الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَوُجُودِهِ، يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ، لِحُصُولِ التَّمَانُعِ لَا أَنَّهُ يَكُونُ مَوْجُودًا عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْخَلَلِ، فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي لَا تَثْبُتُ حَقِيقَتُهُ بِوَجْهٍ، فَاسِدًا وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالُوا فِي التَّفْرِقَةِ، فَإِنْ كَانَ مَأْخَذُهُمْ فِي التَّفْرِيقِ بِمُجَرَّدِ الِاصْطِلَاحِ فَهُمْ مُطَالَبُونَ بِمُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ يَقْتَضِي اخْتِلَافَ الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِمَا.
قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أُمُورٌ فِي تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَرَّضَ بِمِثْلِهَا هُنَا.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَتَوَسَّطُوا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ فِي التَّسْمِيَةِ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: الْبَيْعُ الْفَاسِدُ يُفِيدُ شُبْهَةَ الْمِلْكِ فِيمَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ، فَإِذَا لَحِقَهُ أَحَدُ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ يُقَدَّرُ الْمِلْكُ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ، وَتَلَفُ الْعَيْنِ وَنُقْصَانُهَا، وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِهَا عَلَى تَفْصِيلٍ لَهُمْ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الْإِمَامُ فِي التَّلْخِيصِ " نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي تَحْدِيدِ الْفَاسِدِ: هُوَ كُلُّ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ يُقْصَدُ بِهِ التَّوَصُّلُ إلَى اسْتِبَاحَةِ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ أَصْلَهُ عَلَى التَّحْرِيمِ. ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْعَقْدَ فِي وَقْتٍ تَضِيقُ الصَّلَاةُ، فَإِنَّ الْمُتَلَفِّظَ بِالْعَقْدِ تَارِكٌ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَتَرْكُ التَّكْبِيرَةِ مُحَرَّمٌ فَهَذَا مُحَرَّمٌ تَوَصَّلَ بِهِ إلَى اسْتِبَاحَةِ الْأَمْلَاكِ وَالْأَبْضَاعِ؛ وَأُصُولُهَا عَلَى الْحَظْرِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَاسِدٍ.
[التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ]
وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ فِي مَوَاضِعَ:
أَوَّلُهَا، وَثَانِيهَا: الْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ، فَالْبَاطِلُ مِنْهُمَا مَا كَانَ عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ مَقْصُودٍ كَالْمَيْتَةِ، أَوْ رَجَعَ إلَى خَلَلٍ فِي الْعَاقِدِ كَالصِّغَرِ وَالسَّفَهِ، وَالْفَاسِدُ خِلَافُهُ، وَحُكْمُ الْبَاطِلِ أَنْ لَا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَالٌ، وَالْفَاسِدُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِالْمَهْرِ وَالسَّيِّدُ بِالْقِيمَةِ.
وَثَالِثُهَا: الْحَجُّ يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَيَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ. وَحُكْمُ الْبَاطِلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ وَلَا يَمْضِي بِخِلَافِ الْفَاسِدِ. هَذَا حُكْمُ مَا يَطْرَأُ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ ابْتِدَاءً، فَيُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ جَامَعَ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا، وَقِيلَ: صَحِيحًا، وَقِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ. قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ مُجَامِعًا فَيَنْعَقِدُ فَاسِدًا أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ.
قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ، وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ عَدَمَ الِانْعِقَادِ.
وَرَابِعُهَا: الْعَارِيَّةُ وَقَدْ صَوَّرَهَا الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ " فَإِنَّهُ حَكَى فِي صِحَّةِ إعَارَةِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ خِلَافًا، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ أَبْطَلْنَاهَا فَفِي طَرِيقِ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ، لِأَنَّهَا إعَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَفِي طَرِيقِ الْمَرَاوِزَةِ أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْإِعَارَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ كَذَا حَصَرَهَا جَمَاعَةٌ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ.
وَمِنْ صُورَةِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَتَجِبُ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ مَثَلًا صَبِيٌّ رَجُلًا بَالِغًا فَعَمِلَ عَمَلًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، لِأَنَّهُ الَّذِي فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ عَمَلَهُ وَتَكُونُ بَاطِلَةً.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ لِلْمَدْيُونِ: اعْزِلْ قَدْرَ حَقِّي، فَعَزَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَارَضْتُك عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْعَزْلِ، فَإِذَا تَصَرَّفَ الْمَأْمُورُ فَإِنْ اشْتَرَى بِالْعَيْنِ فَهُوَ مِلْكٌ لَهُ، وَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ لِلْقِرَاضِ وَنَقَدَهُ فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: الشِّرَاءُ لِلْقِرَاضِ وَيَكُونُ قِرَاضًا فَاسِدًا وَلَهُ الْأُجْرَةُ وَالرِّبْحُ لِبَيْتِ الْمَالِ.
وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ قِرَاضًا لَا فَاسِدًا وَلَا صَحِيحًا بَلْ هُوَ بَاطِلٌ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: بِعْتُك وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا وَسَلَّمَ، وَتَلِفَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي هَلْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَبِيعًا فَيَكُونُ أَمَانَةً.
وَمِنْهَا: لَوْ نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ فَهُوَ فَاسِدٌ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا الْحَدَّ، وَلَوْ نَكَحَ السَّفِيهُ بِلَا إذْنٍ فَبَاطِلٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ السُّبْكِيُّ: عِنْدِي.
أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يُوَافِقُوا الْحَنَفِيَّةَ فِي هَذَا التَّفْرِيقِ أَصْلًا، لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يُثْبِتُونَ بَيْعًا فَاسِدًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَعَ الْقَبْضِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْعُقُودُ لَهَا صُوَرٌ لُغَةً وَعُرْفًا مِنْ عَاقِدٍ وَمَعْقُودٍ عَلَيْهِ وَصِيغَةٍ، وَلَهَا شُرُوطٌ شَرْعِيَّةٌ فَإِنْ وُجِدَتْ كُلُّهَا فَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ فُقِدَ الْعَاقِدُ أَوْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَوْ الصِّيغَةُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَلَا عَقْدَ أَصْلًا، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَنُسَمِّيهِ بَيْعًا بَاطِلًا مَجَازًا، وَإِنْ وُجِدَتْ وَقَارَنَهَا مُفْسِدٌ مِنْ عَدَمِ شَرْطٍ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ فَاسِدٌ، وَعِنْدَنَا هُوَ بَاطِلٌ خِلَافًا لَهُمْ.
وَوَافَقُونَا عَلَى الْبُطْلَانِ إذَا كَانَ الْفَسَادُ لِصِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَبَيْعِ الْمَلَاقِيحِ. وَنَحْنُ لَا نُرَتِّبُ عَلَى الْفَاسِدِ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لَكِنْ لَنَا قَاعِدَةٌ، وَهِيَ إذَا كَانَ لِلْفِعْلِ عُمُومٌ وَبَطَلَ الْخُصُوصُ قَدْ لَا يَعْمَلُ الْعُمُومُ.
فَالْمَسَائِلُ الَّتِي رَتَّبَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهَا حُكْمًا مِنْ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ هِيَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. اهـ.
فَائِدَةٌ أَقْسَامُ الْبَاطِلِ
قَسَّمَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْجَدَلِ " الْبَاطِلَ إلَى خَمْسَةٍ: الْإِحَالَةُ