الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِيَةُ: النَّوَافِلُ الْمُؤَقَّتَةُ فِيهَا قَوْلٌ أَنَّهَا لَا تُقْضَى إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى.
[مَسْأَلَةٌ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْبَقَاءِ]
وَإِذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِالتَّعْيِينِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ فِي الْوَقْتِ فَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْبَقَاءِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَصَى، فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ وَبَقِيَ بَعْدَهُ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ أَدَاءٌ، لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ خَطَأَ ظَنِّهِ، وَرَجَّحَهُ الْهِنْدِيُّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْقَاضِيَانِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: قَضَاءٌ، لِأَنَّهُ تَضَيَّقَ بِتَأْخِيرِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَأَخَّرَ عَنْ زَمَنِهِ الْمَحْدُودِ.
وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ: النَّظَرُ إلَى الْحَالِ أَوْ الْمَآلِ؟ فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْحَالِ فَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ إلَى الْمَآلِ فَقَدْ زَالَتْ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَانْكَشَفَ خِلَافُ ذَلِكَ، فَبَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى التَّوَسُّعِ، وَرَجَّحَ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ: إنَّ اعْتِبَارَ الْمَوْجُودِ مُحَقَّقٌ بِخِلَافِ اعْتِبَارِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ خِلَافُهُ اُعْتُبِرَ غَيْرَ مُحَقَّقٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ بَعْدَ الْوَقْتِ: وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً أَوْ أَدَاءً أَصَحُّهُمَا، قَضَاءٌ، وَهُوَ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ اعْتِبَارِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ أَرَادَ الْقَاضِي وُجُوبَ نِيَّةِ الْقَضَاءِ فَبَعِيدٌ، لِوُقُوعِهَا فِي الْوَقْتِ، وَيَلْزَمُهُ لَوْ اعْتَقَدَ انْقِضَاءَ الْوَقْتِ قَبْلَ الْوَقْتِ أَنَّهُ يُعْصَى بِالتَّأْخِيرِ وَقَدْ يَلْتَزِمُهُمَا.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ بَاقٍ حَتَّى يَكُونَ إيجَابُ نِيَّةِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بَعِيدًا، بَلْ وَقْتُ الْأَدَاءِ خَرَجَ بِمُقْتَضَى ظَنِّهِ فَإِذَا كَذَّبَ ظَنَّهُ، وَاسْتَمَرَّتْ حَيَاتُهُ صَارَ كَمَا لَوْ مَاتَ، ثُمَّ عَاشَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ الصَّلَاةَ بِتَكْلِيفٍ ثَانٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ الْأَوَّلِ، فَكَذَلِكَ هُنَا. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ ": مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْوِي الْقَضَاءَ، لِأَنَّهُ يَقْضِي مَا الْتَزَمَهُ فِي الذِّمَّةِ بِشُرُوعِهِ قَالَ: وَعَلَى قَوْلِ الْقَفَّالِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: أَنَّهُ يَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ الَّذِي ظَنَّهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، لِعُدُولِهِ عَمَّا ظَنَّهُ الْحَقَّ، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ يَتْبَعُ الظُّنُونَ لَا مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
وَصَرَّحَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ الْقَاضِي بِأَنَّ مَعْنَاهُ وُجُوبُ نِيَّةِ الْقَضَاءِ، لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ وَقْتُهُ شَرْعًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مُقَدَّرًا بِأَصْلِ الطَّلَبِ.
قَالَ: وَكَلَامُ الْقَاضِي ظَاهِرٌ لَوْلَا أَنَّهُ يُقَالُ عَلَى مَنْ لَزِمَهُ قَضَاءُ صَلَاةٍ فَأَخَّرَهُ: قَاضِي الْقَضَاءِ.
وَرَدَّ الْآمِدِيُّ طَرِيقَةَ الْقَاضِي بِأَنَّ جَمِيعَ الْوَقْتِ كَانَ وَقْتًا لِلْأَدَاءِ قَبْلَ ظَنِّ الْمُكَلَّفِ تَضَيُّقَهُ بِالْمَوْتِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، ثُمَّ ظَنُّ الْمُكَلَّفِ الْمَذْكُورُ إنَّمَا أَثَّرَ فِي تَأْثِيمِهِ بِالتَّأْخِيرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْثِيمِهِ بِالتَّأْخِيرِ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ بَقَاءُ الْوَقْتِ الْأَصْلِيِّ وَقْتًا لِلْأَدَاءِ فِي حَقِّهِ، كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ، فَإِنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ الْأَصْلِيِّ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَقَدْ وَافَقَ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ.
قِيلَ: وَخَرَجَ عَنْ هَذَا مَنْزَعٌ صَعْبٌ عَلَى الْقَاضِي: وَهُوَ أَنَّ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَالْإِثْمَ عَلَى التَّأْخِيرِ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ، وَظَنُّ الْمُكَلَّفِ إنَّمَا يُنَاسِبُ تَأْثِيرَهُ فِي الْأُمُورِ التَّكْلِيفِيَّةِ، فَتُقْلَبُ حَقَائِقُهَا، لِأَنَّهَا
أُمُورٌ تَقْدِيرِيَّةٌ أَوْ تَقْرِيبِيَّةٌ كَالْإِثْمِ وَالثَّوَابِ جَازَ أَنْ يَتْبَعَ الظُّنُونَ وَالِاعْتِقَادَاتِ أَمَّا الْأُمُورُ الْوَضْعِيَّةُ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَلَا يَقْوَى الْمُكَلَّفُ عَلَى قَلْبِ حَقَائِقِهَا. تَنْبِيهٌ
يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا مَضَى مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى حِينِ الْفِعْلِ زَمَنٌ يَسَعُ الْفَرْضَ حَتَّى يَتَّجِهَ الْقَوْلُ بِالْقَضَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَفَعَلَهُ، فَلْيَكُنْ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا وَقَعَ بَعْضُ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْضُهَا خَارِجَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي بِمُقْتَضَى ظَنِّ هَذَا الْمُكَلَّفِ صَارَ وَقْتُ الْأَدَاءِ الْأَصْلِيُّ وَقْتَ قَضَاءٍ فِي حَقِّهِ هُوَ قَلْبًا لِحَقِيقَةِ أَمْرٍ وَضْعِيٍّ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى ثُبُوتِهِ.
وَأَمَّا الصُّوَرُ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا الْآمِدِيُّ وَهِيَ تَأْخِيرُ الْمُوَسَّعِ بِدُونِ الْعَزْمِ، فَلِلْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ بِحُصُولِ الظَّنِّ الْمُنَاسِبِ لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي، وَالظَّنُّ وُجُودِيٌّ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْآمِدِيَّ فَإِنَّهُ قَدْ عَصَى مَعْصِيَةً عَدَمِيَّةً، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهَا فَلَا يَقْوَى عَلَى مُنَاسَبَةِ تَغْيِيرِ أَمْرٍ وَضْعِيٍّ.
فَرْعٌ
لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَأَتَى بِهَا فِي الْوَقْتِ.
قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ: يَكُونُ قَضَاءً، لِأَنَّ بِالشُّرُوعِ يَضِيقُ الْوَقْتُ بِدَلِيلِ امْتِنَاعِ الْخُرُوجِ مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهَا بَعْدَهُ إلَّا قَضَاءً، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِيمَا سَبَقَ.
وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ فِي نَصِّ الْأُمِّ إشَارَةً إلَيْهِ حَيْثُ مَنَعَ الْخُرُوجَ بَعْدَ التَّلَبُّسِ فَقَالَ: فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا بِلَا عُذْرٍ كَانَ مُفْسِدًا آثِمًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ
أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَنْسَلِبُ عَنْهَا اسْمُ الْأَدَاءِ، لِبَقَاءِ الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ شَرْعًا، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ " فِي اللُّمَعِ " فَقَالَ: فَأَمَّا إذَا دَخَلَ فِيهَا فَأَفْسَدَهَا نَسِيَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِهَا فَأَعَادَهَا وَالْوَقْتُ بَاقٍ سُمِّيَ إعَادَةً وَأَدَاءً. انْتَهَى.
وَأَشَارَ فِي شَرْحِهَا إلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، وَهُوَ حَقٌّ، وَبِهِ يَتَّضِحُ أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لِلْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَأَتْبَاعِهِ دَعْوَاهُمْ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِمْ بِالْقَضَاءِ فِي مُقِيمٍ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْبَلَدِ، ثُمَّ أَفْسَدَهَا، ثُمَّ سَافَرَ لَا يَقْصُرُ، أَوْ مُسَافِرٌ أَتَمَّ وَاقْتَدَى بِمُقِيمٍ، ثُمَّ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ لَا يَقْضِي إلَّا تَمَامًا بِنَاءً عَلَى مَنْعِ قَصْرِ الْفَوَائِتِ، بَلْ الْجَارِي عَلَى وَفْقِ الْفِقْهِ الْقَصْرُ وَاسْتِئْنَافُ الْجُمُعَةِ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ فِيهَا مَا بَقِيَ الْوَقْتُ.
نَعَمْ. نَقَلَ فِي الشَّامِلِ " عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ: إنْ أَحْرَمَ مُسَافِرٌ بِالصَّلَاةِ، وَهُوَ يَجْهَلُ أَنَّ لَهُ قَصْرَهَا ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، لِأَنَّهُ عَقَدَهَا أَرْبَعًا، فَإِذَا سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِيهَا فَقَدْ قَصَدَ إفْسَادَهَا، وَظَاهِرُ هَذَا النَّصِّ أَنَّهَا تَصِيرُ قَضَاءً بِإِفْسَادِهَا فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ قَالَ:
فَرْعٌ: إذَا أَحْرَمَ وَنَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا تَامَّةً، لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، وَكُلُّ عِبَادَةٍ تَلْزَمُ بِالدُّخُولِ فِيهَا إذَا أَفْسَدَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَزِمَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ، كَالْحَجِّ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ.
تَنْبِيهٌ
لَا يَجِيءُ هَذَا الْبَحْثُ كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ وَقْتُ الْقَضَاءِ مُوَسَّعًا كَالْمَتْرُوكِ