الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّيِّ وَالْكُلِّ]
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّيِّ وَالْكُلِّ مِنْ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْكُلَّ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ، وَلَا شَيْءَ مِنْ الْكُلِّيِّ بِمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ كَذَا قِيلَ، وَهُوَ مُنَازَعٌ بِمَا سَبَقَ.
وَثَانِيهَا: أَجْزَاءُ الْكُلِّ مُتَنَاهِيَةٌ وَأَجْزَاءُ الْكُلِّيِّ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ.
وَثَالِثُهَا: الْكُلُّ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ أَجْزَائِهِ مَعًا بِخِلَافِ الْكُلِّيِّ.
[أَقْسَامُ الْكُلِّيِّ]
ثُمَّ الْكُلِّيُّ يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارَاتٍ: أَحَدُهَا: إلَى مُتَوَاطِئٍ وَمُشَكِّكٍ
، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حُصُولُ مَعْنَاهُ فِي أَفْرَادِهِ الذِّهْنِيَّةِ أَوْ الْخَارِجِيَّةِ عَلَى السَّوَاءِ، كَالْإِنْسَانِ فَهُوَ الْمُتَوَاطِئُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى السَّوَاءِ بَلْ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ أَقْدَمَ وَأَوْلَى وَأَشَدَّ فَهُوَ الْمُشَكِّكُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُشَكِّكُ النَّاظِرَ هَلْ هُوَ مُتَوَاطِئٌ لِوَحْدَةِ الْحَقِيقَةِ فِيهِ أَوْ مُشْتَرِكٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِاخْتِلَافِ؟ وَذَلِكَ كَالْبَيَاضِ الَّذِي هُوَ فِي الثَّلْجِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْعَاجِ، وَجَوَّزَ الْهِنْدِيُّ
فِيهِ فَتْحَ الْكَافِ وَكَسْرَهَا. إمَّا أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ لِلتَّشْكِيكِ أَوْ اسْمُ مَفْعُولٍ، لِكَوْنِ النَّاظِرِ يَتَشَكَّكُ فِيهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ حَقِيقَةَ هَذَا الْقِسْمِ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ تُسْتَعْمَلَ مَعَ ضَمِيمَةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ الْمُتَوَاطِئُ، وَإِنْ كَانَ فَهُوَ الْمُشْتَرَكُ.
وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ قِسْمٌ ثَالِثٌ.
قِيلَ: وَأَوَّلُ مَنْ قَالَ بِهِ ابْنُ سِينَا، لِأَنَّ تَرَكُّبَ الشَّبَهَيْنِ يُخْرِجُهُ إلَى حَقِيقَةٍ أُخْرَى كَالْخُنْثَى، فَالْمُتَوَاطِئُ أَنْ يَضَعَ الْوَاضِعُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بِقَيْدِ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُحَالِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فِي أُمُورٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسَمَّى، كَامْتِيَازِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْمُتَوَاطِئُ مَا اسْتَوَى مَحَالُهُ، وَيُسَمَّى: اسْمُ الْجِنْسِ كَالرَّجُلِ، وَيُسَمَّى الْمُطْلَقُ. وَقِيلَ: هُوَ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ مُسْتَوْفًى مَحَالَّهُ، فَكُلِّيٌّ احْتِرَازٌ مِنْ الْعِلْمِ وَمُسْتَوٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُشَكِّكِ وَيُسَمَّى بِذَلِكَ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ مُوَافِقٌ لِمَعْنَاهُ فِي الْآخَرِ.
وَالتَّوَاطُؤُ التَّوَافُقُ. قَالَ تَعَالَى: {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 37] وَالْمُشَكِّكُ أَنْ يَضَعَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بِقَيْدِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَحَالِّ بِأُمُورٍ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى كَالنُّورِ فِي الشَّمْسِ، وَاسْتِحَالَةِ التَّغْيِيرِ فِي الْوَاجِبِ، فَاشْتَرَكَ الْقِسْمَانِ فِي أَنَّ الْوَضْعَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَافْتَرَقَا بِقَيْدَيْهِمَا.
تَنْبِيهَاتٌ [التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ][إطْلَاقُ الْمُتَوَاطِئِ عَلَى أَفْرَادِهِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؟] إطْلَاقُ الْمُتَوَاطِئِ عَلَى كُلٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ هَلْ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؟ فِيهِ بَحْثٌ لِكَثِيرٍ
مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَقِيلَ: إنَّهُ مَجَازٌ، لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْخُصُوصِ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فَيَكُونُ مَجَازًا، وَقِيلَ: إنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ بِخُصُوصٍ كَانَ مَجَازًا.
وَالْمُخْتَارُ: الْأَوَّلُ، وَلَا تَحْقِيقَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ، فَإِنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي الْخُصُوصِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْخُصُوصِ، أَمَّا إذَا أَرَدْت الْعُمُومَ فَلَمْ تَسْتَعْمِلْهُ، فَلَا وَجْهَ لِلْخُصُوصِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّفْصِيلِ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُتَوَاطِئَ قَدْ يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ دُونَ بَعْضٍ.
[التَّنْبِيهُ الثَّانِي][يَنْقَسِمُ الْكُلِّيُّ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ إلَى مُشْتَقٍّ وَغَيْرِهِ]
، بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ إلَى مُشْتَقٍّ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِصِفَةٍ فَهُوَ الْمُشْتَقُّ كَالْأَسْوَدِ، وَيُسَمَّى فِي اصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّينَ صِفَةً، وَإِمَّا أَنْ لَا يَدُلَّ، وَحِينَئِذٍ إنْ دَلَّ عَلَى نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ فَقَطْ فَهُوَ اسْمُ الْجِنْسِ، كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ إذَا كَانَ " الْأَلِفُ وَاللَّامُ " لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ وَعَلَى قَيْدٍ آخَرَ زَائِدٍ عَلَيْهَا بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَيْدُ هُوَ الْوَحْدَةُ أَوْ الْكَثْرَةُ الْغَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ فَهُوَ النَّكِرَةُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْكَثْرَةُ الْمُعَيَّنَةُ الْغَيْرُ الْمُنْحَصِرَةِ، فَهُوَ الْعَامُّ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْحَصِرَةً فَهُوَ اسْمُ الْعَدَدِ.
قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: وَالدَّالُّ عَلَى الْجِنْسِ يَنْقَسِمُ إلَى اسْمِ جِنْسٍ كَأَسَدٍ، وَعَلَمِ جِنْسٍ كَأُسَامَةَ، وَلَيْسَا مُتَرَادِفَيْنِ، لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ، وَعَلَمُ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِتِلْكَ الْمَاهِيَّةِ بِقَيْدِ تَشَخُّصِهَا فِي الذِّهْنِ، فَإِنَّ تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ لَا بُدَّ أَنْ تَمْتَازَ عَنْ غَيْرِهَا وَتَتَشَخَّصَ فِي الذِّهْنِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَصْدُقُ عَلَى الْأَفْرَادِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْخَارِجِيَّةِ عَلَى مَا تَلَخَّصَ فِي عِلْمِ الْمَنْطِقِ مِنْ صِدْقِ
الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةِ عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ.
[التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ] بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ
وَالْكُلِّيُّ إمَّا تَمَامُ الْمَاهِيَّةِ أَوْ جُزْءٌ مِنْهَا أَوْ خَارِجٌ عَنْهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ إمَّا أَنْ تُعْتَبَرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَاهِيَّةٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ الْعَوَارِضِ كَالْجُزْئِيَّةِ وَالْخَارِجِيَّةِ، أَوْ يُعْتَبَرُ مَعَ الْعَارِضِ نَحْوُ كَوْنِهَا جُزْءًا لِغَيْرِهَا أَوْ خَارِجًا عَنْ مَاهِيَّةِ غَيْرِهَا، فَالْأَوَّلُ تَمَامُ الْمَاهِيَّةِ، وَالثَّانِي جُزْءٌ مِنْهَا، وَالثَّالِثُ خَارِجٌ عَنْهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقُولَ فِي جَوَابِ مَا هُوَ، إنَّمَا هُوَ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ سُؤَالٌ عَمَّا بِهِ هُوِيَّةُ الشَّيْءِ وَهُوَ تَمَامُ الْمَاهِيَّةِ، وَأَمَّا الْكُلِّيُّ الَّذِي هُوَ جُزْءُ الْمَاهِيَّةِ فَهُوَ الْمُسَمَّى بِالذَّاتِيِّ عَلَى رَأْيِ الْأَكْثَرِينَ، فَتَمَامُ الْمُشْتَرَكِ هُوَ الْجِنْسُ، وَتَمَامُ التَّمْيِيزِ هُوَ الْفَصْلُ.
وَأَمَّا الْخَارِجُ فَإِنْ اخْتَصَّ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَهُوَ الْخَاصَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَصَّ فَهُوَ الْعَرَضُ الْعَامُّ.
وَمِمَّا يَغْلُظُ فِيهِ كَوْنُ الْعَرَضِ هَاهُنَا هُوَ الْمُقَابِلُ لِلْجَوْهَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْعَرَضِيَّ قَدْ يَكُونُ جَوْهَرًا كَالْأَبْيَضِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ كَالْبَيَاضِ، وَالْعَرَضُ لَا يَكُونُ جَوْهَرًا كَالْبَيَاضِ، ثُمَّ الْعَرَضُ قَدْ يَكُونُ لَازِمًا لِحَقِيقَةِ الشَّيْءِ، كَالضَّحِكِ لِلْإِنْسَانِ أَعْنِي بِالْقُوَّةِ.