الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - نَبِيًّا نَبِيًّا - مَا شَاءَ أَنْ يُعَلِّمَهُ حَتَّى انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم، فَآتَاهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا، ثُمَّ قَرَّ الْأَمْرُ قَرَارَهُ، فَلَا نَعْلَمُ لُغَةً مِنْ بَعْدِهِ حَدَثَتْ.
[الْأَسْمَاءُ الَّتِي عَلَّمَهَا اللَّهُ آدَمَ]
[التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ][الْأَسْمَاءُ الَّتِي عَلَّمَهَا اللَّهُ آدَمَ]
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: اخْتَلَفُوا فِي أَيِّ الْأَسْمَاءِ عَلَّمَ اللَّهُ آدَمَ؟ فَقِيلَ: جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ حَقِيرِهَا وَجَلِيلِهَا، وَقِيلَ: أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ، وَقِيلَ: عُلِّمَ الْأَسْمَاءَ بِكُلِّ لُغَةٍ تَكَلَّمَتْ بِهَا ذُرِّيَّتُهُ، وَقَدْ غَلَا قَوْمٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى حَتَّى حَكَى ابْنُ جِنِّي عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عَلَّمَ اللَّهُ آدَمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَنَّهُ كَانَ يُحْسِنُ مِنْ النَّحْوِ مِثْلَ مَا أَحْسَنَ سِيبَوَيْهِ، وَنَحْوَ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ بَيِّنُ الْخَطَأِ.
وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: عَلَّمَهُ مَنَافِعَ كُلِّ شَيْءٍ وَمَا يَصْلُحُ.
[التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ]
إنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُوجِبُ الظَّنَّ بِأَنْ لَا فَائِدَةَ لِلْخَوْضِ فِيهِ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا تَكْمِيلُ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الصِّنَاعَةِ إذْ مُعْظَمُ النَّظَرِ فِيهَا يَتَعَلَّقُ بِدَلَالَةِ الصِّيَغِ، أَوْ جَوَازُ قَلْبِ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالشَّرْعِ فِيهَا، كَتَسْمِيَةِ الْفَرَسِ ثَوْرًا، وَالثَّوْرِ فَرَسًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِيهَا طَوِيلُ الذَّيْلِ قَلِيلُ النَّيْلِ، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَعْرِفَةُ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، لِأَنَّهَا
تَجْرِي مَجْرَى الرِّيَاضِيَّاتِ الَّتِي يَرْتَاضُ الْعُلَمَاءُ بِالنَّظَرِ فِيهَا، كَمَا يُصَوِّرُ الْحَيْسُوبُ مَسَائِلَ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ، فَهَذِهِ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ رِيَاضِيَّاتِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ: الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ أَوْ الْفَوْرِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، فَإِنَّهَا مِنْ ضَرُورَاتِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ عَلَيْهَا مَسَائِلَ مِنْ الْفِقْهِ، كَمَا لَوْ عَقَدَا صَدَاقًا فِي السِّرِّ، وَآخَرَ فِي الْعَلَانِيَةِ، أَوْ اسْتَعْمَلَا لَفْظَ الْمُفَاوَضَةِ، وَأَرَادَا شَرِكَةَ الْعِنَانِ حَيْثُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْجَوَازِ، أَوْ تَبَايَعَا بِالدَّنَانِيرِ وَسَمَّيَا الدَّرَاهِمَ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: لَا يَصِحُّ، وَكَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إذَا قُلْت: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ، وَإِنَّمَا غَرَضِي أَنْ تَقُومِي وَتَقْعُدِي، ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ.
وَحَكَى الْإِمَامُ فِي بَابِ الصَّدَاقِ وَجْهًا: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ. وَلَوْ سَمَّى أَمَتَهُ حُرَّةً وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ اسْمَهَا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا حُرَّةُ، فَفِي الْبَسِيطِ " أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تُعْتَقُ إذَا قَصَدَ النِّدَاءَ، وَجَعَلَهُ مُلْتَفَتًا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ.
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ ": وَالْأَشْبَهُ عَدَمُ بِنَائِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّا نُفَرِّعُ عَلَى جَوَازِ وَضْعِ الِاسْمِ بِالِاصْطِلَاحِ، وَإِذَا جَازَ صَارَ كَالِاسْمِ الْمُسْتَمِرِّ وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا بَعْدَ الرِّقِّ حُرَّةً وَنَادَاهَا بِهِ، وَقَصَدَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ، فَكَذَا هُنَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ.
وَالْحَقُّ: أَنَّهُ لَا يَتَخَرَّجُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا فِي أَنَّ اللُّغَاتِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا هَلْ هِيَ بِالِاصْطِلَاحِ أَوْ التَّوْقِيفِ؟ لَا
فِي شَخْصٍ خَاصٍّ اصْطَلَحَ مَعَ صَاحِبِهِ عَلَى تَغْيِيرِ الشَّيْءِ عَنْ مَوْضُوعِهِ، نَعَمْ يُضَاهِيهَا قَاعِدَةٌ فِي الْفِقْهِ وَهِيَ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ هَلْ يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ أَمْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَعَلَيْهَا تَتَفَرَّعُ هَذِهِ الْفُرُوعُ، كَمَا بَيَّنْته فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ ".
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فَائِدَتُهَا النَّظَرُ فِي جَوَازِ قَلْبِ اللُّغَةِ، فَالْقَائِلُونَ بِالتَّوْقِيفِ يَمْنَعُونَهُ مُطْلَقًا وَالْقَائِلُونَ بِالِاصْطِلَاحِ يُجَوِّزُونَهُ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ الشَّرْعُ مِنْهُ، وَمَتَى لَمْ يَمْنَعْ كَانَ لِلشَّيْءِ اسْمَانِ.
أَحَدُهُمَا: مُتَوَقَّفٌ عَلَيْهِ، وَالْآخَرُ مُتَوَاضَعٌ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا، وَأَمَّا الْمُتَوَقِّفُونَ، فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: اخْتَلَفَتْ إشَارَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَذَهَبَ الْأَزْدِيُّ إلَى التَّجْوِيزِ كَمَذْهَبِ الِاصْطِلَاحِ، وَأَشَارَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْجَلِيلِ الصَّابُونِيُّ إلَى الْمَنْعِ وَجَوَّزَ كَوْنَ التَّوْقِيفِ وَارِدًا عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ النُّطْقُ إلَّا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي " تَفْسِيرِهِ ": فَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ جَعَلَ الْكَلَامَ تَوْقِيفِيًّا جَعَلَ التَّكْلِيفَ مُقَارِنًا لِكَمَالِ الْعَقْلِ، وَمَنْ جَعَلَهُ اصْطِلَاحِيًّا جَعَلَ التَّكْلِيفَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعَقْلِ مُدَّةَ الِاصْطِلَاحِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْكَلَامِ، ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّعْلِيمَ إنَّمَا كَانَ مَقْصُورًا عَلَى الِاسْمِ دُونَ الْمَعْنَى.
الثَّانِي: أَنَّهُ عُلِّمَ الْأَسْمَاءَ وَمَعَانِيَهَا، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْلِيمِ عِلْمِ الْأَسْمَاءِ بِلَا مَعَانٍ، لِتَكُونَ الْمَعَانِي هِيَ الْمَقْصُودَةَ، وَالْأَسْمَاءُ دَلَائِلَ عَلَيْهَا، وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيمَ إنَّمَا كَانَ مَقْصُودًا عَلَى أَلْفَاظِ الْأَسْمَاءِ دُونَ مَعَانِيهَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَّمَهُ إيَّاهَا بِاللُّغَةِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَّمَهُ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ، وَعَلَّمَهَا آدَم وَلَدَهُ فَلَمَّا تَفَرَّقُوا تَكَلَّمَ كُلُّ قَوْمٍ مِنْهُمْ بِلِسَانٍ اسْتَسْهَلُوهُ مِنْهَا وَأَلِفُوهُ، ثُمَّ نَسُوا غَيْرَهُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ.