الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمُنَاقَضَةُ وَالْفُحْشُ وَالْغَلَطُ، قَالَ: وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ خَارِجَةٌ عَنْ الْأُصُولِ فَمَنْ صَارَ إلَيْهَا فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَالْخَامِسُ يُسَمَّى الْخَطَأُ، فَعَلَيْهِ تَدُورُ الْمُنَاظَرَاتُ، وَإِلَيْهِ يُقْصَدُ بِالْمُطَالَبَاتِ.
قَالَ: فَالْإِحَالَةُ: مَا دَفَعَهُ الْحِسُّ، وَالْمُنَاقَضَةُ: مَا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاخْتِلَافِ، وَالْفُحْشُ: مَا يَسْتَقْبِحُهُ الْعَقْلُ، وَالْغَلَطُ: مَا طَرَحَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَالْخَطَأُ: كُلُّ مُتَلَبِّسٍ قَامَ فَسَادُهُ دَلِيلٌ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: حَدُّ الْمُحَالِ كُلُّ جُمْلَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا غَرَضٌ وَلَا فَائِدَةٌ قَالَ: وَإِنَّمَا يُطْلِقُهُ أَهْلُ الشَّرِيعَةِ عَلَى فِعْلٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَرْطٍ أَوْ وَصْفٍ يَنْضَمُّ إلَيْهِ حَتَّى يَعْتَدَّ بِهِ فَإِذَا فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الشَّرْطِ يُقَالُ: هَذَا فِعْلٌ مُحَالٌ فَيُقَالُ: الصَّلَاةُ بِلَا طَهَارَةٍ مُحَالٌ، وَالْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ مُحَالٌ، وَالصَّوْمُ بِاللَّيْلِ مُحَالٌ. انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ الرُّخْصَةُ وَالْعَزِيمَةُ]
[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي مَدْلُولِهِمَا]
الْحُكْمُ يُوصَفُ بِالْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ وَفِيهِمَا مَبَاحِثُ:
[الْمَبْحَثُ] الْأَوَّلُ
فِي مَدْلُولِهِمَا. الْعَزِيمَةُ
أَمَّا الْعَزِيمَةُ فَهِيَ لُغَةً: الْقَصْدُ الْمُؤَكَّدُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115]
وَشَرْعًا: عِبَارَةٌ عَنْ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ السَّالِمِ مُوجِبُهُ عَنْ الْمُعَارِضِ، كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَمَشْرُوعِيَّةِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهَا مِنْ التَّكَالِيفِ.
قِيلَ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ حَيْثُ لَا يَقُومُ دَلِيلُ الْمَنْعِ عَزِيمَةٌ، وَهُوَ لَا يُطَابِقُ الْوَضْعَ اللُّغَوِيَّ، وَلَا الِاصْطِلَاحَ الْفِقْهِيَّ، فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّأْكِيدِ وَالْجَزْمِ كَمَا يُقَالُ عَزَمْت عَلَيْك بِكَذَا وَكَذَا، وَلِهَذَا يُقَابِلُونَهُ بِمَا فِيهِ تَرْخِيصٌ، وَالْإِبَاحَةُ بِمُجَرَّدِهَا لَيْسَ فِيهَا هَذَا الْمَعْنَى.
وَفِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيَّ مَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهَا بِالْوَاجِبَاتِ فَإِنَّهُمَا قَالَا: مَا لَزِمَ الْعِبَادَ بِإِلْزَامِ اللَّهِ تَعَالَى. أَيْ بِإِيجَابِهِ.
وَلَيْسَ كَمَا قَالَا، فَإِنَّهَا تُذْكَرُ فِي مُقَابَلَةِ الرُّخْصَةِ، وَالرُّخْصَةُ تَكُونُ فِي الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ مَا يُقَابِلُهَا، وَمِثَالُ دُخُولِ الْإِبَاحَةِ فِيهَا قَوْلُهُمْ:" ص " مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَدُخُولُ الْحَرَامِ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَخْمَصَةِ هُوَ عَزِيمَةٌ، لِأَنَّ حُكْمَهَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ خَلَا عَنْ الْمُعَارِضِ، فَإِذَا وُجِدَتْ الْمَخْمَصَةُ حَصَلَ الْمُعَارِضُ لِدَلِيلِ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ رَاجِحٌ عَلَيْهِ حِفْظًا لِلنَّفْسِ، فَجَازَ الْأَكْلُ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: تَرْكُ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ عَزِيمَةٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ عَزِيمَةً لِكَوْنِهَا مُكَلِّفَةً بِتَرْكِهَا، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنَّ مَنْ كُلِّفَ بِتَرْكِ شَيْءٍ لَمْ يُكَلَّفْ بِفِعْلِهِ فِي حَالِ تَكْلِيفِهِ بِتَرْكِهِ، وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَإِنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يَرِدْ.
الرُّخْصَةُ
وَأَمَّا الرُّخْصَةُ فَهِيَ لُغَةً: الْيُسْرُ وَالسُّهُولَةُ، وَمِنْهُ رَخُصَ السِّعْرُ إذَا تَرَاجَعَ وَسَهُلَ الشِّرَاءُ، وَفِيهَا لُغَاتٌ ثَلَاثٌ: رُخُصَةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْخَاءِ، وَرُخْصَةٌ بِإِسْكَانِ الْخَاءِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنْ الْأُولَى، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَصْلًا بِنَفْسِهَا، وَالثَّالِثَةُ: خُرْصَةٌ بِتَقْدِيمِ الْخَاءِ حَكَاهَا الْفَارَابِيُّ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا مَقْلُوبَةٌ مِنْ الْأُولَى، وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسُنِ النَّاسِ فَتْحُ الْخَاءِ وَلَا يَشْهَدُ لَهُ سَمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ، لِأَنَّ " فُعَّلَةٌ " تَكُونُ لِلْفَاعِلِ كَهُمَزَةٍ وَلُمَزَةٍ وَضُحَكَةٌ، وَلِلْمَفْعُولِ كَلُقَطَةٍ، فَقِيَاسُهُ إنْ ثَبَتَ هُنَا: أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلْكَثِيرِ الرَّخِيصِ عَلَى غَيْرِهِ إذَا فَشَا الرُّخْصُ فِيهِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ فِي الْإِحْكَامِ ": الرُّخْصَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ: الْأَخْذُ بِالرُّخْصَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَخْذِ الْمَصْدَرَ، وَيُحْتَمَلُ أَرَادَ اسْمَ الْفَاعِلِ، وَالْقِيَاسُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ.
وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ: فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ: مَا جَازَ فِعْلُهُ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الرُّخْصَةَ هِيَ الْحُكْمُ، وَأَنَّهَا
قَدْ تَكُونُ بِجَوَازِ التَّرْكِ، وَأَنَّ التَّكَالِيفَ كُلَّهَا كَذَلِكَ، لِأَنَّهَا عَلَى خِلَافِ التَّخْفِيفِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ، كَذَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ التَّكَالِيفَ كُلَّهَا بَعْضُ مَا هُوَ يَسْتَحِقُّ عَلَى الْعَبْدِ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَاشٍ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: طَلَبُ الْفِعْلِ السَّالِمِ عَنْ الْمَانِعِ الْمُشْتَهِرِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُشْتَهِرِ عَنْ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ الْعُقُودَ الْمُخَالِفَةَ لِلْقِيَاسِ كَالسَّلَمِ وَالْمُسَابَقَةِ.
وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: مَا جَازَ فِعْلُهُ أَوْ تَرْكُهُ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ مِنْهُ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ.
وَقِيلَ: مَا لَزِمَ الْعِبَادَ بِإِيجَابِهِ تَعَالَى وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَقِيلَ: مَا خَرَجَ عَنْ الْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ لِعَارِضٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمَشْرُوعُ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ لَوْلَا الْعُذْرُ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ التَّعَبُّدُ بِالتَّحْرِيمِ.
وَقِيلَ: اسْتِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ، فَإِنْ أُرِيدَ إبَاحَةُ الْمَحْظُورِ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ بِلَا حُرْمَةٍ فَهُوَ قَوْلٌ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ، وَإِنْ أُرِيدَ إبَاحَةُ الْمَحْظُورِ مَعَ قِيَامِ الْحُرْمَةِ، فَهُوَ قَوْلٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَضَادَّيْنِ، وَكِلَاهُمَا فَاسِدٌ.
وَقِيلَ: الْحُكْمُ مَعَ الْمُعَارِضِ أَيْ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْمَنْعِ.
وَقِيلَ: الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ لِعُذْرٍ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَعْذُورِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ أَيْ الشَّرْعِيِّ، لَا الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ الْمَصْلَحِيِّ، لِأَنَّهُ إنَّمَا عَدَلَ بِهِ عَنْ نَظَائِرِهِ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ. هَذَا فِي جَانِبِ الْفِعْلِ، وَفِي جَانِبِ التَّرْكِ أَنْ يُوسِعَ لِلْمُكَلَّفِ تَرْكُهُ