المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول في بدء عبادة الأصنام والإشراك بالله تعالى - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - جـ ٢

[الصالحي الشامي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌جماع أبواب صفة جسده الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في حسنه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهان

- ‌الباب الثاني في صفة لونه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث في صفة رأسه وشعره صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع في صفة جبينه وحاجبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس في صفة عينيه صلى الله عليه وسلم وبعض ما فيهما من الآيات

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس في سمعه الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهان

- ‌الباب السابع في صفة انفه الشريف وخديه صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثامن في صفة فمه صلى الله عليه وسلم وأسنانه وطيب ريقه وبعض الآيات فيه

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب التاسع في صفة لحيته الشريفة وشيبه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العاشر في صفة وجهه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الحادي عشر في صفة عنقه صلى الله عليه وسلم وبعد ما بين منكبيه وغلظ كتده

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الثاني عشر في صفة ظهره صلى الله عليه وسلم وما جاء في صفة خاتم النبوة

- ‌فصل اختلف في صفة خاتم النبوة على أقوال كثيرة متقاربة المعنى

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث عشر في صفة صدره وبطنه صلى الله عليه وسلم

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الرابع عشر فيما جاء في شق صدره وقلبه الشريفين صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌تفسير الغريب

- ‌ذكر أحاديث فيها شق صدره صلى الله عليه وسلم من غير تعيين زمان

- ‌ذكر غريب ما تقدم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس عشر في صفة يديه وإبطيه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس عشر في صفة ساقيه وفخذيه وقدميه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السابع عشر في ضخامة كراديسه صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثامن عشر في طوله واعتدال خلقه ورقة بشرته صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق:

- ‌الباب التاسع عشر في عرقه صلى الله عليه وسلم وطيبه

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العشرون في مشيه صلى الله عليه وسلم وأنه لم يكن يرى له ظل

- ‌الباب الحادي والعشرون في الآية في صوته صلى الله عليه وسلم وبلوغه حيث لا يبلغه صوت غيره

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثاني والعشرون في فصاحته صلى الله عليه وسلم

- ‌[معرفته صلى الله عليه وسلم بلهجات العرب]

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث والعشرون في معرفة الذين كانت صفات أجسادهم تقرب من صفات جسده صلى الله عليه وسلم

- ‌جماع أبواب بعض الأمور الكائنة بعد مولده وقبل بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في وفاة أمه آمنة بنت وهب وحضانة أم أيمن له

- ‌تنبيه

- ‌فصل في الكلام على أحاديث النهي عن استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لأبويه

- ‌الباب الثاني في كفالة عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفته بشأنه

- ‌الباب الثالث في استسقاء أهل مكة بجده وهو معهم وسقياهم ببركته

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الرابع فيما حصل له في سنة سبع من مولده

- ‌الباب الخامس في وفاة عبد المطلب ووصيته لأبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظهر في ذلك من الآيات

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب السادس في استسقاء أبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وعطش أبي طالب وشكواه ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب السابع في سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه الزبير بن عبد المطلب إلى اليمن

- ‌الباب الثامن في سفره صلى الله عليه وسلم مع عمة أبي طالب إلى الشام

- ‌تنبيهات

- ‌الباب التاسع في حفظ الله تعالى إياه في شبابه عما كان عليه أهل الجاهلية واشتهاره بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته وتعظيم قومه له صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العاشر في شهوده صلى الله عليه وسلم حرب الفجار

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الحادي عشر في شهوده صلى الله عليه وسلم حلف الفضول

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثاني عشر في رعيته صلى الله عليه وسلم الغنم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث عشر في سفره صلى الله عليه وسلم مرة ثانية إلى الشام

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع عشر في نكاحه صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس عشر في بنيان قريش الكعبة

- ‌تنبيهات

- ‌جماع أبواب مبعثه صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في بدء عبادة الأصنام والإشراك بالله تعالى

- ‌الباب الثاني في إخبار الأحبار والرهبان والكهان بمبعث حبيب الرحمن صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبر زيد بن عمرو بن نفيل

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر قس بن ساعدة

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر العباس عن بعض أحبار اليمن

- ‌خبر أمية عن بعض أحبار الشام

- ‌خبر أبي سفيان عن أمية

- ‌خبر عبد الرحمن بن عوف عن عثكلان الحبر

- ‌خبر عروة بن مسعود الثقفي عن بعض الكهان والكواهن

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر عمرو بن معدي كرب عن بعض الكهان

- ‌خبر ابن الهيبان

- ‌تفسير الغريب

- ‌خبر الحبر من جرهم

- ‌خبر الحبر من أهل بصرى

- ‌خبر رئيس نجران

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثالث في حدوث الرجوم وحجب الشياطين من استراق السمع عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع في بعض ما سمع من الهواتف وتنكس الأصنام

- ‌تفسير الغريب

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الخامس في قدر عمر النبي صلى الله عليه وسلم وقت بعثته وتاريخها

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس في ابتدائه صلى الله عليه وسلم بالرؤيا الصادقة وسلام الحجر والشجر عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه

- ‌تنبيهان

- ‌الباب السابع فيما ذكر أن إسرافيل قرن به قبل جبريل صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثامن في كيفية بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب التاسع في كيفية إنزال الوحي

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العاشر في شدة الوحي وثقله

- ‌تنبيهات

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الحادي عشر في أنواع الوحي

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثاني عشر في فترة الوحي وتشريف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة بعد النبوة

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث عشر في معنى الوحي والنبيّ والرسول والنبّوة والرسالة

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع عشر في مثله ومثل ما بعثه الله تعالى به من الهدى

- ‌تنبيهات في بعض فوائد الحديث

- ‌الباب الخامس عشر في مثله ومثل الأنبياء من قبله

- ‌الباب السادس عشر في الوقت الذي كتب فيه نبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السابع عشر في إعلام الوحش برسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثامن عشر في شهادة الرضيع والأبكم برسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌جماع أبواب بعض الأمور الكائنة بعد بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الأول في تعليم جبريل النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثاني في إسلام خديجة بنت خويلد، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، واختلاف الناس فيمن اسلم أولا

- ‌تنبيه: في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الثالث في ذكر متقدّمي الإسلام من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- تقدم علي وزيد بن حارثة

- ‌الباب الرابع في قصة إسلام أبي ذرّ وأخيه أنيس- رضي اللَّه تعالى عنهما

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس في سبب دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم واستخفاء المسلمين حال عبادتهم ربّهم تبارك وتعالى

- ‌تنبيهان

- ‌الباب السادس في أمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بإظهار الإسلام

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب السابع في مشي قريش إلى أبي طالب ليكفّ عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثامن في إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب التاسع في إرسال قريش عتبة بن أبي ربيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه أشياء ليكف عنهم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب العاشر في أسئلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعاً من الآيات وخرق العادات على وجه العناد لا على وجه الهدى والرشاد

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الحادي عشر في امتحانهم إياه بأصياء لا يعرفها إلا نبي

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق:

- ‌الباب الثالث عشر في اعتراف أبي جهل وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الرابع عشر في تحيّر الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن والآيات التي أنزلت فيه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الخامس عشر في عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب السادس عشر في الهجرة الأولى إلى الحبشة وسبب رجوع من هاجر إليها من المسلمين وكانت في شهر رجب سنة خمس من المبعث

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السابع عشر في إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الثامن عشر في دخول بني هاشم وبني المطلب بني عبد مناف الشّعب وكتابة قريش الصحيفة الظالمة

- ‌تنبيهات

- ‌تفسير غريب قصيدة أبي طالب اللامية

- ‌الباب التاسع عشر في رجوع القادمين من الحبشة إليها والهجرة الثانية

- ‌كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي

- ‌تنبيهات

- ‌في معرفة أسماء الذين هاجروا الهجرة الثانية:

- ‌الباء الموحدة

- ‌التاء المثناة

- ‌الجيم

- ‌الحاء المهملة

- ‌الخاء المعجمة

- ‌الراء

- ‌الزاي

- ‌السين المهملة

- ‌الشين المعجمة

- ‌الطاء المهملة

- ‌العين المهملة

- ‌الفاء

- ‌القاف

- ‌الميم

- ‌ الهاء

- ‌النون

- ‌الياء

- ‌الكنى

- ‌النساء

- ‌من ولد بأرض الحبشة

- ‌الباب العشرون في إرادة أبي بكر رضي الله عنه الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة

- ‌تنبيه في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الحادي والعشرون في نقض الصحيفة الظالمة

- ‌[تفسير الغريب]

- ‌الباب الثاني والعشرون في إسلام الطّفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثالث والعشرون في قصتي الأراشيّ والزّبيديّ اللذين ابتاع أبو جهل إبلهما

- ‌تفسير الغريب

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الرابع والعشرون في وفد النصارى الذين أسلموا

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الخامس والعشرون في سبب نزول أول سورة «عبس»

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السابع والعشرون في سبب نزول أول سورة الروم

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الثامن والعشرون في وفاة أبي طالب ومشي قريش إليه ليكف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب التاسع والعشرون في وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها

- ‌الباب الثلاثون في بعض ما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش بعد موت أبي طالب

- ‌تفسير الغريب

- ‌الباب الحادي والثلاثون في سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

- ‌تنبيهان

- ‌الباب الثاني والثلاثون في إسلام الجن

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث والثلاثون في عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على القبائل ليؤووه وينصروه ودعائه الناس إلى التوحيد

- ‌تنبيه [في بيان غريب ما سبق]

- ‌الباب الرابع والثلاثون في خبر بعض المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان هلاكهم

- ‌الأول: الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن زهرة

- ‌الثاني: الحارث بن قيس السهمي

- ‌الثالث: الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى

- ‌الرابع: مالك بن الطّلاطلة

- ‌الخامس: العاصي بن وائل السهمي

- ‌السادس: الحكم بن أبي العاصي بن أمية

- ‌السابع: الوليد بن المغيرة:

- ‌الثامن: أبو لهب

- ‌تنبيه

- ‌تنبيه

- ‌تنبيهات

الفصل: ‌الباب الأول في بدء عبادة الأصنام والإشراك بالله تعالى

‌جماع أبواب مبعثه صلى الله عليه وسلم

‌الباب الأول في بدء عبادة الأصنام والإشراك بالله تعالى

كان الناس قبل المبعث من زمن نوح صلى الله عليه وسلم إلى زمن المبعث عباد أصنام إلا من استجاب للرسل منهم وهذه الضلالة اشترك فيها العرب والعجم، وعبد كثير من العجم النار وهم المجوس فاتخذوا بيوت نيران لا تزال تقد أبدا، وكانت إلى هذه النيران صلاتهم وقرا بينهم ويعتقدون فيها النفع والضر. وعلى هذه الضلالة كانت ملوك الأكاسرة.

وعبدت طائفة منهم كواكب معلومة، وترى هذه الطوائف أن سائر ما في العالم السفلي المعبر عنه بالحياة الدنيا ناشئ وصادر عن الكواكب وأن الشمس هي المفيضة على الكل، واتخذت هذه الطائفة التماثيل من الجواهر والمعادن على أسماء الكواكب وعبدتها وصلت إليها وقربت لها القرابين واعتقدت أنها تجلب النفع وتدفع الضرر ويقال لهذه الطائفة الصابئة.

وقد بسط أبو جعفر ابن جرير والمسعودي وغيرهما الكلام على ذلك ومبدئه ولا حاجة بنا إلى ذكره.

وأما العرب، إلا القليل منهم، فإنهم اتخذوا الأصنام وعبدوها من دون اللَّه تعالى ويقال.

لهم: «الذين أشركوا» سمة لهم واسما لزمهم وإن كان غيرهم ممن تقدم شاركهم في عبادة غير اللَّه تعالى فإن هذا الاسم لا يطلق إلا على العرب.

وأول ما حدثت عبادة الأصنام في قوم نوح صلى الله عليه وسلم، فأرسله اللَّه تعالى إليهم ينهاهم عن ذلك فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما كما قص اللَّه خبره في عدة آيات واستمرت هذه الضلالة في زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم وقد قص اللَّه تعالى نبأه مع قومه في عدة آيات. واستمر هذا الأمر الشنيع إلى أن بعث اللَّه سبحانه وتعالى فضلا منه ورحمة، عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فدعا إلى عبادة اللَّه تعالى وحده فأنكر المشركون ذلك كما حكاه اللَّه تعالى عنهم في غير ما آية.

والسبب في عبادة الناس الأصنام ما رواه الفاكهي عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال:

أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح، وكانت الأبناء تبر الآباء، فمات رجل منهم فجزع عليه ابنه فجعل لا يصبر عنه فاتخذ مثالا على صورته فكلما اشتاق إليه نظره، فمات ففعل به كما

ص: 175

فعل حتى تتابعوا على ذلك فمات الآباء فقال الأبناء ما اتخذ هذه آباؤنا إلا أنها كانت آلهتهم.

فعبدوها.

وروى عبد بن حميد عن محمد بن كعب القرظى في قوله تعالى وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً [نوح 23] قال: كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح فنشأ قوم بعدهم يأخذون في العبادة فقال لهم إبليس: لو صوّرتهم صورهم فكنتم تنظرون إليهم. فصوروا ثم ماتوا فنشأ قوم بعدهم فقال إبليس: إن الذين كانوا من قبلكم كانوا يعبدونها فعبدوها.

وروى أبو الشيخ في العظمة عن محمد بن كعب القرظي قال كان لآدم خمسة بنين ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا، فكانوا عبادا، فمات رجل منهم فحزنوا عليه حزنا شديدا فجاءهم الشيطان فقال: حزنتم على صاحبكم هذا؟ قالوا نعم. قال: هل لكم أن أصور لكم مثله في قبلتكم إذا نظرتم إليه ذكرتموه؟ قالوا: نكره أن تجعل لنا في قبلتنا شيئاً نصلي إليه. قال فأجعله في مؤخر المسجد؟ قالوا: نعم. فصوره لهم حتى مات خمستهم فصور صورهم في مؤخر المسجد، فتنقضت الأشياء حتى تركوا عبادة اللَّه تعالى وعبدوا هؤلاء، فبعث اللَّه تعالى نوحا فقالوا «لا تذرن آلهتكم» إلى آخر الآية.

وروى عبد بن حميد عن أبي جعفر بن يزيد بن المهلب قال: كان ود رجلا مسلما وكان محببا في قومه فلما مات عسكروا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان ثم قال: أرى جزعكم على هذا فهل لكم أن أصور مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا: نعم فصوّر لهم مثله فوضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أن أجعل في منزل كل رجل منكم تمثالا فيكون في بيته فيذكر به؟ قالوا: نعم. فمثل لكل أهل بيت تمثالا مثله فجعلوا يذكرونه به وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلها يعبدونه من دون اللَّه تعالى فكان أول من عبد من دون اللَّه ود، الصنم الذي سموا بود.

وروى البخاري وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح تعبد، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي كلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم.

ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت فلما كان أيام الطوفان دفنها الطين والتراب والماء فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان إلى مشركي العرب.

ص: 176

وكان أول من حمل العرب على عبادة الأصنام عمرو بن لحي- بضم اللام وفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية- ابن قمعة- بفتح القاف والميم وتخفيفها- وقيل غير ذلك، ابن خندف- بكسر الخاء المعجمة والدال المهملة ويجوز كسر الخاء وفتح الدال وآخرها فاء.

روى ابن إسحاق عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي: «يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبة في النار، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا بك منه» فقال أكثم: عسى أن يضرني شبهه يا نبي اللَّه؟ قال: «لا إنك مؤمن وهو كافر، إنه كان أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان»

الحديث ويأتي [ (1) ] .

قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق وهم ولد عملاق ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا. فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنما فأسير به إلى العرب فيعبدونه. فأعطوه منها صنما يقال له هبل، فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه.

وروى الفاكهي عن هشام بن السائب قال: كان لعمرو بن ربيعة رئي من الجن فأتاه فذكر له شعرا يأمره فيه بإخراج الأصنام من ساحل جدة فأتى عمرو ساحل جدة فوجد بها ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا وهي الأصنام التي عبدت زمن نوح وإدريس ثم إن الطوفان طرحها هناك، فسقى عليها الرمل، فاستخرجها عمرو وخرج بها إلى تهامة وحضر الموسم فدعا إلى عبادتها فأجيب.

وقال ابن إسحاق: ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل: أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا والفسح في البلاد إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة، حتى سلخ ذلك منهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم حتى خلفت الخلوف ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل صلى اللَّه عليهما وسلم غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات وفيهم على ذلك بقايا من

[ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 632 (3520) .

ص: 177

عهد إبراهيم يتمسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والوقوف على عرفة والمزدلفة وهدي البدن والإهلال بالحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه، فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا: لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده. يقول اللَّه تبارك لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:

وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف 106] أي ما يوحدونني بمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي.

قال ابن إسحاق: وكان لقوم نوح أصنام قد عكفوا عليها، فكان الذين اتخذوا تلك الأصنام من ولد إسماعيل أو غيرهم وسموها بأسمائها حين فارقوا دين إسماعيل، فاتخذ هذيل بن مدركة سواعا، وكان لهم برهاط، واتخذ كلب بن وبرة من قضاعة ودا بدومة الجندل، واتخذ كلب بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران وأهل جرش من مذحج اتخذوا يغوث.

واتخذ خيوان، بطن من همدان، يعوق بأرض همدان من اليمن.

واتخذ ذو الكلاع من حمير نسرا بأرض حمير، واتخذ الأديم، بطن من خولان، صنما يقال له عم أنس يقسمون له من أنعامهم وحروثهم قسما بينه وبين اللَّه تعالى بزعمهم، فما دخل في حق عم أنس من حق اللَّه تعالى الذي سموه له تركوه له، وما دخل في حق اللَّه تعالى من حق عم أنس ردوه عليه، فأنزل اللَّه تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ [الأنعام 136] .

وكان لبني ملكان بن كنانة بن خزيمة بن مدركة صنم يقال له سعد، صخرة بفلاة من أرضهم طويلة، فأقبل رجل من بني ملكان بإبل له مؤبلة ليقفها عليه التماس بركته فيما يزعم، فلما رأته الإبل وكانت مرعية لا تركب وكان يهراق عليه الدماء نفرت منه فذهبت في كل وجه، وغضب ربها الملكاني فأخذ حجرا فرماه به ثم قال: لا بارك اللَّه فيك! نفرت علي إبلي. ثم خرج في طلبها حتى جمعها فلما اجتمعت له قال:

أتينا إلى سعد ليجمع شملنا

فشتتنا سعد فلا نحن من سعد

وهل سعد إلا صخرة بتنوفة

من الأرض لا يدعى لغي ولا رشد

[ (1) ] واتخذت قريش صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له هبل، واتخذوا إسافا ونائلة

[ (1) ] الروض الأنف 1/ 104، والبداية والنهاية 2/ 191.

ص: 178

على موضع زمزم ينحرون عندهما، وكان إساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم وهو إساف بن بغي. قالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة كانا رجلا وامرأة من جرهم أحدثا في جوف الكعبة فمسخهما اللَّه حجرين.

رواه ابن إسحاق.

قال ابن إسحاق: واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه من دون اللَّه فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره، فإذا قدم من سفره تمسح به فكان أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله، فلما بعث اللَّه سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالتوحيد قالت قريش: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ [ص 5] .

وذكر ابن إسحاق وغيره كثيرا من أسماء أصنام العرب. ولم أذكر ذلك إذ لا فائدة في ذكرها وذكرت منها ما سمي في القرآن العزيز مع زيادة.

تنبيه: قال الواقدي: كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة طائر.

قال في الفتح: وهذا شاذ، والمشهور أنهم كانوا على صورة البشر، وهو مقتضى الآثار في سبب عبادتها.

وقال المسعودي في مروج الذهب. كان كثير من أهل الهند والصين وغيرهم من الطوائف يعتقدون أن اللَّه تعالى جسم وأن الملائكة أجسام لها تمام وأن اللَّه تعالى احتجب بالسماء فدعاهم ذلك إلى أن اتخذوا تماثيل وأصناما على صورة الباري تعالى وبعضها على صورة الملائكة مختلفة القدور والأشكال في الصور، فمنها على صورة الإنسان ومنها على صورة غيره في الصور، فعبدوها وقربوا لها القرابين ونذروا لها النذور لشبهها عندهم بالباري تعالى وقربها منه، فأقاموا على ذلك برهة من الزمان وكثيرا من الأعصار حتى نبههم بعض ضلالهم على أن الأفلاك والكواكب أقرب الأجسام إلى الباري- تعالى عما يقول الجاهلون علوا كبيرا، وأنها حية ناطقة وأن كل ما يحدث في هذا العالم فإنما هو على قدر ما تجري به الكواكب عن أمر اللَّه تعالى فعظموها وقربوا لها القرابين لتنفعهم، ومكثوا على ذلك دهرا فلما رأوا الكواكب تخفى بالنهار وفي بعض أوقات الليل بما يعرض في الجو من السواتر، أمرهم بعض من كان فيهم من ضلّالهم أن يجعلوا أصناما وتماثيل على صورها وأشكالها وهيآتها، فجعلوا لها أصناما بعدد الكواكب المشهورة المتحيرة، فكل صنف منهم يعظم كوكبا منها ويقرب له نوعا من القربان. ولما طال عليهم العهد عبدوا الأصنام وألغوا عبادة الكواكب، فلم

ص: 179

يزالوا كذلك حتى ظهر بعض ضلالهم بأرض الهند وكان هنديا خرج من أرض الهند إلى السند ثم دخل بلاد العجم، وهو أول من أظهر مذهب الصابئة وجوز للناس عبادة الأصنام والسجود لها لشبهة ذكرها وقرب إلى عقولهم عبادتها بضرب من الحيل.

قال المسعودي: وذكر ذوو الخبرة بشأن هذا العالم وأخبار ملوكه أن «جم» الملك أول من عظم النار ودعا الناس إلى تعظيمها وقال إنها تشبه ضوء الشمس والكواكب وجعل للنور مراتب، ثم تنازع هؤلاء بعده فعظم كل فريق منهم ما يرون تعظيمه من الأشياء.

ثم ذكر المسعودي بعض ما تقدم من خبر عمرو بن لحي. ثم ذكر المسعودي عبادة الفرس للنار وبيوت النيران في كل بلد وأطال النفس في ذلك.

ص: 180