الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَطْعًا، وَنَصُّ " الْأُمِّ " جَدِيدٌ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ. حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ فِي " الِاسْتِذْكَارِ " وَجْهَيْنِ.
[التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ]
إنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ بِأَسْرِهِ، فَكُلُّ وَاجِبٍ أَوْ مُحَرَّمٍ هُوَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَكَذَا الْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَا أُبِيحَ فَهُوَ مُبَاحٌ فِي حَقِّهِمْ عِنْدَ مَنْ يَرَى شُمُولَ الْخِطَابِ لَهُمْ. وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ تَعَلُّقَ الْإِبَاحَةِ بِهِمْ إذَا قُلْنَا بِتَكْلِيفِهِمْ، وَقُلْنَا: الْإِبَاحَةُ تَكْلِيفٌ، فَإِنَّهُ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ الْإِقْدَامُ عَلَى فِعْلٍ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَالْكُفَّارُ لَا يَعْتَقِدُونَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ حُكْمًا صَحِيحًا، لِأَنَّهُمْ يَسْتَنِدُونَ فِيهِ إلَى شَرْعِنَا اللَّازِمِ لَنَا وَلَهُمْ، وَشَرْعُهُمْ مَنْسُوخٌ.
وَمُقْتَضَى هَذَا الْبَحْثِ أَنْ يَأْثَمُوا فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِمْ حَتَّى يُؤْمِنُوا، وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا يَشْهَدُ لَهُ.
أَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ: فَمِنْهُ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ سَبَبًا لِتَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ، فَكَذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِتْلَافَاتِ وَالْجِنَايَاتِ فَلَا يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ بَلْ هِيَ أَسْبَابٌ لِلضَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا ثُبُوتُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِمْ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، وَوُجُوبُ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ.
وَالْحُدُودُ إنَّمَا تَكُونُ كَفَّارَةً لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَالْكَافِرُ
لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي حَقِّهِ كَالدَّيْنِ اللَّازِمِ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَنَحْوُهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَالْأَيْمَانُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
قُلْت: وَلَا تَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي الْإِتْلَافِ وَالْجِنَايَةِ بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ. وَقَدْ سَبَقَ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَالًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا إذَا قُلْنَا: الْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ. وَنَقَلُوا وَجْهَيْنِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ دَخَلَ الْكَافِرُ الْحَرَمَ وَقَتَلَ صَيْدًا هَلْ يَضْمَنُهُ؟ أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ. قَالَ صَاحِبُ الْوَافِي ": وَهُمَا شَبِيهَانِ بِالْوَجْهَيْنِ فِي تَمْكِينِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ جُنُبًا. يَعْنِي نَظَرًا لِعَقِيدَتِهِ، بَلْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْأَسَالِيبِ " مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ: إنَّ الْكُفَّارَ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا حُكْمَ لِاسْتِيلَائِهِمْ، وَأَعْيَانِ الْأَمْوَالِ لِأَرْبَابِهَا، وَكَأَنَّهُمْ فِي اسْتِيلَائِهِمْ وَإِتْلَافِهِمْ كَالْبَهَائِمِ.
قَالَ: وَمِنْ تَقْوِيمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَكْلِيفِهِمْ بِالْفُرُوعِ.
وَقَالَ: هُمْ مَنْهِيُّونَ عَنْ اسْتِيلَائِهِمْ. اهـ.
ثُمَّ قَالَ هَذَا الْمُتَأَخِّرُ: وَمِنْهُ الْإِرْثُ وَالْمِلْكُ بِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا سَاغَ بَيْعُهُمْ لِوَارِثِهِمْ وَمَا يَشْتَرُونَهُ، وَلَا مُعَامَلَتُهُمْ وَكَذَا صِحَّةُ أَنْكِحَتِهِمْ إذَا صَدَرَتْ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ لَا وَجْهَ لَهُ.
وَمِنْهُ كَوْنُ الزِّنَا سَبَبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِمْ، وَلِهَذَا رَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْيَهُودِيَّيْنِ، وَلَا يَحْسُنُ الْقَوْلُ بِبِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ بِالْفُرُوعِ، فَإِنَّهُ كَيْفَ يُقَالُ بِإِسْقَاطِ الْإِثْمِ عَنْهُمْ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ لِكُفْرِهِمْ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْأُسْتَاذِ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ أَنَّ خِطَابَ الزَّوَاجِرِ مِنْ الزِّنَا وَالْقَذْفِ يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِأَمْوَالِهِمْ: قُلْنَا: خِلَافٌ هَلْ هُوَ تَعَلُّقُ رَهْنٍ أَوْ جِنَايَةٍ