الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ التَّرْتِيبَ فِي الْحُرُوفِ أَيْ أَنْ تَبْقَى حُرُوفُ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْأَصْلِ، وَتَرْجِعَ تَفَارِيعُ الْمَادَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنْهُ إلَى مَعْنًى مُشْتَرَكٍ فِي الْجُمْلَةِ، كَضَرَبَ مِنْ الضَّرْبِ، وَكَمَا دَلَّ قَوْلُنَا إلَى آخَرَ عَلَى تَغَايُرِ اللَّفْظَيْنِ كَذَلِكَ قَوْلُنَا: لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْمَعْنَيَيْنِ، إذْ الشَّيْءُ لَا يُنَاسِبُ نَفْسَهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُرَدُّ الْمَعْدُولُ لِأَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْمَعْدُولِ وَالْمَعْدُولِ عَنْهُ فِي الْمَعْنَى.
[فَائِدَةُ الِاشْتِقَاق]
الثَّالِثُ فِي فَائِدَتِهِ وَسَبَقَ صَدْرَ الْبَحْثِ، وَقَالَ ابْنُ الْحُوبِيِّ: فَائِدَتُهُ تَسْهِيلُ السَّبِيلِ عَلَى الْوَاضِعِ وَالْمُتَعَلِّمِ جَمِيعًا، فَإِنَّ الْمَعْنَى الْوَاحِدَ فِي الْحَقِيقَةِ يَخْتَلِفُ بِالْعَوَارِضِ، فَإِنْ وُضِعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ اسْمٌ عَلَى حِدَةٍ مِنْ حُرُوفٍ مُتَبَايِنَةٍ احْتَاجَ الْوَاضِعُ إلَى صِيَغٍ كَثِيرَةٍ، وَالْمُتَعَلِّمُ إلَى حِفْظِ أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ، فَإِذَا قَالَ الْوَاضِعُ: مَا عَلَى وَزْنِ الْفَاعِلِ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ هُوَ لِفَاعِلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى وَضْعِ الضَّارِبِ وَالْقَاتِلِ وَالشَّاتِمِ، وَالْمُتَعَلِّمُ إذَا عَلِمَ " ضَرَبَ " عَلِمَ " الضَّارِبَ " وَ " الْمَضْرُوبَ " وَالتَّثْنِيَةَ وَالْجَمْعَ وَالتَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ وَالْغَيْبَةَ وَالْحُضُورَ، وَهَذَا هُوَ عُمْدَةُ الْعَرَبِيَّةِ.
[تَقْسِيم الِاشْتِقَاق]
الرَّابِعُ: فِي تَقْسِيمِهِ: وَهُوَ أَصْغَرُ وَأَكْبَرُ وَأَوْسَطُ، فَالْأَصْغَرُ: مَا كَانَتْ الْحُرُوفُ الْأَصْلِيَّةُ فِيهِ مُسْتَوِيَةً فِي التَّرْكِيبِ، نَحْوَ ضَرَبَ يَضْرِبُ فَهُوَ ضَارِبٌ وَمَضْرُوبٌ.
وَالْأَكْبَرُ مَا كَانَتْ الْحُرُوفُ فِيهِ غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ كَالتَّرَاكِيبِ السِّتَّةِ فِي كُلٍّ مِنْ جِهَةِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْقُوَّةِ، فَتُرَدُّ مَادَّةُ اللَّفْظَيْنِ فَصَاعِدًا إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَنَحْوُ
مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ جِنِّي مِنْ عَقْدِ التَّغَالِيبِ السِّتَّةِ فِي الْقَوْلِ عَلَى مَعْنَى السُّرْعَةِ وَالْخِفَّةِ نَحْوَ الْقَوْلِ وَالْقَلْوِ وَالْوَلْقِ وَالْوَقْلِ وَاللَّوْقِ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ عَلَى الشِّدَّةِ كَالْمُلْكِ وَالْكَمَلِ وَاللَّكْمِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ: وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ أَحَدٌ مِنْ النَّحْوِيِّينَ إلَّا أَبَا الْفَتْحِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَتَأَنَّسُ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ.
قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الِاشْتِقَاقَ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ لِعَدَمِ اطِّرَادِهِ. قُلْت: قَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ فَارِسٍ، وَبَنَى عَلَيْهِ كِتَابَهُ الْمَقَايِيسَ فِي اللُّغَةِ، فَيَرُدُّ تَرَاكِيبَ الْمَادَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ يَكُونُ ظَاهِرًا فِي بَعْضِهَا خَفِيًّا فِي الْبَعْضِ، فَيَحْتَاجُ فِي رَدِّهِ إلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى إلَى تَلَطُّفٍ وَاتِّسَاعٍ فِي اللُّغَةِ، وَمَعْرِفَةِ الْمُنَاسَبَاتِ. مِثَالُهُ: مِنْ مَادَّةِ " ص ر ب " تَصْبِرُ وَتَرَبَّصَ وَتَبَصَّرَ، وَالتَّرَاكِيبُ الثَّلَاثَةُ رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنَى التَّأَنِّي نَحْوَ: تَصَبَّرَ عَلَى فُلَانٍ إنَّهُ مُعْسِرٌ ثُمَّ طَالَبَهُ وَ [قَوْلُ الشَّاعِرِ] :
تَرَبَّصْ بِهَا رَيْبَ الْمَنُونِ لَعَلَّهَا
…
تَطْلُقُ يَوْمًا أَوْ يَمُوتُ حَلِيلُهَا
وَمِنْ مَادَّةِ " ع ب ر " عَبَّرَ وَرَبَّعَ وَبَعَرَ وَبَرَعَ وَرَعَبَ، وَهَذِهِ الْمَادَّةُ تَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الِانْتِقَالِ وَالْمُجَاوَزَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ " ح س د " حَسَدَ، دَحَسَ وَحَدَسَ تَرْجِعُ إلَى مَعْنَى التَّضْيِيقِ، وَالْحَدْسُ جَوْدَةُ الْفِرَاسَةِ وَإِصَابَتُهَا، لِأَنَّ الْحَادِسَ يُضَيِّقُ مَجَالَ الْحُكْمِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ لَهُ مَحْكُومٌ وَاحِدٌ.
وَأَمَّا الْأَوْسَطُ: فَهُوَ أَنْ تَتَّفِقَ أَكْثَرُ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ كَفَلَقَ وَفَلَحَ وَفَلَدَ يَدُلُّ عَلَى الشَّقِّ، وَوَقَعَ هَذَا فِي كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي مَوَاضِعَ.