الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَنَا أَنَّ " طَلَّقْتُ " فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْحَدَثِ وَالزَّمَانِ، وَالْحَدَثُ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ جُزْؤُهُ وَدَلَالَتُهُ عَلَيْهِ بِالتَّضَمُّنِ، فَيَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ كَمَا لَوْ ذَكَرَ الْمَصْدَرَ صَرِيحًا، فَقَالَ: أَنْتِ الطَّلَاقُ.
وَأَمَّا دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ كَدَلَالَةِ الْبَيْتِ عَلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ صَاحِبُ الْمُقْتَرِحِ مِنْ أَصْحَابِنَا: فِي الْخِلَافِ: لَا تَعْوِيلَ عَلَيْهَا فِي الْأَحْكَامِ وَهُوَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ، وَالْمُلْتَزَمُ غَيْرُ مَلْفُوظٍ، وَالطَّلَاقُ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ اللَّفْظِ لَا يَقَعُ.
[دَلَالَةُ الِاسْتِدْعَاءِ]
[التَّنْبِيهُ السَّابِعُ][دَلَالَةُ الِاسْتِدْعَاءِ]
مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ انْحِصَارِ الدَّلَالَاتِ فِي الثَّلَاثِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَزَادَ الجزولي مِنْ النَّحْوِيِّينَ دَلَالَةً رَابِعَةً وَسَمَّاهَا: بِالِاسْتِدْعَاءِ، وَجَعَلَ دَلَالَةَ الْفِعْلِ عَلَى الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَفْعُولُ بِهِ، وَعَلَى الْبَاعِثِ يَعْنِي الَّذِي بَعَثَ عَلَى الْفِعْلِ، وَهُوَ الْمَفْعُولُ لِأَجْلِهِ، وَعَلَى الْمُصَاحَبِ وَهُوَ الْمَفْعُولُ مَعَهُ مِنْ قَبِيلِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ، وَأَنْكَرَهُ الْآمِدِيُّ، وَقَالَ: دَلَالَةُ الْفِعْلِ عَلَى الْمَحَلِّ وَالْبَاعِثِ وَالْمُصَاحَبِ مِنْ قَبِيلِ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ عِنْدَنَا إلَّا أَنَّ الْمَكَانَ يَلْزَمُ جَمِيعَ الْأَفْعَالِ مُتَعَدِّيَهَا وَلَازِمَهَا مَا وَقَعَ فِيهَا عَمْدًا وَسَهْوًا، وَالْمَحَلُّ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّي خَاصَّةً، وَالْبَاعِثَةُ إنَّمَا تَلْزَمُ مِنْ الْأَفْعَالِ مَا يُوقِعُهُ الْقَاصِدُ لِلْإِيقَاعِ، وَلَا يَلْزَمُ فِعْلُ السَّاهِي وَالنَّائِمِ، وَالْمُصَاحِبِ إنَّمَا يَلْزَمُ مَا يُشْرِكُ فِيهِ الْفَاعِلُ غَيْرَهُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْقَرَافِيُّ عَلَى الْحَصْرِ فِي الثَّلَاثِ دَلَالَةَ الْعَامِّ عَلَى أَفْرَادِهِ.
وَقَالَ: إنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْهُنَّ، وَجَوَابُهُ يُعْلَمُ مِنْ بَابِ الْعَامِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْرَدَ دَلَالَةَ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ عَلَى مُفْرَدَاتِهِ، فَإِنَّ الْوَاضِعَ لَمْ يَضَعْهُ لِمَفْهُومِهِ وَلَا لِشَيْءٍ ذَلِكَ الْمَفْهُومُ دَاخِلٌ فِيهِ، وَلَا لِخَارِجٍ عَنْهُ لَازِمٌ لَهُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى وَضْعُ عَيْنِهِ لِعَيْنِهِ، أَوْ وَضْعُ أَجْزَائِهِ لِأَجْزَائِهِ بِحَيْثُ يُطَابِقُ مَجْمُوعُ اللَّفْظِ مَجْمُوعَ الْمَعْنَى، وَالثَّانِي مَوْجُودٌ فِي الْمُرَكَّبِ، فَإِنَّ الْوَاضِعَ وَإِنْ لَمْ يَضَعْ مَجْمُوعَ " زَيْدٌ قَائِمٌ " لِمَدْلُولِهِ، فَقَدْ وَضَعَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ لِجُزْءٍ مِنْ مَفْهُومِهِ، فَإِنَّهُ وَضَعَ زَيْدًا لِلذَّاتِ وَقَائِمًا لِلصِّفَةِ وَالْحَرَكَةُ الْمَخْصُوصَةُ، أَعْنِي دَفْعَهُمَا لِإِثْبَاتِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي بِاعْتِبَارِ التَّرْكِيبِ وَالْإِفْرَادِ
وَيُطْلَقُ الْمُفْرَدُ بِاصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّينَ عَلَى أَرْبَعَةِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: مُقَابِلُ الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ، وَهُوَ اللَّفْظُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. الثَّانِي: مُقَابِلُ الْمُضَافِ فِي بَابِ النِّدَاءِ وَلِهَذَا يَقُولُونَ: الْمُنَادِي مُفْرَدٌ وَمُضَافٌ. وَالثَّالِثُ: مُقَابِلُ الْجُمْلَةِ فِي بَابِ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: الْخَبَرُ قَدْ يَكُونُ مُفْرَدًا وَقَدْ يَكُونُ جُمْلَةً. الرَّابِعُ: مُقَابِلُ الْمُرَكَّبِ. أَمَّا الْمُفْرَدُ بِاصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّينَ فَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى وَلَا جُزْءَ مِنْ أَجْزَائِهِ يَدُلُّ بِالذَّاتِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَإِنْسَانٍ، وَإِنْ شِئْت فَقُلْ: هُوَ مَا لَا يُرَادُ بِالْجُزْءِ مِنْهُ دَلَالَةٌ أَصْلًا عَلَى مَعْنًى حِينَ هُوَ جُزْؤُهُ كَأَحْمَدَ.
[تَعْرِيفُ الْمُرَكَّبِ]
وَأَمَّا الْمُرَكَّبُ فَمَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادِ مِنْهُ حِينَ هُوَ جُزْؤُهُ
سَوَاءٌ كَانَ تَرْكِيبَ إسْنَادٍ كَقَامَ زَيْدٌ، وَزَيْدٌ قَائِمٌ، أَمْ تَرْكِيبَ مَزْجٍ كَخَمْسَةَ عَشَرَ، أَوْ إضَافَةٍ كَغُلَامِ زَيْدٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى الذَّاتِ فَهُوَ مُفْرَدٌ، وَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى الصِّفَاتِ فَهُوَ مُرَكَّبٌ. وَالْمُرَادُ بِالْجُزْءِ مَا صَارَ بِهِ اللَّفْظُ مُرَكَّبًا كَحُرُوفِ زَيْدٍ، فَلَا يُرِدْ الزَّايَ مِنْ " زَيْدٌ قَائِمٌ "، فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ أَوْرَدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ كَوْنَ الْمَاضِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا، لِأَنَّ مَادَّتَهُ تَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ وَزِنَتَهُ عَلَى خُصُوصِ الزَّمَنِ، فَأَجَابُوا بِأَنَّ الْمَعْنَى بِقَوْلِنَا الْجُزْءُ لَيْسَ مُطْلَقَ الْجُزْءِ، بَلْ الْأَجْزَاءُ الْمُتَرَتِّبَةُ فِي السَّمْعِ، وَقَالُوا: وَنَحْوُ بَعْلَبَكَّ مُرَكَّبٌ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ، لِأَنَّهُ كَلِمَتَانِ وَمُفْرَدٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ، وَ " أَقُومُ " وَ " نَقُومُ " وَ " يَقُومُ " مُرَكَّبٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، لِأَنَّ جُزْأَهُ يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ، لِأَنَّ حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى الْفَاعِلِ الْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ وَالْمُتَكَلِّمِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ، وَالْمُخَاطَبِ مِنْهَا وَنَفْسُ الْكَلِمَةِ تَدُلُّ عَلَى الْحَدَثِ وَالزَّمَانِ، وَمُفْرَدٌ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ، لِأَنَّهُ لَفْظٌ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ.
أَمَّا " يَقُومُ " بِالْغَيْبَةِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ، فَقِيلَ: هُوَ مُفْرَدٌ، وَقِيلَ: هُوَ مُرَكَّبٌ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ سِينَا، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّهُ مُرَكَّبٌ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْمُضَارِعَةِ، وَإِنَّمَا قَالُوا: حِينَ هُوَ جُزْؤُهُ لِيَحْتَرِزُوا مِنْ مِثْلِ أَبْكَمَ، وَإِنْسَانٍ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ جُزْئِهِ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى لَكِنْ لَا عَلَى جُزْءِ مُسَمَّاهُ حِينَ هُوَ جُزْؤُهُ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى فِي الْجُمْلَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ " الْأَبَ " اسْمٌ لِلْوَالِدِ "، وَ " كَمْ " اسْمٌ لِلْعَدَدِ؟ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ جُزْءٌ مِنْ الْآخَرِ حِينَ هُوَ جُزْؤُهُ، وَكَذَلِكَ: إنْسَانٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ " إنْ " حَرْفُ شَرْطٍ يَدُلُّ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ؟ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ هِيَ جُزْءُ " إنْ ". وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ يَعِيشَ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ وَابْنُ إيَادٍ
أَنَّ الرَّجُلَ مُرَكَّبٌ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ التَّعْرِيفِ وَالْمُعَرَّفِ، وَهُوَ مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَلِمَتَانِ، وَكَذَلِكَ " ضَرَبَا " وَ " ضَرَبُوا "، قَالَ الزَّنْجَانِيّ فِي الْهَادِي: وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ الرَّجُلَ وَنَظَائِرَهُ لَفْظَتَانِ لَا لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ يُنْتَقَضُ مَا ذَكَرَهُ بِنَحْوِ " ضَرَبَ "، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ الْحَدَثِ وَالزَّمَانِ، وَأَنَّهُ كَلِمَةٌ بِاتِّفَاقٍ.
قُلْت: لَعَلَّ الزَّمَخْشَرِيَّ بَنَاهُ أَنَّ الْمُعَرِّفَ اللَّامُ وَحْدَهَا، وَحِينَئِذٍ فَهِيَ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ، وَاللَّامُ كَالتَّنْوِينِ فِي زَيْدٍ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْمُعَرِّفَ " أَلْ " فَهُوَ لَفْظَتَانِ لِإِمْكَانِ التَّلَفُّظِ بِهَا وَحْدَهَا.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَمْثِلَةَ الْمُضَارِعِ خَلَا الْغَائِبَ مُرَكَّبَاتٌ قَطْعًا، وَأَمْثِلَةُ الْمَاضِي مُفْرَدَاتٌ قَطْعًا، وَأَمْثِلَةُ الْأَوَامِرِ مُرَكَّبَاتٌ عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ وَصَرَّحَ ابْنُ مَالِكٍ فِي أَوَّلِ شَرْح التَّسْهِيلِ بِأَنَّ " يَاءَ " النَّسَبِ، وَ " أَلِفَ " ضَارِبٍ " وَمِيمَ " مُكْرَمٍ، يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى، وَلَكِنْ لَا بِالْوَضْعِ وَقَالَ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ: الْمَجْمُوعُ هُوَ الدَّالُّ عَلَى شَخْصٍ مُسَمًّى بِذَلِكَ، لَا أَنَّ الْحَرْفَ دَلَّ بِنَفْسِهِ. وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ أَنَّ النُّحَاةَ يَتَرَجَّحُ نَظَرُهُمْ فِي جَانِبِ الْأَلْفَاظِ، وَأُولَئِكَ يَتَرَجَّحُ نَظَرُهُمْ فِي جَانِبِ الْمَعَانِي، وَعَلَى هَذَا " عَبْدُ اللَّهِ " وَنَحْوُهُ، إنْ أُرِيدَ بِهِ الْعَلَمِيَّةُ كَانَ مُفْرَدًا بِمَثَابَةِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، لِأَنَّ جُزْأَهَا لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهَا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ نِسْبَةُ الْعُبُودِيَّةِ إلَى مُسْتَحِقِّهَا، فَهِيَ مُرَكَّبَةٌ، لِدَلَالَةِ جُزْئِهَا عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهَا.