الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جلدة شريفة مع ما أراد اللَّه بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك قد طلبوها وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دسيسا إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام فقلت: يا محمد ما يمنعك أن تتزوج؟ فقال: ما بيدي ما أتزوج به. قلت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال: فمن هي؟ قلت: خديجة. قال: وكيف لي بذلك؟
قالت: قلت: علي. قال: فأنا أفعل. فذهبت فأخبرتها فذكرت الحديث. قالت: فأرسلت إليه أن ائت ساعة كذا وكذا. فحضر وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها.
وعند ابن إسحاق إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دخل مع عمه حمزة. وعند النيسابوري في الشرف أن أبا طالب خرج مع عشرة من قومه حتى دخلوا على عمها فخطبها فزوجه. فقال عمرو بن أسد: هذا الفحل لا يقدع أنفه.
قال ابن هشام: أصدقها عشرين بكرة. قال البلاذري والدمياطي: اثنتي عشرة أوقية ونشا. قال المحب الطبري: ذهبا.
وذكر أبو الحسين بن فارس وغيره رحمهم اللَّه تعالى أن أبا طالب خطب يومئذ فقال:
الحمد للَّه الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد مضر، وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا حكام الناس ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا وإن كان في المال قلا فإن المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة، وهو واللَّه بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل، وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة وقد بذل لها من الصداق حكمكم عاجله وآجله اثنتا عشرة أوقية ونشا.
فقال عمرو بن أسد عمها: هو الفحل لا يقدع أنفه. وأنكحها منه. ويقال: إن ورقة هو الذي قاله.
قال ابن إسحاق في المبتدأ: وكان تزويجه لها بعد مجيئه من الشام بشهرين وخمسة وعشرين يوما عقب صفر سنة ست وعشرين.
قال الزهري: وقال راجز من أهل مكة في ذلك:
لا تزهدي خديج في محمّد
…
نجم يضيء كما أضاء الفرقد
تنبيهات
الأول: ما تقدم من أن عمها هو الذي زوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذكره أكثر علماء أهل السير. قال السهيلي: وهو الصحيح، لما رواه الطبري عن جبير بن مطعم وابن عباس وعائشة
كلهم قال: إن عمرو بن أسد هو الذي أنكح خديجة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإن خويلد كان قد هلك قبل الفجار. ورجحه الواقدي وغلط من قال بخلافه.
وقال عمر بن أبي بكر المؤملي: المجتمع عليه أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها منه.
وذكر الزهري في سيرته أن خويلدا أباها الذي زوجها منه وكان قد سكر من خمر، فألقت عليه خديجة حلة وضمخته بخلوق فلما صحا من سكره قال: ما هذه الحلة والطيب؟
فقيل: إنك أنكحت محمدا خديجة وقد ابتنى بها. فأنكر ذلك ثم رضيه وأمضاه. ووافقه ابن إسحاق على ذلك، وذكر ابن إسحاق في آخر كتابه أن عمرو بن خويلد أخاها هو الذي زوجها. فاللَّه أعلم.
الثاني: اختلف في قدر عمر خديجة وعمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حينئذ فقيل: كان عمره صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة. قال في «الغرر» وهو الصحيح الذي عليه الجهور. وقطع به أبو عمرو الحافظ عبد الغني المقدسي.
وقيل: إحدى وعشرين سنة وقدمه في «الإشارة» .
وقيل: تسعا وعشرين وقد راهق الثلاثين. قاله البرقي. وقيل ثلاثين وقيل سبعا وثلاثين.
وقيل غير ذلك.
قال في «الغرر» وهذه الأقوال الأربعة ضعيفة ليس لها حجة تقوم على ساق.
وقيل: كان عمرها رضي اللَّه تعالى عنها أربعين سنة. وصححه في «الغرر» وقيل خمسا وأربعين وقيل ثلاثين وقيل ثمانية وعشرين.
الثالث: ذكر الحافظ يعقوب بن سفيان في كتاب «ما روى أهل الكوفة مخالفا لأهل المدينة» أن عليا ضمن المهر وقال: هذا غلط.
قال في «الزهر» قد وجدنا ما ينفي الغلط وهو ما ذكره ابن إسحاق في المتبدإ: أن عليا قال: أرسلني أبي أنه يضمن لكم المهر فزوجوه. قال: فهذا يبين لك معنى ما أشكل على يعقوب ويوضحه.
وتعقبه الحافظ في الحاشية بأن عليا كان كما ولد أو لم يكن حينئذ ولد، على جميع الأقوال في مقدار عمره. وتعقب في «الغرر» كلام «الزهر» أيضاً بأن عليا لم يكن ولد كما سنذكر الخلاف في سنه حين أسلم. والصحيح أنه ثمانية وعند آخرين عشرة وعلى الأول يكون مولده سنة اثنتين وثلاثين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني يكون سنة ثلاثين. فيكون
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم قبل مولده بسبع سنين أو خمس. واللَّه تعالى أعلم.
الرابع: في بيان غريب ما سبق.
جلدة- بفتح الجيم وإسكان اللام وبالدال المهملة: الصلبة القوية.
الحزم: ضبط الشخص أمره وأخذه بالثقة، وقد حزم الرجل بضم فهو حازم.
السطة- بسين مكسورة وطاء مفتوحة مهملتين. قال السهيلي: هي من الوسط مصدر كالعدة والزنة، يعني من الوعد والوزن. والكلمة أصلها الواو، والهاء عوض عنها.
والوسط من أوصاف المدح والتفضيل ولكن في مقامين: في ذكر النسب وفي ذكر الشهادة. أما النسب: فلأن أوسط القبيلة أعرقها وأولادها بالصميم وأبعدها عن الأطراف وأجدر أن لا تضاف إليه الدعوى، لأن الآباء والأمهات قد أحاطوا به من كل جانب فكان الوسط من أجل هذا مدحا في النسب لهذا السبب. وأما في الشهادة فنحو قوله تعالى: قالَ أَوْسَطُهُمْ [ن 28] وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة 143] وكان هذا مدحا في الشهادة لأن غاية العدالة في الشاهد أن يكون وسطا كالميزان لا يميل مع أحد بل يصمم على الحق تصميما، لا يجذبه هوى ولا تميل به رغبة ولا رهبة من هاهنا ولا من هاهنا فكان وصفه بالوسط غاية في التزكية والتعديل وظن كثير من الناس أن معنى الوسط الأفضل على الإطلاق، وقالوا معنى الصلاة الوسطى الفضلى، وليس كذلك بل هو في جميع الأوصاف لا مدح ولا ذم كما يقتضي لفظ التوسط فإذا كان وسطا في السمن فهو بين الممخة أي السمينة والعجفاء. والوسط في الجمال بين الحسناء والشّوطاء إلى غير ذلك من الأوصاف لا يعطي مدحا ولا ذما. غير أنهم قد قالوا في المثل: أثقل من مغن وسط على الذم لأن المغني إن كان مجيدا جدا أمتع وأطرب وإن كان باردا جدا أضحك وألهى وذلك أيضاً مما يمتع. قال الجاحظ: وإنما الكرب الذي يجثم على القلوب ويأخذ بالأنفاس الغناء الفاتر الوسط الذي لا يمتع بصوت. ولا يضحك بلهو.
وإذا ثبت هذا فلا يجوز أن يقال في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو أوسط الناس أي أفضلهم ولا يوصف بأنه وسط في العلم ولا في الجود ولا في غير ذلك إلا في النسب والشهادة.
دسيسا: بفتح الدال وسينين مهملتين الأولى مكسورة بينهما مثناة تحتية ساكنة يقال دسست الشيء في الشيء إذا أخفيته فيه. والدسيس إخفاء المكر.
الضئضئ [ (1) ] بكسر الضادين المعجمتين وبهمزتين الأولى ساكنة ويقال فيه ضئضيء
[ (1) ] أنظر اللسان 3/ 2541.
بوزن قنديل وضؤضؤ بوزن هدهد، وضؤضوء بوزن سرسور، ويقال أيضاً بصادين وسينين مهملتين، وهو في الجميع: الأصل والمعدن.
العنصر: بعين مهملة مضمومة فنون ساكنة وصاد مهملة مضمومة وقد تفتح: الأصل.
الفحل: بفاء فحاء مهملة: معروف.
لا يقدع: بمثناة تحتية مضمومة فقاف ساكنة فدال مفتوحة فعين مهملتين قال في الصحاح: قدعت فرسي أقدعه قدعا: كبحته وكففته، فهو فرس قدوع أي يحتاج إلى القدع ليكف بعض جريه. وهذا فحل لا يقدع أي لا يضرب أنفه، وذلك إذا كان كريما. وفي النهاية:
يقال: قدعت الفحل وهو أن يكون غير كريم فإذا أراد ركوب الناقة الكريمة ضرب أنفه بالرمح أو غيره يرتدع وينكف. ويروى بالراء.
التضمخ: التلطخ.
الخلوق: بفتح المعجمة طيب يخلط بزعفران.
النش: بنون مفتوحة فشين معجمة: نصف أوقية، والأوقية أربعون درهما، فيكون جملة الصداق خمسمائة درهم شرعي.