الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفاتح للأندلس ولو من غير العرب. أمر يبعد أن يرضاه لنفسه أو يرضاه له أحد ممن يكبره - وهو هذا القمة - بالانتساب إلى من بالمرتبة الأقل وهو يستطيع الأعلى لأنه على هذا المبدأ لا يمنع من الأعلى مانع كالآخر. أما عن قوله "متى كان الموالى ممن يعنون بحفظ أنسابهم والحرص على تخليدها".
فهنا أمران: أولهما: أن هذا النسب ليس طويلا ولا صعبا على هذه الأصة الطلعة - ذات الذكاء والحفظ - أن تحفظ أسماء آبائها وتتناقله وإن كانت من الموالى ويوجد مثل هذا كثير في أيامنا هذه من أسر ليست ذات نباهة ولا شأن.
وثانيهما: أن ولاء هذه الأصة ليس لأصة خاملة فهو "ليزيد بن أبي سفيان القرشى" نائب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه على دمشق، وأخو أمير المؤمنين معاوية. والمعروف عند العرب أن مولاهم يعرف بهم فينتسب إليهم ويفتخر بهم.
وأحب أن أقول للدكتور الحاجري: لو سلمنا كل ما ذكر هل من الممكن أن يصمت وأن لا يشهر بهذا الادعاء الذي ادعاه ابن حزم لنفسه أو ادعاه له غيره أعداؤه الذين هم جل أهل الأندلس وقد عملوا المستحيل لإيذائه والتضييق عليه، وأن لا يظهر هذا إلا من ابن حيان وقلة معه إن هذا بعيد كل البعد.
مناقشة قول سانتشث البرنس:
قوله: "إن معاصريه وتلاميذه، يرونه حفيدا لمولدين" ليس صحيحا ولم يرو هذا من معاصريه فيما - اطلعت عليه - أحد إلا أبو مروان ابن حيان. وأما تلاميذه ومن ترجموا له من غيرهم فهم على
خلاف هذا فيما أعلم، وحسبك بتلميذه العالم الورع "الحميدي" الذي يقول في نسب أستاذه:"إن أصله من الفرس".
(1)
أما عن أسبانيته التي يثبتها من جهة الأم، فليس هناك ما يثبت ذلك بالتأكيد. ولم أر أحدًا تعرض لها ممن ترجموا له، ولم يرد ذكرها على لسانه في كتابه طوق الحمامة الذي بين فيه الكثير من جوانب حياته، وقد انتظرنا منه أن يتعرض لها في أثناء كلامه على الحب وماهيته، إذ كيف يغيب عن ذهنه ذلك الحب الذي تكنه الأم بين جوانحها، وهو الوفي الذي يقول عن نفسه إنه جبل على طبيعتين إحداهما:"وفاء لا يشوبه تلون قد استوت فيه الحضرة، والغيب، والباطن، والظاهر، تولده الألفة التي لم تعزف بها نفسي عما دريته ولا "تتطلع إن عدم من صحبته".
(2)
ولكني لا أستبعد إسبانية أمه لإشارة منه في كتابه طوق الحمامة حين قال: "وعنى أخبرك أنى أحببت في صباى جارية لي شقراء الشعر فما استحسنت من ذلك الوقت سوداء الشعر، ولو أنه على الشمس أو على صورة الحسن نفسه وإني لأجد هذا في أصل تركيبي من ذلك الوقت لا تؤاتيني نفسي على سواه ولا تحب غيره البتة، وهذا العارض بعينه عرض لأبي رضي الله عنه وعلى ذلك جرى إلى أن وافاه أجله.
وأما جماعة خلفاء بنى مروان رحمهم الله ولاسيما ولد الناصر منهم فهم مجبولون على تفضيل الشقرة لا يختلف في ذلك مخهم مختلف، وقد رأيناهم ورأينا من رآهم من لدن دولة الناصر إلى الآن
(1)
جذوة المقتبس للحميدي ص 308.
(2)
طوق الحمامة في الألفة والألاف لابن حزم ص 256.
فما منهم إلا أشقر نزاعا إلى أمهاتهم، حتى قد صار ذلك فيهم خلقه حاشى سليمان الظافر رحمه الله فإني رأيته أسود اللمة واللحية.
وأما الناصر، والحكم المستنصر رضي الله عنهما فحدثني الوزير أبي رحمه الله وغيره أنهما كان أشقرين أشهلين
(1)
.
فمن هذا النص الذي يتضح فيه تفضيل ابن حزم لشقرة الشعر ويقول إنه لا يحلو له سواه، وإنه يجد ذلك في أصل تركيبه، ويؤكد ذلك بأن هذا العارض عرض لأبيه حتى وافاه أجله، فالأقرب أن "أم" صاحبنا كانت من ذوات الشعر الأشقر، ثم سياقه أن ذلك رغبه خلفاء بنى أمية وهم العرب الخلص تبرير لهذا العارض الذي عرض له ولأبيه قبله، وإني لأشم من هذا النص ترجيحا لعدم أسبانية ابن حزم حيث يرى أن محبته الشقرة عارضة، ثم تبريره هذه الرغبة بوجودها في خلفاء بني أمية، وهي خلاف جنسهم، ليؤكد أنها ليست بدعا في زمنهم.
ولو أن ابن حزم كان أسبانيا من عجم أسبانيا لما احتاج إلى تبرير هذه المحبة، وذكر أنها عارضة لأنها أصيلة وليس فيها خروج عن الأصل.
فإن صح أن "أم" ابن حزم أسبانية هل يكون إسبانيا بهذا، كما يقول: سانتشث؟ أما عندنا نحن المسلمين فالنسب يكون من جهة الأب، وأما عند غير المسلمين - من الغرب - فالذي نراه أن المرأة بعد زواجها تلحق بزوجها وتنسب إليه. وأما الأبناء فمن الزوجة الشرعية ينتسبون إلى أبيهم، ومن غيرها ينتسبون إلى أمهاتهم إن لم تعترف بهم الزوجة الشرعية. وابن حزم مسلم من أسرة مسلمة، وأولاده
(1)
طوق الحمامة ص 98، 99.