الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِلْبَحْثِ فِيهِ مَحَالٌّ، فَقَدْ نَازَعَ بَعْضُهُمْ الْإِمَامَ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ، وَقَالَ: اللَّفْظُ إذَا أُطْلِقَ عَلَى الْجُمْلَةِ فَإِنَّ التَّضَمُّنَ لِلْجُزْءِ ثَابِتٌ عِنْدَ مُرَادِ الْمُطْلَقِ الْمَعْنَى الْمُرَكَّبَ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَغَيْرَهُ، فَإِنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ هُوَ جُمْلَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَجْزَاءٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا إنَّمَا فُهِمَ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُسْتَعْمِلِ أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ اللَّفْظَ أَيْضًا عَلَى الْجُزْءِ، وَلَكِنْ عِنْدَ دَلَالَتِهِ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ عَلَى ذَلِكَ الْجُزْءِ لَا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، بَلْ مُسْتَقِلًّا، وَنَحْنُ لَا نُرِيدُ بِدَلَالَةِ التَّضَمُّنِ إلَّا أَنْ يُفْهَمَ الْجُزْءُ تَضَمُّنًا، وَيَكُونُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلَا تَكُونُ الدَّلَالَةُ لَفْظِيَّةً لَكِنْ تَبَعِيَّةً، فَإِذَا اسْتَقَلَّتْ خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا تَضَمُّنًا، وَلَمْ يَبْقَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَحِينَئِذٍ فَالْقَيْدُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ.
[أَقْسَامُ اللَّازِمِ]
[التَّنْبِيهُ الثَّانِي][أَقْسَامُ اللَّازِمِ]
إنَّ اللَّازِمَ عَلَى قِسْمَيْنِ: لَازِمٌ فِي الذِّهْنِ بِمَعْنَى أَنَّ الذِّهْنَ يُنْتَقَلُ إلَيْهِ عِنْدَ فَهْمِ الْمَعْنَى، وَيَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِ الشَّيْءِ تَصَوُّرُهُ، كَالْفَرْدِيَّةِ لِلثَّلَاثَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ لِلْأَرْبَعَةِ سَوَاءٌ كَانَ لَازِمًا فِي الْخَارِجِ أَيْضًا، كَالسَّرِيرِ فِي الِارْتِفَاعِ مِنْ الْأَرْضِ، إذْ السَّرِيرُ كُلَّمَا وُجِدَ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ مُرْتَفِعٌ، وَمَهْمَا تُصَوِّرَ فِي الذِّهْنِ فَهُوَ مُرْتَفِعٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ كَالسَّوَادِ إذَا أُخِذَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ ضِدًّا لِلْبَيَاضِ، فَإِنَّ تَصَوُّرَهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ يَلْزَمُهُ تَصَوُّرُ الْبَيَاضِ، فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ فِي الذِّهْنِ مُتَنَافِيَانِ فِي الْخَارِجِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي اللَّازِمِ الْخَارِجِيِّ فَقَطْ كَالسَّرِيرِ مَعَ الْإِمْكَانِ، فَإِنَّهُ مَهْمَا وُجِدَ السَّرِيرُ فِي الْخَارِجِ فَهُوَ مُمْكِنٌ ضَرُورَةً، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ السَّرِيرُ وَيُذْهَلُ عَنْ إمْكَانِهِ، فَافْهَمْ هَذَا التَّقْرِيرَ فَإِنَّهُ الصَّوَابُ، وَفِي عِبَارَاتِهِمْ إيهَامٌ، وَاللَّازِمُ الثَّانِي فِي الْوُجُودِ وَهُوَ كَوْنُ الْمُسَمَّى بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِهِ فِي الْخَارِجِ حُصُولُ الْخَارِجِيِّ فِيهِ.
إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ اللُّزُومُ الذِّهْنِيُّ، سَوَاءٌ كَانَ فِي ذِهْنِ كُلِّ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمُتَقَابِلَيْنِ، أَوْ عِنْدَ الْعَالِمِ بِالْوَضْعِ، وَزَادَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ:" ظَاهِرًا " لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إطْلَاقُ اسْمِ الْيَدِ عَلَى الْقُدْرَةِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الْيَدَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْقُدْرَةَ قَطْعًا، لِأَنَّ الْيَدَ تَكُونُ شَلَّاءَ بَلْ ظَاهِرًا، وَمِثْلُهُ قَوْلُ السَّكَّاكِيِّ فِي الْمِفْتَاحِ ": الْمُرَادُ بِاللُّزُومِ الذِّهْنِيِّ الْبَيِّنُ الْقَرِينَةِ بِحَيْثُ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْ فَهْمِهِ إلَى فَهْمِهِ، كَالشَّجَاعَةِ لِلْأَسَدِ، فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ ظَاهِرَةٌ يَصِحُّ إطْلَاقُ الْأَسَدِ لِإِرَادَتِهَا بِخِلَافِ الْبَخَرِ، وَإِنْ كَانَ لَازِمًا لِلْأَسَدِ لَا أَنَّهُ أَخْفَى، فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْأَسَدِ لِإِرَادَتِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي اللَّازِمِ الْخَارِجِيِّ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ إلَى اعْتِبَارِهِ، فَيَسْتَدِلُّونَ بِاللَّفْظِ عَلَى كُلِّ مَا يَلْزَمُ الْمُسَمَّى ذِهْنِيًّا أَوْ خَارِجِيًّا، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَذَهَبَ الْمَنْطِقِيُّونَ وَوَافَقَهُمْ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَالْبَيْضَاوِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الْفَهْمِ بِدُونِهِ كَمَا فِي الضِّدَّيْنِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ فَهْمٌ فَلَا دَلَالَةَ، وَيَرِدُ عَلَيْهِمْ أَنْوَاعُ الْمَجَازَاتِ.
وَالْحَقُّ: الْتِفَاتُ هَذَا الْخِلَافِ عَلَى أَصْلٍ سَبَقَ فِي تَفْسِيرِ الدَّلَالَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنَّهُ مَهْمَا سُمِعَ اللَّفْظُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فُهِمَ الْمَعْنَى أَمْ لَا، بَلْ يَكْفِي الْفَهْمُ فِي الْجُمْلَةِ؟ وَبِهِ يَظْهَرُ رُجْحَانُ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ، بَلْ قَدْ تَوَسَّعَ الْبَيَانِيُّونَ فَأَجْرَوْهَا فِيمَا لَا لُزُومَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، لَكِنَّ الْقَرَائِنَ الْخَارِجِيَّةَ