الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(17) النزول:
يذهب أبو محمد بن حزم إلى أن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا إذا بقى ثلث الليل لما صح في الحديث.
فروى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتنزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا
(1)
حين يبقى ثلث الليل الأخر فيقول من يدعوني فاستجيب له، ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فاغفر له"
(2)
وروى الحديث من طرق أخرى في بعضها: "إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه"
(3)
.
وفي بعضها: "إذا مضى ثلث الليل الأول إلى أن يضيء الفجر"
(4)
ويرى أن هذا النزول فعل يفعله تبارك وتعالى في السماء الدنيا من الفتح لقبول الدعاء، وأن تلك الساعة من مظان القبول والإِجابة والمغفرة للمجتهدين والمستغفرين، والتائبين.
وهذا معهود في اللغة تقول نزل فلان عن حقه بمعنى وهبه لي وتطول به علي.
(1)
في صحيح مسلم "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا" 1: 521).
(2)
المحلى لابن حزم (1: 37، 38)، وانظر صحيح الإِمام مسلم (1: 521)، التمهيد لابن عبد البر (7: 128).
(3)
المحلى (1: 38).
(4)
المحلى (1: 38)، وانظر صحيح الإِمام مسلم (1: 522).
وحيث إن هذا الفعل متعلق بزمان حيث حدده صلى الله عليه وسلم بوقت محدود فهو فعل محدث في ذلك الوقت مفعول حينئذ فهو صفة فعل لا صفة ذات فليس هذا الفعل نزولا حقيقيا لأن الذي لم يزل ليس متعلقا بزمان البتة.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض ألفاظ الحديث المذكور ما ذلك الفعل وهو أنه ذكر عليه الصلاة والسلام أن الله يأمر ملكا ينادي في ذلك الوقت بذلك.
ويؤيد أن نزول الله تعالى فعل يفعله ليس نزولا حقيقيا، اختلاف ثلث الليل في البلاد باختلاف المطالع والمغارب يعلم ذلك ضرورة من بحث عنه فصح ضرورة أنه فعل يفعله ربنا تعالى في ذلك الوقت لأهل كل أفق من قبول الدعاء في هذه الأوقات لا حركة ونقلة لأنهما من صفات المخلوقين حاشى الله تعالى منهما.
ويبطل جعل النزول نقلة، أن النقلة لا تكون إلا للأجسام ولو انتقل تعالى لكان محدودا مخلوقا مؤلفا شاغلا لمكان وهذه صفة المخلوقين تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وقد حمد الله إبراهيم خليله ورسوله صلى الله عليه وسلم إذ بين لقومه بنقلة الكوكب أنه ليس ربا فقال:"فلما أفل قال لا أحب الآفلين"
(1)
إذ كل منتقل عن مكانه فهو آفل عنه، تعالى الله عن هذا.
ورأى أبي محمد في المجىء الوارد في قوله تعالى: "وجاء ربك والملك صفا صفا"
(2)
والإتيان الوارد في قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ
(1)
سورة الأنعام: آية (76).
(2)
سورة الفجر: آية (22).
تُرْجَعُ الْأُمُورُ}
(1)
كرأيه في النزول فكل ذلك عنده فعل يفعله الله تعالى في ذلك اليوم أو الوقت المحدد يسمى ذلك الفعل مجيئا وإتيانا ونزولا.
ويروى عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: "وجاء ربك" إنما معناه وجاء أمر ربك.
(2)
مذهب ابن حزم الذي بينا في نزول الله تعالى ومجيئه وإتيانه مخالف لمذهب السلف الذين يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، ويقرون بأن ما وصف الله به نفسه فهو حق يعرفون معناه فلا يشبهونه بما يعلمون من مخلوقاته لعلمهم أنه ليس كمثله شيء في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته وأفعاله وينزهونه عن كل ما أوجب النقص أو الحدوث لاستحقاقه سبحانه وتعالى الكمال الذي لا غاية فوقه وممتنع عليه الحدوث لامتناع العدم عليه، واستلزام الحدوث سابقه العدم، ولافتقار المحدث إلى محدث ولوجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى.
وهناك شبه منعت ابن حزم من جعل النزول على معناه الحقيقي فلجأ إلى تأويله، بما ذكر من أنه فعل يفعله سبحانه من الفتح لقبول الدعاء. وهذا المسلك تأويل يخالف مذهبه الأخذ بظواهر النصوص كما يدعى.
والشبه هي:
الأولى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حدد النزول بزمان فهو محدث، والذي لم يزل ليس متعلقا بزمان.
(1)
سورة البقرة آية (210).
(2)
انظر الفصل في الملل والنحل لابن حزم (2: 172، 173)، المحلى له (1: 37، 39).