الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال تعالى فيما سألوه عنه من الروح الذي يحيا به البدن: قُلِ لهم الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أي علمه لا تعلمونه. وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا بالنسبة إلى علمه تعالى.
وكلام ابن إسحاق يدل على أن هذه الآية مكّية. ورواه الترمذي عن ابن عباس، ورجاله رجال مسلم.
وفي الصحيحين أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح بالمدينة فنزلت هذه الآية.
قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن يتعدّد النزول ويحمل سكوته في المرة الثانية على توقّع مزيد بيان في ذلك وإلا فما في الصحيح أصحّ.
قال ابن إسحاق: فلما جاءهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بما عرفوا من الحق، وعرفوا صدقه فيما حدّث وموقع نبوته فيما جاءهم من علم الغيب حين سألوه عنه، حال الحسد منهم له بينهم فقال قائلهم: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ أي اجعلوه لغوا باطلا وهزؤا لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ بذلك فإنكم إن ناظرتموه وخاصمتموه غلبكم بذلك.
فقال أبو جهل يوما، هو يهزأ برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وما أتى به من الحق: يا معشر قريش يزعم محمد إنما جنود اللَّه الذين يعذّبونكم في النار ويحبسونكم فيها تسعة عشر، وأنتم الناس عددا وكثرة، فيعجز كلّ مائة منكم عن رجل منهم؟
فانزل اللَّه تعالى في ذلك: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً فلا يطاقون كما تتوهّمون وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً ضلالا لِلَّذِينَ كَفَرُوا بأن يقولوا: لم كانوا تسعة عشر لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أي اليهود صدق النبي صلى الله عليه وسلم في كونهم تسعة عشر الموافق لما في كتابهم وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا من أهل الكتاب إِيماناً تصديقا لموافقة ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم لما في كتابهم. وَلا يَرْتابَ يشك الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ من غيرهم في عدد الملائكة وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شكّ بالمدينة وَالْكافِرُونَ بمكة ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا العدد مَثَلًا سمّوه مثلا لغرابته وأغرب حالا.
كَذلِكَ أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهدى مصدّقه يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ، وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ أي الملائكة في قوّتهم وأعوانهم إِلَّا هُوَ سبحانه وتعالى.
تنبيه في بيان غريب ما سبق:
النّضر: بنون وضاد معجمة.
مكث: مرفوع فاعل أحزن.
الباب الثاني عشر في سبب نزول قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا
[الإسراء 110] روى سعيد بن منصور والإمام أحمد والشيخان عن ابن عباس، وابن إسحاق وابن جرير عنه من طريق آخر في الآية قال: نزلت ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمكة متوار، فكان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون سبّوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به وتفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلوه وهو يصلي استرق السّمع دونهم فرقا منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يستمع، فإن خفض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئا، فانزل اللَّه تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ بقراءتك فيها فيسبّ المشركون القرآن ويتفرقوا عنك وَلا تُخافِتْ تُسرّ بِها فلا ينتفع بها أصحابك ولا من أراد أن يسمعها ممن يسترق ذلك لعله يرعوي إلى بعض ما يستمع فينتفع به وَابْتَغِ اقصد بَيْنَ ذلِكَ بين الجهر والمخافتة سَبِيلًا طريقا وسطا [ (1) ] .
قال عروة بن الزبير فيما رواه ابن إسحاق عنه: أول من جهر بالقرآن بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمكة عبد الله بن مسعود، اجتمع يوما أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالوا: واللَّه ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قطّ، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال عبد اللَّه بن مسعود: أنا. قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إذا أرادوه. قال: دعوني فإن اللَّه سيمنعني.
فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام ثم قال: بسم اللَّه الرحمن الرحيم: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ثم استقبلها يقرؤها وتأمَّلوه يقولون:
ماذا قال ابن أمَّ عبد؟ ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد. فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه وجعل يقرأ حتى بلغ ما شاء اللَّه أن يبلغ ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثّروا بوجهه فقالوا:
هذا الذي خشينا عليك. قال: ما كان أعداء اللَّه تعالى أهون عليّ منهم الآن ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا. قالوا: لا حسبك، قد أسمعتهم ما يكرهون.
لأغادينهم: أي آتيهم غدوة بذلك.
[ (1) ] أخرجه البخاري 8/ 257 (4722) ومسلم 1/ 329 (145- 446) .