الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَبَاحِثُ الْكِتَابِ] [
تَعْرِيفُ الْقُرْآنِ]
الْكِتَابُ] الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: بَلْ مُتَغَايِرَانِ، وَرَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: عَنْ الْجِنِّ {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف: 30] فَدَلَّ عَلَى تَرَادُفِهِمَا، وَهُوَ أُمُّ الدَّلَائِلِ، وَفِيهِ الْبَيَانُ لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي " الرِّسَالَةِ ": وَلَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ نَازِلَةٌ فِي الدُّنْيَا إلَّا وَفِي كِتَابِ اللَّهِ الدَّلِيلُ عَلَى سَبِيلِ الْهُدَى فِيهَا، وَأَوْرَدَ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا ثَبَتَ ابْتِدَاءً بِالسُّنَّةِ، وَأَجَابَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ بِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ اتِّبَاعَ الرَّسُولِ، وَحَذَّرْنَا مِنْ مُخَالَفَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَنْ قَبِلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَنْ اللَّهِ قَبِلَ.
وَيُطْلَقُ الْقُرْآنُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ هَذَا الْمَتْلُوُّ، وَذَلِكَ مَحَلُّ نَظَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَأُخْرَى وَيُرَادُ بِهِ الْأَلْفَاظُ الْمُقَطَّعَةُ الْمَسْمُوعَةُ، وَهُوَ الْمَتْلُوُّ. وَهَذَا مَحَلُّ نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ وَسَائِرِ خَدَمَةِ الْأَلْفَاظِ كَالنُّحَاةِ وَالْبَيَانِيِّينَ وَالتَّصْرِيفِيَّيْنِ وَاللُّغَوِيِّينَ وَهُوَ مُرَادُنَا.
تَعْرِيفُ الْقُرْآنِ فَنَقُولُ: هُوَ الْكَلَامُ الْمُنَزَّلُ لِلْإِعْجَازِ بِآيَةٍ مِنْهُ الْمُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهِ فَخَرَجَ " بِالْمُنَزَّلِ " الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ، وَالْأَلْفَاظُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْبَلُ حَقِيقَةَ النُّزُولِ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ الْمَجَازُ الصُّورِيُّ. وَقَوْلُنَا:" لِلْإِعْجَازِ " خَرَجَ بِهِ الْمُنَزَّلُ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُوسَى وَعِيسَى عليهما السلام، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْإِعْجَازَ، وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ. وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ فِي " الرِّسَالَةِ ": بِأَنَّ السُّنَّةَ مُنَزَّلَةٌ كَالْكِتَابِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]{إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] . وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا: " الْمُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهِ " مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ.
وَقُلْنَا بِآيَةٍ مِنْهُ وَلَمْ نَقُلْ بِسُورَةٍ كَمَا ذَكَره الْأُصُولِيُّونَ، لِأَنَّ أَقَصَرَ السُّوَرِ ثَلَاثُ آيَاتٍ، وَالتَّحَدِّي قَدْ وَقَعَ بِأَقَلَّ مِنْهَا فِي قَوْله تَعَالَى:{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [الطور: 34] .
وَصَرَّحَ أَصْحَابُنَا فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ فِيمَا لَوْ أَصَدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ فَلَقَّنَهَا بَعْضَ آيَةٍ، ثُمَّ نَسِيَتْ لَا يُحْسَبُ لَهُ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قُرْآنًا، لِعَدَمِ الْإِعْجَازِ فِيهَا. كَذَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى الْجُنُبِ، لَكِنْ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْمَنْعِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ وَالْآيَتَانِ فَحَكَى فِي " الشَّامِلِ ": وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، لِأَنَّ الْإِعْجَازَ إنَّمَا يَقَعُ بِثَلَاثِ آيَاتٍ وَذَلِكَ قَدْرُ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ.
وَالثَّانِي: يَجُوزُ، لِأَنَّ الْآيَةَ تَامَّةٌ مِنْ جِنْسٍ لَهُ فِيهِ إعْجَازٌ، فَأَشْبَهَ الثَّلَاثَ. عَلَى أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْإِعْجَازَ مُمْكِنٌ بِالسُّورَةِ، فَإِنَّ الْبُلَغَاءَ مِنْ الْعَرَبِ قَدْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ، فِي " الْأَبْكَارِ ": الْتَزَمَ الْقَاضِي فِي أَحَدِ جَوَابَيْهِ الْإِعْجَازَ فِي سُورَةِ الْكَوْثَرِ وَأَمْثَالِهَا تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: 38] وَالْأَصَحُّ: مَا ارْتَضَاهُ فِي الْجَوَابِ الْآخَرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ التَّحَدِّيَ إنَّمَا وَقَعَ بِسُورَةٍ تَبْلُغُ فِي الطُّولِ مَبْلَغًا يَتَبَيَّنُ فِيهِ رُتَبُ ذَوِي الْبَلَاغَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَصْدُرُ مِنْ غَيْرِ الْبَلِيغِ أَوْ مِمَّنْ هُوَ أَدْنَى فِي الْبَلَاغَةِ مِنْ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ مَا يُمَاثِلُ بَعْضَ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ الصَّادِرِ عَمَّنْ هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ، وَرُبَّمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُ الْكَلَامِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ تَفَاوُتُ الْبُلَغَاءِ، بَلْ إنَّمَا ضَبَطَ بِالْمُتَعَارَفِ الْمَعْلُومِ بَيْنَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالْبَلَاغَةِ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: مَا ذَكَرْنَاهُ إنْ كَانَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: 38] غَيْرَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِالدَّلِيلِ وَاجِبٌ، فَإِنْ حُمِلَ التَّحَدِّي عَلَى مَا لَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ بَلَاغَةُ الْبُلَغَاءِ، وَلَا يَظْهَرُ بِهِ التَّعْجِيزُ يَكُونُ مُمْتَنِعًا. انْتَهَى.