الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُشْتَرَكَةِ هِيَ عِنْدَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ.
قُلْت: وَمِمَّنْ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ الْإِبْيَارِيُّ وَتَابَعَهُ الْقَرَافِيُّ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يُنْكِرُ وَضْعَهَا لِلْعُمُومِ وَلَا يُنْكِرُ اسْتِعْمَالَهَا وَكَلَامُنَا فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِصِيَغِ الْعُمُومِ، عَلَى أَنَّ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي " التَّقْرِيبِ " لِلْقَاضِي بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ صِحَّةَ إرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ الْمَعْنَيَانِ، أَيْ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا بِالظَّاهِرِ أَمْ بِدَلِيلٍ يَقْتَرِنُ بِهِمَا؟ قِيلَ: بَلْ بِدَلِيلٍ يَقْتَرِنُ بِهِمَا لِمَوْضِعِ احْتِمَالِهِمَا لِلْقَصْدِ تَارَةً إلَيْهِمَا وَتَارَةً إلَى أَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ سَبِيلُ كُلِّ مُحْتَمَلٍ مِنْ الْقَوْلِ، وَلَيْسَ بِمَوْضُوعٍ فِي الْأَصْلِ لِأَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ. اهـ.
وَزَادَ عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي " تَلْخِيصِ التَّقْرِيبِ " فَإِنَّا نَقُولُ: إذَا احْتَمَلَ إرَادَةَ الْمَعْنَيَيْنِ وَاحْتَمَلَ تَخْصِيصَ اللَّفْظِ بِأَحَدِهِمَا فَيَتَوَقَّفُ فِي مَعْنَى اللَّفْظِ عَلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ وَالتَّخْصِيصِ، وَكَيْفَ لَا نَقُولُ ذَلِكَ وَنَحْنُ عَلَى نُصْرَةِ نَفْيِ صِيغَةِ الْعُمُومِ؟ انْتَهَى. فَظَهَرَ أَنَّ الصَّوَابَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ وَهُوَ التَّوَقُّفُ.
[تَنْبِيه الْخِلَافَ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ]
التَّنْبِيهُ الثَّانِي
إنَّ الْخِلَافَ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكُلِّيِّ الْعَدَدِيِّ أَيْ فِي كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَهُ يَدُلُّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ بِالْمُطَابَقَةِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ بِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكُلِّيُّ الْمَجْمُوعَ أَيْ بِجَعْلِ مَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ مَدْلُولًا مُطَابِقًا كَدَلَالَةِ الْخَمْسَةِ عَلَى آحَادِهَا، وَلَا الْكُلِّيِّ الْبَدَلِيِّ أَيْ: بِجَعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مَدْلُولًا مُطَابِقًا عَلَى الْبَدَلِ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ " التَّحْصِيلِ ".
وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي " شَرْحِ الْبَزْدَوِيُّ ": إنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أُرِيدَ بِالْمُشْتَرَكِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ، وَأَمَّا إرَادَةُ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ جُزْءًا لِمَعْنًى بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يُصَيِّرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ.
وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ ": إنَّهُ رَآهُ فِي تَصْنِيفٍ آخَرَ لِصَاحِبِ " التَّحْصِيلِ " أَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّيِّ الْمَجْمُوعُ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالْعَامِّ.
التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ
جَعَلَ النَّقْشَوَانِيُّ فِي " التَّلْخِيصِ " مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ.
قَالَ: فَأَمَّا الْمُفْرَدُ الْمُنَكَّرُ إذَا لَمْ يُكَرَّرُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا سَوَاءٌ كَانَ مُثْبَتًا أَوْ مَنْفِيًّا، لِأَنَّ التَّنْكِيرَ يَقْتَضِي التَّوْحِيدَ، فَإِنْ تَكَرَّرَ بِقَوْلِهِ: اعْتَدِّي قُرْءًا وَقُرْءًا فَقَدْ جَوَّزَ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِمَا حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا مُعَرَّفًا " بِأَلْ " مُكَرَّرًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ وَكَانَتْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا بِخُصُوصٍ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْقَرِينَةُ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ، الشَّافِعِيُّ يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا فِي هَذَا الْوَقْتِ.
قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: وَجَعْلُهُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْعَمَلِ مَمْنُوعٌ بَلْ نَقُولُ: جَوَازُ الْخِطَابِ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ هَلْ يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا بِالْحَمْلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيَانِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَلَا يَجُوزُ وُرُودُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ.
التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ.
إذَا قُلْنَا بِالْحَمْلِ فَهَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ أَوْ الِاحْتِيَاطِ؟ فِيهِ طَرِيقَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: وَعَلَيْهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيَّ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ كَالْعَامِّ، وَأَنَّ نِسْبَةَ الْمُشْتَرَكِ إلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ كَنِسْبَةِ الْعَامِّ إلَى أَفْرَادِهِ، وَالْعَامُّ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْقَرَائِنِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْجَمِيعِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَكَذَا الْمُشْتَرَكُ، وَضَعَّفَهُ النَّقْشَوَانِيُّ، لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ اللَّفْظَ حِينَئِذٍ مُتَوَاطِئًا لَا مُشْتَرَكًا.
قَالَ: وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمْ يُرِيدُوا الْعُمُومَ، وَأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ جِهَةِ النَّاقِلِ عَنْهُمْ لَمَّا رَأَى فِي كُتُبِهِمْ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ ظَنَّ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْعَامِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَنَازَعَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوْهِيمِ الْأَئِمَّةِ.
قَالَ: وَمَا اسْتَبْعَدَ النَّقْلُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ كَالْعَامِّ فِي مَعْنَى اسْتِغْرَاقِهِ لِمَدْلُولَاتِهِ وَوُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ الْمُخْتَلِفَةِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ، فَهُوَ كَالْعَامِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لِأَنَّ الْأَفْرَادَ الدَّاخِلَةَ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ مِثْلُ الْأَفْرَادِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْعَامِّ حَتَّى يَلْزَمَ التَّوَاطُؤُ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: وَعَلَيْهَا الْإِمَامُ الرَّازِيَّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ.
وَتَقْدِيرُهَا أَنَّ لِلسَّامِعِ أَحْوَالًا ثَلَاثَةً: إمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ فَيَلْزَمُ التَّعْطِيلُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ وَقْتِ الْحَاجَةِ، أَوْ يُحْمَلَ أَحَدُهُمَا فَيَلْزَمُ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ، لَمْ يَبْقَ إلَّا
الْحَمْلُ عَلَى الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ أَحْوَطُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَدْلُولَاتِ اللَّفْظِ بِأَسْرِهَا، وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ غَيْرُ جَائِزٍ، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْعَمَلِ بِالْخِطَابِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَحَدُهُمَا عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَجْمُوعُ، وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ جَرَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ لِلْإِرَادَةِ حَمَلْنَاهُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، لَا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَضْعًا، بَلْ لِأَنَّ اللَّفْظَ دَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِالْجَمِيعِ.
قَالَ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ وُجُوبًا أَوْ كَرَاهَةً، وَلَوْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ الْقُرْءِ لِلطُّهْرِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ، وَلَا عَلَى تَعْيِينِهِ لِلْحَيْضِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ لَوَجَبَ أَنْ تَتَرَبَّصَ الْمَرْأَةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ تَعْلِيقُ الْوُجُوبِ بِالْقُرْءِ، وَإِنَّمَا الْمُبْهَمُ تَعَيُّنُ الْمُرَادِ مِنْهُمَا، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ وُجُوبِ التَّرَبُّصِ وَالْحَلِّ لِلْأَزْوَاجِ إلَّا بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَقُولُ: إنْ صَحَّ أَنَّ الشَّفَقَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا لِلْإِرَادَةِ وَجَبَ أَنْ لَا تَصِحَّ صَلَاةُ الْعِشَاءِ إلَّا بَعْدَ غَيْبُوبَةِ آخِرِهِمَا وَهُوَ الْبَيَاضُ، وَمَنْ رَجَّحَ الْحَمْلَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِهِ لِلْإِرَادَةِ بِخُصُوصِهِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ يُعْمَلُ عَلَى تَقْدِيرِ الِاشْتِرَاكِ بِالْأَمْرَيْنِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ تَعَيُّنِ الْمُرَادِ يُوجِبُ الْإِجْمَالَ، وَالْإِجْمَالُ يُوجِبُ التَّوَقُّفَ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا قُلْت
قُلْت: هَذَا صَحِيحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ تَعَلُّقُ الْمُبَيَّنِ مِنْ وَجْهٍ كَمَا لَوْ قَالَ: ائْتِنِي بِعَيْنٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُبَيَّنًا مِنْ وَجْهٍ كَالنَّهْيِ عَنْ الْقَزْعِ مَثَلًا، وَكَانَ الِامْتِثَالُ مُمْكِنًا فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ فِي التَّكْلِيفِ الْمُبَيَّنِ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ بِالْعَمَلِ فِي الْأَمْرَيْنِ، وَصَارَ هَذَا كَقَوْلِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَنَّهُ يُخْتَنُ فِي فَرْجَيْهِ مَعًا.
وَالْخِتَانُ إنَّمَا هُوَ فِي فَرْجٍ، فَأَحَدُ الْفَرْجَيْنِ خَتْنُهُ، وَالْآخَرُ خَتْنُهُ وَلَمَّا