الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تَقْسِيمُ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ]
وَهُوَ إمَّا تَامٌّ أَوْ غَيْرُ تَامٍّ، فَأَمَّا التَّامُّ فَهُوَ الَّذِي يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ، وَيُسَمَّى كَلَامًا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَجُمْلَةٌ، وَالصَّوَابُ: أَنَّ الْجُمْلَةَ أَعَمُّ مِنْ الْكَلَامِ، لِأَنَّ شَرْطَ الْكَلَامِ الْإِفَادَةُ بِخِلَافِ الْجُمْلَةِ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ: جُمْلَةُ الشَّرْطِ جُمْلَةُ الْجَوَابِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُفِيدٍ، فَلَيْسَ كَلَامًا.
وَقَالَ: ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: شَرَطَ قَوْمٌ مِنْ النُّحَاةِ أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِلسَّامِعِ فَائِدَةً غَيْرَ مَعْلُومَةٍ لَهُ. وَالصَّوَابُ: حُصُولُ حَقِيقَةِ الْكَلَامِ بِمُجَرَّدِ الْإِسْنَادِ الَّذِي يَصِحُّ السُّكُوتُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْقَضَايَا الْبَدِيهِيَّةُ كُلُّهَا لَيْسَتْ كَلَامًا، وَهُوَ بَاطِلٌ، لِوُجُوبِ انْتِهَاءِ جَمِيعِ الدَّلَائِلِ إلَيْهَا وَحَكَى ابْنُ فَارِسٍ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ الْمُهْمَلَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَلَامٌ، وَخَطَّأَهُ.
قَالَ: وَأَهْلُ اللُّغَةِ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي أَقْسَامِ الْكَلَامِ.
وَحَكَى بَعْضُ شُرَّاحِ اللُّمَعِ " أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ حَكَى فِي كِتَابِهِ الْإِرْشَادِ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا فِي أَنَّ الْمُهْمَلَ كَلَامٌ أَوْ لَا؟ قَالَ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُسَمَّى كَلَامًا مَجَازًا، وَلَا يَتَأَلَّفُ الْكَلَامُ إلَّا مِنْ اسْمَيْنِ، أَوْ اسْمٍ وَفِعْلٍ، إمَّا مَلْفُوظٌ بِهِ كَقَامَ زَيْدٌ أَوْ مُقَدَّرٌ كَ " يَا زَيْدُ "، فَإِنَّ حَرْفَ النِّدَاءِ فِي تَقْدِيرِ الْفِعْلِ، وَهُوَ أَدْعُو زَيْدًا. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاحْتَمَلَ التَّكْذِيبَ وَالتَّصْدِيقَ، وَسَنَذْكُرُ جَوَابُهُ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ تَرْكِيبَ الْحُرُوفِ مَعَ مَا هُوَ فِي تَقْدِيرِ الِاسْمِ نَحْوَ، أَمَا
أَنَّك ذَاهِبٌ بِفَتْحِ " أَنَّ "، وَزَعَمَ ابْنُ خَرُوفٍ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ يَا زَيْدُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَلِيٍّ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ " أَنَّ " وَإِنْ كَانَ فِي تَقْدِيرِ مُفْرَدٍ، فَإِنَّ فِي الْكَلَامِ مُسْنَدًا وَمُسْنَدًا إلَيْهِ، وَجَوَّزَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ ائْتِلَافَهُ مِنْ فِعْلٍ وَحَرْفٍ نَحْوَ قَدْ قَامَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُفِيدُ لِتَصَوُّرِ ضَمِيرٍ فِي الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ فِي " قَامَ "، فَيَكُونُ الْمَعْنَى قَدْ قَامَ فُلَانٌ. وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَاطِقٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ اصْطَلَحَ اثْنَانِ عَلَى أَنْ يَذْكُرَ أَحَدُهُمَا فِعْلًا أَوْ مُبْتَدَأً، وَالْآخَرُ فَاعِلُ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ خَبَرُ ذَلِكَ الْمُبْتَدَأِ، فَلَيْسَ بِكَلَامٍ، وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى فِي الْكَلَامِ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ هَلْ يُغَيِّرُ صِفَتَهُ؟ وَرَدَّ ابْنُ مَالِكٍ ذَلِكَ، وَقَالَ: الْمَجْمُوعُ كَلَامٌ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَدِّهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ النَّاطِقِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْكَاتِبِ فِي كَوْنِ الْخَطِّ خَطًّا ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ هَلْ يُحَدُّ؟ فَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ إنَّمَا يُبَيَّنُ بِالتَّفْصِيلِ، لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالِاسْتِخْبَارِ، وَلَا عِبَارَةَ تُحِيطُ بِذَلِكَ إلَّا بِتَطْوِيلٍ يُصَانُ الْحَدُّ عَنْهُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يُحَدُّ، وَلِلْقَاضِي فِيهِ قَوْلَانِ، وَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَى أَنَّهُ يُحَدُّ كَالْعَلَمِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: مَا أُوجِبَ لِمَحَلِّ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: الْقَوْلُ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْعِبَارَاتُ، وَزُيِّفَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُوَ الْقَوْلُ فَكَيْفَ يُحَدُّ الشَّيْءُ بِنَفْسِهِ؟ وَقَوْلُهُ: الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ مَجَازٌ، فَإِنَّ الْقَائِمَ مِنْ صِفَاتِ الْعُقَلَاءِ، ثُمَّ إنَّ الدَّلَالَةَ لَا تَسْتَقِلُّ بِهَا الْأَلْفَاظُ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ قَرِينَةٍ.
الثَّانِي: اخْتَلَفُوا وَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي اللِّسَانِيِّ أَوْ النَّفْسَانِيِّ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ تَقَدَّمَتْ مَحْكِيَّةً عَنْ الْأَشْعَرِيِّ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْمُخْتَارُ الثَّانِي. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا مُبْطِلٌ، فَلَوْ نَظَرَ الْمُصَلِّي فِي مَكْتُوبٍ غَيْرِ قُرْآنٍ وَرَدَّدَ مَا فِيهِ فِي نَفْسِهِ لَمْ تَبْطُلْ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ إنْ طَالَ، حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ.
الثَّانِي: إذَا حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَتَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَاطِبَ أَحَدًا أَوْ صَلَّى وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ هَلْ يَحْنَثُ؟ قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدَهُمَا: لَا يَحْنَثُ وَيُحْمَلُ عَلَى الْكَلَامِ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقَةً. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّعْ أَئِمَّتُنَا عَلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَلَا اعْتَبَرُوهُ بِمُجَرَّدِهِ فِي إثْبَاتِ الْعُقُودِ وَلَا فِي فَسْخِهَا، وَلَمْ يُوقِعُوا الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ صَمَّمَ عَلَيْهَا بِقَلْبِهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ غَيْرُ الْمَنْوِيِّ، فَلَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ» وَوَجْهُ اخْتِلَافِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِيمَا لَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالطَّلَاقِ، وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ السَّمِيعُ بِنَفْسِهِ، أَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ نُطْقٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتُوا لَهُ حُكْمَ الْكَلَامِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَمْ يَجْعَلُوهُ قِرَاءَةً إذَا لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ الْمُفْتَقِرَةَ إلَى الْإِشْهَادِ تَفْتَقِرُ إلَى سَمَاعِ الشَّاهِدِ وَطَرِيقِ الصَّوْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.