان فاضلًا ثقة سكن بغداد وحدث بها وروى عنه ابنه وغيره له تصانيف كثيرة منها غريب القرآن وعيون الأخبار، ومشكل القرآن، وطبقات الشعراء. توفي سنة 276 وكانت ولادته في سنة 213، انظر وفيات الأعيان جـ 3 ص 42 - 44. وشذرات الذهب جـ 2 ص 169.
(5)
الأصابع لم يرد إثباتها من طريق القرآن بل من طريق السنة فهي كالصورة من طريق ورود إثباتها.