الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ خَبَرًا، فَإِنْ كَانَ مَاضِيًا وَاسْمُ الْفَاعِلِ نَكِرَةً غَيْرَ عَامَّةٍ، كَقَوْلِك: قَتَلْت كَافِرًا، فَصِدْقُهُ بِوُجُودِ تِلْكَ الصِّفَةِ فِي الْمَاضِي حَالَةَ الْقَتْلِ، وَإِنْ كَانَتْ مُضَافَةً إلَيْهَا " كُلَّ " كَقَوْلِك: قَتَلْتُ كُلَّ كَافِرٍ، اقْتَضَتْ تَعْمِيمَ الْقَتْلِ لِكُلِّ كَافِرٍ فِي الْمَاضِي، وَهَلْ الْكَافِرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي فَيَكُونُ مَخْصُوصًا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ أَلْبَتَّةَ؟ فِي الدَّلَالَةِ فِيهِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي شَخْصٍ مُتَّصِفٍ بِحَدَثٍ حَالَ قِيَامِهِ بِهِ، وَمَجَازٌ فِيمَا سَيَتَّصِفُ بِهِ، وَكَذَا فِيمَا انْقَضَى اتِّصَافُهُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا، فَالِاعْتِبَارُ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِزَمَانِ الِاتِّصَافِ لَا بِزَمَانِ الْإِطْلَاقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ أَوْ بِهِ أَوْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ حَيْثُ وُجِدَ فِي قَضِيَّةٍ فِعْلِيَّةٍ مُقَيَّدًا بِزَمَانِ فِعْلِهَا، وَفِي قَضِيَّةٍ اسْمِيَّةٍ إنْ قُيِّدَتْ تَقَيَّدَتْ، وَإِنْ أُطْلِقَتْ حُمِلَتْ عَلَى الْحَالِ بِاسْمِ فَاعِلٍ كَانَ الْمَحْكُومُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ أَوْ الْجَامِدَةِ.
[مَسْأَلَةٌ الِاشْتِقَاقُ مِنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالشَّيْءِ]
ِ] فِي الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالشَّيْءِ هَلْ يَجِبُ أَنْ يُشْتَقَّ لِمَحِلِّهِ مِنْهُ اسْمٌ؟
قَالَ الرَّازِيَّ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الْمَعْنَى اسْمٌ كَأَنْوَاعِ الرَّوَائِحِ وَالْآلَامِ اسْتَحَالَ أَنْ يُشْتَقَّ لِمَحِلِّهِ مِنْهُ اسْمٌ بِالضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ اسْمٌ فَفِيهِ مَقَامَانِ:
أَحَدُهَا: هَلْ يَجِبُ أَنْ يُشْتَقَّ اسْمٌ لَهَا مِنْهَا؟ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَئِمَّتِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ وُجُوبُهُ، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَمَّا قَالُوا:
إنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ كَلَامَهُ فِي جِسْمٍ. قَالَ أَصْحَابُنَا لَهُمْ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يُشْتَقَّ مِنْ ذَلِكَ اسْمُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْتَقَّ لِمَحِلِّهِ مِنْهُ اسْمٌ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَقَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَحِلِّ مِنْهُ اسْمٌ؟ فَعِنْدَ أَصْحَابِنَا: لَا، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ نَعَمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَلَامِ.
ثُمَّ إنَّ الْأَشَاعِرَةَ أَطْلَقُوا عَلَى اللَّهِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ قَائِمٌ بِذَاتِهِ الْكَرِيمَةِ، وَهُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ، وَلَا يُطْلِقُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّهُمْ يُطْلِقُونَ اسْمَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى اللَّهِ بِاعْتِبَارِ خَلْقِهِ لِلْكَلَامِ فِي اللَّوْحِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَلَا يَعْتَرِفُونَ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، فَإِذَنْ اسْمُ الْمُتَكَلِّمِ صَادِقٌ عَلَى اللَّهِ، وَلَمْ يَقُمْ بِذَاتِ اللَّهِ الْكَلَامُ، وَيُسَمَّى مُتَكَلِّمًا، وَمَا قَامَ بِهِ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا. هَذَا حَاصِلُ مَا قَالَهُ، ثُمَّ إنَّهُ مَالَ إلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَالَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ قِيَامُهُ بِمَنْ لَهُ الِاشْتِقَاقُ. إذْ الْكَيُّ وَالْحِدَادُ وَنَحْوُهُمَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ أُمُورٍ يَمْتَنِعُ قِيَامُهَا بِمَنْ لَهُ الِاشْتِقَاقُ.
وَرُدَّ مَا قَالَهُ بِأَنَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا ادَّعَوْا ذَلِكَ فِي الْمُشْتَقَّاتِ مِنْ الْمَصَادِرِ الَّتِي هِيَ أَسْمَاءُ الْمَعَانِي وَمَا ذَكَرَهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الزَّوَائِدِ وَأَسْمَاءِ الْأَعْيَانِ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَجْسَامٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْمَعَانِي لَا فِي الْأَجْسَامِ، وَهَذَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ الْمَسْأَلَةِ بِالْمَصَادِرِ ذَاتِ الْمَعَانِي.
وَقَالَ الْجَزَرِيُّ: إنَّ النَّقْصَ بِهَذِهِ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: إنَّ الْمَعْنَى إذَا لَمْ يَقُمْ بِالْمَحِلِّ لَمْ يُشْتَقَّ لَهُ مِنْهُ اسْمٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَمْ تَقُمْ بِمَحَالِّهَا، وَقَدْ اُشْتُقَّ مِنْهَا أَسْمَاءٌ. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَجْسَامَ لَا لَبْسَ فِي عَدَمِ قِيَامِهَا بِمَحَالِّ الْأَسْمَاءِ، وَلَا كَانَتْ الْمَعَانِي يَصِحُّ قِيَامُهَا بِالْمَحَالِّ الَّتِي أُخِذَتْ لَهَا مِنْهَا الْأَسْمَاءُ فَإِذَا أُطْلِقَتْ عَلَى غَيْرِ مَحَالِّهَا الْتَبَسَ الْأَمْرُ فِيهِ.
قَالَ: وَلَوْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا هِيَ النِّسَبُ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بِالْمَحَالِّ، فَمِنْ النِّسْبَةِ أُخِذَتْ الْأَسْمَاءُ لَا مِنْ الْمُنْتَسَبِ إلَيْهِ، كَانَ لَهُ وَجْهٌ. قُلْت: وَكَأَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عَلَى إطْلَاقِهِ.
وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ: ظَنَّ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ عِلْمَ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ وَصَفُوا الرَّبَّ تَعَالَى بِكَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا، وَزَعَمُوا أَنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبَ الْقَوْمِ، بَلْ حَقِيقَةَ مُعْتَقَدِهِمْ: أَنَّ الْكَلَامَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ كَخَلْقِهِ الْجَوَاهِرَ وَأَعْرَاضَهَا، فَلَا يَرْجِعُ إلَى حَقِيقَتِهِ وُجُودُ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْكَلَامِ، فَمَحْصُولُ أَصْلِهِمْ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ، وَلَيْسَ قَائِلًا آمِرًا نَاهِيًا، وَإِنَّمَا يَخْلُقُ أَصْوَاتًا فِي جِسْمٍ مِنْ الْأَجْسَامِ دَالٍّ عَلَى إرَادَتِهِ. اهـ.
وَعَلَى هَذَا فَتَنْسَلِخُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ هَذَا الطِّرَازِ، وَلْنُنَبِّهْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هَكَذَا مِنْ بَحْثِ اللُّغَاتِ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ، ثُمَّ لَا يُمْكِنُهُمْ اطِّرَادُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَإِلَّا لَكَانَ جَهْلًا بِالْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَخُرُوجًا عَنْ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا