المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة وضع اللفظ المشهور في معنى خفي جدا] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٢

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[خِطَابُ الْوَضْعِ]

- ‌ السَّبَبِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لِلْأَسْبَابِ أَحْكَامٌ تُضَافُ إلَيْهَا]

- ‌[الْمَانِعُ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَانِعِ]

- ‌[مَسْأَلَة الصِّحَّة وَالْفَسَادِ]

- ‌[الصِّحَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَاهِيَّاتِ مِنْ عِبَادَةٍ وَعَقْدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصِّحَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثَوَابُ الصَّلَاةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْزَاءُ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالْفِعْلِ فِي سُقُوطِ الْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجَائِزُ مَا وَافَقَ الشَّرِيعَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُقَابِلُ الصِّحَّةَ الْبُطْلَانُ]

- ‌[التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الرُّخْصَةُ وَالْعَزِيمَةُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي مَدْلُولِهِمَا]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي الرُّخْصَة مِنْ أَيِّ الْخِطَابَيْنِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ أَقْسَامِ الرُّخْصَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِعَادَةُ]

- ‌[فَرْعٌ تَأْخِيرُ الْمَأْمُورِ بِهِ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعِبَادَةُ الَّتِي تَقَعُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَتَكُونُ أَدَاءً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْبَقَاءِ]

- ‌[التَّكْلِيفُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ حَسَنٌ فِي الْعُقُولِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ هَلْ يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالْأَصْلَحِ]

- ‌ الْمُكَلَّفِ

- ‌[فَرْعٌ تَكْلِيفُ مَنْ أَحُيِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ]

- ‌[فُرُوعٌ الِانْشِغَالُ عَنْ الصَّلَاةِ بِلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ]

- ‌[تَكْلِيف السَّكْرَان]

- ‌[التَّكْلِيفُ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَى قِسْمَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَنْتَفِي شَرْطُ وُقُوعِهِ عِنْدَ وَقْتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَعْدُومُ الَّذِي تَعَلَّقَ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ مَأْمُورٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُكَلَّفِ الْحُرِّيَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الذُّكُورِ فِي الْإِنَاثِ فِي الْخِطَابِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْجِنِّ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُكَلَّفُ بِهِ]

- ‌[جَوَازُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ]

- ‌[وُقُوعُ التَّكَلُّفِ بِالْمُحَالِ]

- ‌[التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ لَا يُشْتَرَطْ فِيهِ الْإِمْكَانُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خِطَابُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ اسْتِحَالَةُ مُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ بِإِنْشَاءِ فَرْعٍ عَلَى الصِّحَّةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الثَّانِي هَلْ يُخَاطَبُ الْكَافِرُ بِالْفُرُوعِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ تَكْلِيفُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ سُقُوط حَقّ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْكَافِر إذَا أَسْلَمَ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ السَّادِسُ حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ]

- ‌[التَّنْبِيه السَّابِعُ الْإِمْكَانَ الْمُشْتَرِطَ فِي التَّكْلِيفِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ نَاجِزًا]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْحَادِيَ عَشَرَ قُرَبُ الْكُفَّارِ]

- ‌[جُنُونُ الْكَافِرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ يَرْفَعُ عَنْهُ الْقَلَمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ هَلْ يَتَوَجَّهُ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ أَوْ قَبْلَهَا]

- ‌[تَقَدَّمَ الْأَمْرُ عَلَى وَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلتَّكْلِيفِ]

- ‌[مَبَاحِثُ الْكِتَابِ] [

- ‌تَعْرِيفُ الْقُرْآنِ]

- ‌[الْإِعْجَازُ فِي قِرَاءَةِ كَلَامِ اللَّهِ]

- ‌[إنْزَالُ الْقُرْآنِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ]

- ‌[الْأَلْفَاظُ غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وُرُودُ الْمُهْمَلِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا زَائِدَ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ]

- ‌[بَقَاءُ الْمُجْمَلِ فِي الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النَّصُّ وَالظَّاهِرُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَيْسَتْ الْقِرَاءَاتُ اخْتِيَارِيَّةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْبَسْمَلَةُ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ]

- ‌[مَبَاحِثُ اللُّغَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُفْرَدَاتُ مَوْضُوعَةٌ]

- ‌[الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ لَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ اللَّفْظِ الْمَشْهُورِ فِي مَعْنًى خَفِيٍّ جِدًّا]

- ‌[مَعْنَى التَّوْقِيفِ]

- ‌[الْأَسْمَاءُ الَّتِي عَلَّمَهَا اللَّهُ آدَمَ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الِاحْتِجَاجُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَغْيِيرُ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌[ثُبُوتُ الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْمُنَاسَبَةُ فِي الْوَضْعِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْأَلْفَاظِ تَقْسِيمُ الدَّلَالَةِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ]

- ‌[أَقْسَامُ اللَّازِمِ]

- ‌[الْمُلَازَمَةُ الذِّهْنِيَّةُ شَرْطٌ فِي الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَفْظِيَّةٌ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ قَدْ تَنْفَكُّ عَنْ التَّضَمُّنِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ]

- ‌[دَلَالَةُ الِاسْتِدْعَاءِ]

- ‌[انْقِسَامُ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ]

- ‌[الْكُلِّيُّ وَالْجُزْئِيُّ]

- ‌[الطَّبِيعِيُّ وَالْمَنْطِقِيُّ وَالْعَقْلِيُّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّيِّ وَالْكُلِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْكُلِّيِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرَضِيِّ اللَّازِمِ وَالذَّاتِيِّ]

- ‌[الْجُزْئِيُّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ عَلَمِ الْجِنْسِ وَعَلَمِ الشَّخْصِ وَاسْمِ الْجِنْس]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِسْبَةِ الْأَسْمَاءِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ]

- ‌[تَقْسِيمُ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي أَمْرَيْنِ يَتَعَيَّنُ الِاهْتِمَامُ بِهِمَا]

- ‌[مَبَاحِثُ الِاشْتِقَاقِ]

- ‌[حَدّ الِاشْتِقَاق]

- ‌[فَائِدَةُ الِاشْتِقَاق]

- ‌[تَقْسِيم الِاشْتِقَاق]

- ‌[أَرْكَان الِاشْتِقَاق]

- ‌[أَقْسَام الِاشْتِقَاق]

- ‌[مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ فِي اشْتِقَاقِ الْأَفْعَالِ مِنْ الْمَصَادِرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شَرْطُ صِدْقِ الْمُشْتَقِّ صِدْقُ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاشْتِقَاقُ مِنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالشَّيْءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ]

- ‌[مَبَاحِثُ التَّرَادُفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ تَرَادُفٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي سَبَبِ التَّرَادُفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّرَادُفُ خِلَافُ الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللُّغَاتُ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةَ سَوَاءٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَرَادُفُ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِتْبَاعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّأْكِيدُ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ]

- ‌[هَلْ التَّأْكِيدُ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ]

- ‌[مَسْأَلَةُ التَّأْكِيدُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ]

- ‌[أَقْسَامُ التَّأْكِيدِ]

- ‌[مَبَاحِثُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعِلْمُ بِكَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حَقِيقَةِ وُقُوعِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ خِلَافُ الْغَالِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ لَهُ مَفْهُومَانِ فَصَاعِدًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَجَرُّدُ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْقَرِينَةِ]

- ‌[اقْتِرَانُ الْقَرِينَةِ بِالْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حُكْمِ الْمُشْتَرَك بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ]

- ‌[تَنْبِيه الْخِلَافَ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ]

- ‌[اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَافُ الْمَعْنَيَيْنِ]

الفصل: ‌[مسألة وضع اللفظ المشهور في معنى خفي جدا]

الثَّانِي: أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ لَا الذِّهْنِيِّ، لِأَنَّهُ مُسْتَقَرُّ الْأَحْكَامِ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ "، وَيَلْزَمُ الرَّازِيَّ مِنْ نَفْيِهِ الْوَضْعَ لِلْخَارِجِيِّ أَنْ يَكُونَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا فِي الْخَارِجِ لَيْسَتْ مُطَابِقَةً وَلَا تَضَمُّنًا، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا نَفْيُ الْحَقَائِقِ، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ، وَعِنْدَهُ إنَّمَا وُضِعَ لِلذِّهْنِيِّ، وَلَكِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ لِلْخَارِجِيِّ، وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنْ لَا يَكُونَ الْآنَ شَيْءٌ مَوْضُوعٌ، لِأَنَّ الْوَضْعَ زَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ.

الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ، وَلَيْسَ لِكُلِّ مَعْنًى لَفْظٌ، بَلْ كُلُّ مَعْنًى مُحْتَاجُ إلَى اللَّفْظِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَرَدَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ إلَيْهِ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَنَسَبَ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ الْخُوبِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِلْفَلَاسِفَةِ: قَالَ: وَأَصْلُهُ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الِاسْمَ عَيْنُ الْمُسَمَّى أَوْ غَيْرِهِ.

[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ اللَّفْظِ الْمَشْهُورِ فِي مَعْنًى خَفِيٍّ جِدًّا]

مَنَعَ الرَّازِيَّ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ الْمَشْهُورُ فِي مَعْنًى لِمَعْنًى خَفِيٍّ جِدًّا، فَالْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الرَّدُّ عَلَى مُثْبِتِي الْحَالِ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْحَرَكَةُ اسْمٌ لِمَعْنًى يَجْعَلُ الِاسْمَ مُتَحَرِّكًا، وَالْمَشْهُورُ نَفْسُ الِانْتِقَالِ لَا مَعْنًى أَوْجَبَ

ص: 238

الِانْتِقَالَ، وَجَوَّزَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فَإِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى مَشْهُورَةٌ، وَبِإِزَائِهَا مَعَانٍ دَقِيقَةٌ غَامِضَةٌ لَا يَفْهَمُهَا إلَّا الْخَوَاصُّ الْعَارِفُونَ بِاَللَّهِ، وَبِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُدْرِكُ مَعَانِيَ لَطِيفَةً فَيَخْتَرِعُ لَهَا أَلْفَاظًا بِإِزَائِهَا.

[فَائِدَةُ الْوَضْعِ]

الْخَامِسُ: فِي فَائِدَةِ الْوَضْعِ، وَالْمَعَانِي الْمُفْرَدَةُ مَعْلُومَةٌ فِي الذِّهْنِ قَبْلَ وَضْعِ اللَّفْظِ، وَفَائِدَةُ وَضْعِ اللَّفْظِ تَصَوُّرُهَا عِنْدَ التَّلَفُّظِ لِتَوَقُّفِ فَهْمِ النِّسْبَةِ التَّرْكِيبِيَّةِ عَلَيْهِ، فَإِذَنْ الْفَائِدَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ تَصَوُّرُ مَعَانِيهَا وَشُعُورُ الذِّهْنِ بِهَا لَا مَعْرِفَةُ مَعَانِيهَا، فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ، وَتَصَوُّرُ النِّسْبَةِ مَوْجُودٌ فِي الذِّهْنِ قَبْلَ وُجُودِ اللَّفْظِ، وَالْفَائِدَةُ الْحَاصِلَةُ بِاللَّفْظِ مَعَ الْحَرَكَاتِ الْمَخْصُوصَةِ وَالتَّرْكِيبِ الْمَخْصُوصِ مَعْرِفَتُهَا وَاقِعَةً أَوْ وَقَعَتْ أَوْ سَتَقَعُ، فَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا التَّصْدِيقُ لَا التَّصَوُّرُ فَلَا دَوْرَ أَيْضًا.

[الْوَاضِعُ]

السَّادِسُ: فِي الْوَاضِعِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَبَعْضِ أَتْبَاعِهِ كَابْنِ فُورَكٍ أَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ، وَأَنَّ الْوَاضِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَأَعْلَمَهَا لِلْخَلْقِ بِالْوَحْيِ إلَى الْأَنْبِيَاءِ أَوْ بِخَلْقِ الْأَصْوَاتِ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَوْ بِخَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ لَهُمْ، وَحَكَاهُ ابْنُ جِنِّي فِي الْخَصَائِصِ " عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ فَارِسٍ

ص: 239

وَالثَّانِي: أَنَّهَا إلْهَامٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِبَنِي آدَمَ كَأَصْوَاتِ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ حَيْثُ كَانَتْ أَمَارَاتٌ عَلَى إرَادَتِهَا فِيمَا بَيْنَهَا بِإِلْهَامِ اللَّهِ تَعَالَى، حَكَاهُ صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ " عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَلَا {قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3] ثُمَّ قَالَ: أُلْهِمَ إسْمَاعِيلُ هَذَا اللِّسَانَ إلْهَامًا» ثُمَّ قَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ": حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَكِنَّ مَدَارَ الْحَدِيثِ عَلَى إبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْغَسِيلِيِّ، وَكَانَ مِمَّنْ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ.

انْتَهَى. وَالثَّالِثِ: مَذْهَبُ أَبِي هَاشِمٍ وَأَتْبَاعِهِ أَنَّهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْبَشَرِ أَوْ جَمَاعَةٍ وَضَعَهَا وَحَصَلَ التَّعْرِيفُ لِلْبَاقِينَ بِالْإِشَارَةِ وَالْقَرَائِنِ كَتَعْرِيفِ الْوَالِدَيْنِ لُغَتَهُمَا لِلْأَطْفَالِ، وَحَكَاهُ ابْنُ جِنِّي فِي الْخَصَائِصِ " عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ النَّظَرِ.

ص: 240

وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: مَعْنَى الِاصْطِلَاحِ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ اللَّهُ مَقَاصِدَ اللُّغَاتِ، ثُمَّ يَهْجِسُ فِي نَفْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُنَصِّبَ أَمَارَةً عَلَى مَقْصُودِهِ، فَإِذَا نَصَّبَهَا وَكَرَّرَهَا وَاتَّصَلَتْ الْقَرَائِنُ بِهَا أَفَادَتْ الْعِلْمَ، كَالصَّبِيِّ يَتَلَقَّى مِنْ وَالِدِهِ.

وَالْقَائِلُونَ بِالتَّوْقِيفِ: يَقُولُونَ لَا بُدَّ وَأَنْ يُلْهَمُوا الْأَمَارَاتِ.

قَالَ: وَمَنْ فَهِمَ الْمَسْأَلَةَ وَتَصَوَّرَهَا لَا يُحِيلُ تَصْوِيرَهَا، نَعَمْ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُ الْعَالَمِينَ عَلَى أَمَارَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّوَاعِي، فَإِنْ عُنِيَ بِالِاصْطِلَاحِ هَذَا فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ عُنِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَا، وَإِذَا تَعَارَضَ الْإِمْكَانَاتُ تَوَقَّفَ عَلَى السَّمْعِ.

وَالرَّابِعِ: أَنَّ بَعْضَهُ مِنْ اللَّهِ وَبَعْضَهُ مِنْ النَّاسِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ الْبُدَاءَةُ مِنْ اللَّهِ وَالتَّتِمَّةُ مِنْ النَّاسِ؟ وَنَسَبَهُ الْقُرْطُبِيُّ إلَى الْأُسْتَاذِ، وَإِمَّا عَكْسُهُ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ قَوْمٌ فَتَصِيرُ الْمَذَاهِبُ خَمْسَةً.

وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْأُسْتَاذِ، فَحَكَى الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ عَنْهُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ فِي التَّعْرِيفِ تَوْقِيفِيٌّ، وَالْبَاقِي مُحْتَمَلٌ لِلتَّوَقُّفِ وَغَيْرِهِ، وَحَكَى فِي الْمَحْصُولِ " عَنْهُ أَنَّ الْبَاقِيَ مُصْطَلَحٌ وَسَبَقَهُ إلَى حِكَايَتِهِ أَيْضًا أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَالصَّوَابُ عَنْهُ: الْأَوَّلُ، فَقَدْ رَأَيْته فِي كِتَابِ أُصُولِ الْفِقْهِ " لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَنَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، وَعِبَارَتُهُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَوْ يَخْلُقَ لَهُمْ عِلْمًا بِمِقْدَارِ مَا يَفْهَمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ لِمَعْنَى الِاصْطِلَاحِ وَالْوُقُوفِ عَلَى التَّسْمِيَةِ، فَإِذَا عَرَفُوهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ بَاقِيهِ تَوْقِيفًا مِنْهُ لَهُمْ عَلَيْهِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ اصْطِلَاحًا فِيهِمْ، وَلَا طَرِيقَ بَعْدَهُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا كَانَ مِنْهُ فِيهِ إلَّا بِخَبَرِ نَبِيٍّ عَنْهُ. هَذَا لَفْظُهُ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ "، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ.

ص: 241

الْخَامِسُ: قَوْلُ الْقَاضِي وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَابْنِ الْقُشَيْرِيّ وَابْنِ السَّمْعَانِيِّ وَابْنِ بَرْهَانٍ وَجُمْهُورِ الْمُحَقِّقِينَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَحْصُولِ " التَّوَقُّفُ، بِمَعْنَى أَنَّ الْجَمِيعَ مُمْكِنٌ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ، وَأَمَّا تَعْيِينُ الْمَوَاقِعِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ قَاطِعٌ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ جِنِّي فِي أَوَاخِرِ الْأَمْرِ.

وَقَالَ الْآمِدِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَعْيِينَ الْوَاقِعِ، فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ.

وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْوَاقِفُ إنْ تَوَقَّفَ عَنْ الْقَطْعِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ التَّوَقُّفَ عَنْ الظَّنِّ فَظَاهِرُ الْآيَةِ يَنْفِيهِ.

وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي الْكِفَايَةِ ": قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: هَذَا الْخِلَافُ إنْ كَانَ فِي الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ فَهُوَ ثَابِتٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْوُقُوعِ السَّمْعِيِّ فَبَاطِلٌ، لِأَنَّ الْوُقُوعَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّقْلِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ خَبَرٌ مُتَوَاتِرٌ، وَلَا بُرْهَانٌ عَقْلِيٌّ بِنَفْيِ رَجْمِ الظُّنُونِ بِلَا فَائِدَةٍ.

وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ قَوْلًا آخَرَ أَنَّ مَا وَقَعَ التَّوْقِيفُ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى لُغَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا سِوَاهَا مِنْ اللُّغَاتِ وَقَعَ التَّوْقِيفُ عَلَيْهَا بَعْدَ الطُّوفَانِ مِنْ اللَّهِ فِي أَوْلَادِ نُوحٍ حَتَّى تَفَرَّقُوا فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ.

قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ الْمَحْضَةِ إسْمَاعِيلُ، وَأَرَادَ بِهَا عَرَبِيَّةَ قُرَيْشٍ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَأَمَّا عَرَبِيَّةُ قَحْطَانَ وَحِمْيَرَ فَكَانَتْ قَبْلَ إسْمَاعِيلَ عليه السلام.

ص: 242

وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ ": قَالَ الْجُمْهُورُ الْأَعْظَمُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّهَا كُلَّهَا تَوْقِيفٌ مِنْ اللَّهِ، وَقَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا بُدَّ مِنْ التَّوْقِيفِ فِي أَصْلِ لُغَةٍ وَاحِدَةٍ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى أَوَّلِ اللُّغَاتِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ مِنْ الْمُصْطَلِحِينَ، يَعْنِي مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا حَصَلَ التَّوْقِيفُ عَلَى لُغَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا مِنْ اللُّغَاتِ اصْطِلَاحًا، وَأَنْ يَكُونَ تَوْقِيفًا، وَلَا يُقْطَعُ بِأَحَدِهِمَا إلَّا بِدَلَالَةٍ.

قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللُّغَاتِ كُلَّهَا اصْطِلَاحٌ، فَكَذَا قَوْلُهُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَمَنْ قَالَ بِالتَّوْقِيفِ عَلَى اللُّغَةِ الْأُولَى وَأَجَازَ الِاصْطِلَاحَ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ اللُّغَاتِ اخْتَلَفُوا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ أَوَّلُ اللُّغَاتِ وَكُلُّ لُغَةٍ سِوَاهَا حَدَثَتْ بَعْدَهَا إمَّا تَوْقِيفًا أَوْ اصْطِلَاحًا، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَهُوَ عَرَبِيٌّ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ أَسْبَقُ اللُّغَاتِ وُجُودًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لُغَةُ الْعَرَبِ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَرَبِيَّةُ حِمْيَرَ وَهِيَ الَّتِي تَكَلَّمُوا بِهَا فِي عَهْدِ هُودٍ وَمَنْ قَبْلَهُ، وَبَقِيَ بَعْضُهَا إلَى وَقْتِنَا.

وَالثَّانِي: الْعَرَبِيَّةُ الْمَحْضَةُ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَأَوَّلُ مَنْ أَطْلَقَ لِسَانَهُ بِهَا إسْمَاعِيلُ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ تَوْقِيفُ إسْمَاعِيلَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ الْمَحْضَةِ مُحْتَمِلًا أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ اصْطِلَاحًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ جُرْهُمٍ النَّازِلِينَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَوْقِيفًا مِنْ اللَّهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ. اهـ. وَحَكَى ابْنُ جِنِّي فِي الْخَصَائِصِ " قَوْلًا آخَرَ أَنَّ أَصْلَ اللُّغَاتِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَصْوَاتِ وَالْأَسْمَاعِ، كَدَوِيِّ الرِّيحِ وَحُنَيْنِ الرَّعْدِ وَخَرِيرِ الْمَاءِ وَنَهِيقِ الْحِمَارِ وَنَعِيقِ الْغُرَابِ وَصَهِيلِ الْفَرَسِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ تَوَلَّدَتْ اللُّغَاتُ عَنْ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ.

قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي وَجْهٌ صَالِحٌ وَمَذْهَبٌ مُتَقَبَّلٌ. قَالَ: وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ

ص: 243