المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث في حدوث الرجوم وحجب الشياطين من استراق السمع عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - جـ ٢

[الصالحي الشامي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌جماع أبواب صفة جسده الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في حسنه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهان

- ‌الباب الثاني في صفة لونه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث في صفة رأسه وشعره صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع في صفة جبينه وحاجبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس في صفة عينيه صلى الله عليه وسلم وبعض ما فيهما من الآيات

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس في سمعه الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهان

- ‌الباب السابع في صفة انفه الشريف وخديه صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثامن في صفة فمه صلى الله عليه وسلم وأسنانه وطيب ريقه وبعض الآيات فيه

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب التاسع في صفة لحيته الشريفة وشيبه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العاشر في صفة وجهه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الحادي عشر في صفة عنقه صلى الله عليه وسلم وبعد ما بين منكبيه وغلظ كتده

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الثاني عشر في صفة ظهره صلى الله عليه وسلم وما جاء في صفة خاتم النبوة

- ‌فصل اختلف في صفة خاتم النبوة على أقوال كثيرة متقاربة المعنى

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث عشر في صفة صدره وبطنه صلى الله عليه وسلم

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الرابع عشر فيما جاء في شق صدره وقلبه الشريفين صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌تفسير الغريب

- ‌ذكر أحاديث فيها شق صدره صلى الله عليه وسلم من غير تعيين زمان

- ‌ذكر غريب ما تقدم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس عشر في صفة يديه وإبطيه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس عشر في صفة ساقيه وفخذيه وقدميه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السابع عشر في ضخامة كراديسه صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثامن عشر في طوله واعتدال خلقه ورقة بشرته صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق:

- ‌الباب التاسع عشر في عرقه صلى الله عليه وسلم وطيبه

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العشرون في مشيه صلى الله عليه وسلم وأنه لم يكن يرى له ظل

- ‌الباب الحادي والعشرون في الآية في صوته صلى الله عليه وسلم وبلوغه حيث لا يبلغه صوت غيره

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثاني والعشرون في فصاحته صلى الله عليه وسلم

- ‌[معرفته صلى الله عليه وسلم بلهجات العرب]

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث والعشرون في معرفة الذين كانت صفات أجسادهم تقرب من صفات جسده صلى الله عليه وسلم

- ‌جماع أبواب بعض الأمور الكائنة بعد مولده وقبل بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في وفاة أمه آمنة بنت وهب وحضانة أم أيمن له

- ‌تنبيه

- ‌فصل في الكلام على أحاديث النهي عن استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لأبويه

- ‌الباب الثاني في كفالة عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفته بشأنه

- ‌الباب الثالث في استسقاء أهل مكة بجده وهو معهم وسقياهم ببركته

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الرابع فيما حصل له في سنة سبع من مولده

- ‌الباب الخامس في وفاة عبد المطلب ووصيته لأبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر في ذلك من الآيات

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب السادس في استسقاء أبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وعطش أبي طالب وشكواه ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب السابع في سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه الزبير بن عبد المطلب إلى اليمن

- ‌الباب الثامن في سفره صلى الله عليه وسلم مع عمة أبي طالب إلى الشام

- ‌تنبيهات

- ‌الباب التاسع في حفظ الله تعالى إياه في شبابه عما كان عليه أهل الجاهلية واشتهاره بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته وتعظيم قومه له صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العاشر في شهوده صلى الله عليه وسلم حرب الفجار

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الحادي عشر في شهوده صلى الله عليه وسلم حلف الفضول

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثاني عشر في رعيته صلى الله عليه وسلم الغنم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث عشر في سفره صلى الله عليه وسلم مرة ثانية إلى الشام

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع عشر في نكاحه صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس عشر في بنيان قريش الكعبة

- ‌تنبيهات

- ‌جماع أبواب مبعثه صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في بدء عبادة الأصنام والإشراك بالله تعالى

- ‌الباب الثاني في إخبار الأحبار والرهبان والكهان بمبعث حبيب الرحمن صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبر زيد بن عمرو بن نفيل

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر قس بن ساعدة

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر العباس عن بعض أحبار اليمن

- ‌خبر أمية عن بعض أحبار الشام

- ‌خبر أبي سفيان عن أمية

- ‌خبر عبد الرحمن بن عوف عن عثكلان الحبر

- ‌خبر عروة بن مسعود الثقفي عن بعض الكهان والكواهن

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر عمرو بن معدي كرب عن بعض الكهان

- ‌خبر ابن الهيبان

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر الحبر من جرهم

- ‌خبر الحبر من أهل بصرى

- ‌خبر رئيس نجران

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثالث في حدوث الرجوم وحجب الشياطين من استراق السمع عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع في بعض ما سمع من الهواتف وتنكس الأصنام

- ‌تفسير الغريب

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الخامس في قدر عمر النبي صلى الله عليه وسلم وقت بعثته وتاريخها

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس في ابتدائه صلى الله عليه وسلم بالرؤيا الصادقة وسلام الحجر والشجر عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه

- ‌تنبيهان

- ‌الباب السابع فيما ذكر أن إسرافيل قرن به قبل جبريل صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثامن في كيفية بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب التاسع في كيفية إنزال الوحي

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العاشر في شدة الوحي وثقله

- ‌تنبيهات

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الحادي عشر في أنواع الوحي

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثاني عشر في فترة الوحي وتشريف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة بعد النبوة

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث عشر في معنى الوحي والنبيّ والرسول والنبّوة والرسالة

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع عشر في مثله ومثل ما بعثه الله تعالى به من الهدى

- ‌تنبيهات في بعض فوائد الحديث

- ‌الباب الخامس عشر في مثله ومثل الأنبياء من قبله

- ‌الباب السادس عشر في الوقت الذي كتب فيه نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السابع عشر في إعلام الوحش برسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثامن عشر في شهادة الرضيع والأبكم برسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌جماع أبواب بعض الأمور الكائنة بعد بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في تعليم جبريل النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثاني في إسلام خديجة بنت خويلد، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، واختلاف الناس فيمن اسلم أولا

- ‌تنبيه: في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الثالث في ذكر متقدّمي الإسلام من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- تقدم علي وزيد بن حارثة

- ‌الباب الرابع في قصة إسلام أبي ذرّ وأخيه أنيس- رضي اللَّه تعالى عنهما

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس في سبب دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم واستخفاء المسلمين حال عبادتهم ربّهم تبارك وتعالى

- ‌تنبيهان

- ‌الباب السادس في أمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بإظهار الإسلام

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب السابع في مشي قريش إلى أبي طالب ليكفّ عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثامن في إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب التاسع في إرسال قريش عتبة بن أبي ربيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه أشياء ليكف عنهم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب العاشر في أسئلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعاً من الآيات وخرق العادات على وجه العناد لا على وجه الهدى والرشاد

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الحادي عشر في امتحانهم إياه بأصياء لا يعرفها إلا نبي

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق:

- ‌الباب الثالث عشر في اعتراف أبي جهل وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الرابع عشر في تحيّر الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن والآيات التي أنزلت فيه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الخامس عشر في عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب السادس عشر في الهجرة الأولى إلى الحبشة وسبب رجوع من هاجر إليها من المسلمين وكانت في شهر رجب سنة خمس من المبعث

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السابع عشر في إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الثامن عشر في دخول بني هاشم وبني المطلب بني عبد مناف الشّعب وكتابة قريش الصحيفة الظالمة

- ‌تنبيهات

- ‌تفسير غريب قصيدة أبي طالب اللامية

- ‌الباب التاسع عشر في رجوع القادمين من الحبشة إليها والهجرة الثانية

- ‌كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي

- ‌تنبيهات

- ‌في معرفة أسماء الذين هاجروا الهجرة الثانية:

- ‌الباء الموحدة

- ‌التاء المثناة

- ‌الجيم

- ‌الحاء المهملة

- ‌الخاء المعجمة

- ‌الراء

- ‌الزاي

- ‌السين المهملة

- ‌الشين المعجمة

- ‌الطاء المهملة

- ‌العين المهملة

- ‌الفاء

- ‌القاف

- ‌الميم

- ‌ الهاء

- ‌النون

- ‌الياء

- ‌الكنى

- ‌النساء

- ‌من ولد بأرض الحبشة

- ‌الباب العشرون في إرادة أبي بكر رضي الله عنه الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الحادي والعشرون في نقض الصحيفة الظالمة

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الثاني والعشرون في إسلام الطّفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثالث والعشرون في قصتي الأراشيّ والزّبيديّ اللذين ابتاع أبو جهل إبلهما

- ‌تفسير الغريب

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الرابع والعشرون في وفد النصارى الذين أسلموا

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الخامس والعشرون في سبب نزول أول سورة «عبس»

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السابع والعشرون في سبب نزول أول سورة الروم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثامن والعشرون في وفاة أبي طالب ومشي قريش إليه ليكف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب التاسع والعشرون في وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها

- ‌الباب الثلاثون في بعض ما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش بعد موت أبي طالب

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الحادي والثلاثون في سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

- ‌تنبيهان

- ‌الباب الثاني والثلاثون في إسلام الجن

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث والثلاثون في عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على القبائل ليؤووه وينصروه ودعائه الناس إلى التوحيد

- ‌تنبيه [في بيان غريب ما سبق]

- ‌الباب الرابع والثلاثون في خبر بعض المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان هلاكهم

- ‌الأول: الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن زهرة

- ‌الثاني: الحارث بن قيس السهمي

- ‌الثالث: الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى

- ‌الرابع: مالك بن الطّلاطلة

- ‌الخامس: العاصي بن وائل السهمي

- ‌السادس: الحكم بن أبي العاصي بن أمية

- ‌السابع: الوليد بن المغيرة:

- ‌الثامن: أبو لهب

- ‌تنبيه

- ‌تنبيه

- ‌تنبيهات

الفصل: ‌الباب الثالث في حدوث الرجوم وحجب الشياطين من استراق السمع عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم

‌الباب الثالث في حدوث الرجوم وحجب الشياطين من استراق السمع عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم

قال اللَّه سبحانه وتعالى: قُلْ يا محمد للناس: أُوحِيَ أخبرت بالوحي إِلَيَّ أَنَّهُ الضمير للشأن اسْتَمَعَ لقرآني نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ جن نصيبين أو نينوى، وكانوا سبعة أو تسعة وذلك في صلاة الصبح ببطن نخلة موضع بين مكة والطائف وهم الذين ذكروا في قوله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف 29] والنفر ما بين الثلاثة والعشرة.

«فقالوا» لقومهم لما رجعوا إليهم: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً وصف بالمصدر على سبيل المبالغة أي هو عجب في نفسه لفصاحة لفظه وحسن مبانيه ودقة معانيه وغرابة أسلوبه وبلاغة مواعظه وكونه مباينا لسائر الكتب، والعجب ما خرج عن أشكاله ونظائره.

يَهْدِي يدعو إِلَى الرُّشْدِ الإيمان والصواب فَآمَنَّا بِهِ أي القرآن.

ولما كان الإيمان به متضمنا الإيمان باللَّه تعالى وبوحدانيته وبراءته من الشرك. قالوا:

وَلَنْ نُشْرِكَ بعد اليوم بِرَبِّنا أَحَداً. وَأَنَّهُ الضمير للشأن فيه وفي الموضعين بعده تَعالى تعاظم جَدُّ رَبِّنا جلاله وعظمته عما نسب إليه مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً زوجة وَلا وَلَداً. بيان ذلك كأنهم سمعوا من القرآن ما نبههم على خطأ ما اعتقدوه من الشرك واتخاذ الصاحبة والولد.

وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا جاهلنا إبليس أو مردة الجن. عَلَى اللَّهِ شَطَطاً غلوّ في الكذب بوصفه بالصاحبة والولد.

ثم أخذوا يعتذرون عن إتباعهم للسفيه في ذلك: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ مخففة أنه لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً بوصفه بذلك، حتى تبينا كذبهم بذلك.

وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ يستعيذون. بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ حين ينزلون في أسفارهم بمكان مخوف فيقول كل رجل أعوذ بسيد هذا المكان من شر سفهائه.

فَزادُوهُمْ بعوذهم بهم رَهَقاً طغيانا، فقالوا: سدنا الجن والإنس وَأَنَّهُمْ أي الجن:

ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ يا إنس أو بالعكس. والآيتان من كلام الجن بعضهم لبعض، أو استئناف من كلام اللَّه تعالى ومن فتح أَنْ فيهما جعلهما من الموحى به أي أنه لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً بعد موته، أو رسولا.

ص: 195

قال الجن: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ طلبنا استراق السمع منها. واللمس مستعار من المس للطلب: فَوَجَدْناها صادفناها مُلِئَتْ حَرَساً حراسا اسم جمع كخدم:

شَدِيداً قويا وهم الملائكة الذين يمنعونهم عنها وَشُهُباً جمع شهاب وهو المضيء المتولد من النار: وَأَنَّا كُنَّا قبل مبعثه نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ خالية عن الحرس والشهب أو صالحة للرصد والاستماع لِلسَّمْعِ صلة نقعد أو صفة لمقاعد. وفسر النبي صلى الله عليه وسلم كيفية قعود الجن أنهم كانوا واحدا فوق واحد فمتى احترق الأعلى طلع الذي تحته مكانه وكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان ويزيدون فيها ويزيد الكاهن مائة كذبة. فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ ظرف للحال ويستمع ظرف مستقبل فاتسع في الظرف واستعمل للاستقبال يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً أي أرصد له ليرمى به. هذا لمن استمع وأما السمع فقد انقطع كما قال اللَّه تعالى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء 212] .

ولما رأوا ما حدث من كثرة الرجم ومنع الاستراق قالوا: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بعدم استراق السمع بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً خيرا.

قال ابن إسحاق رحمه اللَّه تعالى: فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلتبس على أهل الأرض ما جاءهم من اللَّه فيه لوقوع الحجة وقطع الشبهة.

فآمنوا وصدقوا ثم وَلَّوْا رجعوا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ مخوفين قومهم العذاب إن لم يؤمنوا وكانوا يهودا. قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً هذا القرآن أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ الإسلام وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ أي طريقة يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ أي بعضها وهو ما يكون في خالص حق اللَّه، فإن المظالم لا تغفر بالإيمان. وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ مؤلم.

وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ [الأحقاف: 32] أي لا يعجز اللَّه بالهرب منه فيفوته وَلَيْسَ لَهُ لمن لا يجب مِنْ دُونِهِ أي اللَّه أَوْلِياءُ أنصارا يدفعون عنه العذاب أُولئِكَ الذين لم يجيبوا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ بين ظاهر.

لطيفة: مناسبة سورة الجن لما قبلها أنه لما حكي تمادي قوم نوح صلى الله عليه وسلم في الكفر وعكوفهم على عبادة الأصنام، وكان أول رسول إلى أهل الأرض، كما أن محمدا صلى الله عليه وسلم آخر رسول إلى أهل الأرض، والعرب الذين هو منهم كانوا عباد أصنام كقوم نوح حتى أنهم عبدوا أصناما مثل أصنام أولئك في الأسماء، وكان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، من القرآن هاديا إلى الرشد

ص: 196

وقد سمعته العرب وتوقف عن الإيمان به أكثرهم، أنزل اللَّه سبحانه وتعالى سورة الجن إثر سورة نوح تبكيتا لقريش والعرب في كونهم تباطأوا عن الإيمان، إذ كانت الجن خيرا منهم وأقبل إلى الإيمان، هذا وهم من غير جنس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فعند ما سمعوا القران استعظموه وآمنوا به للوقت وعرفوا كونه معجزا، وهم مع ذلك مكذبون له ولمن جاء به بغيا وحسدا أن ينزل اللَّه من فضله على من يشاء من عباده.

وروى الإمام أحمد والبيهقي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إن الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء فيستمعون الكلمة من الوحي فيهبطون إلى الأرض فيزيدون فلم يزالوا كذلك حتى بعث اللَّه تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم فمنعوا تلك المقاعد، فذكروا ذلك لإبليس فقال:

لقد حدث في الأرض حدث، فبعثهم فوجدوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتلوا القرآن قالوا: هذا واللَّه الحدث. وإنهم ليرمون فإذا توارى النجم عنكم فقد أدركه لا يخطئ أبدا ولكنه لا يقتله، يحرق جنبه وجهة يده.

وروى ابن سعد والبيهقي وأبو نعيم من وجه آخر عن سعيد عنه قال: كان لكل قبيل من الجن مقعد من السماء يستمعون منه الوحي فيخبرون به الكهنة فلما بعث اللَّه تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم دحروا منه، فقالت العرب حين لم تخبرهم الجن: هلك أهل السماء. فجعل صاحب الإبل ينحر كل يوم بعيرا وصاحب البقر ينحر كل يوم بقرة وصاحب الغنم ينحر كل يوم شاة، وقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدث فأتوني من تربة كل أرض. فأتوه بها فجعل يشمها فلما شم تربة مكة قال: من هاهنا الحدث فنصتوا فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد بعث.

وروى البيهقي من طريق العوفي عنه قال: لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكان يقعدون منها مقاعد للسمع، فلما بعث اللَّه تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم حدست السماء حرسا شديدا ورجمت الشياطين.

وروى محمد بن عمر الأسلمي وأبو نعيم عن ابن عمرو قال: لما كان اليوم الذي تنبأ فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منعت الشياطين من خبر السماء ورموا بالشهب فذكروا ذلك لإبليس فقال: بعث نبي عليكم بالأرض المقدسة. فذهبوا ثم رجعوا فقالوا: ليس بها أحد. فخرج إبليس يطلبه بمكة فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحراء منحدرا معه جبريل فرجع إلى أصحابه فقال: قد بعث أحمد ومعه جبريل.

وروى أيضا عن أبي بن كعب رضي اللَّه تعالى عنه قال: لم يرم بنجم منذ رفع عيسى حتى تنبأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رمى بها، فلما رأت قريش أمرا لم تكن تراه فجعلوا يسيبون أنعامهم ويعتقون أرقاءهم يظنون أنه الفناء وفعلت ثقيف مثل ذلك، فبلغ عبد ياليل فقال: لا تعجلوا

ص: 197

وانظروا فإن تكن نجوما تعرف فهو عند فناء من الناس، وإن كانت نجوما لا تعرف فهو عند أمر قد حدث. فنظروا فإذا هي لا تعرف فأخبروه فقال: هذا عند ظهور نبي فما مكثوا إلا يسيرا حتى قدم الطائف أبو سفيان بن حرب فقال: ظهر محمد بن عبد الله يدعي أنه نبي مرسل.

فقال عبد ياليل: فعند ذلك رمي بها.

عبد ياليل- بمثناتين تحتيتين وكسر اللام الأولى، وذكره ابن إسحاق فيمن وفد على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف.

وروى سعيد بن منصور والبيهقي عن الشعبي قال: كانت النجوم لا يرمى بها حتى بعث اللَّه تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم فرمي بها فسيبوا أنعامهم وأعتقوا رقيقهم، فقال عيد ياليل: انظروا.

وذكر مثله.

وروى ابن إسحاق وابن سعد عن يعقوب بن المغيرة بن الأخنس قال: إن أول العرب فزع لرمي النجوم ثقيف فأتوا عمرو بن أمية أحمد بني علاج فقالوا: ألم تر ما حدث؟ قال: بلى، فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها ويعرف بها أنواء الصيف والشتاء انتثرت فهي طي الدنيا وذهاب هذا الخلق، وإن كانت نجوما غيرها فأمر أراد اللَّه تعالى، ونبي يبعث في العرب. فقد تحدث بذلك عمرو بن أمية هذا.

وروى ابن سعد وأبو نعيم عن الزهري قال: كان الوحي يستمع فلما كان الإسلام منعوا وكانت امرأة من بني أسد يقال لها سعير لها تابع من الجن فلما رأى الوحي لا يستطاع أتاها فدخل في صدرها وجعل يصيح: وضع العناق ورفع الشقاق وجاء أمر لا يطاق، أحمد حرم الزنا.

وروى محمد بن عمر الأسلمي وأبو نعيم عن نافع بن جبير قال: كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمى فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم رميت بالشهب.

وروي أيضاً عن عطاء عن ابن عباس وعن مجاهد. وأبو نعيم عن حجاج الصواف، عن ثابت عن أنس. وأبو الشيخ عن عثمان بن مطر عن ثابت عن أنس قال ابن عباس: كانت الشياطين يستمعون الوحي قالوا: فلما بعث اللَّه محمدا صلى الله عليه وسلم منعوا فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: لقد حدث أمر. فرقى فوق أبي قبيس فرأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى خلف المقام فقال:

أذهب فأكسر عنقه. فجاء وعنده جبريل فركضه برجله فألقاه بوادي الأردن.

وروى الخرائطي في الهواتف عن سعيد بن جبير أن رجلا من بني تميم حدث عن بدء إسلامه فقال: إني لأسير برمل عالج ذات ليلة إذ غلبني النوم ونمت فنزلت عن راحلتي وأنختها ونمت وقد تعوذت قبل نومي. فقلت أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن. فرأيت في منامي رجلا بيده حربة يريد أن يضعها في نحر ناقتي، فانتبهت فزعا فنظرت يمينا وشمالا فلم أر شيئاً فقلت:

ص: 198

هذا حلم. ثم عدت فغفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فدرت حول ناقتي فلم أر شيئاً وإذا ناقتي ترعد، ثم غفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فرأيت ناقتي تضطرب والتفت فإذا أنا برجل شاب كالذي رأيته في منامي وبيده حربة ورجل شيخ ممسك بيده يرده عنها، فبينما هما يتنازعان إذ طلعت ثلاثة أثوار من الوحش فقال الشيخ للفتى: قم فخذ أيها شئت فداء لناقة جاري الإنسي.

فقام الفتى فأخذ منها ثورا وانصرف ثم التفت إلي الشيخ وقال: يا فتى إذا نزلت واديا من الأودية فخفت هوله فقل: أعوذ باللَّه رب محمد من هول هذا الوادي. ولا تعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها. فقلت له: ومن محمد؟ قال: نبي عربي لا شرقي ولا غربي، بعث يوم الاثنين.

قلت: أين مسكنه؟ قال: يثرب. ذات النخل. فركبت راحلتي حين برق لي الصبح وجديت السير حتى أتيت المدينة فرآني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحدثني قبل أن أذكر له شيئاً ودعاني إلى الإسلام فأسلمت.

وروى مسلم وابن إسحاق عن ابن عباس عن نفر من الأنصار، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لهم:«ما كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به في الجاهلية؟» قالوا: يا نبي اللَّه كنا نقول حين رأيناها يرمى بها: مات ملك، ملك ملك، ولد مولود مات مولود. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:

«ليس ذلك كذلك، ولكن اللَّه سبحانه وتعالى كان إذا قضى في خلقه أمرا سمعه [ (1) ] حملة العرش فسبح من تحتهم لتسبيحهم، فسبح من تحت ذلك، فلا يزال التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا فيسبحوا. ثم يقول بعضهم لبعض: مم سبحتم؟ فيقولون: سبح من فوقنا فسبحنا لتسبيحهم فيقولون: ألا تسألون من فوقكم مم سبحوا؟ فيقولون مثل ذلك حتى ينتهوا إلى حملة العرش فيقال لهم: مم سبحتم؟ فيقولون: قضى اللَّه تعالى في خلقه كذا وكذا للأمر الذي كان فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى السماء الدنيا فيتحدثون به، فتسرقه فتسترقه الشياطين بالسمع على توهم واختلاف، ثم يأتون به الكهان فيحدثونهم فيخطئون بعضا ثم إن اللَّه تعالى حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها فانقطعت الكهانة اليوم فلا كهانة» .

وروى عن لهيب بن مالك اللهبي قال: حضرت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: بأبي أنت وأمي نحن أول من عرف حراسة السماء والشياطين ومنهم من استراق السمع عند قذف النجوم، وذلك أنا اجتمعنا إلى كاهن يقال له خطر بن مالك، وكان شيخا كبيرا قد أتت عليه مائتا سنة وثمانون سنة فقلنا: يا خطر هل عندك علم من علم هذه النجوم التي يرمى بها فإنا قد فزعنا لها وخفنا سوء عاقبتها. فقال: ائتوني بسحر، أخبركم الخبر، الخير أم الضرر والأمن أم الحذر.

[ (1) ] في أيسمعه.

ص: 199

قال: فانصرفنا عنه يومنا، فلما كان من غد في وجه السحر أتيناه فإذا هو قائم على قدميه شاخص ببصره إلى السماء، فناديناه: يا خطر يا خطر. فأومأ إلينا أن أمسكوا فأمسكنا، فانقض نجم عظيم من السماء، فصرخ الكاهن رافعا صوته.

أصابه أصابه

خامره عقابه

عاجله عذابه

أحرقه شهابه

زايله جوابه

يا ويحه ما حاله

بلبله بلباله

عاوده خباله

تقطعت حباله

وغيرت أحواله

ثم أمسك طويلا وقال:

يا معشر بني قحطان

أخبركم بالحق والعيان

أقسمت بالكعبة ذات الأركان

[والبلد] المؤتمن السدان

لقد منع السمع عناة الجان

بثاقب بكف ذي سلطان

من أجل مبعوث عظيم الشان

يبعث بالتنزيل والقرآن

وبالهدى وفاصل الفرقان

تبطل به عبادة الأوثان

فقلنا: يا خطر ما ترى لقومك؟ فقال:

أرى لقومي ما أرى لنفسي

أن يتبعوا خير بني الإنس

برهانه مثل شعاع الشمس

يبعث في مكة دار الحمس

بمحكم التنزيل غير اللبس

[ (1) ] فقلنا: يا خطر وممن هو؟ فقال: والحياة والعيش، إنه لمن قريش، ما في حكمه طيش، ولا في خلقه هيش، يكون في جيش وأي جيش، من آل قحطان وآل أيش.

فقلنا: بين لنا من أي قريش هو؟

فقال: والبيت ذي الدعائم، إنه لمن نجل هاشم، من معشر أكارم، يبعث بالملاحم، وقتل كل ظالم.

[ (1) ] الأبيات في الروض الأنف 1/ 240.

ص: 200