الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ أَصْبَحُوا وَكُلُّ قَوْمٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَةٍ قَدْ نَسُوا غَيْرَهَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الْعُرْفِ مُمْتَنِعٌ. اهـ.
وَعَزَا بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ التَّوْقِيفَ لِأَصْحَابِهِمْ، وَالِاصْطِلَاحُ لِأَصْحَابِنَا، ثُمَّ قَالَ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْلِيقُ بِاللُّغَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إلَى الشَّرْعِ، وَبَنَوْا أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْهُ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِاللُّغَةِ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْوَاضِعِينَ فِي الْأَصْلِ كَانُوا جُهَّالًا، وَضَعُوا عِبَارَاتٍ لِمُعَبَّرَاتٍ لَا لِمُنَاسَبَاتٍ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ وَصَارَتْ لُغَةً. انْتَهَى. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ أَوْ تَوْقِيفِيَّةٌ فَاخْتَارَ ابْنُ جِنِّي فِي الْخَصَائِصِ " أَنَّهَا مُتَلَاحِقَةٌ بَعْضُهَا يَتْبَعُ بَعْضًا، لَا أَنَّهَا وُضِعَتْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَخْفَشِ وَهُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوَاضِعَ وَضَعَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ شَيْئًا ثُمَّ اُحْتِيجَ لِلزِّيَادَةِ عَلَيْهِ لِحُصُولِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ فَزِيدَ فِيهِ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَّا أَنَّهُ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ مِنْهَا فِي حُرُوفِهِ، وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ فَارِسٍ.
[فَائِدَةٌ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّةٌ]
ذَكَرَهَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ فِي كِتَابِ التَّحْصِيلِ " فَقَالَ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ شَيْءٍ مِنْهَا بِالْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، وَجَوَّزَهُ مُعْتَزِلَةُ الْبَصْرَةِ.
قَالَ: وَأَمَّا أَسْمَاءُ غَيْرِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الْقِيَاسِ فِيهَا.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ مَعَ أَكْثَرِ أَهْلِ الرَّأْيِ بِامْتِنَاعِ الْقِيَاسِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْحَوَادِثِ كُلِّهَا جَازَ أَنْ يُوضَعَ لَهُ اسْمٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: نُسَمِّيهِ بِاسْمِ الشَّيْءِ الْقَرِيبِ مِنْهُ فِي صُورَتِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ اللُّغَةِ الَّتِي قِيسَ عَلَيْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ابْتَدَأَ لَهُ اسْمًا كَيْفَ كَانَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ لُغَةً مُخْتَصَّةً بِالْمُسَمَّى بِهَا. اهـ.
وَقَالَ الْمُقْتَرِحُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ ": أَطْلَقَ أَئِمَّتُنَا أَنَّ الْقِيَاسَ يَجْرِي فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ فَانْحَصَرَ مَدَارِكُهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ الْوَارِدُ فِي السُّنَّةِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ مُتَوَاتِرًا؟ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ.
[كَيْفِيَّةُ مَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ إلَى مَعْرِفَةِ وَضْعِ الْأَلْفَاظِ]
السَّابِعُ: فِي كَيْفِيَّةِ مَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ إلَى مَعْرِفَةِ وَضْعِ الْأَلْفَاظِ لِمَعَانِيهَا، وَهُوَ إمَّا بِالنَّقْلِ الصِّرْفِ أَوْ بِالْعَقْلِ الصِّرْفِ أَوْ الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا.
الْأَوَّلُ: النَّقْلُ، وَهُوَ إمَّا مُتَوَاتِرٌ كَالْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَهُوَ مُفِيدٌ لِلْقَطْعِ، وَإِمَّا آحَادٌ كَالْقُرْءِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ مُفِيدٌ لِلظَّنِّ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَحَكَى الْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ عَنْ السَّمْنَانِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْعُمُومِ: أَنَّ اللُّغَةَ لَا تَثْبُتُ بِالْآحَادِ، وَكَأَنَّهُ قَوْلُ الْوَاقِفِيَّةِ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ وَالْأَمْرِ.
وَالْحَقُّ: أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً فِي بَابِ الْعَمَلِيَّاتِ وَالْأَحْكَامِ. أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقَائِدِ فَلَا، لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْقَطْعَ.
قَالَ فِي الْمَحْصُولِ ": وَالْعَجَبُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ حَيْثُ أَقَامُوا الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الشَّرْعِ، وَلَمْ يُقِيمُوا الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ وَكَانَ
هَذَا، لِأَنَّ إثْبَاتَ اللُّغَةِ كَالْأَصْلِ لِلتَّمَسُّكِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.
قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَى حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الشَّرْعِ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ فِي نَقْلِ اللُّغَةِ آحَادًا إذَا وُجِدَتْ الشَّرَائِطُ، فَلَعَلَّهُمْ أَهْمَلُوا ذَلِكَ اكْتِفَاءً مِنْهُمْ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الشَّرْعِ. وَأَوْرَدَ فِي الْمَحْصُولِ " تَشْكِيكَاتٍ كَثِيرَةً عَلَى نَقْلِ اللُّغَةِ وَنَاقِلِهَا، وَمِنْ جَيِّدِ أَجْوِبَتِهَا: أَنَّهَا عَلَى قِسْمَيْنِ: فَمِنْهُ مَا يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ مَدْلُولُهُ فَيَنْدَفِعُ عِنْدَ جَمِيعِ التَّشْكِيكَاتِ إذْ لَا تَشْكِيكَ فِي الضَّرُورِيَّاتِ، وَالْأَكْثَرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ هَذَا، وَمِنْهُ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالظَّنِّ، وَنَقْلِ الْآحَادِ.
وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ فِي شَرَائِطِ الْأَحْكَامِ " وَتَبِعَهُ الْجِيلِيُّ فِي الْإِعْجَازِ ": وَلَا يَلْزَمُ اللُّغَةَ إلَّا بِخَمْسِ شَرَائِطَ:
أَحَدُهَا: ثُبُوتُ ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ بِنَقْلٍ صَحِيحٍ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ.
وَالثَّانِي: عَدَالَةُ النَّاقِلِينَ كَمَا يُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُمْ فِي الشَّرْعِيَّاتِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ النَّقْلُ عَمَّنْ قَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ كَالْعَرَبِ الْعَارِبَةِ مِثْلِ قَحْطَانَ وَمَعْدٍ وَعَدْنَانَ، فَأَمَّا إذَا نَقَلُوا عَمَّنْ بَعْدَهُمْ بَعْدَ فَسَادِ لِسَانِهِمْ وَاخْتِلَافِ الْمُوَلَّدِينَ، فَلَا.
قُلْت: وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَغَيْرِهِ الِاسْتِشْهَادُ بِشِعْرِ أَبِي تَمَّامٍ بَلْ فِي الْإِيضَاحِ " لِلْفَارِسِيِّ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ بِتَقْرِيرِ النَّقَلَةِ كَلَامَهُمْ وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ قَوَانِينِ الْعَرَبِ.
وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: يُسْتَشْهَدُ بِشِعْرِ الْمُوَلَّدِينَ فِي الْمَعَانِي كَمَا يُسْتَشْهَدُ بِشِعْرِ الْعَرَبِ فِي الْأَلْفَاظِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ النَّاقِلُ قَدْ سَمِعَ مِنْهُمْ حِسًّا، وَأَمَّا بِغَيْرِهِ فَلَا يَثْبُتُ.
وَالْخَامِسُ: أَنْ يَسْمَعَ مِنْ النَّاقِلِ حِسًّا. اهـ.
الثَّانِي: الْعَقْلُ: قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ لَا يُفِيدُ وَحْدَهُ، إذْ لَا مَجَالَ لَهُ فِي مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ.
الثَّالِثُ: الْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا كَمَا إذَا نَقَلَ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ يَدْخُلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَتَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ، فَإِنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ لِلْعُمُومِ، وَهُوَ يُفِيدُ الْقَطْعَ إنْ كَانَتْ مُقَدِّمَاتُهُ كُلُّهَا قَطْعِيَّةً، وَالظَّنَّ إنْ كَانَ مِنْهَا شَيْءٌ ظَنِّيٌّ.
وَاعْتَرَضَ فِي الْمَحْصُولِ " بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمُقَدَّمَتَيْنِ النَّقْلِيَّتَيْنِ عَلَى النَّتِيجَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّاقِضَةَ مَمْنُوعَةٌ عَلَى الْوَاضِعِ، وَهَذَا إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا قُلْنَا: إنَّ الْوَاضِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْقِسْمَيْنِ قَبْلَهُ، إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّقْلِ أَنْ يَكُونَ النَّقْلُ مُسْتَقِلًّا بِالدَّلَالَةِ مِنْ غَيْرِ مَدْخَلٍ لِلْعَقْلِ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ صِدْقَ الْمُخَبِّرِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ عَقْلِيٌّ؟ وَقَدْ قَالَ سُلَيْمٌ فِي بَابِ الْمَفْهُومِ مِنْ التَّقْرِيبِ ": تَثْبُتُ اللُّغَةُ بِالْعَقْلِ، لِأَنَّ لَهُ مَدْخَلًا فِي الِاسْتِدْلَالِ بِمَخَارِجِ كَلَامِهِمْ عَلَى مَقَاصِدِهِمْ وَمَوْضُوعَاتِهِمْ.
تَنْبِيهَانِ [التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ] قَدْ تُعْلَمُ اللُّغَةُ بِالْقَرَائِنِ
قَالَ ابْنُ جِنِّي فِي الْخَصَائِصِ " مَنْ قَالَ: إنَّ اللُّغَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا نَقْلًا فَقَدْ أَخْطَأَ، فَإِنَّهَا قَدْ تُعْلَمُ بِالْقَرَائِنِ أَيْضًا، فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا سَمِعَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
قَوْمٌ إذَا الشَّرُّ أَبَدًا نَاجِذَيْهِ لَهُمْ
…
طَارُوا إلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانًا
يُعْلَمُ أَنَّ الزَّرَافَاتِ بِمَعْنَى الْجَمَاعَاتِ.
[التَّنْبِيهُ الثَّانِي]
قَالَ عَبْدُ اللَّطِيفِ الْبَغْدَادِيُّ فِي " شَرْحِ الْخُطَبِ النَّبَاتِيَّةِ ": اعْلَمْ أَنَّ اللُّغَوِيَّ شَأْنُهُ أَنْ يَنْقُلَ مَا نَطَقَتْ بِهِ الْعَرَبُ وَلَا يَتَعَدَّاهُ، وَأَمَّا النَّحْوِيُّ فَشَأْنُهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا يَنْقُلُهُ اللُّغَوِيُّ وَيَقِيسُ عَلَيْهِ، وَمِثَالُهُمَا الْمُحَدِّثُ وَالْفَقِيهُ، فَشَأْنُ الْمُحَدِّثِ نَقْلُ الْحَدِيثِ بِرُمَّتِهِ، ثُمَّ إنَّ الْفَقِيهَ يَتَلَقَّاهُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيَبْسُطُ عِلَلَهُ وَيَقِيسُ عَلَيْهِ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ جِنِّي: يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقِيسَ مَنْثُورَنَا عَلَى مَنْثُورِهِمْ وَشِعْرَنَا عَلَى شِعْرِهِمْ.