الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَبَاحِثُ الِاشْتِقَاقِ]
ِ هُوَ افْتِعَالٌ مِنْ الشَّقِّ بِمَعْنَى الِاقْتِطَاعِ مِنْ انْشَقَّتْ الْعَصَا إذَا تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهَا، فَإِنَّ مَعْنَى الْمَادَّةِ الْوَاحِدَةِ تَتَوَزَّعُ عَلَى أَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ مُتَقَطِّعَةٍ مِنْهَا، أَوْ مِنْ شَقَقْت الثَّوْبَ وَالْخَشَبَةَ، فَيَكُونُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا مُنَاسِبًا لِصَاحِبِهِ فِي الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، وَهُوَ يَقَعُ بِاعْتِبَارِ حَالَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَرَى لَفْظَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْمَعْنَى، وَتُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهُمَا أَصْلٌ أَوْ فَرْعٌ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ تَرَى لَفْظًا قَضَتْ الْقَوَاعِدُ بِأَنَّ مِثْلَهُ أَصْلٌ، وَتُرِيدُ أَنْ تَبْنِيَ مِنْهُ لَفْظًا آخَرَ، وَالْأُولَى تَقَعُ بِاعْتِبَارٍ عَامٍّ غَالِبًا، وَالثَّانِيَةُ بِاعْتِبَارٍ خَاصٍّ، إمَّا بِحَسَبِ الْإِحَالَةِ عَلَى الْأُولَى أَوْ بِحَسَبِ مَا يَخُصُّهَا، فَمِنْ الْأُولَى الْكَلَامُ فِي الْمَصْدَرِ وَالْفِعْلُ أَيُّهُمَا أَصْلٌ وَالْآخَرُ فَرْعٌ؟ وَمِنْ الثَّانِيَةِ الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ بِنَاءِ اسْمِ فَاعِلٍ مِنْ لَهُ الطَّلَاقُ مَثَلًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَسْمَاءَ الْمُشْتَقَّةَ تُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ بِذَاتِ الشَّيْءِ وَصِفَتِهِ، وَأَنْشَدَ ابْنُ السَّمْنَانِيِّ فِي ذَلِكَ لِلْحَسَنِ بْنِ هَانِئٍ:
وَإِنْ اسْمُ حُسْنَى لِوَجْهِهَا صِفَةٌ
…
وَلَا أَرَى ذَا لِغَيْرِهَا اجْتَمَعَا
فَهِيَ إذَا سُمِّيَتْ فَقَدْ وُصِفَتْ
…
فَيَجْمَعُ اللَّفْظُ مَعْنَيَيْنِ مَعَا
وَقَالَ الْأَئِمَّةُ: الِاشْتِقَاقُ مِنْ أَشْرَفِ عُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَدَقِّهَا وَعَلَيْهِ مَدَارُ عِلْمِ
التَّصْرِيفِ فِي مَعْرِفَةِ الْأَصْلِيِّ وَالزَّائِدِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ لِبِنْيَةٍ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا فِي الِاشْتِقَاقِ، وَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ فِي النَّحْوِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاطِنَ:
الْأَوَّلُ: فِي ثُبُوتِهِ. وَحَكَى ابْنُ الْخَشَّابِ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: جَوَازُهُ مُطْلَقًا فَيَشْتَقُّ مَا يُمْكِنُ اشْتِقَاقُهُ وَمَا يَبْعُدُ أَوْ يَسْتَحِيلُ. قَالَهُ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ. قُلْت: وَكَذَلِكَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ صَنَّفَ كِتَابًا، وَذَكَرَ فِيهِ اشْتِقَاقَ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ.
وَالثَّانِي: مَنَعَهُ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مُشْتَقٌّ مِنْ آخَرَ، بَلْ الْجَمِيعُ مَوْضُوعٌ بِلَفْظٍ جَدِيدٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفِ بِنَفْطَوَيْهِ.
قَالَ: وَكَانَ ظَاهِرِيًّا فِي ذَا، وَفِي مَذْهَبِهِ، وَكَانَ مِنْ أَجِلَّةِ أَصْحَابِ دَاوُد، وَوَافَقَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مِقْسَمٍ الْمُقْرِي وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ طَرَفَانِ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ، وَعَلَيْهِ الْحُذَّاقُ مِنْ أَهْلِ عِلْمِ اللِّسَانِ كَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَالْأَصْمَعِيِّ.