الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلنا: أما إثبات الأصابع لله تعالى حقيقة فإنا نقول به ونثبتها صفة له تعالى على ما يليق بجلاله، كما أثبتها له أعلم الخلق به رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا نشبه شيئا من صفات ربنا بشيء من صفات خلقه أما كون القلوب بين أصبعين من أصابعه حقيقة على ما يفهم من كون الشيء بين أصبعين من أصابع المخلوق فهذا مما لا يدل عليه الحديث ولا يفهم منه ذلك بالنسبة لله تعالى وفي نص الحديث:"إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الله كقلب واحد" ولم يقل: "إن كل قلب من قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الله" فقوله: "إن قلوب العباد" ثم قوله "إنها كقلب واحد" مبعد لاحتمال ما ذكرتم والله تعالى وتقدس بائن من خلقه. وليس شيء منه تعالى حالا في مخلوقاته أو بشيء منها وصفات الله تعالى تليق به فلا يقاس بشيء من خلقه فيشبه فعله بفعلهم وصفاته بصفاتهم. وتشبيهكم له بخلقه هو الذي جعلكم تعطلونه عما هو ثابت له على ما يليق به فصفات الخالق تليق بعظمته وكماله، وصفات المخلوق تناسب عجزه وافتقاره.
(13) الجنب
يقول أبو محمد بن حزم في قوله تعالى حاكيا عن قول قائل {يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}
(1)
.
وهذا معناه فيما يقصد به إلي الله عز وجل وفى جنب عبادته.
(2)
.
وأرى صحة هذا القول في معنى الآية الكريمة لأمرين:
(1)
سورة الزمر: آية (56).
(2)
انظر الفصل (2: 166).
الأول: أن قول من قال: إن الجنب من صفات الله تعالى
(1)
لا دليل عليه. ولم يرد إثباته لله تعالى، وإنما جاء مضافًا إلى الله تعالى فيما حكاه عن قول قائل:"ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله" ومجرد هذه الإضافة، لا يقتضى كون المضاف إلى الله صفة له كما في قوله تعالى حاكيا قول رسوله صالح عليه السلام لقومه:{نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}
(2)
وقوله تعالى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}
(3)
وغير هذا مما هو مضاف إلى الله تعالى وليس هو من صفاته بالاتفاق.
يقول ابن تيمية بعد ذكر الآية: "فليس في مجرد الإِضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة له، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق كقوله تعالى "بيت الله"
(4)
و {نَاقَةَ اللَّهِ}
(5)
، و {عِبَادَ اللَّهِ}
(6)
. بل وكذلك "روح الله"
(7)
عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم، ولكن إذا
(1)
انظر المواقف (ص 177، 178).
(2)
سورة الشمس: آية، (13).
(3)
سورة الفرقان: آية (63).
(4)
قوله "بيت الله" لم ترد في القرآن بهذا اللفظ فلعله يقصد ما في القرآن من نحو قوله تعالى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} سورة البقرة: آية (125)، وقوله حكاية عن إبراهيم عليه السلام {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} سورة إبراهيم: آية (37).
(5)
سورة الأعراف: آية (73)، سورة هود: آية (64)، سورة الشمس: آية (13).
(6)
سورة الصافات: الآيات (40، 74، 128، 160، 169)، الدخان: آية (18)، الإنسان: آية (6).
(7)
جاء في القرآن الكريم قوله تعالى "روح القدس" في سورة البقرة: الآيتان (87، 253)، المائدة: آية (110)، النحل: آية (102).
أضيف إليه ماهو صفة له، وليس بصفة لغيره، مثل كلام الله، وعلم الله، ويد الله ونحو ذلك كان صفة له".
(1)
يبين ابن تيمية أن الإِضافة لا تستلزم أن يكون المضاف صفة للمضاف إليه لمجرد الإِضافة، فيضاف ما هو صفة، وما هو غير صفة للمضاف إليه.
ثم إن التفريط المذكور في الآية لا يكون في شىء من صفات الله تعالى، لأنه إما فعل أو ترك فعل وهذا لا يكون قائما بذات الله تعالى لا بجنب ولا غيره
(2)
الثاني: أن ما ذهب إليه ابن حزم من معنى الآية هو ما تدل عليه اللغة: فقيل: إن الجنب يأتي بمعنى الأمر كما قال كثير عزة:
أما تتقين الله في جنب عاشق
…
له كبد حرى وعين ترقرق
(3)
وفي لسان العرب: "قال الفراء:
(4)
الجنب: القرب، وقوله على
(1)
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (3: 145)، وانظر مختصر الصواعق المرسلة (2: 379، 380).
(2)
انظر مختصر الصواعق المرسلة (1: 23).
(3)
انظر الشامل في أصول الدين للجويني (ص 549)، التفسير الكبير للرازي (27: 6)، أحكام القرآن للقرطبي (7: 5715) دار الشعب، المواقف (ص 178)، مع تغيير في بعض الكلمات. والبيت كما جاء في ديوان كثير (ص 409):
ألا تتقين الله في حب عاشق
…
له كبد حرى عليك تصدع
(4)
هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمى أبو زكريا إمام الكوفيين بالنحو واللغة، وكان فقيهًا متكلمًا يميل إلى الاعتزال له تصانيف كثيرة جلها في النحو واللغة توفى سنة 207 وكان مولده سنة 144 من الهجرة. انظر وفيات الأعيان (6: 176 - 182)، شذرات الذهب (2: 19)، الأعلام للزركلي (8: 145، 146).
ما فرطت في جنب الله "أي في قرب الله وجواره. وقال ابن الأعرابي
(1)
في قوله "في جنب الله" أي في قرب الله من الجنة. وقال الزجاج:
(2)
معناه على ما فرطت في الطريق الذي هو طريق الله الذي دعانى إليه وهو توحيده والإِقرار بنبوة رسوله صلى الله عليه وسلم".
(3)
.
ويقول الدارمى إن معنى الآية: "تحسر الكفار على ما فرطوا في الإِيمان والفضائل التي تدعو إلى ذات الله تعالى، واختاروا عليها الكفر والسخرية بأولياء الله فسماهم الساخرين".
(4)
وقول ابن حزم الذي ذكرنا في معنى الجنب موافق لتلك الأقوال التي سقناها عن بعض علماء اللغة والسلف. ويؤيد هذا أنك إذا قلت فلان قد فرط في جنب فلان. لا يراد به أن التفريط وقع في شىء من نفس ذلك الشخص أي جنبه الحقيقى الذي هو الشق وإنما يقصد به التفريط في جهته وفى حقه.
(1)
هو محمد بن زياد أبو عبد الله من أهل الكوفة له مصنفات في اللغة وآدابها منها أسماء الخيل وفرسانها، وتاريخ القبائل وغير ذلك كثير توفى سنة 231 وكان مولده سنة 150 من الهجرة. انظر الفهرست لابن النديم (ص 102، 103)، ووفيات الأعيان (4: 356، 309) شذرات الذهب (2: 70، 71)، الأعلام (6: 131).
(2)
هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن السرى بن سهل الزجاج النحوي إمام مجمع على إمامته من أهل العلم بالأدب والدين له مؤلفات كثيرة أغلبها في النحو منها الاشتقاق وفعلت وأفعلت. توفى سنة 310 وكان مولده سنة 241 من الهجرة. انظر الفهرست (ص 90، 91)، وفيات الأعيان (1: 49، 50)، شذرات الذهب (2: 259، 260).
(3)
لسان العرب لابن منظور (1: 267، 268)، أحكام القرآن للقرطبي (7: 5714، 5715) دار الشعب.
(4)
رد الدارمي على المريسي (ص 184)، وانظر مختصر الصواعق المرسلة (1: 22، 23).