الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بصلاته، ثم انصرف جبريل فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خديجة فتوضأ لها يريها كيف الطّهور للصلاة كما أراه جبريل، فتوضأت كما توضأ لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم صلّى لها كما صلى به جبريل، فصلّت بصلاته.
وروى الإمام أحمد والبيهقي وابن عبد البر عن إسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي عن أبيه، عن جده، قال: كنت امرأ تاجرا فقدمت الحج في الجاهلية، فأتيت العباس بن عبد المطلب لابتاع منه بعض التجارة فو اللَّه إني لعنده بمنى إذ خرج رجل مجتمع من خباء قريب منه، فنظر إلى الشمس فلما رآها مالت توضأ فأسبغ الوضوء ثم قام يصلي، ثم خرج غلام قد راهق الحلم من ذلك الخباء فقام يصلي معه، ثم لم ألبث إلا يسيرا حتى جاءت امرأة من ذلك الخباء فقامت خلفهما، ثم ركع الشاب وركع الغلام وركعت المرأة، ثم رفع الشاب ورفع الغلام ورفعت المرأة، ثم خرّ الشاب ساجدا وخرّ الغلام وخرّت المرأة فقلت للعباس: يا عباس ما هذا؟ قال: هذا محمد بن عبد المطلب ابن أخي. قلت: من هذه المرأة. قال: هذه امرأته خديجة بنت خويلد. فقلت: من هذا الفتى؟ قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عمه قلت:
فما هذا الذي يصنع؟ قال: يصلي، يزعم أنه نبي ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى، وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر.
قال عفيف: فليتني كنت آمنت به يومئذ فكنت أكون ثانيا مع علي بن أبي طالب.
وهذا الحديث يردّ قول من قال: إن فرض الصلاة كانت بالغداة والعشيّ فقط.
تنبيهات
الأول: قال السهيلي رحمه اللَّه تعالى: الوضوء على هذا الحديث- يعني رواية الحارث بن أبي أسامة. عن زيد بن حارثة- مكيّ بالفرض مدنيّ بالتلاوة، لأن آية الوضوء مدنية وإنما قالت عائشة: فأنزل اللَّه آية التيمم ولم تقل آية الوضوء وهي هي لأن الوضوء قد كان مفروضا قبل، غير أنه لم يكن قرآنا يتلى حتى نزلت آية المائدة.
قلت: قال الحاكم رحمه اللَّه تعالى في المستدرك: أهل السّنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول المائدة. ثم ساق
حديث ابن عباس: دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا على قتلك فقال: ائتوني بوضوء فتوضأ ثم خرج إلى المسجد.
وذكر الحديث.
وقال أبو عمر رحمه اللَّه تعالى: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل منذ افترضت الصلاة إلا بوضوء، ولا يدفع هذا إلا جاهل أو معاند، قال: وفي قول عائشة رضي اللَّه
تعالى عنها: «فأنزل اللَّه آية التيمم» إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء.
قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع ما تقدم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل.
وقال غيره: يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديما فعملوا به، ثم نزل بقيتها وهو ذكر التيمم في هذه القصة. وإطلاق آية التيمم على هذا من إطلاق الكلّ على البعض.
قال الحافظ: لكن رواية عمرو بن الحارث عند البخاري في التفسير تدل على أن الآية نزلت جميعها في هذه القصة، فالظاهر ما قاله ابن عبد البر.
وقال القاضي رحمه اللَّه تعالى: اختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة؟ فذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم وقال الجمهور: بل كان قبل ذلك فرضا. انتهى.
الثاني: قال الحافظ عماد الدين بن كثير رحمه اللَّه تعالى: صلاة جبريل هذه غير الصلاة التي صلاها به عند البيت مرتين، فبيّن له أوقات الصلوات الخمس أولها وآخرها فإن ذلك كان بعد فرضيّتها ليلة الإسراء، كما سيأتي بيان ذلك.
الثالث: زعم ابن حزم أن الوضوء لم يشرع إلا بالمدينة وتعقب بما تقدم.
الرابع: قال السهيلي: ذكر الحربيّ ويحيى بن سلّام أن الصلاة كانت قبل الإسراء صلاة قبل غروب الشمس وصلاة قبل طلوعها.
ونقل ابن الجوزي عن مقاتل بن سليمان قال: فرض اللَّه تعالى على المسلمين في أول الإسلام ركعتين بالغداة وركعتين بالعشيّ.
قال الحافظ بعد أن نقل ما ذكره الحربي: وردّه جماعة من أهل العلم. وقال قبل ذلك:
ذهب جماعة إلى إنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد.
الخامس: ذكر ابن إسحاق هنا حديث ابن عباس في إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه إياه أوقات الصلوات الخمس في اليومين.
قال في الروض: ولم يكن ينبغي له ذكره في هذا الموضع، لأن أهل العلم متفقون علي إن هذه القصة كانت في الغد من ليلة الإسراء كما سيأتي بيان ذلك في موضعه.
السادس: في بيان غريب ما تقدم.
حتى صبّ الحفنة- بفتح الحاء المهملة: ملء الكفين.
نضح: بالحاء المهملة: رشّ.
لهيعة: بفتح اللام وكسر الهاء.
عقيل: بضم العين وفتح القاف. همز: أي دفع:
بعقبه- بفتح العين وكسر القاف: مؤخر القدم.
الطّهور [ (1) ]- بضم الطاء: الوضوء ويجوز فيه الفتح والأكثر في الماء الفتح، ويجوز الضم.
عفيف- بعين مهملة بالتكبير: صحابي له في فضل عليّ حديث.
مجتمع- بميم مضمومة فجيم ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فميم مكسورة: وهو الذي بلغ أشدّه ولا يقال ذلك في النساء.
إسباغ الوضوء: الوضوء هنا بالضم لأنه الفعل ويجوز فيه الفتح، والماء بالفتح ويجوز فيه الضم.
راهق: قارب الاحتلام. واللَّه أعلم.
[ (1) ] لسان العرب 4/ 2712.