الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الْمُؤَاخَذَةُ بِمَا سَلَفَ فِي الْكُفْرِ مِنْ أَسْبَابٍ مَعْفُوٌّ عَنْهَا بِالْإِسْلَامِ بِالِاتِّفَاقِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَقَدْ وَرَدَ مَا يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْت الرَّجُلَ يُحْسِنُ الْإِسْلَامَ أَيُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ» . قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى وَجْهَيْنِ: إحْدَاهُمَا: الْإِسَاءَةُ فِي الْإِسْلَامِ بِالشِّرْكِ فَإِنَّهُ إذَا أَشْرَكَ فِي الْإِسْلَامِ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّا فِيهِ تَحَقَّقْنَا فِيهِ الْجُبَّ وَالْهَدْمَ بِالْإِسْلَامِ، فَلَا نَحْكُمُ بِعَوْدِهِ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ فَلَا رُجُوعَ فِيهِ.
وَالثَّانِي: إذَا جَنَى فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَ جِنَايَتِهِ فِي الْكُفْرِ، فَإِنَّهُ يُعَيَّرُ بِذَلِكَ، وَيُقَالُ لَهُ: هَذَا الَّذِي كُنْت تَفْعَلُهُ فِي الْكُفْرِ، فَهَلَّا مَنَعَك مِنْهُ الْإِسْلَامُ؟ فَيَكُونُ هَذَا التَّوْبِيخُ مَعْنَى الْمُؤَاخَذَةِ.
[جُنُونُ الْكَافِرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ يَرْفَعُ عَنْهُ الْقَلَمَ]
فُرُوعٌ الْأَوَّلُ [جُنُونُ الْكَافِرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ يَرْفَعُ عَنْهُ الْقَلَمَ]
لَوْ جُنَّ الْكَافِرُ قَبْلَ الْبُلُوغِ كَانَ الْقَلَمُ مَرْفُوعًا عَنْهُ، وَإِنْ جُنَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْكُفْرِ لَمْ يَرْتَفِعْ الْقَلَمُ عَنْهُ، لِأَنَّ رَفْعَ الْقَلَمِ عَنْ الْمَجْنُونِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ رُخْصَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الرُّخْصَةِ. وَيَشْهَدُ لِهَذَا مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمُرْتَدَّ يَقْضِي الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ فِي حَالِ الْجُنُونِ وَيَنْشَأُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ
وُلِدَ كَافِرًا، وَلَا أَقُولُ كَافِرًا، بَلْ بَيْنَ كَافِرَيْنِ بِحَيْثُ يُحْكَمُ لَهُ بِالْكُفْرِ الظَّاهِرِ، وَجُنَّ قَبْلَ بُلُوغِهِ، وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ حَتَّى صَارَ شَيْخًا وَمَاتَ عَلَى حَالِهِ دَخَلَ النَّارَ. كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ " وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ مَنْقُولًا.
وَفِيمَا قَالَهُ أَخِيرًا نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَهُ حَالَةُ تَكْلِيفٍ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ يَمُوتُ فِي صِبَاهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي حُكْمِ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ فِي الْآخِرَةِ.
[الْفَرْعُ] الثَّانِي
إذَا قُلْنَا: إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ، فَهَلْ يَجْرِي فِي حَقِّهِمْ التَّخْفِيفَاتُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ رَفْعِ الْإِثْمِ الْمُخْطِئِ وَالنَّاسِي مِنْهُمْ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» اخْتِصَاصُهُ بِالْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ تُفَسَّرَ الْأُمَّةُ بِأُمَّةِ الدَّعْوَةِ لَا أُمَّةُ الْإِجَابَةِ، لَكِنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا تَكُونُ كَفَّارَةً لِأَهْلِهَا إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ. وَالطُّهْرَةُ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّهِ كَالدُّيُونِ اللَّازِمَةِ، وَلِذَلِكَ تَلْزَمُهُ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَنَحْوِهَا وَلَا يَزُولُ عَنْهُ بِهَا الْإِثْمُ.
[الْفَرْعُ] الثَّالِثُ [هَلْ يُوصَفُ مَالُ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ بِالْحُرْمَةِ؟]
هَلْ يُوصَفُ مَالُ الْكَافِرِ بِالْحُرْمَةِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ؟ تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيّ بِنَاءً عَلَى نَقْلِهِمْ: أَنَّ فَائِدَةَ الْخِطَابِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْآخِرَةِ لَكِنَّا قَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ، ثُمَّ مَالَ إلَى التَّحْرِيمِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِيهِ