المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٢

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[خِطَابُ الْوَضْعِ]

- ‌ السَّبَبِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لِلْأَسْبَابِ أَحْكَامٌ تُضَافُ إلَيْهَا]

- ‌[الْمَانِعُ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَانِعِ]

- ‌[مَسْأَلَة الصِّحَّة وَالْفَسَادِ]

- ‌[الصِّحَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَاهِيَّاتِ مِنْ عِبَادَةٍ وَعَقْدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصِّحَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثَوَابُ الصَّلَاةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْزَاءُ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالْفِعْلِ فِي سُقُوطِ الْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجَائِزُ مَا وَافَقَ الشَّرِيعَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُقَابِلُ الصِّحَّةَ الْبُطْلَانُ]

- ‌[التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الرُّخْصَةُ وَالْعَزِيمَةُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي مَدْلُولِهِمَا]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي الرُّخْصَة مِنْ أَيِّ الْخِطَابَيْنِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ أَقْسَامِ الرُّخْصَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِعَادَةُ]

- ‌[فَرْعٌ تَأْخِيرُ الْمَأْمُورِ بِهِ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعِبَادَةُ الَّتِي تَقَعُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَتَكُونُ أَدَاءً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْبَقَاءِ]

- ‌[التَّكْلِيفُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ حَسَنٌ فِي الْعُقُولِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ هَلْ يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالْأَصْلَحِ]

- ‌ الْمُكَلَّفِ

- ‌[فَرْعٌ تَكْلِيفُ مَنْ أَحُيِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ]

- ‌[فُرُوعٌ الِانْشِغَالُ عَنْ الصَّلَاةِ بِلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ]

- ‌[تَكْلِيف السَّكْرَان]

- ‌[التَّكْلِيفُ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَى قِسْمَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَنْتَفِي شَرْطُ وُقُوعِهِ عِنْدَ وَقْتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَعْدُومُ الَّذِي تَعَلَّقَ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ مَأْمُورٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُكَلَّفِ الْحُرِّيَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الذُّكُورِ فِي الْإِنَاثِ فِي الْخِطَابِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْجِنِّ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُكَلَّفُ بِهِ]

- ‌[جَوَازُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ]

- ‌[وُقُوعُ التَّكَلُّفِ بِالْمُحَالِ]

- ‌[التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ لَا يُشْتَرَطْ فِيهِ الْإِمْكَانُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خِطَابُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ اسْتِحَالَةُ مُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ بِإِنْشَاءِ فَرْعٍ عَلَى الصِّحَّةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الثَّانِي هَلْ يُخَاطَبُ الْكَافِرُ بِالْفُرُوعِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ تَكْلِيفُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ سُقُوط حَقّ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْكَافِر إذَا أَسْلَمَ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ السَّادِسُ حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ]

- ‌[التَّنْبِيه السَّابِعُ الْإِمْكَانَ الْمُشْتَرِطَ فِي التَّكْلِيفِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ نَاجِزًا]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْحَادِيَ عَشَرَ قُرَبُ الْكُفَّارِ]

- ‌[جُنُونُ الْكَافِرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ يَرْفَعُ عَنْهُ الْقَلَمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ هَلْ يَتَوَجَّهُ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ أَوْ قَبْلَهَا]

- ‌[تَقَدَّمَ الْأَمْرُ عَلَى وَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلتَّكْلِيفِ]

- ‌[مَبَاحِثُ الْكِتَابِ] [

- ‌تَعْرِيفُ الْقُرْآنِ]

- ‌[الْإِعْجَازُ فِي قِرَاءَةِ كَلَامِ اللَّهِ]

- ‌[إنْزَالُ الْقُرْآنِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ]

- ‌[الْأَلْفَاظُ غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وُرُودُ الْمُهْمَلِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا زَائِدَ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ]

- ‌[بَقَاءُ الْمُجْمَلِ فِي الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النَّصُّ وَالظَّاهِرُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَيْسَتْ الْقِرَاءَاتُ اخْتِيَارِيَّةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْبَسْمَلَةُ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ]

- ‌[مَبَاحِثُ اللُّغَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُفْرَدَاتُ مَوْضُوعَةٌ]

- ‌[الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ لَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ اللَّفْظِ الْمَشْهُورِ فِي مَعْنًى خَفِيٍّ جِدًّا]

- ‌[مَعْنَى التَّوْقِيفِ]

- ‌[الْأَسْمَاءُ الَّتِي عَلَّمَهَا اللَّهُ آدَمَ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الِاحْتِجَاجُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَغْيِيرُ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌[ثُبُوتُ الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْمُنَاسَبَةُ فِي الْوَضْعِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْأَلْفَاظِ تَقْسِيمُ الدَّلَالَةِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ]

- ‌[أَقْسَامُ اللَّازِمِ]

- ‌[الْمُلَازَمَةُ الذِّهْنِيَّةُ شَرْطٌ فِي الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَفْظِيَّةٌ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ قَدْ تَنْفَكُّ عَنْ التَّضَمُّنِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ]

- ‌[دَلَالَةُ الِاسْتِدْعَاءِ]

- ‌[انْقِسَامُ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ]

- ‌[الْكُلِّيُّ وَالْجُزْئِيُّ]

- ‌[الطَّبِيعِيُّ وَالْمَنْطِقِيُّ وَالْعَقْلِيُّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّيِّ وَالْكُلِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْكُلِّيِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرَضِيِّ اللَّازِمِ وَالذَّاتِيِّ]

- ‌[الْجُزْئِيُّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ عَلَمِ الْجِنْسِ وَعَلَمِ الشَّخْصِ وَاسْمِ الْجِنْس]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِسْبَةِ الْأَسْمَاءِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ]

- ‌[تَقْسِيمُ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي أَمْرَيْنِ يَتَعَيَّنُ الِاهْتِمَامُ بِهِمَا]

- ‌[مَبَاحِثُ الِاشْتِقَاقِ]

- ‌[حَدّ الِاشْتِقَاق]

- ‌[فَائِدَةُ الِاشْتِقَاق]

- ‌[تَقْسِيم الِاشْتِقَاق]

- ‌[أَرْكَان الِاشْتِقَاق]

- ‌[أَقْسَام الِاشْتِقَاق]

- ‌[مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ فِي اشْتِقَاقِ الْأَفْعَالِ مِنْ الْمَصَادِرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شَرْطُ صِدْقِ الْمُشْتَقِّ صِدْقُ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاشْتِقَاقُ مِنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالشَّيْءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ]

- ‌[مَبَاحِثُ التَّرَادُفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ تَرَادُفٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي سَبَبِ التَّرَادُفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّرَادُفُ خِلَافُ الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللُّغَاتُ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةَ سَوَاءٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَرَادُفُ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِتْبَاعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّأْكِيدُ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ]

- ‌[هَلْ التَّأْكِيدُ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ]

- ‌[مَسْأَلَةُ التَّأْكِيدُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ]

- ‌[أَقْسَامُ التَّأْكِيدِ]

- ‌[مَبَاحِثُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعِلْمُ بِكَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حَقِيقَةِ وُقُوعِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ خِلَافُ الْغَالِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ لَهُ مَفْهُومَانِ فَصَاعِدًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَجَرُّدُ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْقَرِينَةِ]

- ‌[اقْتِرَانُ الْقَرِينَةِ بِالْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حُكْمِ الْمُشْتَرَك بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ]

- ‌[تَنْبِيه الْخِلَافَ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ]

- ‌[اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَافُ الْمَعْنَيَيْنِ]

الفصل: ‌[استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه]

كَانَ وُجُوبُ الْخِتَانِ أَمْرًا مُبِينًا لَا إجْمَالَ فِيهِ وَالْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ مُمْكِنٌ بِالْخِتَانِ فِيهِمَا أَوْجَبُوهُ.

قُلْت: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى أَنَّهُ كَالْعَامِّ حَقِيقَةً، كَيْفَ وَأَفْرَادُهُ مَحْصُورَةٌ؟ وَقَدْ حَمَلُوهُ عَلَى مَفْهُومِيَّةِ حَالَةِ الْإِفْرَادِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ وَلَا إضَافَةٍ، بَلْ أَجْرَوْهُ فِي الْأَفْعَالِ حَيْثُ مَثَّلُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ} [الأحزاب: 56] وَقَوْلِهِ: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] وَمَعْلُومُ الْفِعْلِ لَا عُمُومَ لَهُ.

[التَّنْبِيهُ] الْخَامِسُ

أَنَّ الْقُرْءَ عَلَى الصَّحِيحِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً، طَلُقَتْ فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً، وَقَدْ يُقَالُ: لَا، طَلُقَتْ فِي الطُّهْرِ وَاحِدَةً، وَفِي الْحَيْضِ أُخْرَى حَمْلًا لِلْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ قَصْدَ الْمُطَلِّقِ بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ أَنْ لَا يَقَعَ فِي بِدْعَةٍ وَهُوَ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ فَلَا تُوقِعُهُ فِي بِدْعَةٍ أَشَدَّ مِنْهَا، وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الْحَيْضِ، وَلِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى مُقَيَّدِ الشَّرْعِ.

[اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ]

الْمَوْطِنُ الثَّانِي

فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مِثْلَ أَنْ يُطْلِقَ النِّكَاحَ، وَيُرِيدَ بِهِ الْعَقْدَ وَالْوَطْءَ جَمِيعًا، وَفِيهِ الْحَالَانِ السَّابِقَانِ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ وَالْحَمْلِ. أَمَّا الِاسْتِعْمَالُ فَفِيهِ مَذَاهِبُ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ " الرَّوْضَةِ " جَوَازُ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ،

ص: 399

وَكَأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَقِفْ عَلَى النَّقْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُسْتَبْعَدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ " التَّقْرِيبِ " وَغَلِطَ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ الْمَنْعَ وَإِنَّمَا مَنَعَ الْحَمْلَ لَا الِاسْتِعْمَالَ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ عَنْهُ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَجَرَى عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ، فَجَوَّزَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَحَمَلَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِمَا.

وَأَخْرَجَ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَصَّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي " الْأُمِّ " عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا عَقَدَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ السَّابِقَ مِنْهُمَا، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ مِنْ " الْمَطْلَبِ ".

وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ: إنَّهُ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُفَاوَضَةٍ لَهُ فِي آيَةِ اللَّمْسِ: هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْوِقَاعِ مَجَازًا.

قُلْت: وَكَذَلِكَ نَصُّهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْعُبُورِ فِي الْمَسْجِدِ لِقَوْلِهِ: {إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]، وَقَالَ: أَرَادَ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ، وَحَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى الصَّلَاةِ وَعَلَى مَوَاضِعِهَا، وَدَلَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَوْلُهُ:{حَتَّى تَعْلَمُوا} [النساء: 43]، وَعَلَى مَوَاضِعِهَا قَوْلُهُ: إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ " فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَأَمَّا نَصُّهُ فِي " الْبُوَيْطِيِّ " عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ عُتَقَاءُ وَلَهُمْ عُتَقَاءُ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِينَ مَعَ أَنَّهُمْ مَوَالِيهِ، وَالْآخَرُونَ مَجَازًا بِالسَّبَبِيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَيْسَ ذَلِكَ

ص: 400

لِأَجْلِ مَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، بَلْ لِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالْقَرِينَةُ هُنَا عَيَّنَتْ الْحَقِيقَةَ، أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ وَلَاءَ مَوَالِيهِمْ لَهُمْ دُونَهُ.

أَمَّا الثَّانِيَةُ: قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالتَّعْمِيمُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَقْرَبُ مِنْهُ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ " وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْوَجِيزِ "، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَالْكَرْخِيِّ، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَصْلٌ وَالْمَجَازَ مُسْتَعَارٌ، فَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمَا كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الثَّوْبِ عَلَى اللَّابِسِ مِلْكًا وَعَارِيَّةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.

وَنَقَضَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي الدَّارِ، فَدَخَلَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا حَنِثَ. قَالَ: تَنَاوَلَ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ. قَالَ: لَوْ قَالَ: الْيَوْمَ الَّذِي يَدْخُلُ فُلَانٌ الدَّارَ فَعَبْدُهُ حُرٌّ، فَدَخَلَ لَيْلًا وَنَهَارًا حَنِثَ.

وَقَالُوا فِي " السِّيَرِ الْكَبِيرِ ": لَوْ أَخَذَ الْأَمَانَ لِبَنِيهِ دَخَلَ بَنُوهُ وَبَنُو بَنِيهِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِنَا فِي الْأُولَى عَدَمُ الْحِنْثِ، لِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ عَلَى إرَادَةِ الْأَشْهَرِ فَخَالَفْنَا الْقَاعِدَةَ لِهَذَا، وَفِي الثَّانِيَةِ مُوَافَقَتُهُمْ، لِأَنَّهُ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ " التَّتِمَّةِ " لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ بِاللَّيْلِ. وَيَلْغُوا الْيَوْمُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ، وَإِنَّمَا سَمَّى الْوَقْتَ بِغَيْرِ اسْمِهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَلَمْ يُحَكِّمُوا بَقِيَّةَ الْمَذَاهِبِ السَّابِقَةِ فِي الْحَقِيقَتَيْنِ وَلَا يَبْعُدُ مَجِيئُهَا.

وَأَمَّا الْحَمْلُ فَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْجَوَازُ طَرْدًا لِأَصْلِهِ هُنَاكَ وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فَسَبَقَ عَنْهُ هُنَاكَ الْإِجْمَالُ، وَأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ إلَّا بِقَرِينَةٍ.

ص: 401

وَأَمَّا هَاهُنَا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْبُرْهَانِ ": وَقَدْ عَظُمَ نَكِيرُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ يَرَى الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَعًا، وَقَالَ فِي تَحْقِيقِ إنْكَارِهِ: اللَّفْظَةُ إنَّمَا تَكُونُ حَقِيقَةً إذَا انْطَبَقَتْ عَلَى مَا وُضِعَتْ لَهُ فِي أَصْلِ اللِّسَانِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَجَازًا إذَا تُجُوِّزَ بِهَا عَنْ مُقْتَضَى الْوَضْعِ، وَيَحِيلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُحَالَ الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ.

قُلْت: مِنْ هُنَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ حَقِيقَتُهُ وَمَجَازُهُ مَعًا كَمَا يَلْزَمُ مِنْهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَلَمْ يُرِدْ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي " التَّقْرِيبِ " بِجَوَازِ الْإِرَادَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي مَنَعَهُ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا.

قَالَ الْإِمَامُ: وَقَوْلُ الْقَاضِي هُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ يَرْجِعُ إلَى اشْتِقَاقِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي " شَرْحِ التَّلْقِينِ ": اسْتَدْرَكَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى الْقَاضِي هَذَا، وَقَالَ: إنَّمَا يُمْنَعُ فِي حَقِّ مَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ فِي خِطَابِهِ حَقِيقَةُ الْحَقِيقَةِ وَحَقِيقَةُ الْمَجَازِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَصْدُ إرْسَالَ اللَّفْظَةِ عَلَى جَمِيعِ مَا تُطْلَقُ عَلَيْهِ دُونَ الْقَصْدِ إلَى حَقَائِقَ أَوْ مَجَازٍ، فَإِنَّ هَذَا يَصِحُّ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهِ.

وَحَقَّقَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ مَذْهَبَ الْقَاضِي، فَقَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَ الْمُطْلِقُ لَفْظَ اللَّمْسِ، وَيُرِيدُ بِهِ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ، فَيَقُولُ: اللَّمْسُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُوَ يَعْنِيهِمَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِتَجْوِيزِهِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ.

قَالَ الْقَاضِي: وَفِي هَذَا أَصْلٌ يَدِقُّ عَلَى الْفَهْمِ، وَهُوَ أَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ لَوْ خَطَرَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ اللَّفْظَ حَقِيقَةً وَيَسْتَعْمِلَهُ مَجَازًا لَمْ يُتَصَوَّرْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تَقْتَضِي قَصْرَهَا، وَالتَّجَوُّزَ يَقْتَضِي تَعْدِيَتَهَا عَنْ أَصْلِ

ص: 402

وَضْعِهَا، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ بِاللَّفْظِ الْمُسَمَّيَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضِ الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً وَتَجَوُّزًا، فَهَذَا هُوَ الْجَائِزُ.

قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: يَعْنِي بِهَذَا أَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، حَتَّى يَكُونَ الْأَسَدُ فِي الْبَهِيمِيَّةِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا، وَأَيْضًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ هَذَا اللَّفْظُ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ تَعْدِيَةٍ فِي حَالِ مَا تُرِيدُ أَنْ تَسْتَعْمِلَهُ مَجَازًا مَعَ التَّعْدِيَةِ، فَإِنَّهُ مُتَنَاقِضٌ.

قَالَ: وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَنَّ لِلْقَاضِي خِلَافًا فِي الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ وَهْمٌ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَقَالَ: كُلُّ لَفَظَّةٍ تُنْبِئُ عَنْ مَعْنَيَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ، فَلَا تَجُوزُ إرَادَتُهُمَا بِاللَّفْظَةِ الْوَاحِدَةِ كَلَفْظِ " افْعَلْ " عِنْدَ مُنْكِرِي الصِّيغَةِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالنَّهْيِ، فَلَا يَصِحُّ إرَادَةُ هَذِهِ الْمَعَانِي بِاللَّفْظَةِ الْوَاحِدَةِ لِتَنَاقُضِهَا.

قُلْت: هَذَا إنَّمَا قَالَهُ الْقَاضِي شَرْطًا لِلْجِوَارِ، وَهُوَ أَنَّهُ حَيْثُ يَصِحُّ الْجَمْعُ كَمَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَتَيْنِ لَا مَنْعَ الْإِرَادَةِ مُطْلَقًا.

وَقَالَ فِي " التَّقْرِيبِ " وَلَخَّصَهُ الْإِمَامُ فِي " التَّلْخِيصِ ": اعْلَمْ أَنَّ إرَادَةَ الْجَمْعِ إنَّمَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَخْطِرُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَلَكِنْ يَقْتَصِرُ عَلَى إرَادَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِوَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً وَتَجَوُّزًا، وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ صَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ خَاصَّةً، لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَرَابِعٌ حَكَاهُ الْقَاضِي أَيْضًا أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ فِيهِ حَتَّى يَبِينَ الْمُرَادُ.

ص: 403

تَنْبِيهَاتٌ

[التَّنْبِيهُ] الْأَوَّلُ

إذَا قُلْنَا بِالْحَمْلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ قِيَامِ قَرِينَةِ الْمَجَازِ لَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ، إذْ قَالَ: وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إذَا تَسَاوَيَا فِي الِاسْتِعْمَالِ، لَكِنْ إذَا عَرِيَ عَنْ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَجَازِ إلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ، وَقِيَامُ الدَّلَالَةِ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ لَا يَنْفِي عَنْ اللَّفْظِ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ، هَذَا لَفْظُهُ وَهُوَ الْحَقُّ.

قَالَ: وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي اللَّفْظِ الَّذِي اشْتَرَكَ فِي عُرْفِ اسْتِعْمَالِهِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا.

وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ الْأَزْدِيُّ صَاحِبُ الْقَاضِي: إذَا كَانَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا حَقِيقَةً لِشَيْءٍ وَمَجَازًا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ وَرَدَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مُطْلَقًا، وَبِالْقَرِينَةِ عَلَى الْمَجَازِ، أَمْ تَتَوَقَّفُ الدَّلَالَةُ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِدَلِيلٍ؟ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يُصْرَفُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِدَلِيلٍ. اهـ.

قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَاللَّفْظُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ.

وَزَعَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ اللَّفْظَ حِينَئِذٍ مَجَازٌ قَطْعًا، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كِتَابِ " الْمَجَازِ " عَنْ بَعْضِهِمْ.

وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا ظَهَرَ قَصْدُ

ص: 404

الْمَجَازِ بِقَرِينَةٍ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ الْحَقِيقَةِ، أَوْ قَصْدُهُمَا مَعًا، أَمَّا إذَا قَصَدَ الْحَقِيقَةَ فَقَطْ فَالْحَمْلُ عَلَيْهَا فَقَطْ بِلَا نِزَاعٍ، أَوْ الْمَجَازَ فَقَطْ اخْتَصَّ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ قَصْدٌ، فَلَا مَدْخَلَ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ، فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَجَازِهِ بِقَرِينَةٍ، وَلِهَذَا قَالُوا فِيمَا إذَا قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَنَظَائِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ أَوْصَى لِإِخْوَةِ فُلَانٍ وَكَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا إخْوَةً وَأَخَوَاتٍ.

قَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ مِنْ " النِّهَايَةِ ": مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْوَصِيَّةِ الْإِخْوَةُ دُونَ الْأَخَوَاتِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لِلْجَمِيعِ وَكَذَا كَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ السَّابِقُ، وَقَدْ أَفَادَ حَالَةً أُخْرَى، وَهِيَ مَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الِاسْتِعْمَالِ بِأَنْ يَكْثُرَ الْمَجَازُ كَثْرَةً تُوَازِي الْحَقِيقَةَ فَيَتَسَاوَيَانِ فِيهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَيَحْصُلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ الْحَقِيقَةِ.

ثَانِيهَا: أَنْ تَدُلَّ عَلَى إرَادَتِهِمَا جَمِيعًا.

ثَالِثُهَا: أَنْ لَا تَكُونَ قَرِينَةٌ، وَلَكِنْ لِلْمَجَازِ شُهْرَةٌ وَازَى بِهَا الْحَقِيقَةَ، وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا: الْحَمْلُ عَلَيْهَا

رَابِعُهَا: حَالَةُ الْإِطْلَاقِ مَعَ عَدَمِ شُهْرَةِ الْمَجَازِ فَلَا يُحْمَلُ فِيهِمَا عَلَى الْمَجَازِ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّ الْخِلَافَ مَدْفُوعٌ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَإِذَا ضَمَمْت الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى الْمُشْتَرَكِ خَرَجَ مِنْهُ مَذَاهِبُ:

ثَالِثُهَا: التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْحَقِيقَتَيْنِ فَيَجُوزُ، وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَيَمْتَنِعُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَتُفَارِقُ هَذِهِ الْحَالَةُ مَا قَبْلَهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الْمُشْتَرَكَ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ، وَالْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا إلَّا إذَا سَاوَى الْمَجَازُ الْحَقِيقَةَ لِشُهْرَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ.

وَرَابِعُهَا: عَكْسُهُ وَهُوَ الْمَنْعُ فِي الْحَقِيقَتَيْنِ قَطْعًا، وَتُرَدَّدُ فِي الْحَقِيقَةِ

ص: 405

وَالْمَجَازِ، وَإِلَيْهِ صَارَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى "، فَإِنَّهُ قَطَعَ بِالْجَمْعِ فِي الْحَقِيقَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ: هُوَ عِنْدَنَا كَالْمُشْتَرَكِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْمِيمُ مِنْهُ أَقْرَبَ قَلِيلًا.

التَّنْبِيهُ الثَّانِي

احْتَجَّ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي " شَرْحِ الْإِلْمَامِ " لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» . مِنْ جِهَةِ أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَوَجَّهَتْ إلَى صَبِّ الذَّنُوبِ، وَالْقَدْرُ الَّذِي يَغْمُرُ النَّجَاسَةَ وَاجِبٌ فِي إزَالَتِهَا، فَتَنَاوُلُ الصِّيغَةِ لَهَا اسْتِعْمَالٌ لِلَّفْظِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ الْوُجُوبُ، وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، فَتَنَاوُلُ الصِّيغَةِ لَهُ اسْتِعْمَالٌ فِي النَّدْبِ، وَهُوَ مَجَازٌ فِيهِ، فَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ صِيغَةُ الْأَمْرِ فِي حَقِيقَتِهَا وَمَجَازِهَا.

وَذَكَرَ الْإِبْيَارِيُّ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُعَلَّقَ الْأَمْرُ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ، وَالْآخَرُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ؟ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَإِنَّ {أَتِمُّوا} [البقرة: 187] يَقْتَضِي وُجُوبَ إتْمَامِ الْحَجِّ، وَاسْتِحْبَابَ إتْمَامِ الْعُمْرَةِ إنْ قُلْنَا بِعَدَمِ وُجُوبِهَا.

التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ

احْتَجُّوا عَلَى الْحَقِيقَتَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ} [الأحزاب: 56] فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ، وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِعْلَ مُتَعَدِّدٌ لِتَعَدُّدِ الضَّمَائِرِ، فَكَأَنَّهُ كَرَّرَ لَفْظَ يُصَلِّي، فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ مِنْ مَوْضِعِ النِّزَاعِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّعَدُّدَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى لَا بِحَسَبِ اللَّفْظِ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْهِ، لِأَنَّ سِيَاقَهَا

ص: 406

إنَّمَا هُوَ لِإِيجَابِ اقْتِدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا بُدَّ، مِنْ اتِّحَادِ مَعْنَى الصَّلَاةِ فِي الْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ: إنَّ اللَّهَ يَرْحَمُ النَّبِيَّ وَالْمَلَائِكَةُ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو اُدْعُوا لَهُ لَكَانَ رَكِيكًا، فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ مَعْنَى الصَّلَاةِ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا. أَمَّا حَقِيقَةً، فَالدُّعَاءُ إيصَالُ الْخَيْرِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم[وَ] مِنْ لَوَازِمِهِ الرَّحْمَةُ، لَيْسَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا مَجَازًا فَكَإِرَادَةِ الْخَيْرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَلِيقُ بِالْمَقَامِ، ثُمَّ إنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ الْمَعْنَيَانِ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْمَوْصُوفِ يَضُرُّ، وَلَيْسَ مِنْ الِاشْتِرَاكِ بِحَسَبِ الْمَوْضِعَ، وَكَذَلِكَ الِاحْتِجَاجُ بِآيَةِ السُّجُودِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسُّجُودِ الِانْقِيَادَ فِي الْجَمِيعِ، أَوْ وَضْعَ الْجَبْهَةِ، وَلَا يَسْتَحِيلُ فِي الْحَادِثِ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ حَاصِلَةٌ لِهَذَا.

الْمَوْطِنُ الثَّالِثُ: فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَجَازَيْهِ إذَا خَرَجَتْ الْحَقِيقَةُ عَنْ الْإِرَادَةِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي، وَتُرِيدُ بِهِ السَّوْمَ وَشِرَاءَ الْوَكِيلِ، وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ. صَرَّحَ بِهِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ "، وَالْهِنْدِيُّ وَالْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ "، وَشُرِطَ لِلْجَوَازِ أَنْ لَا تَكُونَ تِلْكَ الْمَجَازَاتُ مُتَنَافِيَةً كَالتَّهْدِيدِ وَالْإِبَاحَةِ إذَا قُلْنَا: إنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ حَقِيقَةٌ فِي الْإِيجَابِ مَجَازٌ فِي الْإِبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِلْحَمْلِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ، وَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ إذَا تَسَاوَى الْمَجَازَانِ وَيَكُونُ، مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ.

وَيَجِبُ هُنَا طَرْدُ قَوْلِ الْإِجْمَالِ فِي الْحَقِيقَتَيْنِ بَلْ أَوْلَى، وَبِهِ صَرَّحَ فِي " الْمَحْصُولِ " فِي تَفَارِيعِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ: وَتَصِيرُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مُجْمَلَةً بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجَازَاتِ ضَرُورَةً، وَلَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَى جَمِيعِهَا بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى مَجْمُوعِ مَعَانِيهِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَقِيقِيَّةً أَوْ مَجَازِيَّةً، وَبِهِ صَرَّحَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي بَابِ الْمُجْمَلِ مَعَ أَنَّهُمَا هُنَا رَجَّحَا خِلَافَهُ فِي الْحَقِيقَتَيْنِ،

ص: 407

وَالْإِمَامُ مَشَى عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ حَيْثُ مَنَعَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي أَوَاخِرِ " الْعُدَّةِ " وَبَعْضُ شُرَّاحِ " اللُّمَعِ ": إذَا كَانَ الِاسْمُ لَهُ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ وَوَرَدَ الْخِطَابُ بِهِ، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ الْحَقِيقَةُ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَجَازٌ وَاحِدٌ حُمِلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ مَحْصُورًا كَلَفْظِ الْأَمْرِ انْبَنَى عَلَى الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ حَمْلُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ فَهَذَا أَوْلَى، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اللَّفْظُ مُجْمَلًا وَإِنْ قُلْنَا: يَجُوزُ ثُمَّ نَظَرْت، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمَعَانِي تَضَادٌّ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ: حُمِلَ عَلَى أَحَدِهِمَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ.

قَالَ الشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُحْمَلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِدَلِيلٍ، إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ عَلَى الْجَمِيعِ؟ وَجْهَانِ. وَإِنْ كَانَ مَجَازُهُ غَيْرَ مَحْصُورٍ كَلَفْظِ الدَّابَّةِ فَإِنْ دَلَّ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ دَلِيلٌ صِرْنَا إلَيْهِ، وَإِلَّا انْبَنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا.

مَسْأَلَةٌ

مُفَرَّعَةٌ عَلَى امْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.

الْخِطَابُ الَّذِي لَهُ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ، وَمُوجِبُ الْمَجَازِ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، هَلْ يَقْتَضِي إسْنَادُهُ إلَى ذَلِكَ الْمَجَازِ، حَتَّى يَكُونَ مُرَادًا مِنْ ذَلِكَ الْخِطَابِ، وَيَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَحْتَمِلَ ذَلِكَ الْخِطَابُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَأَنْ لَا يَلْزَمَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّا نُفَرِّعُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَمْ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ؟

ص: 408

فَاخْتَارَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ وَالرَّازِيَّ فِي " الْمَحْصُولِ " أَنَّ مُوجِبَ الْمَجَازِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِالْخِطَابِ، وَاخْتَارَ الْبَصْرِيُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ يَدُلُّ، وَنُسِبَ إلَى الْكَرْخِيِّ، مِثَالٌ: لَفْظُ الْمُلَامَسَةِ حَقِيقَةٌ فِي الْجَسِّ بِالْيَدِ، وَهُوَ مَجَازٌ فِي الْوِقَاعِ، فَقَدْ ثَبَتَ مُوجِبُ الْمَجَازِ فِي قَوْله تَعَالَى:{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، وَثُبُوتُ مَعْنًى هَاهُنَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِالْخِطَابِ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً بِالْخِطَابِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَصَارَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ ثُبُوتَ مُوجِبِ الْمَجَازِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ يَمْنَعُ إجْرَاءَ الْخِطَابِ عَلَى حَقِيقَتِهِ عَلَى رَأْيٍ، وَلَا يُمْنَعُ عَلَى الْآخَرِ.

وَأَوْضَحَهُمَا الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي " الْعُمْدَةِ " فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالدَّلِيلِ، فَإِنْ كَانَ لَفْظُ النَّصِّ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَطَعْنَا بِأَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ إنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ دَلِيلٌ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ النَّصِّ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ لَمْ يَجِبْ أَنْ نَقْطَعَ بِذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ، فَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قُضِيَ بِهِ، وَإِلَّا حُكِمَ بِثُبُوتِهِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ. مِثَالُهُ: أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ إقَامَتُهَا، وَكَانَ قَوْله تَعَالَى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] يَتَنَاوَلُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ قُطِعَ بِأَنَّهَا مُرَادَةٌ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ فِي التَّشَهُّدِ كَانَ قَوْلُنَا:(صَلَاةٌ) يَتَنَاوَلُهَا عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادًا بِقَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] وَإِلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ سِوَى ذَلِكَ، ثَابِتُ وُجُوبِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا إبْطَالُ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ: إنَّ اللَّمْسَ هُوَ بِالْيَدِ بِأَنْ يُقَالَ: قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْجِمَاعَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ النَّقْضُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهَا وَإِذَا صَارَ مُرَادًا بِهَا بَطَلَ، أَوْ يُرَادُ بِهَا اللَّمْسُ بِالْيَدِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ كَوْنَ الْجِمَاعِ مُرَادًا لَا يَمْنَعُ كَوْنَ اللَّمْسِ مُرَادًا.

ص: 409