الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول أبو يعلى: "إنه قد ثبت أنه تعالى قادر في كل وقت على خلق حوادث أكثر مما فعلها أبدًا ولا يجوز أن يأتي عليه زمان لا يصح أن يخلق فيه شيئًا إذ لو جاز ذلك عليه أفضى إلى عجزه. وإذا ثبت أن مقدوراته غير متناهية ثبت أن معلوماته كذلك لأنها لو لم تكن كذلك أفضى إلى جواز الجهل عليه ويتعالى عن ذلك"
(1)
.
وعلى هذا فالله عالم بعلم لا حد له هو صفة من صقاته.
3 - القدرة والقوة
يذهب ابن حزم إلى أن قدرة الله تعالى، وقوته حق لقوله " {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} "
(2)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك"
(3)
.
فقدرة الله تعالى عامة فلا يعجز عن شيء، ولا عن كل ما يسأل عنه السائل من محال، أو غيره مما لا يكون أبدًا
(4)
، وسواء كان المحال
(1)
المعتمد في أصول الدين ص 49. وانظر غاية المرام في علم الكلام للآمدي ص 64 - 71. بين ذلك في تعلق الإرادة بجميع الكائنات وأحال عليها عند الكلام على العلم قال "وبيان ذلك على نحو بيانه في الإِرادة" ص 79. من نفس المرجع.
(2)
سورة فصلت: آية (15).
(3)
انظر صحيح البخاري (1: 144)، و (4: 78، 195)، وسُنن الترمذي (2: 345، 346)، ومسند الإِمام أحمد (3: 344).
(4)
انظر الفصل (2: 183 - 185)، والمحلى (1: 40).
بالإضافة
(1)
. أو بالوجود
(2)
، أو في بنية العقل فيما بيننا
(3)
، أو محالًا مطلقًا وهو ما أوجب على ذات البارى تبارك وتعالى تغييرًا فهذا هو المحال لعينه وهذا لم يزل محالًا في علم الله تعالى. وبضرورة العقل نعلم يقينًا أن الله تعالى لم يفعله قط، ولا يفعله أبدًا، ولكن لا يجوز أن نصف الله تعالى بعدم القدرة - الذي هو العجز بوجه أصلًا
(4)
.
أما المحال في بنية العقل فلا يكون في هذا العالم البتة، وهذا واقع بالنفس بالضرورة، لكن لا يبعد أن يكون الله تعالى يفعله في عالم له آخر
(5)
.
والدليل على قدرة الله تعالى على هذا المحال:
أن الله تعالى هو الذي خلق العقل بعد أن لم يكن، وهو قوة من قوى النفس، عرض محمول فيها أحدثه الله تعالى، وأحدث رتبه على ما هي عليه مختارًا لذلك، فما جعله محالًا فيه فإنما كان محالًا مذ جعله الله محالًا، ولو شاء أن لا يجعله محالًا لما كان محالًا، لأن من اخترع شيئًا لم يكن قط لا على مثال سلف، ولا عن ضرورة أوجبت عليه اختراعه وإنما فعل ذلك مختارًا فإنه قادر على ترك اختراعه، وعلى
(1)
المحال بالإضافة. كإحبال ابن ثلاث سنين امرأة، وصوغه الشعر العجيب ونحو هذا. انظر الفصل (2: 181).
(2)
المحال بالوجود كانقلاب الجماد حيوانًا أو نطق الجماد. انظر الفصل (2: 181) وبالمحال بالإضافة وبالوجود تأتي الأنبياء عليهم السلام في معجزاتهم الدالة على صدقهم في النبوة انظر الفصل (2: 181).
(3)
المحال في بنية العقل مثل كون المرء قاعدًا لا قاعدًا - أي الجمع بين النقيضين - انظر الفصل (2: 181).
(4)
انظر الفصل (2: 181، 182)، و (1: 71).
(5)
انظر الفصل (2: 181).
اختراع غيره مثله، أو على خلافه ولو لم يكن كذلك لكان مضطرًا لا مختارًا.
(1)
.
ويؤيد القول بقدر الله التامة والشاملة لما لم يكن ولا يكون ما ذكر من استطاعته تعالى على هدى من علم أنه لا يهديه، يقول تعالى عن نوح عليه السلام أنه قال:" {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} "
(2)
.
مع قوله تعالى: "أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن"
(3)
وتعذيب من علم أنه لا يعذب أبدًا:
يقول تعالى " {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} "
(4)
. ويقول تعالى: " {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} "
(5)
.
وتبديل أزواج قد علم أنه لا يبدلهن أبدًا:
يقول تعالى: " {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} "
(6)
.
وهذه نصوص تبين قدرته تعالى على إبطال علمه الذي لم يزل، وعلى تكذيب قوله الذي لا يكذب أبدًا.
(1)
انظر الفصل (2: 182)، والمحلى (1: 41).
(2)
سورة نوح: الآيات (10 - 12).
(3)
سورة هود: آية (36).
(4)
سورة الحاقة: الآيات (44 - 46).
(5)
سورة الأنعام: آية (65).
(6)
سورة التحريم: آية (5).
وقد دل سبحانه وتعالى على عموم قدرته بقوله: " {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} "
(1)
.
وقوله: " {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} "
(2)
، وقوله:" {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} "
(3)
.
وقوله: " {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} "
(4)
وقوله: " {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} "
(5)
.
في الآيات عموم للقدرة لم يخصص ولو لم يكن تعالى كذلك لكان متناهي القدرة، ولو كان متناهي القدرة لكان محدثًا تعالى الله عن ذلك
(6)
.
ولكن ابن حزم مع هذا الإثبات المطلق للقدرة. لا يثبتها صفة من صفات الله تعالى، وإنما هي عنده اسم علم يقول:"وعلم الله تعالى. وقدرته وقوته حق وكل ذلك ليس هو غير الله ولا يقال إنه الله ولا العلم غير القدرة ولا القدرة غير العلم إذ لم يأت دليل بغير هذا"
(7)
.
* * * * *
(1)
سورة القمر: آية (55).
(2)
سورة الروم: آية (54).
(3)
سورة فاطر: آية (44).
(4)
سورة آل عمران: الآيتان (29، 189)، والمائدة: آية (19)، وسورة الأنفال: آية (41)، وسورة التوبة: آية (39)، وسورة الحشر: آية (6).
(5)
سورة القصص: آية (68).
(6)
انظر الفصل (2: 186) والمحلى (1: 41).
(7)
الفصل (2: 129) وانظر ص (140، 172).