المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أقسام الكلام باعتبار ما يترتب عليه من المعنى] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٢

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[خِطَابُ الْوَضْعِ]

- ‌ السَّبَبِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لِلْأَسْبَابِ أَحْكَامٌ تُضَافُ إلَيْهَا]

- ‌[الْمَانِعُ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَانِعِ]

- ‌[مَسْأَلَة الصِّحَّة وَالْفَسَادِ]

- ‌[الصِّحَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَاهِيَّاتِ مِنْ عِبَادَةٍ وَعَقْدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصِّحَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثَوَابُ الصَّلَاةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْزَاءُ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالْفِعْلِ فِي سُقُوطِ الْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجَائِزُ مَا وَافَقَ الشَّرِيعَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُقَابِلُ الصِّحَّةَ الْبُطْلَانُ]

- ‌[التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الرُّخْصَةُ وَالْعَزِيمَةُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي مَدْلُولِهِمَا]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي الرُّخْصَة مِنْ أَيِّ الْخِطَابَيْنِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ أَقْسَامِ الرُّخْصَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِعَادَةُ]

- ‌[فَرْعٌ تَأْخِيرُ الْمَأْمُورِ بِهِ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعِبَادَةُ الَّتِي تَقَعُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَتَكُونُ أَدَاءً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْبَقَاءِ]

- ‌[التَّكْلِيفُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ حَسَنٌ فِي الْعُقُولِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ هَلْ يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالْأَصْلَحِ]

- ‌ الْمُكَلَّفِ

- ‌[فَرْعٌ تَكْلِيفُ مَنْ أَحُيِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ]

- ‌[فُرُوعٌ الِانْشِغَالُ عَنْ الصَّلَاةِ بِلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ]

- ‌[تَكْلِيف السَّكْرَان]

- ‌[التَّكْلِيفُ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَى قِسْمَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَنْتَفِي شَرْطُ وُقُوعِهِ عِنْدَ وَقْتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَعْدُومُ الَّذِي تَعَلَّقَ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ مَأْمُورٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُكَلَّفِ الْحُرِّيَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الذُّكُورِ فِي الْإِنَاثِ فِي الْخِطَابِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْجِنِّ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُكَلَّفُ بِهِ]

- ‌[جَوَازُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ]

- ‌[وُقُوعُ التَّكَلُّفِ بِالْمُحَالِ]

- ‌[التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ لَا يُشْتَرَطْ فِيهِ الْإِمْكَانُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خِطَابُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ اسْتِحَالَةُ مُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ بِإِنْشَاءِ فَرْعٍ عَلَى الصِّحَّةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الثَّانِي هَلْ يُخَاطَبُ الْكَافِرُ بِالْفُرُوعِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ تَكْلِيفُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ سُقُوط حَقّ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْكَافِر إذَا أَسْلَمَ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ السَّادِسُ حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ]

- ‌[التَّنْبِيه السَّابِعُ الْإِمْكَانَ الْمُشْتَرِطَ فِي التَّكْلِيفِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ نَاجِزًا]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْحَادِيَ عَشَرَ قُرَبُ الْكُفَّارِ]

- ‌[جُنُونُ الْكَافِرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ يَرْفَعُ عَنْهُ الْقَلَمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ هَلْ يَتَوَجَّهُ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ أَوْ قَبْلَهَا]

- ‌[تَقَدَّمَ الْأَمْرُ عَلَى وَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلتَّكْلِيفِ]

- ‌[مَبَاحِثُ الْكِتَابِ] [

- ‌تَعْرِيفُ الْقُرْآنِ]

- ‌[الْإِعْجَازُ فِي قِرَاءَةِ كَلَامِ اللَّهِ]

- ‌[إنْزَالُ الْقُرْآنِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ]

- ‌[الْأَلْفَاظُ غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وُرُودُ الْمُهْمَلِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا زَائِدَ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ]

- ‌[بَقَاءُ الْمُجْمَلِ فِي الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النَّصُّ وَالظَّاهِرُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَيْسَتْ الْقِرَاءَاتُ اخْتِيَارِيَّةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْبَسْمَلَةُ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ]

- ‌[مَبَاحِثُ اللُّغَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُفْرَدَاتُ مَوْضُوعَةٌ]

- ‌[الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ لَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ اللَّفْظِ الْمَشْهُورِ فِي مَعْنًى خَفِيٍّ جِدًّا]

- ‌[مَعْنَى التَّوْقِيفِ]

- ‌[الْأَسْمَاءُ الَّتِي عَلَّمَهَا اللَّهُ آدَمَ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الِاحْتِجَاجُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَغْيِيرُ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌[ثُبُوتُ الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْمُنَاسَبَةُ فِي الْوَضْعِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْأَلْفَاظِ تَقْسِيمُ الدَّلَالَةِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ]

- ‌[أَقْسَامُ اللَّازِمِ]

- ‌[الْمُلَازَمَةُ الذِّهْنِيَّةُ شَرْطٌ فِي الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَفْظِيَّةٌ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ قَدْ تَنْفَكُّ عَنْ التَّضَمُّنِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ]

- ‌[دَلَالَةُ الِاسْتِدْعَاءِ]

- ‌[انْقِسَامُ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ]

- ‌[الْكُلِّيُّ وَالْجُزْئِيُّ]

- ‌[الطَّبِيعِيُّ وَالْمَنْطِقِيُّ وَالْعَقْلِيُّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّيِّ وَالْكُلِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْكُلِّيِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرَضِيِّ اللَّازِمِ وَالذَّاتِيِّ]

- ‌[الْجُزْئِيُّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ عَلَمِ الْجِنْسِ وَعَلَمِ الشَّخْصِ وَاسْمِ الْجِنْس]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِسْبَةِ الْأَسْمَاءِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ]

- ‌[تَقْسِيمُ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي أَمْرَيْنِ يَتَعَيَّنُ الِاهْتِمَامُ بِهِمَا]

- ‌[مَبَاحِثُ الِاشْتِقَاقِ]

- ‌[حَدّ الِاشْتِقَاق]

- ‌[فَائِدَةُ الِاشْتِقَاق]

- ‌[تَقْسِيم الِاشْتِقَاق]

- ‌[أَرْكَان الِاشْتِقَاق]

- ‌[أَقْسَام الِاشْتِقَاق]

- ‌[مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ فِي اشْتِقَاقِ الْأَفْعَالِ مِنْ الْمَصَادِرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شَرْطُ صِدْقِ الْمُشْتَقِّ صِدْقُ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاشْتِقَاقُ مِنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالشَّيْءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ]

- ‌[مَبَاحِثُ التَّرَادُفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ تَرَادُفٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي سَبَبِ التَّرَادُفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّرَادُفُ خِلَافُ الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللُّغَاتُ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةَ سَوَاءٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَرَادُفُ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِتْبَاعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّأْكِيدُ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ]

- ‌[هَلْ التَّأْكِيدُ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ]

- ‌[مَسْأَلَةُ التَّأْكِيدُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ]

- ‌[أَقْسَامُ التَّأْكِيدِ]

- ‌[مَبَاحِثُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعِلْمُ بِكَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حَقِيقَةِ وُقُوعِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ خِلَافُ الْغَالِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ لَهُ مَفْهُومَانِ فَصَاعِدًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَجَرُّدُ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْقَرِينَةِ]

- ‌[اقْتِرَانُ الْقَرِينَةِ بِالْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حُكْمِ الْمُشْتَرَك بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ]

- ‌[تَنْبِيه الْخِلَافَ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ]

- ‌[اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَافُ الْمَعْنَيَيْنِ]

الفصل: ‌[أقسام الكلام باعتبار ما يترتب عليه من المعنى]

[أَقْسَامُ الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى]

وَيَنْقَسِمُ الْكَلَامُ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى إلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُفِيدَ طَلَبًا بِالْوَضْعِ أَوْ، لَا، وَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ الطَّلَبُ لِذِكْرِ مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ فَهُوَ الِاسْتِفْهَامُ كَقَوْلِك مَا هَذَا؟ وَمَنْ هَذَا؟ وَإِنْ كَانَ لِتَحْصِيلِ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ فَإِنْ كَانَ مَعَ الِاسْتِعْلَاءِ فَأَمْرٌ، أَوْ مَعَ التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ، أَوْ مَعَ التَّسَفُّلِ فَدُعَاءٌ.

وَالثَّانِي: إمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ الْخَبَرُ وَالثَّانِي التَّنْبِيهُ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ التَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي وَالْقَسَمُ وَالنِّدَاءُ، وَيُسَمَّى الْخَبَرُ قَضِيَّةً، لِأَنَّك قَضَيْت فِيهَا بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ مِنْ جُزْئَيْهَا مَحْكُومًا عَلَيْهِ، وَالْآخَرُ مَحْكُومًا بِهِ، وَالْمَنْطِقِيُّونَ يُسَمُّونَ الْأَوَّلَ مَوْضُوعًا وَالثَّانِيَ مَحْمُولًا.

ثُمَّ الْقَضِيَّةُ إمَّا كُلِّيَّةً أَوْ جُزْئِيَّةً أَوْ صَالِحَةً لَهُمَا، وَتُسَمَّى الْمُهْمَلَةُ، وَصِدْقُهَا عَلَى الْجُزْئِيِّ ضَرُورِيٌّ، فَأَمَّا صِدْقُهَا عَلَى الْكُلِّيِّ فَمَنَعَهُ الْمَنْطِقِيُّونَ.

وَأَمَّا لُغَةُ الْعَرَبِ فَتَقْتَضِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِغْرَاقِ، وَعَلَيْهِ جَرَى الْأُصُولِيُّونَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ النِّدَاءِ مِنْ جُمْلَةِ أَقْسَامِ الْإِنْشَاءِ لَا شَكَّ فِيهِ، وَزَعَمَ ابْنُ بَابْشَاذَ النَّحْوِيُّ أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي الْقَذْفِ: يَا فَاسِقُ يَا زَانِي مِمَّا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ، وَغَلَّطُوهُ بِأَنَّ التَّكْذِيبَ لَا يَرِدُ عَلَى النِّدَاءِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ نِدَاءِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِيقَةِ التَّذْكِيرِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تِلْكَ الصِّفَةُ نَفْسُهَا، وَذَلِكَ غَيْرُ النِّدَاءِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ بَرْهَانٍ: فِي " الْغُرَّةِ " إذَا نَادَيْت وَصْفًا فَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ، وَإِذَا نَادَيْت اسْمًا فَالْجُمْلَةُ لَيْسَتْ بِخَبَرِيَّةٍ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ وَجَبَ الْحَدُّ. نَعَمْ اخْتَلَفُوا فِي نَاصِبِ الْمُنَادَى، فَقِيلَ: فِعْلٌ مُضْمَرٌ أَيْ أَدْعُو زَيْدًا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إخْرَاجُ النِّدَاءِ إلَى بَابِ الْإِخْبَارِ الَّذِي يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ، وَقِيلَ: الْحَرْفُ، وَهُوَ " يَا "

ص: 304

لِأَنَّهُ صَارَ بَدَلًا مِنْ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا أُمِيلَتْ.

وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ: " يَا " اسْمُ فِعْلٍ فَنَصَبَتْ كَنَصْبِهِ، لِأَنَّ " يَا " اسْمٌ لِقَوْلِك أُنَادِي كَمَا أَنَّ " أُفٍّ " اسْمٌ لِقَوْلِك: أَتَضَجَّرُ، وَرُدَّ بِأَنَّ " أُنَادِي " خَبَرٌ وَلَيْسَ " يَا " بِخَبَرٍ، وَمِنْ شَرْطِ اسْمِ الْفِعْلِ أَنْ يُوَافِقَهُ فِي قَبُولِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَعَدَمِهِ. وَقَدْ خَطَّأَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ فِي أَوَائِلِ الْبَقَرَةِ مَنْ فَسَّرَ قَوْلَنَا: يَا زَيْدُ بِأُنَادِي مِنْ وُجُوهٍ، حَاصِلُهَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ " يَا زَيْدُ " إنْشَاءٌ، وَقَوْلُنَا أُنَادِي خَبَرٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَلَحَ قَوْلُنَا:" يَا زَيْدُ " أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِعَمْرٍو كَمَا صَلَحَ قَوْلُنَا: أُنَادِي زَيْدًا لِذَلِكَ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ " أُنَادِي " الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى " يَا زَيْدُ " خَبَرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ إنْشَاءٌ، نَعَمْ: الْخَبَرُ الَّذِي هُوَ أُنَادِي زَيْدًا لَيْسَ هُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى.

وَأَجَابَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْمُرْسِيُّ بِأَنَّ الْخَبَرَ قَدْ يُنْقَلُ مِنْ الْخَبَرِيَّةِ إلَى الْإِنْشَائِيَّةِ كَأَلْفَاظِ الْعُقُودِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا اسْتِحْدَاثُ الْأَحْكَامِ بِأَنَّهَا بَعْدَ نَقْلِهَا إلَى الْإِنْشَاءِ لَمْ تَبْقَ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، فَكَذَلِكَ هَذَا وَكُلُّ هَذَا غَفْلَةٌ عَنْ تَحْقِيقِ الْمَحْذُوفِ فِي الْمُنَادَى، وَسِيبَوَيْهِ لَمْ يُقَدِّرْ " يَا زَيْدُ " بِأُنَادِي زَيْدًا، بَلْ قَدَّرَهُ " يَا أُنَادِي زَيْدًا " كَأَنَّ " يَا " أَوَّلًا تَنْبِيهٌ غَيْرُ خَاصٍّ يُمْكِنُ أَنْ يَتَنَبَّهَ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ، فَبَيَّنَ الْمُنَبَّهُ بَعْدَ هَذَا التَّنْبِيهِ غَيْرِ الْخَاصِّ

ص: 305

أَنَّهُ خَاصٌّ، فَتَقْدِيرُ الْفِعْلِ فِي النِّدَاءِ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى، وَلَا يُغَيِّرُهُ مِنْ بَابِ الْإِنْشَاءِ إلَى الْخَبَرِ، كَمَا قَالُوا: بَلْ هُوَ كَتَقْدِيرِ الْمُتَعَلِّقِ فِي قَوْلِك: " زَيْدٌ عِنْدَك " الَّذِي هُوَ مُسْتَقِرٌّ إذَا قَدَّرْت فَقُلْت: زَيْدٌ مُسْتَقِرٌّ عِنْدَك. فِي أَنَّهُ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى وَلَا يُغَيِّرُهُ، وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ تَصَيَّدْتهَا مِنْ كَلَامِ الْأُسْتَاذِ النَّحْوِيِّ أَبِي عَلِيٍّ الشَّلَوْبِينِيُّ رضي الله عنه.

ص: 306