الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسلبية: ويقصد بها الصفات التي تنفي عن الله تعالى ما لا يليق بجلاله، كالقدم، والبقاء.
وصفات المعاني: ويقصد بها ما يدل على معنى زائد على الذات وهي الصفات السبع، الحياة والقدرة، والإرادة، والعلم، والكلام، والسمع، والبصر.
والمعنوية: ويقصد بها الأحوال الثابتة للذات إذا قامت بها المعاني، عند من يثبت الأحوال
(1)
.
أما ابن حزم فليس لديه تقسيم للصفات وعند الكلام عليها يعنون بقوله: "الكلام في العلم، الكلام في سميع وبصير" ونحو ذلك فحرصنا أن نعرض مذهبه كما هو قبل أن نبدأ بنقده.
فلم نتعرض لهذه المسالة.
1 - الحياة
يذهب أبو محمد بن حزم إلى تسمية الله تبارك وتعالى "بالحي" لورود النص بذلك كما قال تعالى: " {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)} "
(2)
وقوله: " {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} "
(3)
وغيرهما من الآيات.
(1)
انظر الشامل في أصول الدين للجويني ص 308. وحاشية البيجوري على متن السنوسية ص 19. وحاشية الصاوي على شرح الخريده ص 59.
(2)
سورة البقرة: آية (255).
(3)
سورة الفرقان: آية (58).
ويقول: إن النص لم يأت بإثبات أن له حياة فلا نقول بذلك. ثم إنه تعالى لو كان حيًّا بحياة لم تزل، وهي غيره لوجب ضرورة أن يكون تعالى مؤلفًا مركبًا من ذاته وحياته، وسائر صفاته فيكون كثيرًا لا واحدًا وهذا إبطال الإسلام
(1)
.
لما كان أبو محمد بن حزم يلتزم بإثبات ما ورد الله تبارك وتعالى من الأسماء بألفاظها الواردة بحرفيتها إثباتًا مجردًا، دون إثبات ما تدل عليه تلك الأسماء من الصفات أثبت أن الله حي، دون أن يقول بأن له حياة لعدم ورود ذلك بالنص الصريح.
وقد بينا عند الكلام على اتصاف الله بالصفات أن قول سلف الأمة إثبات ما ورد من الأسماء، وما تدل عليه من صفات خلافًا لمن نفى ذلك كابن حزم ولا نكررما سبق فليراجع هناك
(2)
.
والذي نقول هنا: إن الله جل وعلا صفة حياة حقيقية لازمة لذاته لائقة بكماله وجلاله
(3)
.
يقول البيهقي: فهو حي "الله" وله حياة يباين بها صفة من ليس بحي"
(4)
.
واستدل القائلون بأن الله تعالى حياة بما ورد في القرآن الكريم من
(1)
انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (2: 156، 158) والمحلى له (1: 42).
(2)
انظر ص (194 - 198).
(3)
انظر الفقه الأكبر للشافعي ص 14. ولمع الأدلة للجويني ص 87، وشرح العقائد النسفية ص 84، وشرح الفقه الأكبر لعبد الكريم تتان ص 10. ومنهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات للشنقيطي ص 6.
(4)
الاعتقاد للبيهقي ص 26.
ذكر "الحي" كما في قوله تعالى: " {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)} "
(1)
وقوله: " {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)} "
(2)
وقوله: " {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} "
(3)
وقوله: " {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} "
(4)
على أنه لا يكون حيا إلا بحياة كما هو رأي أهل السنة قاطبة، والحياة عندهم من صفات الكمال بل هي مستلزمة لجميع صفات الكمال وكل كمال لا نقص فيه ثبت لمخلوق وأمكن أن يتصف به الخالق فهو به أولى
(5)
.
يقول ابن أبي العز الحنفي: "إن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال ولا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها استلزم إثباتها إثبات كال كمال يضاد نفيه كمال الحياة"
(6)
.
ومما نستدل به على إثبات صفة الحياة لله تعالى ما استدل به أهل الملل وغيرهم على أن الله "حي" لأن إثبات ذلك مما اتفق عليه الكل
(7)
.
(1)
سورة طه: آية (111).
(2)
سورة آل عمران: الآيتان (1، 2).
(3)
سورة الفرقان: آية (58).
(4)
سورة غافر: آية (65).
(5)
انظر موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول لابن تيمية جـ 1 ص 14، 15. وشرح العقيدة الأصفهانية له ص 85.
(6)
شرح العقيدة الطحاوية ص 61.
(7)
انظر شرح المواقف الموقف الخامس في الإلهيات ص 129. وفي إثبات صفة الحياة. عند المعتزلة انظر شرح الأصول الخمسة - للقاضى عبد الجبار ص 160 - 167. والملل والنحل للشهرستاني (1: 44) ولمع الأدلة للجويني ص 87.
فنقول: يدل على أن الله تبارك وتعالى حي فيما لم يزل ظهور الأفعال منه لاستحالة ظهورها ممن يجهلها ويعجز عنها فهو عالم قادر ويستحيل قيام العلم والقدرة بغير الحي
(1)
.
ومعنى هذا الدليل أن من شرط من يتصف بالعلم والقدرة. أن يكون حيًّا إذ أن ما ليس بحي يمتنع أن يكون عالمًا، والعلم بهذا ضروري وهذه الشروط العقلية لا تختلف شاهدا ولا غائبًا فتقدير عالم بلا حياة ممتنع بصريح العقل
(2)
.
ونجيب من قال: إن الله تعالى "حي" ولم يقل بأن له حياة، أنا وجدنا اسم حي اشتق من حياة وكذلك سميع وبصير من سمع وبصر، ولا تخلو أسماء الله تعالى من أن تكون مشتقة لإفادة معناه، أو تكون على طريق التلقيب، ولا يجوز أن يسمى الله على طريق التلقيب باسم لا يفيد معناه، وليس مشتقا من صفة كقولنا: زيد، وعمرو. على مسمى بهما. وإذا كان قولنا عن الله عز وجل، حي، سميع، بصير. ليس تلقيبًا بل ذلك مشتق من حياة، وسمع، وبصر، فقد وجب إثبات الحياة، وإن كان ذلك لإفادة معناه فلا يختلف ما هو لإفادة معناه، ووجب إذا كان معنى الحي منا أن له حياة، أن يكون كل حي فهو ذو حياة ولا محذور هنا كما إذا كان قولي
(1)
انظر المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى ص 47. والإنصاف للباقلاني ص 35. ولمع الأدلة للجويني ص 83. وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص 161. وشرح العقيدة الأصفهانية ص 4، 25 وشرح المواقف الموقف الخامس في الإلهيات ص 129. والدليل الصادق على وجود الخالق لعبد العزيز جاب الله (1: 126).
(2)
انظر مناهج الأدلة لابن رشد. ضمن فلسفة ابن رشد: ص 71. وشرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية ص 26.
موجود مفيدًا فينا الإثبات كان الباري تعالى واجبًا إثباته لأنه سبحانه وتعالى موجود.
وهذا الدليل يدل على إثبات صفات الله تعالى لذاته من القدرة والعلم والسمع، والبصر
(1)
.
وقول ابن حزم - إنه لو كان له حياة لكانت لم تزل "وهي غيره" فيكون مركبًا من ذاته وحياته فتحصل بذلك الكثرة - غير مسلم، إذ المثبتون لصفة الحياة لا ينكرون قدم هذه الصفة فهي قديمة بقديم، ولا يقولون إنها غيره، ولا إنها ليست غيره
(2)
لما في لفظ الغير من الإجمال، فنفيه وإثباته يوهم معنى فاسدًا فيجب أن يستفصل عن المقصود بلفظ "الغير" فإذا كان القصد بقوله "إنها غيره" غيرًا منفصلًا عنه فهذا غير صحيح لأن صفات الباري تبارك وتعالى لازمة لذاته لا تنفك عنه وليست غيرًا بهذا الاعتبار. وإن كان القصد "بالغيرية" أن هناك ذاتًا وصفات يمكن الشعور بالذات دون الصفات، والعلم بها دونهن فليس هذا غيرا حقيقة، وإنما هو مباينة في الذهن لكونه قد يعلم هذا دون هذا، وهو لا ينفي التلازم في نفس الأمر
(3)
.
وقول ابن حزم "إن إثبات حياة لم تزل وهي غيره، يحصل بذلك الكثرة من ذات وحياة".
هذا القول هو بعينه مذهب المعتزلة الذين ينفون الصفات خوفًا من تعدد القدماء مع الله تعالى، لأن في إثباتها - كما يزعمون - مشاركة
(1)
انظر الإبانة لأبي الحسن الأشعري ص 40.
(2)
انظر مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (6: 96).
(3)
انظر مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (6: 205 - 206).
لله في القدم الذي هو أخص صفاته فتشاركه في الإلهية
(1)
.
وهذا المذهب مأخور عن الفلاسفة الذين لا يثبتون إلا الذات المجردة عن كل كثرة
(2)
.
وقد أشرنا قريبًا إلى أن إثبات الصفات ليس فيه إثبات قديم مع الله غيره، ونزيد ذلك وضوحًا فنقول لما كان لفظ "الغير" بالنسبة لصفات الله تعالى من الألفاظ المبتدعة المجملة كان السلف من هذه الإمة لا يطلقون على صفات الله أنها "غيره" ولا أنها ليست غيره، بل يستفصلون ممن أثبت أو نفى. فإن أريد "بالغير" أن ذلك شيء بائن عنه فهذا باطل، وإن أريد به ما يمكن الشعور بأحدهمًا دون الآخر فقد يذكر الله تعالى من لا يشعر حينئذ بكل معاني أسمائه، بل وقد لا يخطر له حينئذ أنه عزيز، وأنه حكيم. وإذا أريد هذا فإنما يفيد المباينة في ذهن الإنسان لكونه قد يعلم هذا دون هذا. وذلك لا ينفي التلازم في نفس الأمر، فهي معان متلازمة لا يمكن وجود الذات دون هذه المعاني، ولا وجود هذه المعاني دون وجود الذات، واسم الله، إذا قيل الحمد لله، أو قيل باسم الله يتناول ذاته وصفاته ولا يتناول ذاتًا مجردة عن الصفات، ولا صفات مجردة عن الذات، فصفاته داخلة في مسمى أسمائه فلا يقال إنها غيره - على معنى أن
(1)
انظر شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص 182 - 213، والفرق بين الفرق للبغدادي ص 114. والملل والنحل للشهرستاني (1: 44). ونهاية الإقدام له ص 201، ولمع الأدلة للجويني ص 87.
(2)
انظر آراء أهل المدينة الفاضلة للفارابي ص 32، 33. والملل والنحل للشهرستاني (1: 50)، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (1: 284). ونقض المنطق له ص 123، وتاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم ص 131، 132.