الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَدَمِهَا الْعَدَمُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا أَفَادَ مَعْنًى غَيْرَ مُسْتَلْزِمٍ لِآخَرَ لَا يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ إلَى ذَلِكَ الْآخَرِ إلَّا بِسَبَبٍ مُنْفَصِلٍ، فَتَكُونُ إفَادَتُهُ مُضَافَةً لِذَلِكَ الْمُنْفَصِلِ لَا لِلَّفْظِ، فَلَا يَكُونُ فَهْمُهُ دَلَالَةَ اللَّفْظِ بَلْ أَثَرًا لِلْمُنْفَصِلِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْمُلَازَمَةِ وُجُودُ الدَّلَالَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِطْلَاقِ، فَإِنَّ الْمُلَازَمَةَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَالْفَهْمُ مَعْدُومٌ مِنْ اللَّفْظِ، إذْ اللَّفْظُ مَعْدُومٌ، فَهُوَ حِينَئِذٍ شَرْطٌ، وَالْإِطْلَاقُ هُوَ الْمُسَبِّبُ.
[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَفْظِيَّةٌ]
[التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ][دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَفْظِيَّةٌ وَالْخِلَافُ][فِي دَلَالَةِ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ]
لَا خِلَافَ أَنَّ دَلَالَةَ الْمُطَابَقَةِ لَفْظِيَّةٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ عَلَى ثَلَاثِهِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا عَقْلِيَّانِ، لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمَعْنَى عَلَيْهِمَا بِالْوَاسِطَةِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْمَحْصُولِ وَاخْتَارَهُ أَثِيرُ الدِّينِ الْأَبْهَرِيُّ فِي كَشْفِ الْحَقَائِقِ وَالصَّفِيّ الْهِنْدِيُّ. قَالَ: وَإِنَّمَا وُصِفَتَا بِكَوْنِهِمَا عَقْلِيَّتَيْنِ، إمَّا لِأَنَّ الْعَقْلَ يَسْتَقِلُّ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى اسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللِّسَانِ اللَّفْظَ فِيهِمَا وَهَذَا يَسْتَقِيمُ عَلَى رَأْيِ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الْوَضْعَ فِي الْمَجَازِ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْمُمَيِّزَ بَيْنَ مَدْلُولَيْهِمَا وَهُوَ الْجُزْءُ وَاللَّازِمُ هُوَ الْعَقْلُ.
الثَّانِي: أَنَّهُمَا لَفْظِيَّانِ وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إلَى الْأَكْثَرِينَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَاصِلٍ فِي " شَرْحِ جُمَلِ الْخُونَجِيِّ ".
وَالثَّالِثُ: أَنَّ دَلَالَةَ التَّضَمُّنِ لَفْظِيَّةٌ وَالِالْتِزَامِ عَقْلِيَّةٌ، وَبِهِ قَالَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، لِأَنَّ الْجُزْءَ دَاخِلٌ فِيمَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ بِخِلَافِ اللَّازِمِ فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَنْهُ.
وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ إنْ جُعِلَتْ لَفْظِيَّةٌ لِأَجْلِ أَنَّ فَهْمَ الْجُزْءِ مِنْهَا إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ اللَّفْظِ فَدَلَالَةُ الِالْتِزَامِ كَذَلِكَ، لِأَنَّ فَهْمَ اللَّازِمِ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَلْزُومِ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لَهُ بِالْوَضْعِ الْمُخْتَصِّ بِالْحَقِيقَةِ فَبَاطِلٌ، أَوْ بِالْوَضْعِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَاللَّازِمُ أَيْضًا كَذَلِكَ إنْ اُعْتُبِرَ الْوَضْعُ فِي الْمَجَازِ، وَالْأَقْيَسُ مِنْهُمَا: الْوَضْعُ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّ الْجُزْءَ دَاخِلٌ فِي الْمُسَمَّى، وَاللَّازِمُ خَارِجٌ عَنْهُ فَهُوَ تَحَكُّمٌ مَحْضٌ وَاصْطِلَاحٌ مِنْ غَيْرِ مُنَاسَبَةٍ.
وَقَالَ صَاحِبُ الدَّقَائِقِ: وَمَنْ جَعَلَ الِالْتِزَامَ لَفْظِيَّةً فَقَدْ أَخْطَأَ، لِأَنَّ الذِّهْنَ يَنْتَقِلُ مِنْ اللَّفْظِ إلَى مَعْنَاهُ، وَمِنْ مَعْنَاهُ إلَى اللُّزُومِ، وَالتَّضَمُّنُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ مُسَمَّى اللَّفْظِ بِخِلَافِ الِالْتِزَامِ، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَنْسُوبٌ إلَى اللَّفْظِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَقْلِيٌّ بِوَجْهٍ وَاعْتِبَارٍ.