الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - أسماء الله تعالى:
يلتزم ابن حزم في أسماء الله تعالى ما ورد بالنص فيثبت لله تعالى من الأسماء ما سمى به نفسه لقوله تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}
(1)
فمنع تعالى أن يسمى إلا بأسمائه الحسنى. وأخبر أن من سماه بغيرها قد ألحد. والأسماء بالألف واللام لا تكون إلا معهودة ولا معروف في ذلك إلا ما نص الله تعالى عليه ومن ادعى زيادة على ذلك كلف البرهان على ما ادعى، ولا سبيل إليه، ومن لا برهان له فهو كاذب في قوله ودعواه.
والذي ورد أن لله عز جل تسعة وتسعين اسمًا مائة غير واحد وهي أسماؤه الحسنى من زاد شيئًا من عند نفسه فقد ألحد في أسمائه وهي الأسماء المذكورة في القرآن والسنة.
يقول صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة - وفي بعض طرق الحديث - إنه وتر يحب الوتر"
(2)
.
وقال تعالى: " {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ
(1)
سورة الأعراف آية (180).
(2)
انظر صحيح البخاري جـ 2 ص 83، وجـ 4 ص 195، وسُنن الترمذي جـ 5 ص 530، 531، ومسند الإمام أحمد جـ 2 ص 258، 267، 314، 427، 503، 499، 516.
الخالق البارىء المصور له الأسماء الحسنى"
(1)
فلا يحل لأحد أن يشتق لله تعالى اسمًا لم يسم به نفسه برهان ذلك أنه تعالى قال: " {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)} "
(2)
وقال: " {وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)} "
(3)
وقال: " {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)} "
(4)
.
فلا يحل لأحد أن يسميه البناء، ولا الكياد، ولا الماكر، ولا المتجبر، ولا المستكبر، لا على أنه المجازي بذلك، ولا على وجه أصلًا، ومن ادعى غير هذا فقد ألحد في أسمائه تعالى: وتناقض وقال على الله تعالى الكذب وما لا برهان له به
(5)
.
لا نوافق ابن حزم على اطلاق قوله في أسماء الله تعالى.
أما تسمية الله بما ورد: -
فلا ينكر مسلم أن الله تعالى يسمى بما سمى به نفسه، ويدعى بأسمائه الحسنى لقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}
(6)
ولقوله: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}
(7)
فقد أثبت أن له الأسماء الحسنى، وأمر بالدعاء بها فظاهر هذا أن له جميع الأسماء الحسنى بحيث لا يجوز نفيها عنه كما فعل الكفار. وأمر بدعائه مسمى بها دون غيرها. وأما عدم الاشتقاق له من أسمائه اسمًا فغير مسلم.
(1)
سورة الحشر الآيتان (23، 24).
(2)
سورة الشمس آية (5).
(3)
سورة الطارق آية (16).
(4)
سورة آل عمران آية (54).
(5)
انظر المحلى جـ 1 ص 36، 37. والفصل جـ 2 ص 165.
(6)
سورة الأعراف آية (180).
(7)
سورة الإسراء آية (110).
يقول ابن تيمية: "ويفرق بين دعائه والإخبار عنه فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى وأما الإخبار عنه فلا يكون باسم سيء لكن قد يكون باسم حسن، أو باسم ليس بشيء وإن لم يحكم بحسنه .. وإن كانت أسماء المخلوق فيها ما يدل على نقصه وحدوثه، وأسماء الله ليس فيها ما يدل على نقص ولا حدوث بل فيها الأحسن الذي يدل على الكمال وهي التي يدعى بها. وإن كان إذا أخبر عنه يخبر باسم حسن أو باسم لا ينفي الحسن ولا يجب أن يكون حسنًا،
(1)
وأما في الأسماء المأثورة فما من اسم إلا وهو بدل على معنى حسن"
(2)
.
ويقول الرازي: "لله تعالى أن يسمى نفسه بما اختار وليس لأحد أن يسميه بما يوهم النقص من غير ورود الشرع به"
(3)
.
وقد وقع الاتفاق على جواز إطلاق أسماء عليه تبارك وتعالى ليست من الأسماء الحسنى، لكن معناها حق مثل المريد، والمتكلم، والموجود، والشيء والذات، والأزلي، والأبدي، وغيرها، وقد دلت عليها الأسماء الحسنى الواردة بالنص
(4)
.
يقول أبو يعلى: "ويجوز أن يسمى الله تعالى بكل اسم ثبت له
(1)
يريد ابن تيمية أنه إذا أخبر عن الله باسم لا يجب أن يكون هذا الاسم حسنًا في ذاته مثل شيء، وذات ونحوهما فمن حيث ذات الألفاظ لا يحكم عليها بالحسن ولكنها لا تنفيه.
(2)
مجموعة الفتاوى لابن تيمية جـ 6 ص 142، 143.
(3)
التفسير الكبير للرازي جـ 28 ص 299.
(4)
انظر شرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية ص 5. ومجموعة الفتاوى له جـ 6 ص 142. والمقصد الأسنى شرح أسماء الله الحسنى للغزالي ص 158.
معناه في اللغة ودل العقل والتوقيف
(1)
عليه إلا أن يمنع من ذلك سمع وتوقيف"
(2)
.
وقد فصل أبو حامد الغزالي فيما يطلق على الله تعالى من الأسماء والصفات بأن ما يرجع منها إلى الاسم
(3)
، فموقوف على الإذن، وما يرجع إلى الوصف فلا يقف على الإذن بل الصادق منه مباح دون الكاذب
(4)
. وأرى أن هذا المذهب هو مذهب من يجيز تسمية الله تعالى بكل ما ثبت له معناه في اللغة، وصحح العقل إثباته له، لأن من يجيز تسمية الله بذلك لا يسمى الله تعالى بأسماء هي أعلام فارغة عن المعاني وإنما يسميه بما ثبت له معناه في اللغة ودل العقل والتوقيف عليه أي دل على معناه ما ورد من أسماء الله تعالى في الكتاب والسنة، فهذا الإثبات يرجع إلى الوصف، وتفصيل الغزالي هذا هو تفصيل لمذهب المجيزين فحقيقة القولين واحدة.
ويناقض ابن حزم مذهبه - عدم تسمية الله تعالى إلا بما ورد -
(1)
أي ما كان معناه صحيحا، ولم يحل العقل إطلاقه على الله تعالى. وثبت معناه بالسمع.
(2)
المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى ص 62. وانظر المواقف الموقف الخامس في الإلهيات ص 352.
(3)
يقصد بالاسم اللفظ الموضوع للدلالة على المسمى دون إرادة معناه. أي اسم علم جامد، وكل أسماء الله تعالى التي سمى بها نفسه، أو اسماه بها رسوله صلى الله عليه وسلم ليست من هذا القبيل لما بيّنا من أن أسماءه تعالى مشتقة من صفاته فلا يجوز أن يسمى الله تعالى باسم لا يدل على معنى، لأن الاسم بهذا الوضع ما سمى به الإنسان نفسه أو سماه به وليه من والديه أو سيده، ووضع الاسم تصرف في المسمى ويستدعى ذلك ولاية وهو لتمييز المسمى فقط. انظر المقصد الأسنى للغزالي ص 165.
(4)
انظر المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للغزالي ص 164، 165.
فيثبت الذات لله تعالى
(1)
من غير أن يستند بذلك إلى نص ظاهر كما هو مذهبه الأخذ بظواهر النصوص، وعدم جواز تسمية الله تعالى بما ثبت له معناه في اللغة ودل العقل على جواز إثبات ذلك المعنى له لتضمنه كمالًا لا نقص فيه وإمكان اتصاف الله تعالى به كما هو رأى كثير من أئمة أهل السنة، فقد نقل عن الإمام أحمد بن حنبل أنه يسمى الله تعالى "دليلًا"
(2)
والدليل على صحة هذه التسمية هو أن "الدليل" هو الهادي، لأنه تبارك وتعالى هو الذي هدى خلقه إلى معرفته، وربوبيته، وهدى عباده إلى صراطه المستقيم كما قال:"يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم"
(3)
وهدى مخلوقاته إلى ما لابد لهم منه في حياتهم وقضاء حاجاتهم يقول تعالى: "الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى"
(4)
ويقول: "والذي قدر فهدى"
(5)
(6)
ويستدل أبو يعلى على جواز تسمية الله تعالى بالدليل بأن "الدليل" هو الرشد إلى المطلوب وهذا من صفاته سبحانه لأنه يرشد إلى الخير قال تعالى: " {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} "
(7)
.
(8)
.
تجويز تسمية الله تعالى بما يرجع إلى الوصف، لأنه خبر عن أمر والخبر ينقسم إلى صدق وكذب، والشرع قد دل على تحريم الكذب
(1)
انظر الفصل جـ 2 ص 172.
(2)
انظر المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى ص 62، 68.
(3)
سورة يونس آية (25).
(4)
سورة طه آية (50).
(5)
سورة الأعلى آية (3).
(6)
انظر المقصد الأسنى شرح الأسماء الحسنى للغزالي ص 140، 141، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص 64.
(7)
سورة الكهف آية (24).
(8)
انظر المعتمد لأبي يعلى ص 68.
في الأصل. والكذب حرام إلا بعارض، ودل على إباحة الصدق، فالصدق حلال إلا بعارض ولا يجوز أن نصف الله تعالى بما يوهم النقص البتة فأما ما لا يوهم نقصًا أو يدل على مدح فذلك مطلق، ومباح بالدليل الذي أباح الصدق مع السلامة عن العوارض المحرمة ولذلك قد يمنع من إطلاق لفظ فإذا قرن به قرينة جاز إطلاقه، فلا يقال لله تعالى "يامذل" ويمال يامعز يامذل فإنه إذا جمع بينهما كان وصف مدح إذ يدل على أن طرفي الأمور بيده وغير هذا كثير
(1)
.
وقد استدل ابن حزم على منع تسمية الله تعالى إلا بالأسماء الحسنى بقوله تعالى: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه"
(2)
وليس في الآية دلالة على أنه ليس له تبارك وتعالى من الأسماء إلا هذه الأسماء، وإنما فيها الأمر بدعائه سبحانه بالأسماء الحسنى دون الاخبار عن حصر أسمائه فيها، وليس الإلحاد فيها الزيادة كما يقول. وإنما هو إما تسميته تعالى بما لا يجوز أن يسمى به، أو بلفظ لايعرف معناه، لأنه ربما كان غير لائق بجلال الله وعظمته، أو الجور عن الحق والعدول عنه، أو تكذيب الأسماء وجعلها لا تدل على معان وقيل غير ذلك
(3)
.
ومما استدل به ابن حزم على منع اشتقاق اسم لله تعالى لم يسم به
(1)
انظر المقصد الأسنى للغزالي ص 166، 167. وشرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية ص 5. والتفسير الكبير للرازي جـ 15 ص 67.
(2)
سورة الأعراف آية (180).
(3)
انظر التفسير الكبير للرازي جـ 15 ص 71، 73. وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص 20، والدر المنثور للسيوطي جـ 3 ص 149.
نفسه قوله تعالى: " {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)} "
(1)
وقوله " {وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)} "
(2)
وقوله " {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)} "
(3)
فقال: ولا يحل لأحد أن يسميه البناء ولا الكياد، ولا الماكر، ولا المتجبر، ولا المستكبر، لا على أنه المجازى بذلك ولا على وجه أصلًا.
وتلك الآيات ونحوها مما ورد في القرآن الكريم مثل قوله تعالى " {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} "
(4)
وقوله: " {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} "
(5)
وقوله: " {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} "
(6)
وقوله: " {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} "
(7)
وغير هذا في القرآن كثير، والأسماء المشتقة من هذه الأفعال يحيل العقل معانيها في اللغة على الله تعالى، وقد وردت على طريق الجزاء فلا يشتق لله تعالى من هذه أسماء وما في معناها مما فيه إيهام معنى لا يجوز على الله تعالى
(8)
. ولا يطرد هذا فيما ليس فيه إيهام معنى لا يجوز على الله تعالى. فيشتق له من أسمائه الحسنى صفات لأنها تقتضي المدح والثناء بنفسها فما اشتق منها فهي دالة عليه ودلالته دلالتها.
وأما الحديث الذي استدل به ابن حزم على أن أسماء الله تعالى تسعة وتسعون اسما فقط. ويذكر أن الزيادة من الإِلحاد فيها. فهذا
(1)
سورة الشمس آية (5).
(2)
سورة الطارق آية (16).
(3)
سورة آل عمران آية (54).
(4)
سورة الأحزاب آية (57).
(5)
سورة المائدة آية (33).
(6)
سورة التوبة آية (79).
(7)
سورة البقرة آية (15).
(8)
انظر المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى ص 62، 63. والمقصد الأسنى للغزالي ص 167، 168.
غير مسلم وقد وقع الاتفاق على إثبات أسماء لله ليست مما ثبت بالسمع وقد مر ذكرها قريبًا، فلا داعي لإعادتها، ولما بينا من أن أسامي الله تعالى مشتقة من صفاته فالصفات ثابتة له ولقوله صلى الله عليه وسلم في دعاء الكرب "اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك. أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب همي وغمي"
(1)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: "فأقوم قآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده. وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي .. الحديث"
(2)
. وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول "استأثرت به في علم الغيب عندك" وقوله في الحديث الثاني "ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي" دليل على أن أسماء الله وصفاته غير محصورة فيما وردت به
(1)
انظر مسند الإمام أحمد جـ 1 ص 391، 452. وهو في المستدرك للحاكم جـ 1 ص 509، 510. وقال هذا الحديث على شرط مسلم إن سلم من أرسال عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود فإنه مختلف في سماعه من أبيه. والصحيح ثبوت سماعه كما يرجح هذا البخاري في تاريخه الصغير جـ 1 ص 74. وكما ذكره في التاريخ الكبير جـ 5 ص 299، 300. انظر تهذيب التهذيب جـ 6 ص 215، 216. والحديث أيضا في مجمع الزوائد جـ 10 ص 136، 137. وقال أحمد شاكر في شرح المسند جـ 5 ص 266 - 268 وجـ 6 ص 153 إسناده صحيح.
(2)
انظر صحيح البخاري جـ 3 ص 107، 108، وصحيح مسلم جـ 1 ص 184 - 186. وسُنن الترمذي جـ 4 ص 622 - 624 ومسند الإمام أحمد جـ 2 ص 436.
الروايات المشهورة. لأن الذي استأثر الله به في علم الغيب عنده غير هذا الوارد المعروف، وحمد الله والثثاء عليه بأسمائه وصفاته المعروفة يجرى على ألسنة أنبياء الله ورسله وعباده المؤمنين، وما يفتح الله على محمد صلى الله عليه وسلم من الدعاء بذكر المحامد عند الشفاعة غير هذا لأنه صلى الله عليه وسلم قال:"لم يفتح على أحد قبلي" ولا يكون الدعاء بغير أسماء الله وصفاته، فهي زائدة على التسعة والتسعين ولا يجوز حصرها عليها لأنها محامده، ومدائحه وفواضله وهي غير متناهية، والحديث الوارد في ذكر "التسعة والتسعين" يشتمل على قضية واحدة لا على قضيتين، وهذا كقول القائل: إن لزيد ألف درهم مثلا أعدها للصدقة، وهذا لا يدل على أنه ليس عنده من الدراهم أكثر من ألف درهم، وإنما دلالته أن الذي أعده من الدراهم للصدقة ألف درهم. وكذلك الذي له ألف عبد مثلًا فيقول القائل، إن لفلان تسعة وتسعين عبدا من استظهر بهم لم تقاومه الأعداء فيكون التخصيص لأجل حصول "الاستظهار بهم إما لمزيد قوتهم أو لكفاية ذلك العدد في دفع الأعداء من غير حاجة إلى زيادة لا لاختصاص الوجود بهم إذ هم أكثر من ذلك بكثير.
وعلى قول من يجعل الأسامي غير زائدة على التسعة والتسعين فالحديث يشتمل على قضيتين: الأولى: إن لله تسعة وتسعين اسمًا، والثانية أن من أحصاها دخل الجنة. وعلى هذا فلو اقتصر على القضية الأولى كان الكلام تامًا، وعلى المذهب الأول لا يمكن الاقتصار على ذكر القضية الأولى وهذا ما نراه راجحًا، ويبعد حمل الحديث على قضيتين أن في حمله منع أن يكون - من الأسامي ما استأثر الله به في علم الغيب عنده، وهذا يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم في دعاء الكرب. ويؤدي إلى أن يختص بالإحصاء نبي أو ولي
ممن أوتي الاسم الأعظم حتى يتم العدد وإلا فيكون ما أحصى وراء ذلك ناقصًا عن العدد، وإن كان الاسم الأعظم خارجًا عن العدد بطل به الحصر.
ونقول إن المقصود بالتسعة والتسعين اسمًا من أسماء الله، أسماء معينة إذ لو لم تتعين لم تظهر فائدة الحصر والتخصيص واختصت بهذه المزية مع أن هناك غيرها، وكلها أسماء لله، لأن الأسامي يجوز أن تتفاوت فضيلتها لتفاوت معانيها في الجلال والشرف فيكون هذا العدد منها يجمع أنواعًا من المعاني المنبئة عن الجلال لا تكون في غيرها فاختصت من أجل ذلك بزيادة الشرف
(1)
.
وإن قيل: وهل اسم الله الأعظم داخل في التسعة والتسعين أم لا؟
قلنا: الراجح عندنا أنه داخل فيها لأنها تجمع المعاني المنبئة عن جلال الله وعظمته فلا يكون غيرها أفضل منها، ولا يقال إنه مما استأثر الله به، لأنه لو كان كذلك لا عرفه أحد.
فإن قيل: كيف يكون داخلًا فيها وهي مشهورة، والاسم الأعظم يختص بمعرفته نبي أو ولي وهو سبب كرامات عظيمة لمن عرفه.
قلنا: لا يلزم من دخول الاسم الأعظم في التسعة والتسعين معرفته بعينه منها فلا يهتدي إليه كل أحد، ثم إن الأسماء الحسنى لم يرد ذكر عددها في خبر صحيح يقول ابن تيمية: "والحديث الذي في
(1)
انظر المقصد الأسنى شرح الأسماء الحسنى للغزالي ص 159، 160 وشرح الأسماء الحسنى للقرطبي مخطوط ص 6/ أ، ب، 7/ ب.
عدد الأسماء الحسنى الذي يذكر فيه المنتقم، وذكر في سياقه البر التواب، المنتقم العفو الرؤوف، ليس هو عند أهل المعرفة بالحديث، من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل هذا ذكره الوليد بن مسلم
(1)
عن بعض شيوخه، ولهذا لم يروه أحد من أهل الكتب المشهورة إلا الترمذي، رواه من طريق الوليد بن مسلم بسياق، ورواه غيره باختلاف في الأسماء، وفى ترتيبها يبين أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وسائر من روى هذا الحديث عن أبي هريرة عن الأعرج
(2)
. ثم عن أبي الزناد
(3)
لم يذكروا أعيان الأسماء بل ذكروا قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة" وهكذا أخرجه أهل الصحيح
(1)
هو أبو العباس الدمشقي الأموي مولاهم روى عن يحيى الذمار ويزيد بن أبي مريم وخلائق وله مصنفات كثيرة هي سبعون كتابًا. وقال عنه أبو مسهر كان مدلسا ربما دلس عن الكذابين توفي في عودته من الحج سنة 195 هـ، وكان مولده سنة 119 من الهجرة. انظر ميزان الاعتدال جـ 4 ص 347. وشذرات الذهب جـ 1 ص 344. والأعلام جـ 8 ص 122.
(2)
هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أبو داود المدني مولى ربيعة بن الحارث روى عن أبي هريرة وغيره، وروى عنه خلق منهم عبد الله بن ذكوان ووثقة ابن سعد، والعجلي وأبو زرعة بن خراش مات بالإسكندرية سنة 117 هـ. انظر تهذيب التهذيب جـ 6 ص 290، 291. وشذرات الذهب جـ 1 ص 153.
(3)
هو عبد الله بن ذكوان القرشي أبو عبد الرحمن المدني العروف بأبي الزناد مولى رملة وقيل عائشة بنت شيبة بن ربيعة وقيل غير ذلك. روى عن أنس وغيره وعنه أبناه ووثقه أحمد فيما روى عنه عبد الله ووثقه غيره وكان سفيان يسميه أمير المؤمنين وقال البخاري أصح أسانيد أبي هريرة أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مات سنة 130 وقيل 131، وقيل 132 وهو ابن 66 سنة انظر تهذيب التهذيب جـ 5 ص 203 - 205. وشذرات الذهب جـ 1 ص 182.
كالبخاري ومسلم وغيرهما. ولكن روى عدد الأسماء من طريق أخرى من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة ورواه ابن ماجة وإسناده ضعيف يعلم أهل الحديث أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم"
(1)
.
وإن قيل: فما سبب تخصيص هذا العدد، ولم لم يبلغ مائة؟
قلنا: فيه احتمالان.
أحدهما: أن يقال إن المعاني الشريفة بلغت هذا المبلغ لا لأن العدد مقصود.
الثاني: أن السبب فيه ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مائة إلا واحدا، والله وتر يحب الوتر". إلا أن هذا يدل على أن هذه الأسامي هي التسمية الإرادية الاختيارية لا من حيث انحصار صفات الشرف فيها، لأن ذلك يكون لذاته لا بإرادة
(2)
.
(1)
رسالة الإرادة والأمر لابن تيمية ضمن الرسائل الكبرى جـ 1 ص 338.
(2)
انظر المقصد الأسنى شرح الأسماء الحسنى للغزالي ص 162.