الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِغَيْرِهِ وَالِاضْطِرَابُ فِي النَّقْلِ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ فِي كِتَابِ " الْإِيجَازِ " بِأَنَّ تَكْلِيفَ الْعَاجِزِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا، وَتَكْلِيفَ الْمُحَالِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ صَحِيحٌ وَجَائِزٌ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ وُجِدَ تَكْلِيفُ اللَّهِ الْعِبَادَ بِمَا هُوَ مُحَالٌ لَا يَصِحُّ وُجُودُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِقَضِيَّةِ أَبِي لَهَبٍ وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ مُكَلَّفٌ بِالْإِيمَانِ. وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ بِالْوُقُوعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} [النساء: 129] مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ وَاجِبٌ. وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَفَى الْقُدْرَةَ عَنْ الِاسْتِطَاعَةِ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْخَبَرِ الصَّادِقِ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى ذَلِكَ مَعَ تَكْلِيفِهِ بِمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِهِ وَقُصَارَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ الْمُجَوِّزُونَ ظَوَاهِرُ لَا تُفْضِي إلَى الْقَطْعِ وَلَيْسَ الِامْتِنَاعُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْعَقْلِ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمِ.
وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ " إلَى أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ لَا يُسَمَّى مُسْتَحِيلًا. لِأَنَّهُ فِي ذَاتِهِ جَائِزُ الْوُقُوفِ.
[التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ]
فَوَائِدُ
الْأُولَى [التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ]
نَقَلَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ التَّكْلِيفِ عَقْلًا بِمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ بُرْهَانٍ قَالَ: إنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا
صَارُوا إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى تَكْلِيفًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَ الْكُفَّارَ بِالْإِيمَانِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَعَ الْفِعْلِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْخِلَافَ السَّابِقَ فِي التَّكْلِيفِ بِفِعْلٍ مَشْرُوطٍ عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ وُقُوعِهِ يَجْرِي هُنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ ". فَقَالَ: قَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ يَعْنِي عَبْدَ الْجَبَّارِ: لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرِدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُكَلَّفَ الْوَاحِدَ بِالْأَمْرِ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْهُ، قَالَ: وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمُوتُ أَوْ يَعْجَزُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى وَيَقْدِرَ. انْتَهَى.
وَأَيْضًا فَقَدْ حَكَى الْإِبْيَارِيُّ وَغَيْرُهُ خِلَافًا فِي أَنَّ خِلَافَ الْمَعْلُومِ هَلْ هُوَ مُسْتَحِيلٌ لِذَاتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ؟ فَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ فِي التَّكْلِيفِ بِهِ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَنْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ فَقَدْ صَارَ إيمَانُهُ كَالْمُمْتَنِعِ إيقَاعُهُ، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَخَالَفَ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَمُخَالَفَةُ عِلْمِهِ لَا تَصِحُّ، وَلَكِنَّ هَذَا الِامْتِنَاعَ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى عَدَمِ الْإِمْكَانِ. مِنْ نَاحِيَةِ الْفِعْلِ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ، وَعِلْمُ اللَّهِ لَا يَصِيرُ الْمُمْكِنُ غَيْرَ مُمْكِنٍ، فَبَقِيَ عَلَى إمْكَانِهِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ الْعِلْمُ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ الْإِيمَانُ فِي حَقِّهِمْ كَالْمَعْجُوزِ عَنْهُ الْمُسْتَحِيلِ لِأَجْلِ تَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ، لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ أَنَّ خِلَافَ الْمَعْلُومِ مَقْدُورٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ.
قُلْت: وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 4] فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا عَلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ، وَكَذَا قَوْلُهُ:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: 81] لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَعَ الْفِعْلِ.
الثَّانِيَةُ [كَيْفَ يَطْلُبُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ مَا يُخَالِفُ عِلْمَهُ؟]
اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ تَوْجِيهَ الْجَوَازِ، فَقَالَ: إذَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ بَعْضَ الْخَلْقِ أَوْ أَكْثَرَهُمْ لَا يُطِيعُونَ وَلَا يَمْتَثِلُونَ فَكَيْفَ يَطْلُبُ مِنْهُمْ مَا يُخَالِفُ عِلْمَهُ؟ فَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَلَّفَهُمْ بِمَا لَا يُطِيقُونَ، لِأَنَّ مَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَوَاجِبٌ لَازِمٌ أَنْ لَا يَكُونَ وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ.
وَأَجَابَ: بِأَنْ أَحْسَنَ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّ تَوْجِيهَ الْخِطَابِ لِلْأَشْقِيَاءِ الَّذِينَ لَا يَمْتَثِلُونَ مَا أُمِرُوا بِهِ، وَلَا يَجْتَنِبُونَ مَا نُهُوا عَنْهُ لَيْسَ طَلَبًا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَامَةٌ وُضِعَتْ عَلَى شَقَاوَتِهِمْ، وَأَمَارَةٌ نُصِبَتْ، عَلَى تَعْذِيبِهِمْ، إذْ لَا يَبْعُدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُعَبَّرَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْخَبَرِ.
قُلْت: وَهَذِهِ الْمَقَالَةُ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ وَزَيَّفَهَا، وَابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ الْأُسْتَاذِ كَمَا سَبَقَ، وَاسْتَأْنَسَ لَهَا ابْنُ عَطِيَّةَ بِتَكْلِيفِ الْمُصَوِّرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَعْقِدَ شَعِيرَةً. . . الْحَدِيثَ.
الثَّالِثَةُ [اسْتِحَالَةُ وُرُودِ الْأَمْرِ بِالْكُفْرِ]
قَالَ الْإِمَامُ فِي " الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ " يَسْتَحِيلُ وُرُودُ الْأَمْرِ بِالْكُفْرِ بِاَللَّهِ
تَعَالَى، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مَعَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ الْأَمْرُ بِالْجَهْلِ بِهِ؟ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ جَمْعِ الضِّدَّيْنِ.
الرَّابِعَةُ [التَّكْلِيفُ بِالْمُمْكِنِ الْمَشْرُوطِ مُسْتَحِيلٌ] اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّكْلِيفُ بِالْمُمْكِنِ مَشْرُوطٌ بِشَرْطٍ مُسْتَحِيلٍ أَمْ لَا؟ أَمَّا الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ فَاتَّفَقُوا عَلَى الْمَنْعِ هَاهُنَا، وَأَمَّا الْمُجَوِّزُونَ فَاخْتَلَفُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ كَمَا يَجُوزُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِنَفْسِ الْمُسْتَحِيلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ لِتَهَافُتِ الصِّيغَةِ، وَأَنَّهُ إذَا قِيلَ: إنْ تَحَرَّكَ زَيْدٌ فِي حَالِ سُكُونِهِ فَقُمْ، فَإِنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ، فَلَا يَقُمْ. فَسَلَبَ مِنْ صِيغَةِ الْأَمْرِ مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ.
الْخَامِسَةُ [تَأْقِيتُ الْعِبَادَةِ بِوَقْتٍ لَا يَسَعُهَا] لَا يَجُوزُ تَأْقِيتُ الْعِبَادَةِ بِوَقْتٍ لَا يَسَعُهَا إنْ مَنَعْنَا تَكْلِيفَ الْمُسْتَحِيلِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ، مَنْ أَدْرَكَ مِنْ أَصْحَابِ الضَّرُورَاتِ قَدْرَ رَكْعَةٍ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ لَزِمَتْهُ، فَلَمْ يُرِيدُوا بِهِ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بَلْ الْقَضَاءِ. قَالَهُ الْإِمَامُ فِي التَّلْخِيصِ.
السَّادِسَةُ [الْفَرْقُ بَيْنَ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ وَالتَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ] فَرْقٌ بَيْنَ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ وَالتَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ، فَتَكْلِيفُ الْمُحَالِ: أَنْ يَرْجِعَ
الْخَلَلُ إلَى الْمَأْمُورِ بِهِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَأَمَّا التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ فَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ الْخَلَلُ إلَى الْمَأْمُورِ نَفْسِهِ، كَتَكْلِيفِ الْمَيِّتِ وَالْجَمَادِ وَالْبَهَائِمِ فَلَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِالْإِجْمَاعِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ " عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.
السَّابِعَةُ
تَكَرَّرَ فِي كَلَامِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ التَّمَسُّكُ بِقَضِيَّةِ أَبِي لَهَبٍ وَأَبِي جَهْلٍ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إنَّمَا خَصَّ الْأُصُولِيُّونَ ذِكْرَ أَبِي لَهَبٍ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ سَائِرَ الْكُفَّارِ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِنْ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ أَمْرَانِ، عِلْمُ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَخَبَرُهُ بِذَلِكَ، فَلِهَذَا أَكْثَرُ اسْتِدْلَالِهِمْ بِذَلِكَ. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْكُفَّارِ كَأَبِي جَهْلٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، فَقَدْ صَارَ إيمَانُهُ كَالْمُمْتَنِعِ إيقَاعُهُ، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَخَالَفَ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى. وَنَاقَشَ الْقَرَافِيُّ فِي التَّمْثِيلِ بِأَبِي لَهَبٍ، وَقَالَ: إنَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ بِعَدَمِ إيمَانِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] وَلَا دَلِيلَ فِيهِ، لِأَنَّ التَّبَّ هُوَ الْخُسْرَانُ، وَقَدْ يَخْسَرُ الْإِنْسَانُ، وَيَدْخُلُ النَّارَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ لِمَعَاصِيهِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] فَمَخْصُوصَةٌ وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي تَفْسِيرِهِ صِحَّتَهَا وَقَالَ: هَذَا لَا يَثْبُتُ وَلَا يُوجَدُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَلَا فِي الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ لَا يُؤْمِنُ وَكَلَّفَهُ بِالْإِيمَانِ بِأَنْ لَا يُؤْمِنَ، وَقَالَ: إنَّمَا يَنْبَغِي التَّمْثِيلُ بِقَضِيَّةِ ثَعْلَبَةَ فَإِنَّهُ عَاهَدَ اللَّهَ إنْ وَسَّعَ عَلَيْهِ لِيَتَصَدَّقَ، فَلَمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ وَجَاءَهُ
مُصَدِّقُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم يَطْلُبُ مِنْهُ الزَّكَاةَ امْتَنَعَ، وَقَالَ:(مَا هَذِهِ إلَّا وَالْجِزْيَةُ سَوَاءٌ) ، فَرَجَعَ الْمُصَدِّقُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: 75] {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [التوبة: 76]{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة: 77] .
قَالَ: فَهَذَا الَّذِي نَبْغِي أَنْ يُمَثِّلَ بِهَا التَّكْلِيفُ، بِخِلَافِ الْمَعْلُومِ مَعَ انْكِشَافِ الْعَاقِبَةِ لِثُبُوتِهَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ.
قَالَ: وَقَدْ عَلِمْت اخْتِلَافَ الْأُصُولِيِّينَ هَلْ يَسْتَمِرُّ التَّكْلِيفُ مَعَ كَشْفِ الْعَاقِبَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْإِيمَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُمْكِنِ أَوْ لَا يَسْتَمِرُّ نَظَرًا إلَى مَا يَخْلُصُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ؟ أَوْ نَقُولُ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ: إنَّ اللَّهَ كَلَّفَ هَؤُلَاءِ بِالْإِيمَانِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ الْإِيمَانَ بِعَدَمِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ مُخْلِصٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ إذَا كَلَّفَهُمْ عَلَى الْعُمُومِ أَنْ يُصَدِّقُوا بِكُلِّ خَبَرٍ، وَمِنْ جُمْلَةِ هَذَا الْعُمُومِ الْخَبَرُ بِأَنَّهُمْ لَا يَصْدُقُونَ عَادَ الْإِشْكَالُ.
وَالتَّحْقِيقُ: الْتِزَامُ رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْ هَؤُلَاءِ وَيَقْدِرُ أَحَدُهُمْ عِنْدَ إخْبَارِ اللَّهِ عَنْهُ بِأَنْ يُؤْمِنَ أَبَدًا فِي عَدَدِ الْأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَئِسَ مِنْهُمْ، وَانْقَطَعَ التَّكْلِيفُ فِي حَقِّهِمْ، نِقْمَةً عَلَيْهِمْ لَا رَحْمَةً بِهِمْ. اهـ.
وَهُوَ قَوْلٌ عَجِيبٌ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ مَا سَبَقَ عَنْ الْأُسْتَاذِ وَالْجُوَيْنِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَقَوْلُهُ: إنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَعْلَبَةَ قَدْ أَنْكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، فَقَالَ