الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ الْجَائِزُ مَا وَافَقَ الشَّرِيعَةَ]
الْجَائِزُ مَا وَافَقَ الشَّرِيعَةَ، فَإِذَا قُلْنَا: صَوْمٌ جَائِزٌ وَبَيْعٌ جَائِزٌ، فَإِنَّمَا نُرِيدُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلشَّرِيعَةِ، وَقَدْ يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: الْوَكَالَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ، وَيُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ.
وَضَابِطُ ذَلِكَ: أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لِلْعَاقِدِ فَسْخُهُ بِكُلِّ حَالٍ، أَوْ لَا وَيَئُولُ إلَى اللُّزُومِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى ذَلِكَ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَإِنَّهُ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ. قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ جَدَلِهِ ".
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ التَّرْتِيبِ ": الْجَائِزُ مَا أُذِنَ فِي فِعْلِهِ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَيَخْرُجُ الْحَرَامُ، وَقِيلَ: مَا لَا يَأْثَمُ بِفِعْلِهِ وَلَا تَرْكِهِ.
قَالَ: وَالْحَدُّ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مِنْ وَصْفٍ وَاحِدٍ. قَالَ: وَكُلُّ صَحِيحٍ جَائِزٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَأْذُونًا فِي فِعْلِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ جَائِزٍ صَحِيحًا كَكَثِيرٍ مِنْ الْمُبَاحَاتِ.
قَالَ: وَحَدُّ الْجَائِزِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ أَهْلُ الْمَعْقُولِ.
[مَسْأَلَةٌ يُقَابِلُ الصِّحَّةَ الْبُطْلَانُ]
وَيُقَابِلُ الصِّحَّةَ الْبُطْلَانُ فَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، فَمَنْ
قَالَ: الصِّحَّةُ وُقُوعُ الْفِعْلِ كَافِيًا فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ قَالَ: الْبُطْلَانُ هُوَ وُقُوعُهُ غَيْرُ كَافٍ لِإِسْقَاطِ الْقَضَاءِ، وَمَنْ قَالَ الصِّحَّةُ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ قَالَ: الْبُطْلَانُ مُخَالَفَتُهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى الْمُتَطَهِّرُ يَظُنُّ أَنَّهُ مُحْدِثٌ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، لَكِنْ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ لِكَوْنِهَا بَاطِلَةً بِالْمُخَالَفَةِ، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الطَّهَارَةِ. وَالْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ عِنْدَنَا مُتَرَادِفَانِ، فَكُلُّ فَاسِدٍ بَاطِلٌ وَعَكْسُهُ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَفْتَرِقَانِ فَرْقَ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ كَالْحَيَوَانِ وَالْإِنْسَانِ، إذْ كُلُّ بَاطِلٍ فَاسِدٌ وَلَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ بَاطِلًا. فَقَالُوا: الْبَاطِلُ مَا لَا يَنْعَقِدُ بِأَصْلِهِ كَبَيْعِ الْحُرِّ، وَالْفَاسِدُ مَا لَا يَنْعَقِدُ دُونَ أَصْلِهِ كَعَقْدِ الرِّبَا فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَيْعٌ، وَمَمْنُوعٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَقْدُ رِبًا. وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ عِنْدَهُمْ يُشَارِكُ الصَّحِيحَ فِي إفَادَةِ الْمِلْكِ إذَا اتَّصَلَ بِالْقَبْضِ فَجَعَلُوا الْفَاسِدَ رُتْبَةً مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْبَاطِلِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَذْهَبِ الْجَاحِظِ. وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ بَلْ هُوَ سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى وَالْحُكْمِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ.
وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ فَسَادُهُ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِدُ هُوَ الْمَوْجُودُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْخَلَلِ، وَالْبَاطِلُ هُوَ الَّذِي لَا تَثْبُتُ حَقِيقَتُهُ بِوَجْهٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] فَسَمَّى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَاسِدَةً عِنْدَ تَقْدِيرِ الشَّرِيكِ وَوُجُودِهِ. وَدَلِيلُ التَّمَانُعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَالَمَ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرِيكِ،