الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّابِعُ: فِي مُقَدِّمَاتِ مَا يَتَقَدَّمُ الْأَمْرُ بِهِ عَلَى الْفِعْلِ مِنْ الْأَوْقَاتِ.
قَالَ: وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا تَعَلَّقَ بِأَوَامِرِ اللَّهِ لَمْ يُتَصَوَّرْ فِيهِ الْخِلَافُ، لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عِنْدَنَا عَلَى الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِمَا لَا غَايَةَ لَهُ مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَلِأَنَّا لَا نَعْتَبِرُ الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا نُوجِبُهَا.
[تَقَدَّمَ الْأَمْرُ عَلَى وَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ]
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي " التَّقْرِيبِ ": قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: الْأَمْرُ قَبْلَ حُدُوثِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَمْرُ إيجَابٍ وَإِلْزَامٍ، وَلَكِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الِاقْتِضَاءَ وَالتَّرْغِيبَ وَالدَّلَالَةَ عَلَى امْتِثَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ.
قَالَ: وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ يَنْتَمِي إلَى الْحَقِّ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَةً إذَا قَارَنَ حُدُوثَ الْفِعْلِ، وَإِذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَمْرُ إنْذَارٍ، وَإِعْلَامُ الْوُجُوبِ عِنْدَ الْوُقُوعِ، وَهَذَا بَاطِلٌ.
وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ: تَحَقُّقُ الْوُجُوبِ قَبْلَ الْحُدُوثِ وَفِي حَالِ الْحُدُوثِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالَتَانِ فِي أَمْرٍ. وَهُوَ أَنَّهُ حَالَةُ الْمُقَارَنَةِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ لَكِنْ لَا يَقْتَضِي تَرْغِيبًا وَاقْتِضَاءً، بَلْ يَقْتَضِي كَوْنُهُ طَاعَةً بِالْأَمْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ.
وَزَعَمَتْ الْقَدَرِيَّةُ بِأَسْرِهَا: أَنَّ الْفِعْلَ فِي حَالِ حُدُوثِهِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ. وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَمْرُ إلَّا قَبْلَ وُجُودِهِ. ثُمَّ طَرَدُوا مَذْهَبَهُمْ فِي جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَمْ يَصِفُوا كَائِنًا يَحْظُرُ، وَلَا وُجُوبَ وَلَا نَدْبَ، وَإِنَّمَا أَثْبَتُوا هَذِهِ الْأَحْكَامَ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْحُدُوثِ، ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ الَّذِي سَبَقَ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَمِنْهُ أَخَذَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ.
وَاخْتَارَ الرَّازِيَّ: أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَكُونُ أَمْرًا حَالَ الْفِعْلِ، وَقَبْلَهُ إعْلَامٌ
بِالْأَمْرِ، وَلَيْسَ بِأَمْرٍ، وَكَذَلِكَ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ.
وَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَجِبُ بِالْأَمْرِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا يُقَدِّمُهُ أَمْرًا لَاحْتَاجَ مَعَ الْفِعْلِ إلَى تَجْدِيدِ أَمْرٍ.
وَأَمَّا الْحَالُ، أَيْ: حَالَةُ وُقُوعِ الْفِعْلِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُوصَى بِكَوْنِهِ مَأْمُومًا بِهِ. قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَنَفَاهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وَغَيْرُهُمْ.
وَنُقِلَ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِالْفِعْلِ حَالَ حُدُوثِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَى وَقْتِ الْفِعْلِ، وَيَنْقَطِعُ التَّعَلُّقُ مِنْهُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ.
وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي " الْبُرْهَانِ " عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ الْفِعْلَ فِي حَالَ حُدُوثِهِ مَأْمُورٌ بِهِ، ثُمَّ عَلَّلَهُ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ أَصْلُهُ فِي أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مَعَ الْفِعْلِ لَا قَبْلَهُ. وَأَمَّا أَصْلُهُ الْآخَرُ، وَهُوَ جَوَازُ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، فَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الِاسْتِطَاعَةِ فَلَعَلَّهُ بَنَاهُ عَلَى عَدَمِ الْوَقْعِ.
وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ الشَّيْخِ عَدَمَ انْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَلَيْسَ لِلشَّيْخِ فِي الْمَسْأَلَةِ صَرِيحُ كَلَامٍ، وَإِنَّمَا تُلُقِّيَ مِنْ قَضَايَا مَذْهَبِهِ.
وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ عَنْهُ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ، كَذَا قَالَهُ الْهِنْدِيُّ.
وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ الْمُتَأَخِّرُ فِي مُصَنَّفِهِ " الْمُفْرَدِ " فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الِامْتِثَالِ إنَّمَا يَكُونُ مَأْمُورًا عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِطَاعَةِ، لَكِنْ لِلْمُعْتَزِلَةِ أَصْلٌ: وَهُوَ أَنَّ الْحَادِثَ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا لِلْقُدْرَةِ حَالَ حُدُوثِهِ كَالْبَاقِي الْمُسْتَمِرِّ الْوُجُودِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا لِلْقُدْرَةِ. وَلِلشَّيْخِ أَصْلٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْحَادِثَ تُقَارِنُ الْمَقْدُورَ الْحَادِثَ وَلَا تَسْبِقُهُ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الْحَادِثَةَ عَرَضٌ، وَالْعَرَضُ اسْتَحَالَ بَقَاؤُهُ، فَلَوْ تَقَدَّمَتْ الْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ عَلَى وُجُودِ الْحَادِثِ، لَعُدِمَتْ عِنْدَ وُجُودِ الْحَادِثِ ضَرُورَةُ اسْتِحَالَةِ بَقَائِهَا، فَلَا يَكُونُ الْحَادِثُ مُتَعَلِّقًا لِلْقُدْرَةِ.
فَلَزِمَ عَلَى أَصْلِ الشَّيْخِ: أَنَّ الْمَأْمُورَ إنَّمَا يَصِيرُ مَأْمُورًا بِالْفِعْلِ حَالَ حُدُوثِهِ لَا قَبْلَهُ.
وَلَزِمَ عَلَى أَصْلِ الْمُعْتَزِلَةِ: أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِالْفِعْلِ قَبْلَ حُدُوثِهِ لَا حَالَةَ حُدُوثِهِ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا حَاصِلَ لِمُتَعَلِّقِ حُكْمِ الْأَمْرِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْحَسَنِ، فَإِنَّ الْقَاعِدَ فِي حَالِ قُعُودِهِ مَأْمُورٌ بِالْقِيَامِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْقِيَامِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِالْقُدْرَةِ وَمَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ مَأْمُورٌ عِنْدَهُ؟ قَالَ: وَهَذَا هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِ نَقْلِ صَاحِبِ " الْمَحْصُولِ " وَ " الْإِحْكَامِ "، فَكَأَنَّ الْإِمَامَ فَخْرَ الدِّينِ اعْتَبَرَ مَذْهَبَ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّيْخِ، وَالْآمِدِيَّ اعْتَبَرَ مَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَ فِي حَالِ الْقُعُودِ مَأْمُورٌ بِالْقِيَامِ بِالِاتِّفَاقِ، فَحَصَلَ الْخِلَافُ بَيْنَ نَقْلَيْهِمَا. اهـ.
وَأَمَّا ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُ نَسَبَ خِلَافَ الْمُعْتَزِلَةِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ، وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُوَافِقًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَرَدَّ مَا نَسَبَهُ إلَى الشَّيْخِ، فَقَالَ: قَالَ الشَّيْخُ الْأَشْعَرِيُّ: لَا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ حَالَ حُدُوثِهِ، وَاخْتَارَهُ وَزَيَّفَ قَوْلَ الشَّيْخِ بِأَنْ قَالَ: إنْ أَرَادَ الشَّيْخُ بِعَدَمِ انْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ أَنَّ تَعَلُّقَ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ لِنَفْسِ التَّكْلِيفِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ لِنَفْسِهِ بِالشَّيْءِ امْتَنَعَ انْقِطَاعُهُ عَنْهُ. فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ التَّكْلِيفُ بَعْدَ حُدُوثِ الْفِعْلِ أَيْضًا، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَرَادَ الشَّيْخُ أَنَّ تَنْجِيزَ التَّكْلِيفِ أَيْ: كَوْنَ الْمُكَلَّفِ مُكَلَّفًا بِالْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ حَالَ حُدُوثِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِابْتِلَاءِ، لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ فَيَنْتَفِي فَائِدَةَ التَّكْلِيفِ، لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّكْلِيفِ إمَّا الِامْتِثَالُ أَوْ الِابْتِلَاءُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مُرَادُ الشَّيْخِ أَنَّ التَّكْلِيفَ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ تَكْلِيفٌ بِالْإِتْيَانِ بِالْكُلِّيِّ الْمَجْمُوعِيِّ، لَا بِإِيجَادِ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ، فَلَا يَكُونُ التَّكْلِيفُ حَالَ الْحُدُوثِ تَكْلِيفًا بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ، لِأَنَّ الْكُلِّيَّ الْمَجْمُوعِيَّ لَمْ يُوجَدْ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ فَلَمْ يَمْتَثِلْ بِالْكُلِّيَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا وُجِدَ مِنْ الْفِعْلِ فَقَدْ انْقَطَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ فَيَكُونُ تَعْلِيقُ التَّكْلِيفِ بِالْبَاقِي، بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ.
قُلْنَا: التَّكْلِيفُ بِالذَّاتِ قَدْ تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ وَبِأَجْزَائِهِ بِالْعَرْضِ، فَمَا لَمْ يَحْدُثْ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّكْلِيفُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْمُحْدَثَةَ لَا تَتَقَدَّمُ الْمَقْدُورَ، وَعِنْدَهُ أَنَّ الْأَمْرَ يَتَقَدَّمُ الْفِعْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَيُقَارِنُهُ. وَأَلْزَمَهُ الْإِمَامُ كَوْنَ الْمُكَلَّفِ مَأْمُورًا بِالْقِيَامِ غَيْرَ مَقْدُورٍ لَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِيهِ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ،
فَقَدْ صَارَ الْمَأْمُورُ بِهِ غَيْرَ مُرْتَبِطٍ بِكَوْنِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ لِشَيْخٍ، لِأَنَّهُ إذَا اسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَقُولَ: إنَّ عَدَمَ تَعَلُّقِهَا بِهِ بِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِهِ، لِأَنَّ هَذَا عَكْسُ الِاسْتِدْلَالِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ.
وَقَالَ إِلْكِيَا: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْحَادِثَ حَالَ حُدُوثِهِ هَلْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ؟ فَقَالَ أَصْحَابُ الْأَشْعَرِيِّ: مَأْمُورٌ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: مَأْمُورٌ بِهِ قَبْلَ الْحُدُوثِ، وَإِذَا حَدَثَ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ اسْتَدْعَى التَّحْصِيلَ، وَالْحَاصِلُ لَا يَحْصُلُ.
وَأَصْحَابُنَا بَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مَعَ الْفِعْلِ، وَأَنَّ الْمَعْدُومَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا أَمَرَ عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ إعْلَامٌ عَلَى مَعْنَى تَعَلُّقِ الْأَمْرِ الْأَزَلِيِّ بِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: الْحَادِثُ حَالَ حُدُوثِهِ مَأْمُورٌ بِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. اهـ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْخِلَافِ قَبْلَ الْحُدُوثِ.
وَاعْلَمْ أَنَّا إذَا فَسَّرْنَا حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ بِأَنَّهُ أَوَّلُ زَمَنِ وُجُودِهِ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِهِ، وَكَانَ فِي الْحَقِيقَةِ تَكْلِيفًا بِإِتْمَامِهِ وَإِيجَادِهِ بِمَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِحَالِ حُدُوثِهِ زَمَنُ وُجُودِهِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقًا، بَلْ يَصِحُّ فِي أَوَّلِ زَمَنِ وُجُودِهِ وَإِنْ كُلِّفَ بِإِتْمَامِهِ كَمَا مَرَّ، وَعِنْدَ آخِرِ زَمَنِ وُجُودِهِ يَكُونُ قَدْ وُجِدَ وَانْقَضَى، فَيَصِيرُ مِنْ بَابِ إيجَادِ الْمَوْجُودِ، وَهُوَ مُحَالٌ.
وَهَذَا الْمَبْحَثُ يَنْزِعُ إلَى مَسْأَلَةِ الْحَرَكَةِ وَأَنَّهَا تُقْبَلُ أَمْ لَا؟ وَكَأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا لَفْظِيٌّ، لِأَنَّ مَنْ أَجَازَ التَّكْلِيفَ عَلَّقَهُ بِأَوَّلِ زَمَنِ الْحُدُوثِ وَمَنْ مَنَعَهُ عَلَّقَهُ بِآخِرِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْقَرَافِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةً أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ قَوْلَ الْأَشْعَرِيَّةِ: الْأَمْرُ يَتَعَلَّقُ حَالَ الْمُلَابَسَةِ، لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ حُصُولَ زَمَانِ الْمُلَابَسَةِ شَرْطٌ فِي
تَعَلُّقِ الْأَمْرِ، بَلْ الْأَمْرُ مُتَعَلِّقٌ فِي الْأَزَلِ، فَضْلًا عَمَّا قَبْلَ زَمَنِ الْحُدُوثِ، وَإِنَّمَا الْبَحْثُ هَاهُنَا عَنْ صِفَةِ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ الْمُتَقَدِّمِ لِمَا تَعَلَّقَ فِي الْأَزَلِ كَيْفَ تَعَلَّقَ؟ هَلْ تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ زَمَنَ الْمُلَابَسَةِ أَوْ قَبْلَهُ؟ فَالتَّعَلُّقُ سَابِقٌ، وَالطَّلَبُ مُتَحَقِّقٌ، وَالْمُكَلَّفُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَعْمُرَ زَمَانًا بِوُجُودِ الْفِعْلِ بَدَلًا عَنْ عَدَمِهِ، وَهُوَ زَمَنُ الْمُلَابَسَةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ أُمِرَ بِهِ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ مُوَسَّعًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الزَّمَنَ الَّذِي يَلِي زَمَانَ الْأَمْرِ وُجُودَ الْفِعْلِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ، فَزَمَنُ الْمُلَابَسَةِ ذُكِرَ لِبَيَانِ صِفَةِ الْفِعْلِ، لَا لِأَنَّهُ شَرْطُ التَّعَلُّقِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ نَفْيُ الْعِصْيَانِ لَوْ كَانَ شَرْطًا فِي التَّعَلُّقِ.
قَالَ: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ عَدَمُ وُرُودِ الِاسْتِشْكَالِ الْمَشْهُورِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى سَلْبِ التَّكَالِيفِ، إذْ لَوْ كَانَ حُصُولُ الْمُلَابَسَةِ شَرْطًا فِي تَعَلُّقِ الْأَمْرِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عَاصِيًا، لِأَنَّهُ يَقُولُ: الْمُلَابَسَةُ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ مَأْمُورًا، وَأَنَا لَا أُلَابِسُ الْفِعْلَ، فَلَا يَكُونُ عَاصِيًا، وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَظَهَرَ أَنَّ التَّحْقِيقَ مَا تَقَدَّمَ. اهـ. [حَاصِلُ مَا تَقَدَّمَ]
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ مِنْ الْأَزَلِ بِالْفِعْلِ زَمَنَ الْمُلَابَسَةِ، وَقِيلَ: زَمَنُ الْمُلَابَسَةِ، وَقِيلَ: زَمَانُ وُرُودِ الصِّيغَةِ تَعَلُّقِ مُطَالَبَةٍ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَلِي وُرُودَ الصِّيغَةِ، فَإِنْ لَابَسَ تَعَلَّقَ الْأَمْرُ حَالَ الْمُلَابَسَةِ، وَإِنْ أَخَّرَ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ مَضِيقًا تَعَلَّقَ بِالتَّأْخِيرِ التَّأْثِيمُ وَإِنْ كَانَ مُوسَعًا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ زَمَنِ السَّعَةِ إلَّا قَدْرُ مَا يَسَعُ الْفِعْلَ تُضَيَّقَ، وَجَاءَ التَّأْثِيمُ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُوَ إلَّا الْمَضِيقَ، وَلَكِنْ يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ.
وَأَمَّا الْمَاضِي وَهُوَ تَعَلُّقُ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ بَعْدَ حُدُوثِهِ كَالْحَرَكَةِ بَعْدَ
انْقِضَائِهَا بِانْقِضَاءِ الْمُتَحَرِّكِ فَمُمْتَنِعٌ اتِّفَاقًا، لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ، وَلَا يُوصَفُ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ إلَّا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: يُوصَفُ قَبْلَ وُجُودِهِ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَمَطْلُوبٌ، وَأَمَّا قَبْلَ وُجُودِهِ فَلَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالِاقْتِضَاءِ وَالتَّرْغِيبِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ مِمَّا لَمْ يُوجَدْ. وَالْحَاصِلُ لَا يُطْلَبُ.
وَهَذَا كَقَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ: إنَّ النَّظَرَ يُضَادُّ الْعِلْمَ بِالْمَنْظُورِ فِيهِ، لِأَنَّ النَّظَرَ بَحْثٌ عَنْ الْعِلْمِ وَابْتِغَاءٌ لَهُ، وَالْحَاصِلُ لَا يُطْلَبُ، وَيَصِحُّ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ طَاعَةٌ، وَهَلْ يَصِحُّ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ حَالَ وُقُوعِهِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُمْ يَنْفُونَهُ. وَأَمَّا تَقَضِّي الْفِعْلِ فَيَصِحُّ وَصْفُهُ بِمَا سَبَقَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا. وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ حَالَ الْإِيقَاعِ وَقَبْلَهُ مَأْمُورٌ بِهِ، فَهَلْ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِهَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا مُتَسَاوِيًا؟ عَلَى مَذْهَبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: نَعَمْ. فَيَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِهِمَا تَعَلُّقَ إيجَابٍ وَإِلْزَامٍ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ " عَنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَالَ الْوُقُوعِ تَعَلُّقُ إلْزَامٍ، وَأَمَّا قَبْلَهُ تَعَلُّقُ إعْلَامٍ بِأَنَّهُ سَيَصِيرُ فِي زَمَانِ الْحَالِ مَأْمُورًا، وَنَسَبَهُ الْقَاضِي إلَى بَعْضِ مَنْ يَنْتَمِي إلَى الْحَقِّ. قَالَ: هُوَ بَاطِلٌ.
وَادَّعَى الْقَرَافِيُّ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ قَالَ فِيهِ: إنَّهُ لَا يَرْتَضِيهِ لِنَفْسِهِ عَاقِلٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي: وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ تَحَقُّقُ الْوُجُوبِ عَلَى الْحُدُوثِ، وَفِي حَالَةِ الْحُدُوثِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي التَّرْغِيبِ وَالِاقْتِضَاءِ وَالدَّلَالَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ، وَمَا أَبْطَلَهُ الْقَاضِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ
فِي " الْمَحْصُولِ ". وَلِأَجْلِهِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي " الْمِنْهَاجِ ": التَّكْلِيفُ يَتَوَجَّهُ حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ نَقْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ.
وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ مَذْهَبَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَرَأَيَا أَنَّ الْفِعْلَ حَالَ الْإِيقَاعِ لَا يَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِهِ، وَمُدْرَكُهُمْ فِيهِ خِلَافُ مُدْرَكِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَالْمُعْتَزِلَةُ بَنُوهُ عَلَى أَصْلِهِمْ: أَنَّ الْقُدْرَةَ تَتَقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ وَانْقِطَاعُ تَعَلُّقِهَا حَالَ وُجُودِهِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَكَادَ يُوَافِقُهُمْ، لِأَنَّهُ يَقُولُ: مَا لَيْسَ بِمَقْدُورٍ لَا يُؤْمَرُ بِهِ مَنْ يُثْبِتُ قُدْرَةً، وَيَقُولُ: الْحَالُ غَيْرُ مَقْدُورٍ فَلَزِمَ تَقَدُّمُ الْقُدْرَةِ، فَصَرَّحَ مِنْ أَجْلِهَا بِتَوَجُّهِ الْأَمْرِ قَبْلَ الْفِعْلِ وَانْقِطَاعِهِ مَعَهُ.
وَأَمَّا الْغَزَالِيُّ فَإِنَّهُ سَلَّمَ مُقَارَنَةَ الْقُدْرَةِ لِلْمَقْدُورِ، وَوَافَقَ مَعَ هَذَا عَلَى انْتِفَاءِ الْأَمْرِ حَالَ الْوُقُوفِ، فَتَوَافَقَا فِي الْأَصْلِ، وَتَخَالَفَا فِي الْفُرُوعِ، ثُمَّ اعْتَمَدَ هُوَ وَإِمَامُهُ عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ الِاقْتِضَاءُ وَالطَّلَبُ، وَالْحَاصِلُ لَا يُطْلَبُ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ غَيْرُ مُقْتَضَى حَالِ الْإِيقَاعِ، وَلَكِنَّهُ مَعَ هَذَا مَأْمُورٌ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ طَاعَةٌ وَامْتِثَالٌ، وَهَذَا لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ، لِأَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافِقَةُ الْأَمْرِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ قَدْ رَأَوْا أَنَّ لَا حَقِيقَةَ لِلْأَمْرِ إلَّا الِاقْتِضَاءُ، وَقَدْ يَطْلُبُ، فَبَطَلَ بِنَفْسِهِ، وَتَبِعَهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَيْسَ
كَذَلِكَ، بَلْ لَهُ حَقِيقَةٌ، وَهُوَ كَوْنُهُ مَأْمُورًا بِهِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى مَنْ قَالَ بِتَوَجُّهِ الْأَمْرِ قَبْلَ الْفِعْلِ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْلَامِ وَالْإِلْزَامِ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَعْصِيَ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ، لِأَنَّهُ إنْ أَتَى بِهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ.
وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالتَّارِكُ مُبَاشِرٌ لِلتَّرْكِ، وَهُوَ فِعْلٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ حَرَامٌ، فَإِثْمُهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَعَلَى مَا سَبَقَ مِنْ طَرِيقَةِ الْقَرَافِيِّ لَا إشْكَالَ.
وَقَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الْأَصْفَهَانِيُّ الْمُتَأَخِّرُ: الْحَقُّ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ حَالَ حُدُوثِهِ لَا قَبْلَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
أَمَّا أَوَّلًا: فَإِنَّهُمْ بَنَوْا عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَا حَاصِلَ لِتَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِالْقُدْرَةِ رَأْيُ الْأَشْعَرِيِّ قَالَهُ الْإِمَامُ، فَإِنَّ الْقَاعِدَ حَالَ قُعُودِهِ مَأْمُورٌ بِالْقِيَامِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْقِيَامِ عِنْدَ الشَّيْخِ فِي حَالِ الْقُعُودِ، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِالْقُدْرَةِ؟ وَمَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ مَأْمُورٌ عِنْدَنَا.
وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنًى لِكَوْنِ فِعْلِ الْعَبْدِ مَقْدُورًا لَهُ عَلَى أَصْلِ الشَّيْخِ، فَإِنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مَخْلُوقُ اللَّهِ، فَلَا يَكُونُ وَاقِعًا بِقُدْرَةِ الْعَبْدِ، فَلَا يَكُونُ مَقْدُورًا لَهُ.
وَأَمَّا ثَالِثًا: فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنًى لِإِثْبَاتِ الْقُدْرَةِ فِي الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مُقَارِنُ الْفِعْلِ مَدْخَلٌ فِي الْفِعْلِ فَجَمِيعُ الْأَوْصَافِ الْمُقَارِنَةِ لِلْفِعْلِ مُتَشَارِكَةٌ فِي كَوْنِهَا مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ، فَتَمَيَّزَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِكَوْنِهَا قُدْرَةً دُونَ غَيْرِهِ، يَكُونُ تَمَيُّزًا مِنْ غَيْرِ مُمَيَّزٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ.
وَأَمَّا رَابِعًا: فَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِحَالَةِ بَقَاءِ الْأَعْرَاضِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ.
وَأَمَّا خَامِسًا: فَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ هَذَا الْأَصْلِ وَكَوْنُ قُدْرَةِ
الْعَبْدِ ثَابِتَةً، وَكَوْنُ الْفِعْلِ مَقْدُورًا لِلْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْقُدْرَةُ عِنْدَ حُدُوثِ الْفِعْلِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قَبْلَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَوْ تَقَدَّمَتْ الْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ عَلَى وُجُودِ الْحَادِثِ لَعُدِمَتْ عِنْدَ وُجُودِ الْحَادِثِ ضَرُورَةُ اسْتِحَالَةِ بَقَائِهَا، فَلَا يَكُونُ الْحَادِثُ مُتَعَلِّقًا لِلْقُدْرَةِ، فَلَا طَائِلَ لَهُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْفِعْلِ فَكَمَا جَازَ أَنْ يُقَالَ: الْفِعْلُ مَقْدُورٌ لِلْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ مُقَارَنَةِ الْقُدْرَةِ لِلْفِعْلِ فَكَذَلِكَ جَازَ أَنْ يُقَالَ: الْفِعْلُ مَقْدُورٌ لِلْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ تَقَدُّمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ، بَلْ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ لِلْقُدْرَةِ مَدْخَلًا فِي الْفِعْلِ لَجَازَ أَنْ تَكُونَ مُتَقَدِّمَةً بِالزَّمَانِ عَلَى الْفِعْلِ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الْعِدَّةِ.
وَالْحَقُّ: أَنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ سَابِقٌ عَلَى حُدُوثِهِ، وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْفِعْلِ، وَنَعْنِي بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ صِفَةً خَلَقَهَا اللَّهُ فِي الْعَبْدِ، وَجَعَلَهَا بِحَيْثُ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْفِعْلِ، بَلْ كَوْنُهَا بِحَيْثُ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْفِعْلِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ جَمِيعَ الْمُحْدِثَاتِ بِخَلْقِهِ تَعَالَى بَعْضُهَا بِلَا أَوْسَاطٍ وَلَا أَسْبَابٍ، وَبَعْضُهَا بِوَسَائِطَ وَأَسْبَابَ، لَا بِأَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْوَسَائِطُ وَالْأَسْبَابُ لِذَاتِهَا اقْتَضَتْ أَوْ يَكُونُ لَهَا مَدْخَلٌ فِي وُجُودِ الْمُسَبَّبَاتِ، بَلْ خَلَقَهَا اللَّهُ بِحَيْثُ لَهَا مَدْخَلٌ.
فَتَكُونُ الْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ لِلْعَبْدِ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ وَمَقْدُورَةً لِلْعَبْدِ بِقُدْرَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ فِيهِ، وَالْقُدْرَةُ مُمَيَّزَةٌ عَنْ سَائِرِ الصِّفَاتِ مِنْ حَيْثُ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْفِعْلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الصِّفَاتِ، فَيَكُونُ الْمَأْمُورُ مَأْمُورًا بِالْفِعْلِ قَبْلَ حُدُوثِهِ، لَكِنْ هَلْ يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ أَمْ لَا؟
فَنَقُولُ: الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ يَكُونُ آتِيًا قَبْلَ الْآنَ طَرَفُ الزَّمَانِ أَوْ جُزْأَهُ عُلِمَ ذَلِكَ بِاسْتِقْرَاءِ الْأَفْعَالِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الشَّرْعِ، بَلْ يَكُونُ زَمَانِيًّا إمَّا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْرَارِ كَالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّدْرِيجِ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ.
وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ ذَلِكَ ذَا أَجْزَاءٍ، وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِالذَّاتِ مُتَعَلِّقًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ تَعَلُّقًا بِأَجْزَائِهِ مُحَالَ الْحُدُوثِ، وَإِنْ وَقَعَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ لَمْ يَقَعْ
الْبَعْضُ بِهَا، وَالْأَمْرُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْفِعْلِ بِالذَّاتِ لَا يَنْقَطِعُ مَا لَمْ يَحْدُثْ الْفِعْلُ، وَلَا يَحْدُثُ الْفِعْلُ إلَّا بَعْدَ حُدُوثِ أَجْزَائِهِ، فَلَا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ إلَّا بَعْدَ حُدُوثِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَبَيَانُ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ وَمُقَدَّرَةٌ لِلْعَبْدِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي أُصُولِ الدِّينِ.
تَنْبِيهَاتٌ [التَّنْبِيهُ] الْأَوَّلُ
أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ لَمَّا حَكَى الْقَوْلَ بِأَنَّ الْفِعْلَ حَالَ حُدُوثِهِ مَأْمُورٌ بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَذْهَبَ الشَّيْخِ فِي الْقُدْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَذْهَبُهُ مُخْتَبَطٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
ثُمَّ قَالَ: لَوْ سَلَّمَ مُسْلِمٌ لِأَبِي الْحَسَنِ مَا قَالَهُ فِي الْقُدْرَةِ جَدَلًا فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ كَوْنُ الْحَادِثِ مَأْمُورًا، هَذَا حَاصِلُهُ. وَمَذْهَبُهُ فِي الْقُدْرَةِ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ أَبِي الْحَسَنِ، ثُمَّ أَلْزَمَ الشَّيْخُ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ. ثُمَّ قَالَ: فَقَالَ فِي الْحَادِثِ: هَذَا هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الْمُخَاطَبُ، فَأَمَّا أَنْ يَتَّجِهَ الْقَوْلُ فِي تَعَلُّقِ الْأَمْرِ طَلَبًا وَاقْتِضَاءً مَعَ حُصُولِهِ، فَلَا يَرْضَى هَذَا الْمَذْهَبَ الَّذِي لَا يَرْتَضِيهِ لِنَفْسِهِ عَاقِلٌ. اهـ.
وَمُرَادُهُ بِالْمَذْهَبِ الَّذِي لَا يَرْتَضِيهِ عَاقِلٌ إيجَابُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ الَّذِي أَلْزَمَ بِهِ الشَّيْخَ، وَلَمْ يُرِدْ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ إلَّا عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الشَّيْخِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّهُ الْحَقُّ، وَإِنَّ عَلَيْهِ السَّلَفَ مِنْ الْأُمَّةِ وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَتَعَيَّنُ.
وَتَوَهَّمَ الْقَرَافِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ مُرَادَ الْإِمَامِ بِذَلِكَ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ عِنْدَ
الْمُبَاشَرَةِ، وَشَنَّعُوا بِهِ عَلَى الْقَائِلِينَ بِهِ، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ شَيْخِهِ. وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي أَنَّ مَذْهَبَ الشَّيْخِ فِي الْوُجُوبِ حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ هَلْ يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ أَمْ لَا؟ وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْخِ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي تَخْصِيصِ التَّكْلِيفِ بِحَالَةِ الْمُبَاشَرَةِ، وَأَصْلُ الْوَهْمِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
[التَّنْبِيهُ] الثَّانِي [بِنَاءُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ]
إنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرَهُ ادَّعَوْا أَنَّ أَصْحَابَنَا بَنَوْا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ. قَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ غَيْرُ سَدِيدَةٍ، وَكَيْفَ تُشَيَّدُ وَعِنْدَ الْأَصْحَابِ يَمْتَنِعُ تَقَدُّمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ؟ وَصَرَّحُوا بِجَوَازِ تَقَدُّمِ الْأَمْرِ عَلَى الْفِعْلِ، وَقَالُوا: الْفَاعِلُ قَدْ يُؤْمَرُ بِالْقِيَامِ بِتَحَقُّقِ الْأَمْرِ بِالْقِيَامِ فِي حَالَةِ الْقُعُودِ حَتَّى اخْتَلَفُوا. فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: الْأَمْرُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ قَبْلَ حُدُوثِهِ أَمْرُ إيجَابٍ. وَقَالَ الْأَقَلُّونَ: أَمْرُ إعْلَامٍ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْوُجُوبُ عِنْدَ الْحُدُوثِ، فَإِذَنْ لَيْسَ بِنَاءُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ مَسْأَلَةَ الِاسْتِطَاعَةِ. نَعَمْ الْمُعْتَزِلَةُ يَبْنُونَ وَيَقُولُونَ: كَمَا الْقُدْرَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْجُودِ بِزَعْمِهِمْ، فَالْأَمْرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْجُودِ، ثُمَّ عَوَّلَ الْإِمَامُ بَعْدَ التَّسْفِيهِ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ طَلَبٌ وَاقْتِضَاءٌ، وَالْحَاصِلُ لَا يُطْلَبُ وَلَا يُقْتَضَى.
وَهَذَا اعْتِسَافٌ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِنَا: إنَّ الْفِعْلَ فِي حَالِ الْحُدُوثِ
مَأْمُورٌ بِهِ أَنَّهُ طَاعَةٌ، فَتَعَلُّقُ الْأَمْرِ قَبْلَ الْحُدُوثِ يَتَضَمَّنُ اقْتِضَاءً وَتَرْغِيبًا، وَفِي حَالِ الْحُدُوثِ يَتَضَمَّنُ كَوْنَهُ طَاعَةً، وَهَذَا مِمَّا لَا يُنْكِرُهُ عَاقِلٌ، فَلَا خِلَافَ إذَنْ. هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْقُشَيْرِيّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْقُدْرَةَ مَعَ الْفِعْلِ أَوْ قَبْلَهُ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ، لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْقُدْرَةِ سَلَامَةُ الْأَعْضَاءِ وَالصِّحَّةِ فَهِيَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْفِعْلِ قَطْعًا، فَإِذَا انْضَمَّتْ الدَّاعِيَةُ إلَيْهِ صَارَتْ تِلْكَ الْقُدْرَةُ مَعَ هَذِهِ عِلَّةً لِلْفِعْلِ الْمُعَيَّنِ، ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ يَجِبُ وُقُوعُهُ مَعَ حُصُولِ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ، لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ التَّامَّ لَا يَتَخَلَّفُ عِنْدَ أَثَرِهِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَجْمُوعَ مَا لَا يَتِمُّ الْفِعْلُ إلَّا بِهِ فَلَيْسَتْ سَابِقَةً عَلَى الْفِعْلِ لِفِقْدَانِ الدَّاعِيَةِ إذْ ذَاكَ.
[التَّنْبِيهُ] الثَّالِثُ [الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ]
قِيلَ: إنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ، وَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ حُكْمٌ قَطْعًا، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ مَأْمُورٌ بِالْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِيهِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ إلَّا بِالِامْتِثَالِ، وَلَا يَحْصُلُ الِامْتِثَالُ إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ.
وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ التَّكْلِيفُ مُتَوَجِّهًا إلَى الْفِعْلِ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِالْفَرَاغِ عَنْهُ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالذَّاتِ يَتَعَلَّقُ بِمَجْمُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، وَتَعَلُّقُهُ بِالْأَجْزَاءِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَرَضِ، فَمَا لَمْ يَأْتِ بِمَجْمُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا، وَمَا لَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ.
[التَّنْبِيهُ] الرَّابِعُ
قَوْلُنَا: إنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَصِيرُ أَمْرًا حَالَ الْحُدُوثِ وَلَا يُنَاقِضُهُ قَوْلُنَا: لَا حُكْمَ لِلْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ. كَمَا قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ "،