الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثلاثون في بعض ما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش بعد موت أبي طالب
قال ابن إسحاق: فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع فيه في حياة أبي طالب.
وروى ابن إسحاق عن عبد الله بن جعفر قال: لما مات أبو طالب اعترض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا فدخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه فقامت إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لا تبكي فإن اللَّه مانع أباك. ويقول بين ذلك: ما نالت قريش منّي شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب
[ (1) ] .
وروى الطبراني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما مات أبو طالب تجهّموا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم ما أسرع ما وجدت فقدك
[ (2) ] .
وروى البيهقي عن عروة إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ما زالت قريش كاعّين حتى مات أبو طالب [ (3) ] .
ورواه الطبراني والبيهقي من طريق آخر عن عائشة مرفوعا.
وروى ابن سعد عن حكيم بن حزام وثعلبة بن صعير [ (4) ] قالا: لما توفي أبو طالب وخديجة اجتمع على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مصيبتان، فلزم بيته وأقلّ الخروج، ونالت قريش منه ما لم تكن تنال ولا تطمع فيه، فبلغ ذلك أبا لهب فجاء فقال: يا محمد امض لما أردت وما كنت صانعا إذ كان أبو طالب حيّا فاصنعه لا واللات والعزّى لا يوصل إليك حتى أموت.
وسبّ ابن الغيطلة النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه أبو لهب فنال منه فولّى وهو يصيح يا معشر قريش صبأ أبو عتبة: فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبي لهب فقال: ما فارقت دين عبد المطلب ولكن أمنع ابن أخي أن يضام حتى يمضي لما يريد. قالوا: قد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم.
فمكث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ذلك أياما يذهب ويأتي لا يعترض له أحد من قريش
[ (1) ] أخرجه الطبري في التاريخ 2/ 344.
[ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الحلية 8/ 308.
[ (3) ] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 622 والبيهقي في الدلائل 2/ 349 وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 15.
[ (4) ] ثعلبة بن صعير بمهملات أو ابن أبي صعير مصغّرا العذري بذال معجمة. عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعنه ابنه. مختلف في صحبته. وقال عباس بن محمد عن ابن معين: له رواية والحديث مضطرب. [الخلاصة 1/ 152] .
وهابوا أبا لهب، إلى أن جاء عقبة بن أبي معيط وأبو جهل بن هشام إلى أبي لهب فقالا له:
أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك؟ فقال له أبو لهب: يا محمد أين مدخل عبد المطلب؟ قال:
مع قومه فخرج أبو لهب إليهما فقال: قد سألته فقال، مع قومه فقالا: يزعم إنه في النار. فقال: يا محمد أيدخل عبد المطلب النار؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: نعم ومن مات على مثل ما مات عبد المطلب دخل النار. فقال أبو لهب: لا برحت لك عدوّا وأنت تزعم أن عبد المطلب في النار.
فاشتد عليه هو وسائر قريش.
قال ابن إسحاق وكان النفر الذي يؤذون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بيته: أبو لهب والحكم بن أبي العاصي بن أمية، وعقبة بن أبي معيط وعديّ بن الحمراء، وابن الأصداء الهذلي، وكانوا جيرانه لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاصي، وكان أحدهم، فيما ذكر لي، يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلّي، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجرا يستتر به منهم إذا صلى.
وروى البخاري وابن المنذر وأبو يعلى والطبراني عن عروة قال: سألت عمرو بن العاصي فقلت: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عليه عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه على عنقه، فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال:
أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ الآية.
زاد الأخيران: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلما قضى صلاته مرّ بهم وهم جلوس في ظل الكعبة فقال: يا معشر قريش أما والذي نفسي بيده ما أرسلت إليكم إلا بالذّبح وأشار بيده إلى حلقه فقال أبو جهل: يا محمد ما كنت جهولا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنت منهم.
وروى البزار وأبو يعلى برجال الصحيح عن أنس رضي الله عنه: لقد ضربوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى غشي عليه فقام أبو بكر ينادي: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي اللَّه.
فقالوا: من هذا؟ فقالوا: أبو بكر المجنون.
وروى الشيخان والبزار والطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه قال «ما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دعا على قريش غير يوم واحد، فإنه كان يصلي ورهط من قريش جلوس وسلا جزور نحرت بالأمس قريبا فقالوا- وفي رواية فقال أبو جهل- من يأخذ سلا هذا الجزور فيضعه على كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقاهم عقبة بن أبي معيط فجاء به فقذفه على ظهره صلى الله عليه وسلم، فضحكوا وجعل بعضهم يميل إلى بعض والنبي صلى الله عليه وسلم ما يرفع رأسه، وجاءت فاطمة رضي الله عنها فطرحته عن ظهره ودعت على من صنع ذلك. فلما قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم