الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ تَرَادُفُ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ]
قِيلَ: الْحَدُّ وَالْمَحْدُودُ مُتَرَادِفَانِ وَالصَّحِيحُ: تَغَايُرُهُمَا، لِأَنَّ الْمَحْدُودَ يَدُلُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَالْحَدُّ يَدُلُّ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ عَلَى أَجْزَائِهَا، فَالِاعْتِبَارَانِ مُخْتَلِفَانِ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْحَدُّ غَيْرُ الْمَحْدُودِ إنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ، وَنَفْسُهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى، فَلَفْظُ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ الَّذِي وَقَعَ الْحَدُّ بِهِ هُوَ الْإِنْسَانُ قَطْعًا، وَمَدْلُولُ هَذَا اللَّفْظِ هُوَ غَيْرُ الْإِنْسَانِ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْحَدَّ وَالْمَحْدُودَ إنْ لَمْ يَتَّحِدَا فِي الذَّاتِ كَذَبَ الْحَدُّ وَلَمْ يَكُنْ حَدًّا، وَإِنْ اتَّحَدَا صَدَقَ الْحَدُّ، وَلَيْسَ هُوَ الْمَحْدُودَ، لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ: يَجِبُ اتِّحَادُ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ خَبَرًا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ هُوَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ كَلَامًا أَلْبَتَّةَ، فَإِنَّ قَوْلَك: زَيْدٌ زَيْدٌ إذَا لَمْ يُقَدَّرْ زَيْدٌ الثَّانِي بِمَعْنًى يَزِيدُ عَلَى الْأَوَّلِ كَانَ مُهْمَلًا، وَالْفَائِدَةُ فِي الْخَبَرِ مَعَ الِاتِّحَادِ تَنْزِيلُ الْكُلِّيِّ عَلَى الْجُزْئِيِّ، فَإِنَّ " هَذَا " اسْمُ إشَارَةٍ، فَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مُشَارٍ إلَيْهِ، سَوَاءٌ زَيْدٌ وَغَيْرُهُ فَلَمَّا حَمَلْنَاهُ عَلَى زَيْدٍ جَاءَتْ الْفَائِدَةُ.
[مَسْأَلَةٌ الْإِتْبَاعُ]
مِنْ كَلَامِهِمْ الْإِتْبَاعُ وَهُوَ أَنْ تَتْبَعَ الْكَلِمَةُ الْكَلِمَةَ عَلَى وَزْنِهَا أَوْ رَوِيِّهَا إتْبَاعًا وَتَوْكِيدًا.
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَقَدْ شَارَكَ الْعَجَمُ الْعَرَبَ فِي هَذَا، وَهُوَ يُشْبِهُ أَسْمَاءَ الْمُتَرَادِفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا اسْمَانِ وُضِعَا لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، وَيُشْبِهُ أَسْمَاءَ التَّوْكِيدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُفِيدُ تَقْوِيَةَ الْأَوَّلِ غَيْرَ أَنَّ التَّابِعَ وَحْدَهُ لَا يُفِيدُ، بَلْ شَرْطُ إفَادَتِهِ تَقَدُّمُ الْمَتْبُوعِ عَلَيْهِ، وَصَنَّفَ فِيهِ ابْنُ خَالَوَيْهِ كِتَابًا سَمَّاهُ " الْإِتْبَاعَ وَالْأَلْبَابَ " وَأَبُو الطَّيِّبِ عَبْدُ الْوَاحِدِ اللُّغَوِيُّ أَيْضًا، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُمْ.
قِيلَ: إنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ وَالصَّحِيحُ: الْمَنْعُ، لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَتْبُوعُ إلَّا بِتَبَعِيَّةِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا قُطِعَ عَنْهُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا. بِخِلَافِ الْمُتَرَادِفِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْآخَرُ وَحْدَهُ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: قُلْت لِأَبِي الْمَكَارِمِ: مَا قَوْلُكُمْ فِي جَامِعٍ تَابِعٍ؟ قَالَ: إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ نَتِدُ بِهِ كَلَامَنَا أَيْ: نُؤَكِّدُ بِهِ.
قَالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: وَلَمْ يَسْمَعْ الْإِتْبَاعَ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ: كَثِيرٌ بَتِيرٌ عَمِيرٌ بَرِيرٌ بَجِيرٌ بَدِيرٌ، وَقِيلَ: مُجِيرٌ بِالْمِيمِ، فَأَمَّا الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ فَكَثِيرٌ. قَالُوا: حَسَنٌ بَسَنٌ مَسَنٌ، وَجَارَ بَارَ حَارَ.
وَسَمَّى أَبُو الطَّيِّبِ كِتَابَهُ " بِالْإِتْبَاعِ وَالتَّوْكِيدِ " قَالَ: وَإِنَّمَا قَرَنَّا الْإِتْبَاعَ بِالتَّوْكِيدِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ إتْبَاعٍ تَوْكِيدًا، وَكُلُّ تَوْكِيدٍ إتْبَاعًا فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُمَا وَاحِدًا، وَأَجَازَ أَكْثَرُهُمْ الْفَرْقَ، فَجَعَلُوا الْإِتْبَاعَ مَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْوَاوُ نَحْوَ قَوْلِهِمْ: عَطْشَانُ
نَطْشَانُ، وَشَيْطَانُ لَيْطَانُ، وَالتَّوْكِيدُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْوَاوُ نَحْوَ قَوْلِهِمْ: هُوَ فِي حَلٍّ وَبَلٍّ، وَأَخَذَ فِي كُلِّ حَسَنٍ وَسَنٍ.
قَالَ: وَنَحْنُ نَذْهَبُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إلَى أَنَّ إتْبَاعَ مَا لَا يَخْتَصُّ بِمَعْنًى يُمْكِنُ إفْرَادُهُ، وَالتَّوْكِيدُ مَا اخْتَصَّ بِمَعْنًى وَجَازَ إفْرَادُهُ بِهِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُمْ: هَذَا جَائِعٌ فَائِعٌ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ إتْبَاعٌ، ثُمَّ يَقُولُونَ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْإِنْسَانِ جُوعًا وَبُوعًا، فَيُدْخِلُونَ الْوَاوَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ إتْبَاعٌ، إذْ كَانَ مُحَالًا أَنْ تَكُونَ الْكَلِمَةُ مَرَّةً إتْبَاعًا وَمَرَّةً غَيْرَ إتْبَاعٍ، فَقَدْ وَضَحَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لَيْسَ بِالْوَاوِ. اهـ.
وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّابِعَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى زِنَةِ الْمَتْبُوعِ بِخِلَافِ التَّوْكِيدِ. قَالَهُ الْآمِدِيُّ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الِاسْتِقْرَاءِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إلَّا كَذَلِكَ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: التَّابِعُ قَدْ لَا يُفِيدُ مَعْنًى أَصْلًا، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: سَأَلْت أَبَا حَاتِمٍ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: بَسَنٌ فِي قَوْلِهِمْ: حَسَنٌ بَسَنٌ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّابِعَ يُفِيدُ التَّقْوِيَةَ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْهُ عَبَثًا.
فَإِنْ قُلْت: فَصَارَ كَالتَّأْكِيدِ، لِأَنَّهُ أَيْضًا إنَّمَا يُفِيدُ التَّقْوِيَةَ قُلْت: التَّأْكِيدُ يُفِيدُ مَعَ التَّقْوِيَةِ نَفْيَ احْتِمَالِ الْمَجَازِ.
وَقَالَ ابْنُ الدَّهَّانِ النَّحْوِيُّ فِي " الْغُرَّةِ ": اُخْتُلِفَ فِي الْإِتْبَاعِ
فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّهُ فِي حُكْمِ التَّأْكِيدِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَبْنِيٍّ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ كَأَكْتَعَ وَأَبْصَعَ مَعَ أَجْمَعَ، فَكَمَا لَا يَنْطِقُ بِأَكْتَعَ بِغَيْرِ أَجْمَعَ، فَكَذَا هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَعَ مَا قَبْلَهَا، وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَرَّرْت بَعْضَ حُرُوفِهَا فِي مِثْلِ حَسَنٌ بَسَنٌ، كَمَا قِيلَ: فِي أَكْتَعَ وَأَبْصَعَ مَعَ أَجْمَعَ.
وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ التَّأْكِيدَ غَيْرُ الْإِتْبَاعِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَرْقِ فَقِيلَ: الْإِتْبَاعُ مَا لَمْ يَحْسُنْ فِيهِ وَاوُ الْعَطْفِ كَقَوْلِك: حَسَنٌ بَسَنٌ، وَالتَّأْكِيدُ يَحْسُنُ، فِيهِ نَحْوُ حِلَّ وَبِلَّ، وَقِيلَ الْإِتْبَاعُ يَكُونُ لِلْكَلِمَةِ، وَلَا مَعْنَى لَهَا غَيْرَ التَّبَعِيَّةِ. فَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ يُسَمَّى تَابِعٌ تَابِعًا.
قُلْت: وَقِيلَ: التَّأْكِيدُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ تَقْوِيَةُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ السَّابِقِ كَيْفَ كَانَ، وَالتَّابِعُ إنَّمَا يُذْكَرُ بَعْدَ الِاسْمِ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ: إنَّ التَّابِعَ لَمْ يُوضَعْ لِمُسَمًّى فِي نَفْسِهِ، وَيَشْهَدُ لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الدَّهَّانِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ مِنْ قَوْلِهِمْ: هُوَ شَيْءٌ نَتِدُ بِهِ كَلَامَنَا، أَيْ: نُقَوِّيهِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّأْكِيدِ إلَّا هَذَا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ فِي كِتَابِ " فَائِتِ الْجَمْهَرَةِ ": سَمِعْت الْمُبَرِّدَ وَثَعْلَبًا يَقُولَانِ: الْإِتْبَاعُ لَا يَكُونُ بِحَرْفِ النَّسَقِ، إنَّمَا الْإِتْبَاعُ أَنْ يَقُولَ: حِلٌّ بَلْ وَشَيْطَانُ لَيْطَانُ فَأَمَّا قَوْلُ الْعَبَّاسِ: