المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - الأحوال السياسية: - ابن حزم وموقفه من الإلهيات عرض ونقد

[أحمد بن ناصر الحمد]

فهرس الكتاب

- ‌شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول حياة ابن حزم

- ‌الفصل الأول: التعريف بابن حزم

- ‌1 - أصله وأسرته:

- ‌مناقشة قول سانتشث البرنس:

- ‌مناقشة قول ابن سعيد، وابن حيان:

- ‌2 -‌‌ مولدهونشأته:

- ‌ مولده

- ‌(نشأته)

- ‌3 - بداية تعلمه:

- ‌4 - شيوخه:

- ‌5 - مكانته العلمية:

- ‌6 - تلاميذه:

- ‌7 - مصنفاته:

- ‌8 - وفاته:

- ‌الفصل الثاني: عصر ابن حزم

- ‌تمهيد:

- ‌1 - الأحوال السياسية:

- ‌2 - الأحوال الاجتماعية:

- ‌3 - الأحوال العلمية:

- ‌الباب الثاني الإلهيات

- ‌الفصل الأول وجود الله تعالى

- ‌الطريق الأول:طريق حدوث العالم

- ‌الطريق الثاني:هو طريق الاستدلال بما في الفلك من الآثار وما في المخلوقات من الدقة والإتقان والتوافق والاختلاف

- ‌الفصل الثاني: وحدانية الله

- ‌الفصل الثالث التنزيهات

- ‌1 - الجسمية، والعرضية، والزمانية والمكانية والحركة

- ‌2 - الصورة:

- ‌3 - المائية

- ‌4 - صفات الله تعالى من حيث الإِطلاق العام:

- ‌5 - أسماء الله تعالى:

- ‌الفصل الرابع الصفات

- ‌التمهيد

- ‌1 - الحياة

- ‌2 - العلم

- ‌3 - القدرة والقوة

- ‌مذهب ابن حزم في قدرة الله تعالى يتلخص فيما يلي:

- ‌4 - الإِرداة

- ‌الأدلة العقلية على أن الله متصف بالإِرادة:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌قدم إرادة الله تعالى:

- ‌5 - الكلام

- ‌مسمى الكلام:

- ‌اتصاف الله بالكلام:

- ‌الكلام على القرآن:

- ‌الكلام المتلو والمسموع:

- ‌المكتوب في المصاحف:

- ‌المضاف إلى العباد:

- ‌6 - السمع والبصر

- ‌7 - العز والعزة والكبرياء

- ‌8 - النفس والذات

- ‌(9) الوجه

- ‌الادلة من السنة على إثبات صفة الوجه لله تعالى

- ‌(10) العين والأعين:

- ‌(11) اليد واليدين والأيدي:

- ‌(12) الأصابع

- ‌(13) الجنب

- ‌1)(14)الساق:

- ‌(15) القدم والرجل

- ‌دليل أن استواء الله الوارد بالنص بمعنى العلو:

- ‌(17) النزول:

- ‌ الرد على الشبهة الأولى

- ‌الرد على الشبهة الثانية:

- ‌الرد على الشبهة الثالثة:

- ‌الرد على الشبهة الرابعة:

- ‌الرد على ابن حزم في تأويل النزول:

- ‌18 - الرؤية:

- ‌أولًا: أدلة جواز الرؤية زيادة على ما ذكر ابن حزم:

- ‌(أ) الأدلة النقلية:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني من أدلة النقل على جواز الرؤية:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع على جواز الرؤية:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع على جواز الرؤية:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌(ب) الأدلة العقلية على جواز الرؤية:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌ثانيًا: أدلة وقوع الرؤية

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني على وقوع الرؤية:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الفصل الخامس أفعال الله تعالى

- ‌تمهيد:

- ‌1 - القضاء والقدر:

- ‌مذهب ابن حزم في قضاء الله وقدره:

- ‌2 - خلق أفعال العباد:

- ‌3 - الهدي والتوفيق والإضلال:

- ‌ الهدى والتوفيق

- ‌الأضلال:

- ‌4 - التعديل والتجوير:

- ‌5 - تعليل أفعال الله:

- ‌الأدلة على القول بالتعليل:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الوجه الأول:نفى لزوم قدم المعلول لقدم العلة من عدة أوجه

- ‌الوجه الثاني:إبطال دعوى أن من يفعل لعلة ليس مختارًا

- ‌الوجه الثالث:إبطال التسلسل اللازم للعلة إذا كانت محدثة

- ‌الوجه الرابع:تسليم التسلسل في إثبات الحكمة:

- ‌6 - اللطف والأصلح:

- ‌7 - إرسال الرسل:

- ‌دليل ابن حزم على وجوب النبوة إذا وقعت:

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌1 - الأحوال السياسية:

‌1 - الأحوال السياسية:

تولى على بلاد الأندلس منذ فتحت إلى أن دخلها عبد الرحمن بن معاوية الملقب بالداخل قرابة عشرين أميرًا من قبل أئمة المسلمين بالشرق طوال دولة بني أمية وأ يكن الأمر مضبوطًا في الجملة بيد حازمة من قبل أولئك الأفراد لضعفهم وبعدهم عن مقر الخلافة وكون الأندلسيين من عناصر متباينة فكثرت الخلافات والفتن بينهم.

(1)

إلى أن نفذ عبد الرحمن الداخل إلى المغرب - بعد أن تغلب العباسيون على الأمويين في الشرق. فأصبح أميرًا على الأندلس وضبط الأمور ووحد الكلمة وكان يلقب بالأمير وعلى هذا جرى بنو من بعده فلم يدع أحد منهم بأمير المؤمنين تأدبًا مع الخلافة بمقر الإسلام في المشرق. حتى كان عبد الرحمن الناصر وهو ثامن أمراء بني أمية بالأندلس فتسمى بأمير المؤمنين لما رأى من ضعف خلفاء بني العباس وغلبة الأعاجم عليهم وكونهم لم يتركوا لهم غير الاسم، وذلك في عام سبعة عشر وثلاثمائة تقريبا.

(2)

وقد تولى الإمارة في مطلع القرن الرابع الهجري بعد وفاة جده الأمير عبد الله بن محمد والذي اضطربت الأندلس في عهده وكثر المتغلبون في نواحيها.

(3)

فهدأ عبد الرحمن ذلك الاضطراب فاستقامت له الأندلس في سائر جهاتها

(1)

انظر نفح الطيب للمقرى ج 1 ص 233.

(2)

انظر المرجع السابق نفس الجزء ص 359. وانظر جذوة المقتبس ص 12، 13.

(3)

جذوة المقتبس للحميدى ص 12.

ص: 96

بعد نيف وعشرين سنة من أيامه واستولى على سبته وفاس من بلاد المغرب.

(1)

وكان كثير الجهاد بنفسه فأوطأ عساكر المسلمين من بلاد الإفرنج ما لم يطؤوه من قبل ومدت إليه أمم النصرانية يد الإذعان وأرسلوا إليه رسلهم وهداياهم في سبيل المهادنة والسلم فبلغت دولة الإسلام في عهده مبلغا لا ينال.

(2)

يقول ابن حزم: "إن دولة بني أمية بالأندلس كانت أنبل دول الإسلام وأنكاها في العدو قد بلغت من العز والنصر ما لا مزيد عليه".

(3)

وقد دامت خلافة عبد الرحمن الناصر نصف قرن من الزمن بلغت بلاد الأندلس فيها الذروة من العز والسؤود والرفعة، فقد قضى على الاضطرابات السائدة وأدب الخارجين عليه وقهر أعداءه وأرهب الأسبان فعم الرخاء والأمن أرجاء الأندلس وما تبعه من المغرب إلى أن توفي سنة خمسين وثلاثمائة فأتى بعده ابنه الحكم بن عبد الرحمن ويلقب بالمستنصر بالده وكان حسن السيرة وسار على سيرة أبيه ولكن مدته لم تطل كأبيه حيث توفي سنة 366 هـ،

(4)

وبوفاته انقضى العصر الذهبي للأندلس وبدأ عصر الفوضى والاضطراب والتغلب على الخليفة، ولم يأت بعده من الأمويين خلفاء كالسابقين إلا إسما حيث تولى بعد الحكم المستنصر ابنه هشام المؤيد وكان دون البلوغ فمن الطبيعي أن يستبد بالأمر أحد الأوصياء على الخليفة الصغير فظهر المنصور ابن أبي عامر وضبط الأمور بقوة شخصيته ودهائه ونجح في السيطرة على مقاليد الأمور ورسم لنفسه خطة بارعة للقضاء على

(1)

انظر نفح الطيب للمقرى ج 1 ص 340.

(2)

انظر المرجع السابق ص 330، 331.

(3)

انظر المرجع السابق ص 306.

(4)

وقد دامت خلافته ست عشرة سنة. انظر جذوة المقتبس للحميدى ص 16.

ص: 97

الخصوم والمنافسين. كل ذلك عن هشام وخطه وتوقيعه وتسمى بالحاجب. وأجبر الأندلسيين على الخضوع لهذه الحكومة العسكرية الاستبدادية التي اعتمد في تكوينها على عناصر من غير العرب واتخذ الوزراء - وكان منهم أحمد بن سعيد والد علي بن حزم - ونفذت الكتب والمخاطبات والأوامر باسمه وأمر بالدعاء له على المنابر عقب الدعاء للخليفة ومحا رسم الخلافة بالجملة ولم يبق لهشام المؤيد من رسوم الخلافة أكثر من الدعاء له على المنابر وكتب اسمه في السكة، وقد كان من نتائج هذه السياسة الإرهابية أن اضطرمت نيران الفتنة بعد وفاته بزمن قليل ولم تنطفىء إلا بعد أن قضت على الإسلام في الأندلس - وكانت الأحوال طوال أيام حجابته على ما كانت عليه في عهد الحكم المستنصر فحمى الثغور وساد الأمن بلاد الأندلس فهو من أعظم السلاطين دهاء وحزما وهيبة في القلوب فكان يجهز الجيوش ويغزو بنفسه حتى إن غزواته تجاوزت الخمسين غزوة في سائر أيام ملكه ولم تنكس له راية ولا فل له جيش وما أصيب له بعث وما هلكت له سرية.

(1)

إلى أن توفي سنة 392 هـ وقد دامت أيامه سبعا وعشرين سنة. فخلفه ابنه عبد الملك وتلقب بالمظفر فجرى على سنن أبيه في السياسة والغزو وكانت أيامه أعيادا دامت سبع سنين. وكانت تسمى بالسابع تشبيهًا بسابع العروس ولم يزل مثل اسمه إلى أن مات سنة 398 هـ على الراجح.

(2)

فخلفه على الحجابة أخوه عبد الرحمن وتلقب بالناصر - وقيل بالمأمون - وجرى على سنن أبيه وأخيه في الحجر على الخليفة هشام

(1)

انظر نفح الطيب للمقرى ج 1 ص 374، 378.

(2)

انظر المرجع السابق نفس الجزء ص 400.

ص: 98

والاستبداد عليه ثم ثاب له رأى في الاستئثار بما بقى من رسوم الخلافة فحمل الخليفة المستضعف هشامًا المؤيد على العهد له بالخلافة بعده. فنقم عليه أهل الدولة ذلك وثارت ثائرة الأمويين والمضريين وكانت فتنة خلع فيها هشام المؤيد وسجن وبويع محمد بن هشام بن عبد الجباربن أمير المؤمنين الناصر لدين الله من أعقاب الخلفاء، ولقبوه المهدي بالته، وكان عبد الرحمن الناصر - الحاجب - في إحدى غزواته فلما علم عاد لتلافي الأمر فوجد أنصاره قد انصرفوا عنه وثار به جنده وقتلوه سنة 399 هـ وانتهى بذلك أمر الدولة العامرية.

(1)

وبدأ المهدي يشدد الوطأة على البرابرة لأن الأموية كانت تعتد عليهم مظاهرتهم العامريين وتنسب تغلبهم إليهم فأمر أن لا يركبوا ولا يتسلحوا، ورد بعض رؤسائهم من باب القصر وألحق بهم ما أزعجهم عن المدينة. فثاروا وهاجموها وخلعوا المهدى ففر، وبايعوا من بعده سليمان بن الحكم بن الناصر الذي تلقب بالمستعين سنة 400 هـ ولكن المهدي لم يستكن فذهب إلى ملك قسطيلة الأسباني واستعان به فاسترد ملكه وخرج المستعين من قرطبة، وقامت موقعة أخرى بين البربر ومعهم المستعين، والمهدي ومعه النصارى فانهزم المهدي وقتل فأخرجوا هشامًا المؤيد وأعادوا الأمر له مرة ثانية سنة 403 هـ فناوأه المستعين فعاد إلى قرطبة بجيش من البربر من نفس السنة وقتل هشام المؤيد سرًّا. فبدأت المهازل تترى بين المتقاتلين على الإمارة فتوزع الملك البرابرة وجعلوه قسمة بينهم واستقل كل منهم

(1)

انظر نفح الطيب للمقري ج 1 ص 402. وانظر جذوة المقتبس للحميدي ص 17.

ص: 99

بإقليم.

(1)

وقد وصف لنا أبو محمد بن حزم خراب دورهم بقرطبة من جراء هذه الأحداث بعد أن استخبر من ورد إليه منها. وكان قد أجلى. فقال: "ولقد أخبرني بعض الوارد من قرطبة وقد استخبرته عنها أنه رأى دورنا ببلاط مغيث في الجانب الغربي منها وقد أمحت رسومها وطمست أعلامها وخفيت معاهدها، وغيرها البلى وصارت صحارى مجدبة بعد العمران وفيافي موحشة بعد الأنس، وخرائب منقطعة بعد الحسن، وشعابًا مفزعة بعد الأمن ومأوى للذئاب ومعازف للغيلان وملاعب للجان ومكامن للوحوش".

(2)

في تلك الأيام المملوءة بالفتن والاضطرابات السياسية نهض خيران العامري حاكم المرية وكاتب الأدارسة وحرض على قتل المستعين حتى جاء علي بن حمود العلوي من الأدارسة وفتح قرطبة سنة 407 هـ وقتل المستعين وتلقب بالناصر فبدأت دولة العلويين فأحس خيران خيفة من ابن حمود فسعى سرًّا ليعيد الأمر إلى الأمويين بعد أن سعى قبل ذلك بخروجه منهم، وظهر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن الناصر ببلنسية فبايعه أكثر أهل الأندلس وتقلب بالمرتضي وذلك سنة 408 هـ وقد قدم عليه ابن حزم فاتخذه وزيرًا له وقد سار المرتضي ومعه ابن حزم بجيشه الذي يضم خيران العامري وصاحبه المنذر بن يحيى إلى قرطبة لحرب بني حمود ولكن وقفت أمامهم جيوش غرناطة وعليها في ذلك الوقت شيخ البربر زاوى بن زيرى الصنهاجى فنشبت الحرب بين الفريقين وانتهت بهزيمة المرتضي لخيانة وقعت من خيران وصاحبه ووقع أبو محمد في

(1)

انظر جذوة المقتبس للحميدى ص 18 - 20.

(2)

طوق الحمامة لابن حزم ص 220، 222.

ص: 100

الأسر ثم أطلق سراحه ونجا المرتضي بنفسه وقت الهزيمة ولكن دس عليه خيران من قتله غيلة وكان ذلك سنة 409 هـ تقريبًا فاستمر الأمر في قرطبة بيد بني حمود؛ تعاقبه علي بن حمود، القاسم بن حمود، يحيى بن علي.

(1)

وفي جمادى الثانية سنة 414 هـ ثار أهل قرطبة بالبربر وأعلنوا خلع القاسم وأرغموه على مغادرة القصر وأجمعوا على رد الأمر لبني أمية فبايعوا عبد الرحمن بن هشام المستظهر من بين ثلاثة اختاروهم في رمضان سنة 414 هـ وكان أبو محمد بن حزم من المؤيدين له فأصبح من وزرائه مع غيره من وزراء بني أمية القدامى وكان المستظهر كما وصفه ابن حيان: "لبقًا ذكيًا وأديبًا لوذعيًا لم يكن في بيته يومئذ أبرع منه منزلة وكان قد نقلته المخاوف وتقاذفت به الأسفار فتحنك وتخرج وتمرن فيها".

(2)

ولكن خلافته لم تدم أكثر من شهرين إذ ثار عليه محمد بن عبد الرحمن الملقب بالمستكفي وقتله في سبع وعشرين ذي القعدة سنة 414 هـ، واستقل بأمر قرطبة ثم بعد ستة عشر شهرًا من بيعته رجع الأمر إلى المعتلي يحيى بن علي بن حمود سنة 416 هـ. ثم بدا لأهل قرطبة فخلعوا المعتلي بن حمود سنة 417 هـ وبايعوا هشام بن محمد أخا المرتضي وذلك سنة 418 هـ وتلقب بالمعتد بالله وكان بالثغر ولم ينزل دار الخلافة إلا في آخر سنة 420 هـ.

(3)

وقد كان من وزرائه أبو محمد بن حزم ولكن لم تطل مدته إذ خلعه الجند سنة 422 هـ ونودى في قرطبة بأن لا يبق فيها أحد من بني أمية وبانتهاء المعتد بالله انتهت حياة ابن حزم الوزارية.

(1)

انظر جذوة المقتبس للحميدى ص 22 - 25. والذخيرة لابن بسام ج 1 القسم الأول ص 453.

(2)

انظر الذخيرة لابن بسام القسم الأول المجلد الأول ص 48.

(3)

انظر جذوة المقتبس للحميدى ص 25، 26.

ص: 101

يقول المقري في وصف تلك الأحوال وما جري! بعد ذلك:

"وانقطعت الدولة الأموية من الأرض وانتثر سلك الخلافة بالمغرب وقام الطوائف بعد انقراض الخلائف وانتزى الأمراء والرؤساء من البربر والعرب والموالي بالجهات واقتسموا خطتها وتغلب بعضهم على بعض واستقل أخيرًا بأمرها منهم ملوك استفحل أمرهم وعظم شأنهم ولاذوا بالجزى للطاغية أن يظاهر عليهم أو يبتزهم ملكهم وأقاموا على ذلك برهة من الزمان حتى قطع عليهم البحر ملك العدوة وصاحب مراكش أمير المسلمين يوسف بن تاشفين اللمتوني فخلعهم وأخلى منهم الأرض".

(1)

وفي هذا العصر المضطرب الزاخر بالأحداث السياسية عاش أبو محمد علي بن حزم فشاهد انحلال الخلافة الأموية واستقلال كل وال بولايته وشاهد الفترة الأولى من ملوك الطوائف. بنو عباد ملوك أشبيلية والذي أحرق ثانيهم المعتضد كتبه، وبنو جهور بقرطبة وغيرهم كثير، هذه هي حالة الأندلس في عصر ابن م حزم. ملك قوي لم يذقه إلا في نعومة أظفاره ثم اضطراب وفتن عكرت صفو شبابه وغيرت مجرى حياته ثم خضوع وصغار لأعداء الإسلام حتى دفعت الأتاوات لطاغية النصارى واستمرت تلك الحال طوال حياته وقد شاهد سقوط الدولة العامرية وبه كان سقوط وزارة أبيه، واقتحام البربر قرطبة وتنازع الأمراء على كرسي الإمارة، وقد رأى أن أهل الأندلس لم يجتمعوا إلا على بنب أمية وأن خراب البلاد واضطرابها كان من البربر. وحيث إنه من أسرة لها في السياسة شأن رأى أن عليه واجبًا نحو دينه وقومه وهو أن يشارك بما يراه سبيلًا إلى رجوع الأحوال على ما كانت عليه فناصر ثلاثة من بني أمية - المرتضى، والمستظهر،

(1)

انظر نفح الطيب للمقري جـ 1 ص 413.

ص: 102

والمعتد بالله - ولم تطل مدتهم لتغير الأحوال وتدخل النصارى والاستعانة بهم من قبل بعض الأمراء المسلمين حتى بلغت الأحوال بهم إلى دفع الإتاوات لهم. رأى كل هذا فأثر في نفسه تأثيرات متشعبة، شعور بالألم والحزن على قرطبة التي كانت فردوس الأندلس ونور المعرفة فيها، واستفحال أمر النصارى وضعف أمر المسلمين. وهو المؤمن التقي، والعالم المحدث الذي يرى أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. وقد رأى أن سبب ذلك هو اضطراب حبل الأمور وتفرق الكلمة وذهاب الوحدة وقد فشلت تلك المحاولات التي دخل فيها السياسة فتركها يائسًا من نجاحها واجتماع الأمر لأحد، وليس بعجيب أن ينصرف عنها لما رأى من اضطراب الأمور فخلص للعلم وحده حين رأى تلك الأحوال وقد ذم ملوك الطوائف جميعهم في رسالته التلخيص لوجوه التخليص.

(1)

وكان من الطبعي أن لا ينظر ابن حزم نظرة إكبار إلى الأمراء الذين كانوا يستعينون بالنصارى أو يمدون أيديهم إليهم بالولاء يستجدونهم أو بالإتاوة يدفعونها، وكذلك كانت نظرته إلى العلماء الذين يوالون أولئك الأمراء لهذا كان بينهم وبينه عداوة كان من مظاهرها إحراق كتبه، ومضايقته بتنفير الطلاب عنه وتحذير العوام من فتنته، ومن مظاهرها أن جفته الديار حتى آوى إلى ضيعته التي ورثها من آبائه فأقام فيها يدرس ويصنف إلى أن انتقار إلى جوار ربه.

(2)

(1)

انظر دراسات عن ابن حزم وكتاب الطوق للطاهر مكي الأنصارى ص 95، وانظر الرسالة بتحقيق الدكتور إحسان عباس ص 137 - 185 ضمن مجموعة الرد على ابن النغريلة اليهودي ورسائل أخرى.

(2)

انظر ابن حزم الأندلسى لأبي زهرة ص 100.

ص: 103