الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّنْبِيهُ] التَّاسِعُ
أَنَّهُ قَدْ كَثُرَ اسْتِدْلَالُ النَّاسِ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ، وَطَالَ النِّزَاعُ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَصْرَحُ مِنْ قَوْله تَعَالَى:{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88] وَقَوْلُهُ: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] .
[التَّنْبِيهُ] الْعَاشِرُ
إنَّ الْقَائِلِينَ بِالتَّكْلِيفِ يَحْتَاجُونَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ حَدِيثِ الْجُبَّةِ الَّتِي أَعْطَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ، وَكَسَاهَا أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: عُمَرُ لَمْ يَأْذَنْ لِأَخِيهِ فِي لُبْسِهَا، وَكَسَاهُ مَعْنَاهُ مَلَّكَهُ، كَمَا أَنَّ الْكِسْوَةَ فِي الْكَفَّارَةِ الْمُرَادِ بِهَا التَّمْلِيكُ. وَكَذَلِكَ عَنْ «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا» إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّهْدِيدِ لَا الْإِبَاحَةِ، وَيُبْعِدُهُ قَوْلُهُ:(وَلَكِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ) .
[التَّنْبِيهُ الْحَادِيَ عَشَرَ قُرَبُ الْكُفَّارِ]
مَا يَقَعُ مِنْ الْكُفَّارِ مِنْ الْقُرَبِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ كَالصَّدَقَةِ وَالضِّيَافَةِ وَالْعِتْقِ، وَلَا يُثَابُ عَلَى شَيْءٍ فِي الْآخِرَةِ إنْ مَاتَ كَافِرًا وَتُوَسَّعُ دُنْيَاهُ وَإِنْ أَسْلَمَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا أَيْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» قَالَ: وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ اهـ.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْمُرْتَدُّ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فَأَخْرَجَهَا فِي حَالِ الرِّدَّةِ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْكُفْرَ لَا يَمْنَعُ مِنْ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ، فَإِذَا أَخْرَجَهَا الْأَصْلِيُّ فَهَلَّا نَقُولُ: إنَّهُ يُوضَعُ إثْمُهَا عَنْهُ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ نَقُولُ: نِيَّةُ التَّقَرُّبِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَغَيْرُهَا يُمْكِنُ مِنْهُ فِي الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوُهَا فَهَلَّا صَحَّتْ، وَلَا سِيَّمَا إذَا صَامَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ لِمُوَافَقَتِهِ لِوَقْتِ الصِّيَامِ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَا خِلَافَ أَنَّ لِلْكَافِرِ حَفَظَةً يَكْتُبُونَ سَيِّئَاتِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي حَسَنَاتِهِ. فَقِيلَ: مُلْغَاةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا بِنِعَمِ الدُّنْيَا فَقَطْ، وَقِيلَ: مُحْصَاةٌ مِنْ أَجْلِ ثَوَابِ الدُّنْيَا، وَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يُسْلِمُ فَيُضَافُ ذَلِكَ إلَى حَسَنَاتِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَهَذَا أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ:«أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْت مِنْ خَيْرٍ» . وَقِيلَ: الْمَعْنَى عَلَى إسْقَاطِ مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ إذْ جُوزِيتَ بِنَعِيمِ دُنْيَاكَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ مَا سَبَقَ لَك مِنْ خَيْرٍ، وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ.
وَلَفْظُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ حَسَنَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَمَحَا عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَكَانَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا أَوْ لِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ مِثْلُهَا إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ اللَّهُ عَنْهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.