الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَبِي عُبَيْدٍ وَقُطْرُبٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ فِي الْكَلَامِ مُشْتَقًّا وَغَيْرَ مُشْتَقٍّ، وَهُوَ الْمُرْتَجِلُ.
قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: لَوْ جَمَدَتْ الْمَصَادِرُ وَارْتَفَعَ الِاشْتِقَاقُ مِنْ كُلِّ كَلَامٍ لَمْ تُوجَدْ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ، وَلَا فِعْلٌ لِفَاعِلٍ، وَلَوْلَا الِاشْتِقَاقُ لَاحْتِيجَ فِي مَوْضِعِ الْجُزْءِ مِنْ الْكَلِمَةِ إلَى كَلَامٍ كَثِيرٍ، أَلَا تَرَى كَيْفَ تَدُلُّ " التَّاءُ " فِي تَضْرِبُ عَلَى مَعْنَى الْمُخَاطَبَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَالْيَاءُ فِي يَضْرِبُ عَلَى مَعْنَى الْغَيْبَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ؟ وَكَذَا بَاقِي حُرُوفِ الْمُضَارَعَةِ، وَلَوْ جُعِلَ لِكُلِّ مَعْنًى لَفْظٌ يَتَبَيَّنُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ يُرْجَعُ إلَيْهِ لَانْتَشَرَ الْكَلَامُ وَبَعُدَ الْإِفْهَامُ وَنَقَصَتْ الْقُوَّةُ.
[حَدّ الِاشْتِقَاق]
الثَّانِي فِي حَدِّهِ:
قَالَ الرُّمَّانِيُّ: هُوَ اقْتِطَاعُ فَرْعٍ مِنْ أَصْلٍ يَدُورُ فِي تَصَارِيفِ الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ. وَهَذَا الْحَدُّ صَحِيحٌ وَهُوَ عَامٌّ لِكُلِّ اشْتِقَاقٍ صِنَاعِيٍّ وَغَيْرِ صِنَاعِيٍّ.
وَقَالَ الرُّمَّانِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: هُوَ الْإِنْشَاءُ عَنْ الْأَصْلِ فَرْعًا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَيْضًا مَا يَكُونُ مِنْهُ النَّحْتُ وَالتَّغْيِيرُ لِإِخْرَاجِ الْأَصْلِ بِالتَّأَمُّلِ كَأَنَّك تَشُقُّ الشَّيْءَ لِيَخْرُجَ مِنْهُ الْأَصْلُ، وَكَأَنَّ الْأَصْلَ مَدْفُونٌ فِيهِ، فَأَنْتَ تَشُقُّهُ لِتُخْرِجَهُ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ وَظَاهِرُهُ: أَنَّك اسْتَخْرَجْت الْأَصْلَ مِنْ الْفَرْعِ، وَإِنَّمَا الْحَقُّ أَنَّهُ رَدُّ الْفَرْعِ إلَى أَصْلِهِ بِمَعْنَى جَمْعِهِمَا، وَهُوَ خَاصٌّ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ بِالْأَصْلِ.
وَقَالَ الْمَيْدَانِيُّ: أَنْ تَجِدَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَنَاسُبًا فِي الْمَعْنَى وَالتَّرْكِيبِ، فَتَرُدَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: أَنْ يَنْتَظِمَ مِنْ الصِّفَتَيْنِ فَصَاعِدًا مَعْنًى وَاحِدٌ، وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ فَإِنَّ الضَّارِبَ وَالْمَضْرُوبَ قَدْ انْتَظَمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الضَّرْبُ مَعَ أَنَّهُ لَا اشْتِقَاقَ فِيهِمَا، وَكَذَلِكَ يَنْتَظِمُ الْأَفْعَالُ كُلُّهَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ مَعْنَى الْمَصْدَرِ مَعَ أَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ مُشْتَقًّا مِنْ بَعْضٍ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الِاشْتِقَاقَ يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي يَنْتَظِمُهَا، وَهُوَ الضَّرْبُ مَثَلًا. وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الِاشْتِقَاقَ يُحَدُّ تَارَةً بِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ، وَتَارَةً بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ. فَفِي الْأَوَّلِ إذَا أَرَدْت تَقْرِيرَ أَنَّ الْكَلِمَةَ مِمَّ اشْتَقْت؟ فَإِنَّك تَرُدُّهَا إلَى آخَرَ لِتَعْرِفَ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ، وَالثَّانِي إذَا أَرَدْت أَنْ تَشْتَقَّ الْكَلِمَةَ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّك تَأْخُذُهَا مِنْهُ، فَقَدْ جَعَلْتهَا مُشْتَقَّةً مِنْهُ، فَالتَّفَاوُتُ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الرَّدِّ وَالْأَخْذِ، فَهَذَا قَبْلَ الِاشْتِقَاقِ، وَالْأَوَّلُ بَعْدَهُ.
وَالْمُخْتَارُ عَلَى الْأَوَّلِ: أَنَّهُ رَدُّ لَفْظٍ إلَى آخَرَ أَبْسَطُ مَعْنًى مِنْهُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى وَالْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ كَضَارِبٍ وَضَرَبَ مِنْ ضَرْبٍ، فَحَكَمْنَا بِاشْتِقَاقِ ضَرَبَ وَضَارِبٍ لِأَنَّ ضَرْبًا أَبْسَطُ مِنْهُ، وَالْبَسِيطُ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ فَشَمِلَ اللَّفْظُ الْأَسْمَاءَ وَالْأَفْعَالَ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ وَالْحُرُوفِ.
قَالَ ابْنِ جِنِّي: الِاشْتِقَاقُ كَمَا يَقَعُ فِي الْأَسْمَاءِ يَقَعُ فِي الْحُرُوفِ، فَإِنَّ " نَعَمْ " حَرْفُ جَوَابٍ. وَأَرَى أَنَّ نَعَمْ، وَالنِّعَمَ، وَالنَّعْمَاءَ، وَالنَّعِيمَ مُشْتَقَّةٌ مِنْهُ وَكَذَلِكَ أَنْعَمَ صَبَاحًا، لِأَنَّ الْجَوَابَ بِهِ مَحْبُوبٌ لِلْقُلُوبِ، وَكَذَلِكَ سَوَّفْت مِنْ " سَوْفَ " الَّذِي هُوَ حَرْفُ تَنْفِيسٍ، وَلَوْلَيْت إذَا قُلْت لَهُ: لَوْلَا، وَلَيْلَيْت إذَا قُلْت لَهُ: لَا لَا، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ الْمَعْنَى الْمُشْتَقُّ حَقِيقَةً، كَضَارِبٍ مِنْ الضَّرْبِ، وَقَدْ يَكُونُ مَجَازًا عَلَى جِهَةِ الِاتِّسَاعِ نَحْوَ ضَرَبَ فِي الْغَنِيمَةِ وَغَيْرِهَا بِسَهْمٍ أَيْ أَخَذَ، وَضَارِبٍ لِفُلَانٍ بِمَالِهِ، وَمَالِ فُلَانٍ ضَرَبْت أَيْ: نِيلَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا اقْتَسَمُوا غَنِيمَةً أَوْ غَيْرَهَا ضَرَبُوا عَلَيْهَا بِسِهَامِ الْقُرْعَةِ وَهِيَ الْأَقْلَامُ، ثُمَّ اضْطَرَدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنْ أَخَذَ نَصِيبًا مِنْ شَيْءٍ قَدْ ضَرَبَ فِيهِ بِسَهْمٍ، وَالْمُضَارَبَةُ بِالْمَالِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ السَّفَرُ، لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يُسَافِرُ عَالِمًا لِيَطْلُبَ الرِّبْحَ، ثُمَّ اطَّرَدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مُسَافِرٍ وَإِنْ لَمْ يُضَارِبْ. وَخَرَجَ بِاشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ مَا لَا يُنَاسِبُهُ أَصْلًا، وَبِالْحُرُوفِ عَمَّا لَا يُوَافِقُهُ فِي الْحُرُوفِ، بَلْ فِي الْمَعْنَى كَمَنْعٍ وَحَبْسٍ فَلَا يُقَالُ: إنَّ أَحَدَهُمَا مُشْتَقٌّ مِنْ الْآخَرِ، وَبِالْأَصْلِيَّةِ التَّنَاسُبُ فِي الزِّيَادَةِ كَدَخَلَ، فَإِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الدُّخُولِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ مَصْدَرَهُ فِي الْوَاوِ، لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ، وَالْمُنَاسَبَةُ فِي الْمَعْنَى مَا يُوَافِقُ فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، كَضَرَبَ بِمَعْنَى سَافَرَ، لَا يَكُونُ مُشْتَقًّا مِنْ الضَّرْبِ بِمَعْنَى الْقَتْلِ.