الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْمَدَارِكِ ": عُزِيَ إلَى الشَّافِعِيِّ تَرْدِيدُ الْقَوْلِ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالْفُرُوعِ وَنَصُّهُ فِي " الرِّسَالَةِ ": الْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا.
قُلْت: وَقَدْ يَخْرُجُ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَصْحَابِ فِي الْفُرُوعِ مَذْهَبٌ ثَامِنٌ: وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ فَلَيْسَ بِمُكَلَّفٍ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ فِي الْقِصَاصِ وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: لَا يَجِبُ حَدُّهَا عَلَى الْحَرْبِيِّ، لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ. وَحَكَى الطُّرْطُوشِيُّ فِي " الْعُمْدَةِ " أَنَّ الْوَاقِفِيَّةَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَافَقُوا عَلَى كَوْنِهِمْ مُخَاطَبِينَ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ دُخُولَهُمْ فِي الْخِطَابِ لَمْ يَكُنْ بِظَوَاهِرِهَا، وَإِنَّمَا دَخَلُوهَا بِدَلِيلٍ. اهـ وَبِهِ يَخْرُجُ مَذْهَبٌ تَاسِعٌ.
وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ ": الصَّائِرُونَ إلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ لَا يَدْعُونَ ذَلِكَ عَقْلًا وُجُوبًا بَلْ يُجَوِّزُونَ فِي حُكْمِ الْعَقْلِ خُرُوجَهُمْ عَنْ التَّكْلِيفِ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ. كَيْفَ وَقَدْ أُخْرِجَ كَالْحَائِضِ عَنْ الْتِزَامِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ؟ وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ تَكْلِيفَهُمْ سَائِغٌ عَقْلًا وَتَرْكُ تَكْلِيفِهِمْ جَائِزٌ عَقْلًا غَيْرَ أَنَّ فِي أَدِلَّةِ السَّمْعِ مَا يَقْتَضِي تَكْلِيفَهُمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ صَارُوا إلَى مَنْعِ تَكْلِيفِهِمْ، فَاخْتَلَفُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ صَارَ إلَى اسْتِحَالَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ عَقْلًا وَمَنَعَ إبْطَالَ أَدِلَّةِ السَّمْعِ بِهِمْ.
[التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ اسْتِحَالَةُ مُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ بِإِنْشَاءِ فَرْعٍ عَلَى الصِّحَّةِ]
تَنْبِيهَاتٌ
[التَّنْبِيهُ] الْأَوَّلُ [اسْتِحَالَةُ مُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ بِإِنْشَاءِ فَرْعٍ عَلَى الصِّحَّةِ]
فِي تَحْقِيقِ مَقَالَةِ أَصْحَابِنَا: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْكَافِرَ
مُسْتَحِيلٌ أَنْ يُخَاطَبَ بِإِنْشَاءِ فَرْعٍ عَلَى الصِّحَّةِ، وَكَذَا الْمُحْدِثُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُخَاطَبَ بِإِنْشَاءِ الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ مُخَاطَبُونَ بِالتَّوَصُّلِ إلَى مَا يَقَعُ آخِرًا، وَلَا يَتَنَجَّزُ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ بِإِيقَاعِ الْمَشْرُوطِ قَبْلَ وُقُوعِ الشَّرْطِ، وَلَكِنْ إذَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ مَا يَسَعُ الشَّرْطَ وَالْمَشْرُوطَ وَالْأَوَائِلَ وَالْأَوَاخِرَ، فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُعَاقَبَ الْمُمْتَنِعُ عَلَى حُكْمِ التَّكْلِيفِ مُعَاقَبَةَ مَنْ يُخَالِفُ أَمْرًا نُوجِبُهُ عَلَيْهِ نَاجِزًا. فَمَنْ أَبَى ذَلِكَ قَضَى عَلَيْهِ قَاطِعُ الْعَقْلِ بِالْفَسَادِ، وَمَنْ جَوَّزَ تَنَجُّزَ الْخِطَابِ بِإِيقَاعِ الْمَشْرُوطِ قَبْلَ وُقُوعِ الشَّرْطِ فَقَدْ سَوَّغَ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْفُرُوعِ وَأَوَاخِرِ الْعَقَائِدِ وَبَيْنَ صَلَاةِ الْمُحْدِثِ فَهُوَ مُبْطِلٌ مُطْلَقًا.
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ مِنْ " النِّهَايَةِ ": مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ، أَرَادَ رَبْطَ الْمَأْثَمِ بِهِمْ فِي دَرْئِهِمْ بِالشَّرْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى تَفْصِيلِ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ عَلَى كُلِّ مُحَرَّمٍ فِي الشَّرْعِ اقْتَحَمُوهُ وَكُلِّ وَاجِبٍ تَرَكُوهُ، فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ بِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَشَرَائِطِهَا فَلَا سَبِيلَ إلَى الْتِزَامِهَا انْتَهَى.
وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهِمْ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ كَيْفَ يُكَلَّفُونَ بِمَا لَوْ فَعَلُوهُ لَمَا صَحَّ؟ وَلِأَنَّهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ.
وَالصَّوَابُ: أَنْ نَقُولَ: مُكَلَّفُونَ بِالتَّوَصُّلِ إلَى الْفُرُوعِ بِهِ وَتَقَدُّمِ الْأَصْلِ، فَإِذَا مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ تَحْصِيلُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ أَثِمُوا عَلَيْهَا مَعًا كَالْمُحْدِثِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَهَذَا نَافِعٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ إطْلَاقِ أَصْحَابِنَا فِي الْأُصُولِ التَّكْلِيفَ وَفِي الْفُرُوعِ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، وَلَمْ يَزَلْ هَذَا الْإِشْكَالُ يَدُورُ فِي النَّفْسِ.
وَجَمَعَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا فِي الدُّنْيَا مَعَ كُفْرِهِمْ، فَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمْ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ