الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ شَرِكَةٍ؟ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالزَّكَاةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَأْثِيمُهُمْ بِتَرْكِهَا لَا أَخْذِهَا مِنْهُمْ حَالَةَ كُفْرِهِمْ، وَالتَّعَلُّقُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ تَأَكُّدُ الْوُجُوبِ لِأَجْلِ أَخْذِ النِّصَابِ الْوَاجِبِ عَنْ الضَّيَاعِ فَلَا مَعْنًى لِإِبْقَائِهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، لِأَنَّهُ إنْ دَامَ عَلَى الْكُفْرِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ سَقَطَتْ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنًى لِلتَّعَلُّقِ الَّذِي هُوَ يُوثِقُهُ فِيهِ، وَالْمَوْجُودُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ إنَّمَا هُوَ الْأَمْرُ بِأَدَائِهَا وَهَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ قَدْ يُقَالُ بِهِ فِي الْكَافِرِ أَيْضًا، وَإِثْبَاتُ تَعَلُّقِهَا بِالدَّيْنِ أَمْرٌ ثَالِثٌ يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي ثُبُوتِ الشَّرِكَةِ قَوْله تَعَالَى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] وَلَا يَدْخُلُ الْكَافِرُ فِي ذَلِكَ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَدِلَّةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا يَتَنَاوَلُهُمْ نَحْوَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21] إذَا قُلْنَا بِتَكْلِيفِهِمْ بِالْفُرُوعِ، وَإِلَى مَا لَا يَتَنَاوَلُهُمْ نَحْوُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104] وَنَحْوُهُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمْ لَفْظًا وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا لَهُمْ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ.
[التَّنْبِيهُ السَّادِسُ حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ]
إنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ تَرْجَمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الطَّهَارَةَ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطٌ شَرْعِيٌّ مَعَ أَنَّ حُصُولَهَا شَرْطُ التَّكْلِيفِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَلِهَذَا اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ.
وَالثَّانِي: قَالَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ أَنَّ الْمُحْدِثَ مُكَلَّفٌ بِالصَّلَاةِ إجْمَاعًا يَعْنِي، وَقَضِيَّةُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وُجُودُ خِلَافٍ فِيهِ.
قُلْت: زَعَمَ أَبُو هَاشِمٍ: أَنَّ الْمُحْدِثَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالصَّلَاةِ إجْمَاعًا وَلَوْ بَقِيَ سَائِرُ دَهْرِهِ مُحْدِثًا، وَأَنَّهُ لَوْ مَاتَ عُوقِبَ عَلَى تَرْكِ الطَّهَارَةِ فَقَطْ، لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالصَّلَاةِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَّا بَعْدَ تَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَخَرَقَ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ نَاجِزًا مَعَ بَقَاءِ حَدَثِهِ، فَصَحِيحٌ.
قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْجُبَّائِيُّ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، فَقَالَ: إنَّ الْمُحْدِثَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالصَّلَاةِ وَلَوْ دَخَلَ الْوَقْتُ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ، لِقَوْلِهِ فِي الْحَائِضِ: إذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَعْنِي فِي إدْرَاكِهَا الصَّلَاةَ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا تَغْتَسِلُ فِيهِ وَتُدْرِكُ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ.
قُلْت: وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. أَعْنِي اعْتِبَارَ إدْرَاكِ زَمَنِ الطَّهَارَةِ لِلْوُجُوبِ وَهَذَا كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ خِلَافًا وَاهِيًا لَكِنَّ شُمُولَ التَّرْجَمَةِ لَهُ أَوْلَى.
وَمِنْهُمْ مَنْ تَرْجَمَهَا بِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِيمَانِ وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ مِنْ الْكَافِرِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَكَيْفَ يُخَاطَبُ بِهَا؟ وَهَذَا أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ السَّابِقِ فِي تَحْقِيقِ الْمَذْهَبِ.
وَقَدْ يُقَالُ: بِأَنَّهُ خِلَافٌ قَرِيبٌ، لِأَنَّ الْإِمَامَ مُسَلِّمٌ أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ بِتَرْكِ الْفُرُوعِ لِتَرْكِهِمْ التَّوَصُّلَ إلَيْهَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحْدِثِ لَا لِتَنْجِيزِ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ بِإِيقَاعِهَا حَالَةَ الْكُفْرِ وَهَذَا عَيْنُ مَذْهَبِ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّا نَقُولُ: هُمْ مُعَاقَبُونَ بِتَرْكِ الْفُرُوعِ، وَالْإِمَامُ يَقُولُ بِتَرْكِ التَّوَصُّلِ