المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مختلف في صحبته رضي اللَّه تعالى عنه قال: نزل جبريل - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - جـ ٢

[الصالحي الشامي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌جماع أبواب صفة جسده الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في حسنه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهان

- ‌الباب الثاني في صفة لونه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث في صفة رأسه وشعره صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع في صفة جبينه وحاجبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس في صفة عينيه صلى الله عليه وسلم وبعض ما فيهما من الآيات

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس في سمعه الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهان

- ‌الباب السابع في صفة انفه الشريف وخديه صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثامن في صفة فمه صلى الله عليه وسلم وأسنانه وطيب ريقه وبعض الآيات فيه

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب التاسع في صفة لحيته الشريفة وشيبه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العاشر في صفة وجهه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الحادي عشر في صفة عنقه صلى الله عليه وسلم وبعد ما بين منكبيه وغلظ كتده

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الثاني عشر في صفة ظهره صلى الله عليه وسلم وما جاء في صفة خاتم النبوة

- ‌فصل اختلف في صفة خاتم النبوة على أقوال كثيرة متقاربة المعنى

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث عشر في صفة صدره وبطنه صلى الله عليه وسلم

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الرابع عشر فيما جاء في شق صدره وقلبه الشريفين صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌تفسير الغريب

- ‌ذكر أحاديث فيها شق صدره صلى الله عليه وسلم من غير تعيين زمان

- ‌ذكر غريب ما تقدم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس عشر في صفة يديه وإبطيه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس عشر في صفة ساقيه وفخذيه وقدميه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السابع عشر في ضخامة كراديسه صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثامن عشر في طوله واعتدال خلقه ورقة بشرته صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق:

- ‌الباب التاسع عشر في عرقه صلى الله عليه وسلم وطيبه

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العشرون في مشيه صلى الله عليه وسلم وأنه لم يكن يرى له ظل

- ‌الباب الحادي والعشرون في الآية في صوته صلى الله عليه وسلم وبلوغه حيث لا يبلغه صوت غيره

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثاني والعشرون في فصاحته صلى الله عليه وسلم

- ‌[معرفته صلى الله عليه وسلم بلهجات العرب]

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث والعشرون في معرفة الذين كانت صفات أجسادهم تقرب من صفات جسده صلى الله عليه وسلم

- ‌جماع أبواب بعض الأمور الكائنة بعد مولده وقبل بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في وفاة أمه آمنة بنت وهب وحضانة أم أيمن له

- ‌تنبيه

- ‌فصل في الكلام على أحاديث النهي عن استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لأبويه

- ‌الباب الثاني في كفالة عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفته بشأنه

- ‌الباب الثالث في استسقاء أهل مكة بجده وهو معهم وسقياهم ببركته

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الرابع فيما حصل له في سنة سبع من مولده

- ‌الباب الخامس في وفاة عبد المطلب ووصيته لأبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر في ذلك من الآيات

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب السادس في استسقاء أبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وعطش أبي طالب وشكواه ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب السابع في سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه الزبير بن عبد المطلب إلى اليمن

- ‌الباب الثامن في سفره صلى الله عليه وسلم مع عمة أبي طالب إلى الشام

- ‌تنبيهات

- ‌الباب التاسع في حفظ الله تعالى إياه في شبابه عما كان عليه أهل الجاهلية واشتهاره بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته وتعظيم قومه له صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العاشر في شهوده صلى الله عليه وسلم حرب الفجار

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الحادي عشر في شهوده صلى الله عليه وسلم حلف الفضول

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثاني عشر في رعيته صلى الله عليه وسلم الغنم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث عشر في سفره صلى الله عليه وسلم مرة ثانية إلى الشام

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع عشر في نكاحه صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس عشر في بنيان قريش الكعبة

- ‌تنبيهات

- ‌جماع أبواب مبعثه صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في بدء عبادة الأصنام والإشراك بالله تعالى

- ‌الباب الثاني في إخبار الأحبار والرهبان والكهان بمبعث حبيب الرحمن صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبر زيد بن عمرو بن نفيل

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر قس بن ساعدة

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر العباس عن بعض أحبار اليمن

- ‌خبر أمية عن بعض أحبار الشام

- ‌خبر أبي سفيان عن أمية

- ‌خبر عبد الرحمن بن عوف عن عثكلان الحبر

- ‌خبر عروة بن مسعود الثقفي عن بعض الكهان والكواهن

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر عمرو بن معدي كرب عن بعض الكهان

- ‌خبر ابن الهيبان

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر الحبر من جرهم

- ‌خبر الحبر من أهل بصرى

- ‌خبر رئيس نجران

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثالث في حدوث الرجوم وحجب الشياطين من استراق السمع عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع في بعض ما سمع من الهواتف وتنكس الأصنام

- ‌تفسير الغريب

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الخامس في قدر عمر النبي صلى الله عليه وسلم وقت بعثته وتاريخها

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس في ابتدائه صلى الله عليه وسلم بالرؤيا الصادقة وسلام الحجر والشجر عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه

- ‌تنبيهان

- ‌الباب السابع فيما ذكر أن إسرافيل قرن به قبل جبريل صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثامن في كيفية بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب التاسع في كيفية إنزال الوحي

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العاشر في شدة الوحي وثقله

- ‌تنبيهات

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الحادي عشر في أنواع الوحي

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثاني عشر في فترة الوحي وتشريف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة بعد النبوة

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث عشر في معنى الوحي والنبيّ والرسول والنبّوة والرسالة

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع عشر في مثله ومثل ما بعثه الله تعالى به من الهدى

- ‌تنبيهات في بعض فوائد الحديث

- ‌الباب الخامس عشر في مثله ومثل الأنبياء من قبله

- ‌الباب السادس عشر في الوقت الذي كتب فيه نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السابع عشر في إعلام الوحش برسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثامن عشر في شهادة الرضيع والأبكم برسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌جماع أبواب بعض الأمور الكائنة بعد بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في تعليم جبريل النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثاني في إسلام خديجة بنت خويلد، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، واختلاف الناس فيمن اسلم أولا

- ‌تنبيه: في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الثالث في ذكر متقدّمي الإسلام من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- تقدم علي وزيد بن حارثة

- ‌الباب الرابع في قصة إسلام أبي ذرّ وأخيه أنيس- رضي اللَّه تعالى عنهما

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس في سبب دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم واستخفاء المسلمين حال عبادتهم ربّهم تبارك وتعالى

- ‌تنبيهان

- ‌الباب السادس في أمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بإظهار الإسلام

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب السابع في مشي قريش إلى أبي طالب ليكفّ عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثامن في إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب التاسع في إرسال قريش عتبة بن أبي ربيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه أشياء ليكف عنهم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب العاشر في أسئلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعاً من الآيات وخرق العادات على وجه العناد لا على وجه الهدى والرشاد

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الحادي عشر في امتحانهم إياه بأصياء لا يعرفها إلا نبي

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق:

- ‌الباب الثالث عشر في اعتراف أبي جهل وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الرابع عشر في تحيّر الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن والآيات التي أنزلت فيه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الخامس عشر في عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب السادس عشر في الهجرة الأولى إلى الحبشة وسبب رجوع من هاجر إليها من المسلمين وكانت في شهر رجب سنة خمس من المبعث

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السابع عشر في إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الثامن عشر في دخول بني هاشم وبني المطلب بني عبد مناف الشّعب وكتابة قريش الصحيفة الظالمة

- ‌تنبيهات

- ‌تفسير غريب قصيدة أبي طالب اللامية

- ‌الباب التاسع عشر في رجوع القادمين من الحبشة إليها والهجرة الثانية

- ‌كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي

- ‌تنبيهات

- ‌في معرفة أسماء الذين هاجروا الهجرة الثانية:

- ‌الباء الموحدة

- ‌التاء المثناة

- ‌الجيم

- ‌الحاء المهملة

- ‌الخاء المعجمة

- ‌الراء

- ‌الزاي

- ‌السين المهملة

- ‌الشين المعجمة

- ‌الطاء المهملة

- ‌العين المهملة

- ‌الفاء

- ‌القاف

- ‌الميم

- ‌ الهاء

- ‌النون

- ‌الياء

- ‌الكنى

- ‌النساء

- ‌من ولد بأرض الحبشة

- ‌الباب العشرون في إرادة أبي بكر رضي الله عنه الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الحادي والعشرون في نقض الصحيفة الظالمة

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الثاني والعشرون في إسلام الطّفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثالث والعشرون في قصتي الأراشيّ والزّبيديّ اللذين ابتاع أبو جهل إبلهما

- ‌تفسير الغريب

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الرابع والعشرون في وفد النصارى الذين أسلموا

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الخامس والعشرون في سبب نزول أول سورة «عبس»

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السابع والعشرون في سبب نزول أول سورة الروم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثامن والعشرون في وفاة أبي طالب ومشي قريش إليه ليكف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب التاسع والعشرون في وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها

- ‌الباب الثلاثون في بعض ما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش بعد موت أبي طالب

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الحادي والثلاثون في سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

- ‌تنبيهان

- ‌الباب الثاني والثلاثون في إسلام الجن

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث والثلاثون في عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على القبائل ليؤووه وينصروه ودعائه الناس إلى التوحيد

- ‌تنبيه [في بيان غريب ما سبق]

- ‌الباب الرابع والثلاثون في خبر بعض المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان هلاكهم

- ‌الأول: الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن زهرة

- ‌الثاني: الحارث بن قيس السهمي

- ‌الثالث: الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى

- ‌الرابع: مالك بن الطّلاطلة

- ‌الخامس: العاصي بن وائل السهمي

- ‌السادس: الحكم بن أبي العاصي بن أمية

- ‌السابع: الوليد بن المغيرة:

- ‌الثامن: أبو لهب

- ‌تنبيه

- ‌تنبيه

- ‌تنبيهات

الفصل: مختلف في صحبته رضي اللَّه تعالى عنه قال: نزل جبريل

مختلف في صحبته رضي اللَّه تعالى عنه قال: نزل جبريل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وسلم فشق قلبه ثم قال جبريل: قلبك وكيع فيه أذنان سميعتان وعينان بصيرتان محمد رسول اللَّه المقفي الحاشر خلقك قيم ولسانك صادق ونفسك مطمئنة.

‌ذكر غريب ما تقدم

ثغرة النحر: بالضم: وهي النقرة التي بين الترقوتين.

شعرته بكسر الشين المعجمة: العانة.

كفه الميزان: بتثليث الكاف والكسر أشهر.

مغمز الشيطان: بفتح الميم الأولى وإسكان الغين المعجمة وكسر الميم الثانية وآخره زاي، وهو الي يغمزه الشيطان من كل مولود، إلا عيسى ابن مريم وأمه لقول أمها حنة:

وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [آل عمران 36] قال السهيلي: ولا يدل هذا على أفضلية عيسى على نبينا صلى الله عليه وسلم فقد نزع ذلك منه وملئ حكمة وإيمانا بعد أن غسله روح القدس بالثلج والبرد.

الملاءة بالضم والمد: الإزار.

سكينة وبرهرة. سيأتي الكلام عليها.

حشوة بضم الحاء وكسرها: الأمعاء.

وكيع [ (1) ] قال في النهاية: قلب وكيع: واع: أي متين محكم ومنه قولهم: سقاء وكيع إذا كان محكم الخرز.

قيم بمثناة تحتية. وقثم: بمثلثة. وتقدم الكلام عليهما في الأسماء.

‌تنبيهات

الأول: قال الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه اللَّه تعالى: في أول شرحه لتقريبه. قد أنكر صحة وقوع شق الصدر ليلة الإسراء ابن حزم وعياض وادعيا أنه تخليط من شريك. وليس كذلك فقد ثبت في الصحيحين من غير طريق شريك.

وقال الإمام أبو العباس القرطبي في المفهم: لا يلتفت لإنكار شق الصدر ليلة الإسراء لأن رواته ثقات مشاهير.

وقال الحافظ: قد أنكر شق الصدر ليلة الإسراء بعضهم ولا إنكار في ذلك، فقد تواترت به الروايات.

الثاني: قال القرطبي في المفهم والتوربشتي- بضم المثناة الفوقية وفتح الراء وكسر

[ (1) ] انظر لسان العرب [5/ 4908] .

ص: 64

الموحدة وسكون الشين المعجمة بعدها مثناة فوقية- في شرح المصابيح والطيبي في شرح المشكاة والحافظ والشيخ وغيرهم رحمهم اللَّه تعالى أن جميع ما ورد في شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك مما يجب التسليم له دون تعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك. ويؤيده الحديث الصحيح أنهم كانوا يرون أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم.

قال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: وما وقع من بعض جهلة العصر من إنكار ذلك وحمله على الأمر المعنوي وإلزام قائله القول بقلب الحقائق، فهو جهل صريح وخطأ قبيح نشأ من خذلان اللَّه تعالى لهم وعكوفهم على العلوم الفلسفية وبعدهم عن دقائق السنة. عافانا اللَّه تعالى من ذلك.

الثالث: قال العلامة ابن المنير- بضم الميم وفتح النون وكسر التحتية المشددة رحمه اللَّه تعالى: وشق الصدر له صلى الله عليه وسلم وصبره عليه من جنس ما ابتلى به اللَّه الذبيح وصبر عليه، بل هذا أشق وأجل لأن تلك معاريض وهذه حقيقة، وأيضاً فقد تكرر ووقع له صلى الله عليه وسلم وهو صغير يتيم بعيد من أهله صلى الله عليه وسلم وزاده شرفا وفضلا.

الرابع: سئل شيخ الإسلام أبو الحسن السبكي رحمه اللَّه تعالى عن العلقة السوداء التي أخرجت من قلبه صلى الله عليه وسلم حين شق فؤاده وقول الملك: هذا حظ الشيطان منك.

فأجاب رحمه اللَّه تعالى: بأن تلك العلقة خلقها اللَّه تعالى في قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها فأزيلت من قلبه صلى الله عليه وسلم فلم يبق فيه مكان لأن يلقي الشيطان فيه شيئاً. هذا معنى الحديث ولم يكن للشيطان فيه حظ. وأما الذي نفاه الملك هو أمر في الجبلات البشرية فأزيل القابل الذي لم يكن يلزم من حصوله حصول القذف في القلب.

قيل له: فلم خلق اللَّه تعالى هذا القابل في هذه الذات الشريفة، وكان يمكن أن لا يخلقه اللَّه تعالى فيها؟ فقال: إنه من جملة الأجزاء الإنسانية فخلقه تكملة للخلق الإنساني ولا بد منه ونزعه كرامة ربانية طرأت.

وقال غيره: لو خلق اللَّه تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم سليما فيها لم يكن للآدميين اطلاع على حقيقته، فأظهره اللَّه تعالى على يد جبريل عليه الصلاة والسلام ليتحقق كمال باطنه كما برز لهم مكمل الظاهر.

الخامس: قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة [ (1) ]- وهو بجيم مفتوحة فراء مهملة

[ (1) ] عبد الله بن سعد بن سعيد بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي، أبو محمد: من العلماء بالحديث، مالكي. أصله من الأندلس ووفاته بمصر. من كتبه «جمع النهاية اختصر به صحيح البخاري، ويعرف بمختصر ابن أبي جمرة، و «بهجة النفوس» في شرح جمع النهاية، و «المرائي الحسان» في الحديث والرؤيا. توفي سنة 695 هـ[الأعلام 4/ 89] .

ص: 65

رحمه اللَّه تعالى: الحكمة في شق صدره الشريف صلى الله عليه وسلم مع القدرة على أن يمتلئ قلبه إيمانا وحكمة من غير شق: الزيادة في قوة اليقين لأنه أعطي برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس حالا ومقالا ولذلك وصف بقوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى [النجم 17] .

السادس: اختلف: هل كان شق الصدر وغسله مختصا به صلى الله عليه وسلم أو وقع لغيره؟ صحح الشيخ رحمه اللَّه تعالى عدم المشاركة. وسيأتي في الخصائص أن الصحيح المشاركة.

السابع: في الحكمة في تكرره. قال الحافظ رحمه اللَّه تعالى، بعد أن ذكر الأولى والثالثة والرابعة: ولكل من الثلاث حكمة، فالأولى كان في زمن الطفولية لينشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان، ثم عند المبعث زيادة في الكرامة ليتلقى ما يلقى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير، ثم وقع عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة.

قلت: وسكت عن حكمه المرة الثانية مع ذكره للمرة الثانية في كتاب التوحيد جازما بها ويحتمل أن يقال لما كان العشر قريبا من سن التكليف شق صدره صلى الله عليه وسلم وقدس حتى لا يلتبس بشيء مما يعاب على الرجال. واللَّه تعالى أعلم.

قال الحافظ رحمه اللَّه تعالى: ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة في الإسباغ بحصول المرة الثالثة كما هي في شرعه صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن أبي جمرة رحمه اللَّه تعالى: وإنما غسل قلبه صلى الله عليه وسلم وقد كان مقدسا وقابلا لما يلقى فيه من الخير. وقد غسل أولا وهو صغير السن وأخرجت منه العلقة إعظاما وتأهبا لما يلقى هناك. يعني في المعراج. وقد جرت الحكمة بذلك في غير ما موضع مثل الوضوء للصلاة لمن كان متوضئا لأن الوضوء في حقه إنما هو إعظام وتأهب للوقوف بين يدي اللَّه تعالى ومناجاته. وكذلك أيضاً الزيادة على الواحدة والثنتين إذا أسبغ بالأولى لأن الإجزاء قد حصل وبقي ما بعد الإسباغ إلى الثلاث عظاما لما يقدم عليه. وكذلك غسل الباطن هنا وقد قال تعالى: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج 32] فكان الغسل له صلى الله عليه وسلم من هذا القبيل وإشارة لأمته بالفعل بتعظيم الشعائر كما نص عليه بالقول.

وقال البرهان النعماني رحمه اللَّه تعالى في سراجه: قد سن لداخل الحرم الشريف الغسل، فما ظنك بداخل الحضرة المقدسة؟! فلما كان الحرم الشريف من عالم الملك وهو ظاهر الكائنات أنيط الغسل له بظاهر البدن في عالم المعاملات، ولما كانت الحضرة القدسية من عالم الملكوت وهو باطن الكائنات أنيط الغسل بباطن البدن في التحقيقات، وقد عرج به صلى الله عليه وسلم لتفرض عليه الصلاة وليصلي بملائكة السموات، ومن شأن الصلاة الطهور فقدس ظاهرا وباطنا.

ص: 66

فإن قلت: إن اللَّه تعالى خلقه نورا متنقلا من الأنبياء وفي صفاء النور ما يغني عن التطهير الحسي، ثم إن المرة الأولى لم تكن كافية في تطهير الباطن ويلزم عليه أنه بعد النبوة كان فيه شيء يحتاج إلى ذلك، وهو منزه عن أدران البشرية.

قلت: الغسلة الأولى لعين اليقين والثانية لعلم اليقين، والثالثة لحق اليقين.

الثامن: اختلف هل وقع له صلى الله عليه وسلم مع ذلك مشقة أم لا؟.

قال الحافظ: من غير مشقة وبه جزم ابن الجوزي فقال: شقه وما شق عليه. وقال ابن دحية: بمشقة عظيمة ولهذا انتقع لونه صلى الله عليه وسلم أي صار كلون النقع وهو الغبار، وهذه صفة ألوان الموتى.

قلت: رواية «انتقع لونه» حكاية، وقع في المرة الأولى وهو صغير في بني سعد. وأما ما وقع بعدها فلم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم تأثر لذلك. وقد تقدم في حديث أبي هريرة في المرة الثانية ما يؤيد ذلك فراجعه.

التاسع: وقع السؤال هل كان شق صدره الشريف صلى الله عليه وسلم بآلة أم لا: ولم يجب عنه أحد ولم أر من تعرض له بعد التتبع. وظاهر قوله: «فشق» أنه كان بآلة، ويدل لذلك قول الملك في حديث أبي ذر. «خط بطنه فخاطه» وفي لفظ عن عتبة بن عبد:«حصه فحاصه» ، وفي حديث أنس «كانوا يرون أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم» .

العاشر:

في حديث أبي ذر «وأتيت بالسكينة كأنها برهرهة فوضعت في صدري»

قال ابن الأنباري: «برهرهة» وهي السكينة المعوجّة الرأس التي تسميها العامة «المنجل» بالجيم.

وقال الخطابي: عثرت على رواية وفيها: أنه شق عن قلبه قال: فدعي بسكينة كأنها درهمة بيضاء، فوقع لي أنه أراد بالبرهرهة سكينة بيضاء صافية الحديد تشبيها بالبرهرهة من النساء في بياضها وصفائها.

ثم قال ابن دحية والصواب في هذه اللفظة السكينة- أي بالتخفيف لأنه قال بعد شق البطن، ثم أتيت بالسكينة كأنها برهرهة فوضعت في صدري، فإنما عني بها السكينة التي هي في الأصل اللغة فعيلة من السكون وهي أكثر ما تأتي في القرآن العظيم بمعنى السكون والطمأنينة.

الحادي عشر: خص الطست بما ذكر لكونه أشهر آلات الغسل عرفا.

قال السهيلي رحمه اللَّه تعالى: وفي ذكر الطست أيضاً وحروف اسمه حكم تنظر إلى قوله تعالى: طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ [النمل 1] .

ص: 67

الثاني عشر: قال السهيلي: خص الذهب لكونه مناسبا للمعنى الذي أريد به فإن نظرت إلى لفظ الذهب فمطابق للذهاب، فإن اللَّه تعالى أراد أن يذهب عنه الرجس ويطهره تطهيرا وإن نظرت إلى معنى الذهب وأوصافه وجدته أنقى شيء وأصفاه يقال في المثل:«أنقى من الذهب» وقالت بريرة في عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: ما أعلم عليها إلا ما يعلم الصائغ على الذهب الأحمر. وقال حذيفة رضي اللَّه تعالى عنه في صلة- بكسر الصاد المهملة- ابن أشيم- بالشين المعجمة- وزن أعلم: إنما قلبه ذهب. وقال جرير بن حازم رحمه اللَّه تعالى، وهو بالحاء المهملة والزاي، في الخليل بن أحمد: إنه لرجل من ذهب. يريد النقاء من العيوب.

فقد طابق طست الذهب ما أريد بالنبي صلى الله عليه وسلم من نقاء قلبه.

ومن أوصاف الذهب أيضاً المطابقة لهذا المقام: ثقله ورسوبه فإنه يجعل في الزئبق الذي هو أثقل الأشياء فيرسب. واللَّه سبحانه وتعالى يقول: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل 5] وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه: إنما ثقلت موازين المحقين يوم القيامة لإتباعهم الحق وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا. وقال في أهل الباطل بعكس ذلك.

وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أنزل عليه الوحي وهو على ناقته فثقل عليها حتى ساخت قوائمها في الأرض. فقد طابقت الصفة المعقولة الصفة المحسوسة.

ومن أوصاف الذهب أيضاً: أنه لا تأكله النار، وكذلك القرآن لا تأكل النار يوم القيامة قلبا وعاه ولا بدنا عمل به. قال عليه الصلاة والسلام:«لو كان القرآن في إهاب ثم طرح في النار ما احترق [ (1) ] » .

ومن أوصاف الذهب المناسبة لأوصاف القرآن والوحي: أن الأرض لا تبليه وأن الهواء لا يذريه وكذلك القرآن لا يخلق على كثرة الرد ولا يستطاع تغييره ولا تبديله.

ومن أوصافه أيضاً: نفاسته وعزته عند الناس. وكذلك القرآن والحق عزيزان، قال تعالى:

وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ [فصلت 41.]

فهذا إذا نظرت إلى أوصافه ولفظه فإن نظرت إلى ذاته وظاهره فإنه زخرف الدنيا وزينتها، وقد فتح بالقرآن والوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وأمته خزائن الملوك وتصيير ذلك إلى أيديهم

[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 4/ 155 والطبراني في الكبير 6/ 212 وابن عدي في الكامل 1/ 46 والعقيلي في الضعفاء 2/ 295 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 161 وعزاه لأحمد وأبو يعلى والطبراني وقال: فيه ابن لهيعة وفيه خلاف وفسره بعض رواة أبي يعلى بأن من جمع القرآن ثم دخل النار فهو شر من الخنزير.

ص: 68

ذهبها وفضتها وجميع زخرفها وزينتها. ثم وعد بإتباع الوحي والقرآن قصور الذهب في الجنة قال صلى الله عليه وسلم: «جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما» وفي التنزيل: يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ [الزخرف 71] فكأن ذلك الذهب يشعر بالذهب الذي يصير إليه من اتبع الحق والقرآن، وأوصافه تشعر بأوصاف الحق والقرآن، ولفظه يشعر بإذهاب الرجس. كما تقدم.

فهذه حكم بالغة لمن تأمل، واعتبار صحيح لمن تدبر.

وزاد غيره أن الذهب من جوالب السرور. وقال الشاعر:

صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها

لو مسها حجر مسته سراء

[ (1) ] .

الثالث عشر: قال النووي رحمه اللَّه تعالى: ليس في هذا الخبر ما يوهم جواز استعمال إناء الذهب والفضة لأن هذا فعل الملائكة واستعمالهم، وليس بلازم أن يكون حكمهم حكمنا ولأنه كان قبل تحريم النبي صلى الله عليه وسلم أواني الذهب والفضة. انتهى.

أي لأن التحريم إنما وقع بالمدينة كما نبه عليه الحافظ.

الرابع عشر: يؤخذ من غسل قلبه صلى الله عليه وسلم بماء زمزم أنه أفضل المياه وبه جزم الإمام البلقيني قال ابن أبي جمرة: إنما لم يغسل بماء الجنة لما اجتمع في زمزم من كون أصل مائها من الجنة ثم استقر في الأرض، فأريد بذلك بقاء بركته صلى الله عليه وسلم في الأرض.

وقال غيره: لما كان ماء زمزم أصل حياة أبيه إسماعيل صلى الله عليه وسلم وقد ربي عليه ونما عليه قلبه وجسده وصار هو صاحبه وصاحب البلدة المباركة، ناسب أن يكون ولده الصادق المصدوق كذلك. ولما فيه من الإشارة إلى اختصاصه بذلك بعده فإنه قد صارت الولاية إليه في الفتح فجعل السقاية للعباس وولده وحجابة البيت لعثمان بن شيبة وعقبه إلى يوم القيامة.

الخامس عشر: الحكمة في غسل صدره صلى الله عليه وسلم بماء الثلج والبرد هي مع ما فيهما من الصفاء وعدم التكدر بالأجزاء الترابية التي هي محل الأرجاس وعنصر الأكدار، الإيماء إلى أن الوقت يصفو له صلى الله عليه وسلم ولأمته ويروق بشريعته الغراء وسنته، والإشارة إلى ثلوج صدره أي انشراحه بالنصر على أعدائه والظفر بهم والإيذان ببرودة قلبه، أي طمأنينته على أمته بالمغفرة لهم والتجاوز عن سيئاتهم.

وقال ابن دحية: إنما غسل قلبه صلى الله عليه وسلم بالثلج لما يشعر به الثلج من ثلج اليقين إلى قلبه.

وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول بين التكبير والقراءة: «اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والبرد

[ (2) ] » وأراد

[ (1) ] البيت لأبي نواس انظر الأغاني 4/ 200.

[ (2) ] أخرجه البخاري 11/ 180 حديث (6868) ومسلم 4/ 2078 حديث (48- 2705) .

ص: 69

تعالى أن يغسل قلبه فيما حمل من الجنة في طست ملئ حكمة وإيمانا ليعرف قلبه طيب الجنة ويجد حلاوتها فيكون في الدنيا أزهد وعلى دعوة الخلق إلى الجنة أحرص، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان له أعداء يتقولون عليه فأراد اللَّه تعالى أن ينفي عنه طبع البشرية من ضيق الصدر وسوء مقالات الأعداء، فغسل قلبه ليورث ذلك صدره سعة ويفارقه الضيق. كما قال تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ [الحجر 97] . فغسل قلبه غير مرة فصار بحيث إذا ضرب أو شج رأسه أو كسرت رباعيته كما في يوم أحد

يقول: «اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» .

السادس عشر: جاء في رواية: أن المغسول البطن. فقيل: المراد بالبطن هنا ما بطن وهو القلب، واستظهره بعضهم لأنه جاء في رواية ذكر القلب ولم يذكر البطن. ويحتمل أن تحمل كل رواية على ظاهرها، ويقع الجمع بينهما بأن يقال: أخبر صلى الله عليه وسلم مرة بغسل البطن ولم يتعرض لذكر القلب، وأخبر مرة بذكر القلب ولم يتعرض لذكر البطن، فيكون قد حصل فيهما معا مبالغة في تنظيف المحل.

قلت: تقدم التصريح بذلك في الأحاديث السابقة.

السابع عشر: قال السهيلي رحمه اللَّه تعالى: فإن قيل كيف يكون الإيمان والحكمة في طست من ذهب، والإيمان عرض من الأعراض لا يوصف بها إلا محلها والذي يقوم به، ولا يجوز فيها الانتقال لأن الانتقال من صفة الأجسام لا من صفة الأعراض؟ قلنا: إنما عبر عما في الطست- بالحكمة والإيمان كما عبر عن اللبن الذي شربه وأعطى فضله عمر بن الخطاب بالعلم، فكان تأويل ما أفرغ في قلبه صلى الله عليه وسلم إيمانا وحكمة ولعل الذي كان في الطست كان ثلجا وبردا كما ذكر في الحديث الأول، فعبر في المرة الثانية بما يؤول إليه وعبر عنه في المرة الأولى بصورته التي رآها، لأنه في المرة الأولى كان طفلا فلما رأى الثلج في طست الذهب اعتقده ثلجا حتى عرف تأويله بعد. وفي المرة الأخرى كان نبيا فلما رأى طست الذهب مملوءا ثلجا علم التأويل لحينه واعتقده في ذلك المقام حكمة وإيمانا، فكان لفظه في الحديثين [ (1) ] على حسب اعتقاده في المقامين. انتهى.

وقال النووي والحافظ: المعنى جعل في الطست شيء يحصل به الزيادة في كمال الإيمان وكمال الحكمة، وهذا المملوء يحتمل أن يكون على الحقيقة، وتجسد المعاني جائز كما جاء أن سورة البقرة تجيء يوم القيامة كأنها الظلة والموت في صورة كبش وكذلك وزن الأعمال، وغير ذلك من أحوال الغيب.

[ (1) ] في أ: الحديث.

ص: 70

وقال البيضاوي [ (1) ] رحمه الله في شرح المصابيح لعل ذلك من باب التمثيل، إذ تمثيل المعاني وقع كثيرا كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط- بضم العين المهملة، وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس.

وأشار النووي بقوله: جعل فيه شيء يحصل به زيادة في كمال الإيمان إلى آخره:

أنه صلى الله عليه وسلم كان متصفا بأقوى الإيمان.

الثامن عشر: المملوء الصدر أو البطن ففي رواية ذكر البطن وفي غيرها القلب. والظاهر أنهما ملئا معا وأخبر صلى الله عليه وسلم في رواية بالبطن وأخبر في أخرى بالقلب، ويحتمل أن يكون أراد القلب وذكر البطن توسعة لأن العرب تسمي الشيء بما قاربه وبما كان فيه. وقد قال تعالى:

فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الأنعام 125] والمراد بالصدر في الآية القلب فسماه باسم ما هو فيه وهو الصدر.

التاسع عشر: اختلف في تفسير الحكمة فقيل: إنها العلم المشتمل على معرفة اللَّه تعالى مع نفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق للعمل به والكف عن ضده، والحكيم من حاز ذلك. قال الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى: هذا ما صفا لنا من أقوال كثيرة. انتهى.

وقد تطلق الحكمة على القرآن وهو مشتمل على ذكر ذكر ذلك كله، وعلى النبوة كذلك.

وقد تطلق على العلم فقط وعلى المعرفة فقط ونحو ذلك.

وقال الحافظ: أصح ما قيل فيها: أنها وضع الشيء في محله والفهم في كتاب اللَّه تعالى. وعلى التفسير الثاني قد توجد الحكمة دون الإيمان، وقد لا توجد. وعلى الأول فقد يتلازمان لأن الإيمان يدل على الحكمة.

العشرون: قال بعض العلماء: المراد بالوزن في قوله «زنه بعشرة من أمته» الوزن الاعتباري، فيكون المراد الرجحان في الفضل وهو كذلك. وهو فائدة فعل الملكين ذلك ليعلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك حتى يخبر به غيره ويعتقده، إذ هو من الأمور الاعتقادية.

وسألت شيخ الإسلام برهان الدين ابن أبي شريف رحمه اللَّه تعالى عن هذا الحديث

[ (1) ] عبد الله بن عمر بن محمد بن على، قاضي القضاة، ناصر الدين، أبو الخير البيضاوي، صاحب المصنفات وعالم آذربيجان وشيخ تلك الناحية. ولي قضاء شيراز. قال السبكي: كان إماما مبرزا، نظارا، خيرا، صالحا، متعبدا. برع في الفقه والأصول، وجمع بين المعقول والمنقول. تكلم كل من الأئمة بالثناء على مصنفاته وفاه، ولو لم يكن له غير المنهاج الوجيز لفظه المحرر لكفاه. ولي أمر القضاء بشيراز، وقابل الأحكام الشرعية بالاحترام والاحتراز. توفي بمدينة تبريز، قال السبكي والإسنوي سنة إحدى وتسعين وستمائة. وقال ابن كثير في تاريخه والكتبي وابن حبيب: توفى سنة خمس وثمانين. [انظر الطبقات لابن قاضي شهبة 2/ 172، 173] .

ص: 71

قبل وقوفي على الكلام السابق فكتب لي بخطه: هذا الحديث يقتضي أن المعاني جعلها اللَّه تعالى ذواتا فعند ذلك قال الملك لصاحبه: أجعله في كفة وأجعل ألفا من أمته في كفة. ففعل فرجح ماله صلى الله عليه وسلم رجحانا طاش معه ما للألف بحيث يخيل إليه أنه يسقط بعضهم عليه، ولما عرف الملكان منه الرجحان وأنه معنى لو اجتمعت المعاني كلها للأمة ووضعت في كفة ووضع ماله صلى الله عليه وسلم لرجح على الأمة، قالا: لو أن أمته وزنت به مال بهم، لأن مآثر خير الخلق صلى الله عليه وسلم وما وهبه اللَّه تعالى له من الفضائل يستحيل أن يساويها غيرها. واللَّه أعلم.

ص: 72