المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب التاسع عشر في رجوع القادمين من الحبشة إليها والهجرة الثانية - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - جـ ٢

[الصالحي الشامي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌جماع أبواب صفة جسده الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في حسنه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهان

- ‌الباب الثاني في صفة لونه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث في صفة رأسه وشعره صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع في صفة جبينه وحاجبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس في صفة عينيه صلى الله عليه وسلم وبعض ما فيهما من الآيات

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس في سمعه الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهان

- ‌الباب السابع في صفة انفه الشريف وخديه صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثامن في صفة فمه صلى الله عليه وسلم وأسنانه وطيب ريقه وبعض الآيات فيه

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب التاسع في صفة لحيته الشريفة وشيبه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العاشر في صفة وجهه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الحادي عشر في صفة عنقه صلى الله عليه وسلم وبعد ما بين منكبيه وغلظ كتده

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الثاني عشر في صفة ظهره صلى الله عليه وسلم وما جاء في صفة خاتم النبوة

- ‌فصل اختلف في صفة خاتم النبوة على أقوال كثيرة متقاربة المعنى

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث عشر في صفة صدره وبطنه صلى الله عليه وسلم

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الرابع عشر فيما جاء في شق صدره وقلبه الشريفين صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌تفسير الغريب

- ‌ذكر أحاديث فيها شق صدره صلى الله عليه وسلم من غير تعيين زمان

- ‌ذكر غريب ما تقدم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس عشر في صفة يديه وإبطيه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس عشر في صفة ساقيه وفخذيه وقدميه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السابع عشر في ضخامة كراديسه صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثامن عشر في طوله واعتدال خلقه ورقة بشرته صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق:

- ‌الباب التاسع عشر في عرقه صلى الله عليه وسلم وطيبه

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العشرون في مشيه صلى الله عليه وسلم وأنه لم يكن يرى له ظل

- ‌الباب الحادي والعشرون في الآية في صوته صلى الله عليه وسلم وبلوغه حيث لا يبلغه صوت غيره

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثاني والعشرون في فصاحته صلى الله عليه وسلم

- ‌[معرفته صلى الله عليه وسلم بلهجات العرب]

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث والعشرون في معرفة الذين كانت صفات أجسادهم تقرب من صفات جسده صلى الله عليه وسلم

- ‌جماع أبواب بعض الأمور الكائنة بعد مولده وقبل بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في وفاة أمه آمنة بنت وهب وحضانة أم أيمن له

- ‌تنبيه

- ‌فصل في الكلام على أحاديث النهي عن استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لأبويه

- ‌الباب الثاني في كفالة عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفته بشأنه

- ‌الباب الثالث في استسقاء أهل مكة بجده وهو معهم وسقياهم ببركته

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الرابع فيما حصل له في سنة سبع من مولده

- ‌الباب الخامس في وفاة عبد المطلب ووصيته لأبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر في ذلك من الآيات

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب السادس في استسقاء أبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وعطش أبي طالب وشكواه ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب السابع في سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه الزبير بن عبد المطلب إلى اليمن

- ‌الباب الثامن في سفره صلى الله عليه وسلم مع عمة أبي طالب إلى الشام

- ‌تنبيهات

- ‌الباب التاسع في حفظ الله تعالى إياه في شبابه عما كان عليه أهل الجاهلية واشتهاره بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته وتعظيم قومه له صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العاشر في شهوده صلى الله عليه وسلم حرب الفجار

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الحادي عشر في شهوده صلى الله عليه وسلم حلف الفضول

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثاني عشر في رعيته صلى الله عليه وسلم الغنم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث عشر في سفره صلى الله عليه وسلم مرة ثانية إلى الشام

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع عشر في نكاحه صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس عشر في بنيان قريش الكعبة

- ‌تنبيهات

- ‌جماع أبواب مبعثه صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في بدء عبادة الأصنام والإشراك بالله تعالى

- ‌الباب الثاني في إخبار الأحبار والرهبان والكهان بمبعث حبيب الرحمن صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبر زيد بن عمرو بن نفيل

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر قس بن ساعدة

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر العباس عن بعض أحبار اليمن

- ‌خبر أمية عن بعض أحبار الشام

- ‌خبر أبي سفيان عن أمية

- ‌خبر عبد الرحمن بن عوف عن عثكلان الحبر

- ‌خبر عروة بن مسعود الثقفي عن بعض الكهان والكواهن

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر عمرو بن معدي كرب عن بعض الكهان

- ‌خبر ابن الهيبان

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر الحبر من جرهم

- ‌خبر الحبر من أهل بصرى

- ‌خبر رئيس نجران

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثالث في حدوث الرجوم وحجب الشياطين من استراق السمع عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع في بعض ما سمع من الهواتف وتنكس الأصنام

- ‌تفسير الغريب

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الخامس في قدر عمر النبي صلى الله عليه وسلم وقت بعثته وتاريخها

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس في ابتدائه صلى الله عليه وسلم بالرؤيا الصادقة وسلام الحجر والشجر عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه

- ‌تنبيهان

- ‌الباب السابع فيما ذكر أن إسرافيل قرن به قبل جبريل صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثامن في كيفية بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب التاسع في كيفية إنزال الوحي

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العاشر في شدة الوحي وثقله

- ‌تنبيهات

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الحادي عشر في أنواع الوحي

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثاني عشر في فترة الوحي وتشريف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة بعد النبوة

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث عشر في معنى الوحي والنبيّ والرسول والنبّوة والرسالة

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع عشر في مثله ومثل ما بعثه الله تعالى به من الهدى

- ‌تنبيهات في بعض فوائد الحديث

- ‌الباب الخامس عشر في مثله ومثل الأنبياء من قبله

- ‌الباب السادس عشر في الوقت الذي كتب فيه نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السابع عشر في إعلام الوحش برسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثامن عشر في شهادة الرضيع والأبكم برسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌جماع أبواب بعض الأمور الكائنة بعد بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في تعليم جبريل النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثاني في إسلام خديجة بنت خويلد، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، واختلاف الناس فيمن اسلم أولا

- ‌تنبيه: في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الثالث في ذكر متقدّمي الإسلام من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- تقدم علي وزيد بن حارثة

- ‌الباب الرابع في قصة إسلام أبي ذرّ وأخيه أنيس- رضي اللَّه تعالى عنهما

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس في سبب دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم واستخفاء المسلمين حال عبادتهم ربّهم تبارك وتعالى

- ‌تنبيهان

- ‌الباب السادس في أمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بإظهار الإسلام

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب السابع في مشي قريش إلى أبي طالب ليكفّ عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثامن في إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب التاسع في إرسال قريش عتبة بن أبي ربيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه أشياء ليكف عنهم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب العاشر في أسئلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعاً من الآيات وخرق العادات على وجه العناد لا على وجه الهدى والرشاد

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الحادي عشر في امتحانهم إياه بأصياء لا يعرفها إلا نبي

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق:

- ‌الباب الثالث عشر في اعتراف أبي جهل وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الرابع عشر في تحيّر الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن والآيات التي أنزلت فيه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الخامس عشر في عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب السادس عشر في الهجرة الأولى إلى الحبشة وسبب رجوع من هاجر إليها من المسلمين وكانت في شهر رجب سنة خمس من المبعث

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السابع عشر في إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الثامن عشر في دخول بني هاشم وبني المطلب بني عبد مناف الشّعب وكتابة قريش الصحيفة الظالمة

- ‌تنبيهات

- ‌تفسير غريب قصيدة أبي طالب اللامية

- ‌الباب التاسع عشر في رجوع القادمين من الحبشة إليها والهجرة الثانية

- ‌كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي

- ‌تنبيهات

- ‌في معرفة أسماء الذين هاجروا الهجرة الثانية:

- ‌الباء الموحدة

- ‌التاء المثناة

- ‌الجيم

- ‌الحاء المهملة

- ‌الخاء المعجمة

- ‌الراء

- ‌الزاي

- ‌السين المهملة

- ‌الشين المعجمة

- ‌الطاء المهملة

- ‌العين المهملة

- ‌الفاء

- ‌القاف

- ‌الميم

- ‌ الهاء

- ‌النون

- ‌الياء

- ‌الكنى

- ‌النساء

- ‌من ولد بأرض الحبشة

- ‌الباب العشرون في إرادة أبي بكر رضي الله عنه الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الحادي والعشرون في نقض الصحيفة الظالمة

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الثاني والعشرون في إسلام الطّفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثالث والعشرون في قصتي الأراشيّ والزّبيديّ اللذين ابتاع أبو جهل إبلهما

- ‌تفسير الغريب

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الرابع والعشرون في وفد النصارى الذين أسلموا

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الخامس والعشرون في سبب نزول أول سورة «عبس»

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السابع والعشرون في سبب نزول أول سورة الروم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثامن والعشرون في وفاة أبي طالب ومشي قريش إليه ليكف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب التاسع والعشرون في وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها

- ‌الباب الثلاثون في بعض ما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش بعد موت أبي طالب

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الحادي والثلاثون في سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

- ‌تنبيهان

- ‌الباب الثاني والثلاثون في إسلام الجن

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث والثلاثون في عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على القبائل ليؤووه وينصروه ودعائه الناس إلى التوحيد

- ‌تنبيه [في بيان غريب ما سبق]

- ‌الباب الرابع والثلاثون في خبر بعض المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان هلاكهم

- ‌الأول: الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن زهرة

- ‌الثاني: الحارث بن قيس السهمي

- ‌الثالث: الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى

- ‌الرابع: مالك بن الطّلاطلة

- ‌الخامس: العاصي بن وائل السهمي

- ‌السادس: الحكم بن أبي العاصي بن أمية

- ‌السابع: الوليد بن المغيرة:

- ‌الثامن: أبو لهب

- ‌تنبيه

- ‌تنبيه

- ‌تنبيهات

الفصل: ‌الباب التاسع عشر في رجوع القادمين من الحبشة إليها والهجرة الثانية

‌الباب التاسع عشر في رجوع القادمين من الحبشة إليها والهجرة الثانية

قال ابن سعد: قالوا: لما قدم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مكة من الهجرة الأولى اشتدّ عليهم.

قومهم وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذى شديدا. فأذن لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى أرض الحبشة مرة ثانية، فكانت خرجتهم الثانية أعظمها مشقة، ولقوا من قريش تعنيفا شديدا ونالوهم بالأذى واشتد عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره لهم، فقال عثمان بن عفان: يا رسول اللَّه فهجرتنا الأولى وهذه الآخرة ولست معنا؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أنتم مهاجرون إلى اللَّه تعالى وإليّ، لكم هاتان الهجرتان جميعا» .

قال عثمان: فحسبنا يا رسول اللَّه

[ (1) ] .

قال ابن إسحاق وابن سعد: وكان عدّة من خرج في هذه الهجرة من الرجال ثلاثة وثمانين.

قال ابن سعد: ومن النساء إحدى [ (2) ] عشرة امرأة قرشية وسبع غرائب. وزاد غيرهما على ذلك كما سيأتي بيانه.

وقد روى قصتهم الإمام أحمد عن ابن مسعود، وأبو نعيم والبيهقي عن أبي موسى الأشعري، وابن إسحاق عن أم سلمة، والطبراني وابن عساكر عن جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنهم قالوا: لمّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشيّ، أمنّا على ديننا وعبدنا اللَّه تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا بينهم أن يبعثوا فينا رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستظرف من متاع مكة، وكان أعجب ما يأتيه منها الأدم فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص وأمروهما بأمرهم وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلّما النجاشيّ فيهم، ثم قدّما إلى النجاشي هداياه ثم اسألاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلّمهم.

فخرجا حتى قدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار عند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يدفعا إلى النجاشيّ هديته ويكلّماه وقالا لكل بطريق منهم: أنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم،

[ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 138.

[ (2) ] سقط في أ.

ص: 389

وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردّهم إليهم، فإذا كلّمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلّمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى وأعلم بما عابوهم فيه. فقالوا: نعم.

ثم إنهما لمّا دخلا على النجاشي سجدا له وقدّما له هداياهما فقبلها ثم قالا له: أيها الملك أن نفرا من بني عمنا سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم جاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردّهم عليهم فهم أعلى وأعلم بهم عينا وبما عابوا عليهم وبما عيّبوهم فيه.

ولم يكن شيء أبغض إلى عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد من أن يسمع النجاشيّ كلام جعفر وأصحابه فقال بطارقته: صدقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم. فأسلمهم إليهما فليردّاهم إلى بلادهم وقومهم.

قال: فأين هم؟ قالا: في أرضك. فغضب النجاشي ثم قال: لاها اللَّه إذن لا أسلمهم إليهما ولا يكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فاسألهم عما يقول هذان من أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا غير ذلك منعتهم منهم وأحسنت جوارهم ما جاوروني.

ثم أرسل إلى أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول واللَّه ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كان في ذلك ما هو كائن. فقال جعفر بن أبي طالب: أنا خطيبكم اليوم.

وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله، فدخل جعفر وتبعه المسلمون فسلّم فقالوا: مالك لا تسجد للملك؟ قال جعفر: إنا لا نسجد إلا للَّه عز وجل. فقال النجاشي ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من أهل هذه الملل.

فقال جعفر: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القويّ الضعيف، فكنّا على ذلك حتى بعث اللَّه إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى اللَّه لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا أن نعبد اللَّه وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. فعدّد عليه أمور الإسلام. ثم قال: وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرّحم وحسن الجوار والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات، فصدّقناه وآمنا به واتبعناه على ما

ص: 390

جاء به من اللَّه تعالى، فعبدنا اللَّه تعالى وحده ولم نشرك به شيئاً وحرّمنا ما حرم اللَّه علينا وأحللنا ما أحلّ لنا فعدا علينا قومنا فعذّبونا وفتنونا عن ديننا ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة اللَّه وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك.

فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به من شيء فقال له جعفر: نعم. قال فاقرأه عليّ.

فقرأ عليه صدرا من «كهيعص» فبكى واللَّه النجاشيّ حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما يتلى عليهم.

ثم قال له النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج عن مشكاة واحدة.

ثم قال النجاشي لعمرو: أعبيدهم لكم؟ قال: لا. قال: أفلكم عليهم دين؟ قال: لا.

قال: انطلقا فواللَّه لا أسلمهم إليكما أبدا ولا يكادون.

فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: واللَّه لآتينّه عنهم غدا بما أستأصل به خضراءهم. فقال له عمارة لا تفعل فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا. قال: واللَّه لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد.

ثم غدا إلى النجاشي فقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما فاسألهم عما يقولون فيه. فأرسل إليهم ليسألهم عنه فاجتمع المسلمون ولم ينزل بهم مثلها. فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه؟ فقالوا: نقول واللَّه ما قال اللَّه تعالى وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن. فقال جعفر: لا يتكلم أحد أنا خطيبكم.

فلما دخلوا عليه فإذا هو جالس في مجلسه وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن شماله والقسيسون جلوس سماطين، فقال لجعفر وأصحابه: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟

فقال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا، نقول هو عبد اللَّه ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فضرب النجاشي بيده الأرض فأخذ منها عودا ثم قال ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود، يا معشر القسيسين والرهبان واللَّه ما يزيدون على الذي فيه. فتناحرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال: وإن نخرتم واللَّه.

ثم قال: مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده أشهد أنه رسول اللَّه وأنه الذي نجد في الإنجيل، وأنه الرسول الذي بشر به عيسى ابن مريم، انزلوا حيث شئتم، واللَّه لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا الذي أحمل نعليه. وأمر لنا بطعام وكسوة، ثم قال: اذهبوا فأنتم آمنون. من سبّكم غرم، من سبّكم غرم، من سبّكم غرم. قالها ثلاثا. فما أحب أن لي جبلا من ذهب وأني آذيت رجلا منكم.

ص: 391

وفي رواية أن النجاشي قال للمسلمين: أيؤذيكم أحد؟ قالوا: نعم. فأمر مناديا ينادي: من آذى أحدا منهم فأغرموه أربعة دراهم. ثم قال: أيكفيكم؟ قلنا: لا. قال: فأضعفوها.

وعند موسى بن عقبة: من نظر إلى هؤلاء نظرة تؤذيهم فقد غرم. أي فقد عصاني.

ثم قال: ردّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها فو اللَّه ما أخذ اللَّه منيّ الرشوة حين ردّ عليّ ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه.

فخرجا من عنده مقبوحين مردود عليهما ما جاءا به.

ثم إن الحبشة اجتمعت فقالت للنجاشي: إنك فارقت ديننا- وخرجوا عليه فأرسل إلى جعفر وأصحابه فهيّأ لهم سفنا وقال: اركبوا فيها وكونوا كما أنتم فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا حيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا. ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه: هو يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبده ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن وخرج إلى الحبشة وصفّوا له صفين فقال: يا معشر الحبشة ألست أحقّ الناس بكم؟ قالوا: بلى. قال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا: خير سيرة؟

قال فما لكم؟ قالوا: فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد، هو ابن اللَّه. فقال النجاشي ووضع يده على صدره على قبائه: هو يشهد أن عيسى ابن مريم لم يزد على هذا. وإنما يعني ما كتب.

فرضوا عنه وانصرفوا.

قالت أم سلمة: فأقمنا عنده بخير دار مع خير جار، فو اللَّه أنا على ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فو اللَّه ما حزنّا قطّ حزنا كان أشدّ من حزن حزنّاه عند ذلك تخوّفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه. وسار إليه وبينهما عرض النّيل، فقال أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من رجل ينطلق حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ فقال الزبير بن العوام: أنا. قالوا: فأنت. وكان من أحدث القوم سنا. فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليهم حتى خرج إلى ناحية النّيل التي بها يلتقي القوم، ثم انطلق حتى حضرهم.

وقالت: ودعونا اللَّه للنجاشيّ بالظهور على عدوّه والتمكين له في بلاده.

قالت: فو اللَّه أنا على ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير بن العوام يسعى فلمع بثوبه وهو يقول: أبشروا فقد ظهر النجاشيّ وأهلك اللَّه عدوّه. قالت: فو اللَّه ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها. ورجع النجاشي وقد أهلك اللَّه عدوّه ومكن له في بلاده واستوسق عليه أمر الحبشة، وكنا عنده في خير منزل.

وروى الطبراني برجال الصحيح عن أبي موسى الأشعري، والطبراني وأبو الفرج الأموي

ص: 392

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى واللفظ لأبي الفرج قال: وكان اللَّه سبحانه وتعالى قد ألقى العداوة بين عمرو وعمارة في مسيرهما قبل أن يقدما على النجاشي، وذلك أن عمرا كان رجلا دميما ومعه امرأته، وكان عمارة رجلا جميلا، فهوي امرأة عمرو وهويته، فعزما على دفع عمرو في البحر فدفع عمارة عمرا في البحر فسبح عمرو ونادى أصحاب السفينة فأخذوه فرفعوه إلى السفينة- فأضمرها عمرو في نفسه ولم يبدها لعمارة، بل قال لامرأته: قبّلي ابن عمك عمارة لتطيب بذلك نفسه. فلما أتيا أرض الحبشة وردّهما اللَّه تعالى خائبين مكر عمرو بعمارة فقال له: أنت امرؤ جميل وهن النساء يحببن الجمال، فتعرّض لامرأة النجاشي فلعلها أن تشفع لنا عند الملك في قضاء حاجتنا. ففعل عمارة وتكرّر تردده إلى امرأة النجاشي وأخذ عطرا من عطرها، فلما رأى عمرو ذلك أتى الملك فذكر له أمر عمارة، فأدركت الملك عزة الملك وقال: لولا أنه جاري لقتلته، ولكن سأفعل له ما هو شر من القتل. فدعا بالسّواحر فأمرهن أن يسحرنه فنفخن في إحليله نفخة طار منها هائما على وجهه حتى لحق بالوحوش بالجبال، فكان إذا رأى آدميّا ينفر منه، وكان ذلك آخر العهد به إلى زمن عمر بن الخطاب، فجاء ابن عمة عبد الله بن أبي ربيعة إلى عمر بن الخطاب واستأذنه في المسير إليه لعله يجده، فأذن له عمر، فسار عبد الله إلى أرض الحبشة فأكثر النّشدة عنه والفحص عن أمره حتى أخبر أنه في جبل كذا يرد مع الوحوش إذا وردت ويصدر معها إذا صدرت، فسار إليه فكمن له في طريقه إلى الماء فإذا هو قد غطّاه شعره وطالت أظافره وتمزقت عنه ثيابه حتى كأنه شيطان، فقبض عليه عبد الله وجعل يذكّره بالرّحم ويستعطفه وهو ينتفض منه وهو يقول أرسلني يا بجير أرسلني يا بجير وأبي عبد الله إن يرسله حتى مات بين يديه.

قال الزهري: فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير فقال: أتدري ما قوله: «ما أخذ اللَّه الرشوة منيّ فآخذ الرشوة فيه ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه؟» فقلت: لا. قال عروة: فإن عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه وكان له أخ له من صلبه اثنا عشر رجلا ولم يكن لأبي النجاشي ولد غير النجاشي، فأدارت الحبشة رأيها بينها فقالوا: لو أنّا قتلنا أبا النجاشي وملّكنا أخاه فإن له اثني عشر رجلا من صلبه فتوارثوا الملك لبقيت الحبشة عليهم دهرا طويلا لا يكون بينهم اختلاف، فعدوا عليه فقتلوه وملّكوا أخاه. فمكثوا على ذلك حينا ونشأ النجاشيّ مع عمه فلا يدبّر أمر عمه غيره، وكان النجاشي حازما لبيبا من الرجال، فلما رأت الحبشة مكانه من عمه قالوا: قد غلب هذا الغلام على أمر عمه فما نأمن من أن يملّكه علينا، وقد عرف أنا قتلنا أباه، فلئن فعل لم يدع منا شريفا إلا قتله، فكلّموه فيه فليقتله أو ليخرجه من بلادنا.

فمشوا إلى عمه فقالوا: قد رأينا مكان هذا الغلام منك، وقد عرفت أنا قتلنا أباه وجعلناك مكانه، وإنا لا نأمن من أن يملّك علينا فيقتلنا، فإما أن تقتله وإما أن تخرجه من بلادنا. قال: ويحكم

ص: 393