الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِجِهَةٍ يَفْهَمُ الْفَاهِمُ مِنْهُ مَعْنًى، وَلَهُ عِنْدَهُ وَجْهٌ فِي التَّأْوِيلِ مُسَوَّغٌ لَا يَبْتَدِرُهُ الْفَهْمُ.
قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَهَذَا أَمْثَلُ.
قَالَ: وَمِنْ الظَّوَاهِرِ مُطْلَقُ صِيَغِ الْأَمْرِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الْوُجُوبُ، وَمِنْهُ صِيَغُ الْعُمُومِ وَفَحْوَى الْخِطَابِ لَا يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ وَالتَّأْوِيلُ، لِأَنَّهُ نَصٌّ.
قَالَ: وَالظُّهُورُ قَدْ يَقَعُ فِي الْأَسْمَاءِ وَفِي الْأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ مِثْلُ " إلَى "، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّحْدِيدِ وَالْغَايَةِ، مُؤَوَّلٌ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْجَمْعِ.
[مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ]
الْقِرَاءَاتُ عَنْ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ "، خِلَافًا لِصَاحِبِ الْبَدِيعِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُ اخْتَارَ أَنَّهَا مَشْهُورَةٌ. وَقَالَ السُّرُوجِيُّ فِي بَابِ الصَّوْمِ مِنْ الْغَايَةِ ": الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَجَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهَا آحَادٌ عِنْدَهُمْ.
وَقَالَ فِي بَابِ الصَّلَاةِ: الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَةُ قِرَاءَةِ
حَمْزَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْكَسْرِ وَالْإِدْغَامِ وَزِيَادَةِ الْمَدِّ، وَنُقِلَ عَنْهُ كَرَاهَةُ قِرَاءَةِ الْكِسَائِيّ، لِأَنَّهَا كَقِرَاءَةِ حَمْزَةَ فِي الْإِمَالَةِ وَالْإِدْغَامِ. وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ مَا عَدَا الْمُعْتَزِلَةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ السَّبْعِ ثَبَتَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّوَاتُرِ فَكَيْفَ تُكْرَهُ؟ . اهـ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: التَّحْقِيقُ أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ، وَأَمَّا تَوَاتُرُهَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ إسْنَادَ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ لِهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ مَوْجُودَةٌ فِي كُتُبِهِمْ، وَهِيَ نَقْلُ الْوَاحِدِ عَنْ الْوَاحِدِ، فَلَمْ تَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ التَّوَاتُرِ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ بِأَنَّ الْأُمَّةَ تَلَقَّتْهَا بِالْقَبُولِ، وَاخْتَارُوهَا لِمُصْحَفِ الْجَمَاعَةِ، وَقَطَعُوا بِأَنَّهَا قُرْآنٌ، وَأَنَّ مَا عَدَاهَا مَمْنُوعٌ مِنْ إطْلَاقِهِ، وَالْقِرَاءَةُ بِهِ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الِانْتِصَارِ ". وَبِهَذَا الطَّرِيقِ حَكَمَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّ أَحَادِيثَ الصَّحِيحَيْنِ مَقْطُوعٌ بِهَا وَإِنْ رُوِيَتْ بِالْآحَادِ، لِتَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهَا بِالْقَبُولِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ، أَيْ: أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ أَفَادَ الْقَطْعَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فِيمَا يَثْبُتُ بِالْوَاحِدِ، فَمَا ظَنُّك فِيمَا وُجِدَ فِيهِ غَالِبُ شُرُوطِ التَّوَاتُرِ أَوْ كُلُّهَا؟ لَكِنَّ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ هَذَا قَدْ رَدَّهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي كِتَابِ الْمُرْشِدِ الْوَجِيزِ ": كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْهَا مُتَوَاتِرٌ، أَمَّا الْمَجْمُوعُ مِنْهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيِّنَةِ عَلَى تَوَاتُرِهِ.
قَالَ: وَقَدْ شَاعَ ذَلِكَ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُقْرِئِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ.
قَالُوا: وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاجِبٌ.
قَالَ: وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَذَا، وَلَكِنْ فِيمَا اجْتَمَعَتْ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُمْ الطُّرُقُ، وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْفِرَقُ مَعَ أَنَّهُ شَائِعٌ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَإِنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ الْمُرَادُ بِهَا: مَا رُوِيَ عَنْ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ الْقُرَّاءِ الْمَشْهُورِينَ، وَذَلِكَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُمْ يَنْقَسِمُ إلَى مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ عَنْهُمْ لَمْ تَخْتَلِفْ فِيهِ الطُّرُقُ، وَإِلَى مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ بَقِيَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، فَالْمُصَنِّفُونَ لِكُتُبِ الْقِرَاءَاتِ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَمَنْ تَصَفَّحَ كُتُبَهُمْ أَحَاطَ بِذَلِكَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ بِكُلِّ قِرَاءَةٍ تُعْزَى إلَى إمَامٍ مِنْ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ حَتَّى يَثْبُتَ ذَلِكَ وَيُوَافِقَ لُغَةَ الْعَرَبِ.
قَالَ: وَأَمَّا مَنْ يُهَوِّلُ فِي عِبَارَتِهِ قَائِلًا: بِأَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةَ مُتَوَاتِرَةٌ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَخَطَؤُهُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْأَحْرُفَ الْمُرَادُ بِهَا غَيْرُ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّا لَسْنَا مِمَّنْ يَلْتَزِمُ التَّوَاتُرَ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ الْقُرَّاءِ، بَلْ الْقِرَاءَاتُ كُلُّهَا تَنْقَسِمُ إلَى مُتَوَاتِرٍ وَغَيْرِهِ، وَغَايَةُ مَا يُبْدِيهِ مُدَّعِي تَوَاتُرِ الْمَشْهُورِ مِنْهَا كَإِدْغَامِ أَبِي عَمْرٍو، وَنَقْلِ الْحَرَكَةِ لِوَرْشٍ، وَوَصْلِ مِيمَيْ الْجَمْعِ وَهَاءِ الْكِنَايَةِ لِابْنِ كَثِيرٍ، أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ عَنْ ذَلِكَ الْإِمَامِ الَّذِي نُسِبَتْ تِلْكَ الْقِرَاءَاتُ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي اسْتِقْرَاءِ الطُّرُقِ وَالْوَاسِطَةِ إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى عَلَيْهِ التَّوَاتُرُ مِنْ ذَلِكَ الْإِمَامِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْ ذَلِكَ. وَهَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ، فَإِنَّهَا مِنْ ثَمَّ لَمْ تُنْقَلْ إلَّا آحَادًا إلَّا الْيَسِيرَ مِنْهَا، بَلْ الضَّابِطُ: أَنَّ كُلَّ قِرَاءَةٍ اُشْتُهِرَتْ بَعْدَ صِحَّةِ إسْنَادِهَا وَمُوَافَقَتِهَا خَطَّ الْمُصْحَفِ، وَلَمْ يُنْكَرْ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَهِيَ الْقِرَاءَةُ الْمُعْتَمَدَةُ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ شَاذٌّ وَضَعِيفٌ. اهـ.
وَكَذَا كَلَامُ غَيْرِهِ مِنْ الْقُرَّاءِ يُوهِمُ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةَ لَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً كُلُّهَا وَأَنَّ أَعْلَاهَا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ صِحَّةُ السَّنَدِ وَمُوَافَقَةُ خَطِّ الْمُصْحَفِ وَالْإِمَامِ، وَالْفَصِيحُ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، وَأَنَّهُ يَكْفِي فِيهَا الِاسْتِفَاضَةُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ، وَالشُّبَهُ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ انْحِصَارِ أَسَانِيدِهَا فِي رِجَالٍ مَعْرُوفِينَ، فَظَنُّوهَا كَأَخْبَارِ الْآحَادِ. وَقَدْ أَوْضَحَ الْإِمَامُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ رحمه الله ذَلِكَ.
فَقَالَ: انْحِصَارُ الْأَسَانِيدِ فِي طَائِفَةٍ لَا يَمْنَعُ مَجِيءَ الْقِرَاءَاتِ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَقَدْ كَانَ يَتَلَقَّاهُ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ بِقِرَاءَةِ إمَامِهِمْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ عَنْ مِثْلِهِمْ، وَكَذَلِكَ دَائِمًا، فَالتَّوَاتُرُ حَاصِلٌ لَهُمْ، وَلَكِنَّ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ قَصَدُوا ضَبْطَ الْحُرُوفِ، وَحَفِظُوا عَنْ شُيُوخِهِمْ مِنْهَا جَاءَ السَّنَدُ مِنْ جِهَتِهِمْ، وَهَذَا كَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ هِيَ آحَادٌ، وَلَمْ تَزَلْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ مَنْقُولَةً عَمَّنْ يَحْصُلُ بِهِمْ التَّوَاتُرُ عَنْ مِثْلِهِمْ فِي عَصْرٍ، فَهَذِهِ كَذَلِكَ، وَهَذَا يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ، وَأَنْ لَا يُغْتَرَّ بِقَوْلِ الْقُرَّاءِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَوَاصِمِ ": وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَيْفِيَّةُ الْقِرَاءَةِ الْيَوْمَ أَنْ يُقْرَأَ بِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: مَا صَحَّ نَقْلُهُ، وَصَحَّ فِي الْعَرَبِيَّةِ لَفْظُهُ، وَوَافَقَ خَطَّ الْمُصْحَفِ، وَذَكَرَ خِلَافًا كَثِيرًا فِي ذَلِكَ.
قَالَ: وَإِنَّمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَنَّ جَمِيعَ السَّبْعِ لَمْ يَكُنْ بِإِجْمَاعٍ، وَإِنَّمَا كَانَ بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ وَاحِدٍ، وَالْمُخْتَارُ: أَنْ يَقْرَأَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى خَطِّ الْمُصْحَفِ فَكُلُّ مَا صَحَّ فِي النَّقْلِ لَا يَخْرُجُونَ عَنْهُ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إلَى مَا سِوَاهُ.
قَالَ: وَالْمُخْتَارُ لِنَفْسِي إذَا قَرَأْت بِمَا نُسِبَتْ لقالون أَنْ لَا أَهْمِزَ وَلَا أَكْسِرَ مُنَوَّنًا وَلَا غَيْرَ مَنُونٍ، فَإِنَّ
الْخُرُوجَ مِنْ كَسْرَةٍ إلَى يَاءٍ مَضْمُومَةٍ لَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَمَا كُنْت لِأَمُدَّ مَدَّ حَمْزَةَ، وَلَا أَقِفَ عَلَى السَّاكِنِ، وَلَا أَقْرَأَ بِالْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ، وَلَوْ رَوَاهُ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَلَا أَمُدَّ مِيمَ ابْنِ كَثِيرٍ وَلَا أَضُمَّ هَاءَ عَلَيْهِمْ وَإِلَيْهِمْ، وَهَذِهِ كُلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا عِنْدِي لُغَاتٌ لَا قِرَاءَاتٌ، لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا، وَإِذَا تَأَمَّلْتهَا رَأَيْتهَا اخْتِيَارَاتٍ مَبْنِيَّةً عَلَى مَعَانٍ وَلُغَاتٍ.
قَالَ: وَأَقْوَى الْقِرَاءَاتِ سَنَدًا قِرَاءَةُ عَاصِمٍ وَابْنِ عَامِرٍ، وَقِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ ثَابِتَةٌ لَا كَلَامَ فِيهَا.
قَالَ: وَطَلَبْت أَسَانِيدَ الْبَاقِينَ فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا مَشْهُورًا، وَرَأَيْت بِنَاءَ أَمْرِهَا عَلَى اللُّغَاتِ، وَأَطْلَقَ الْجُمْهُورُ تَوَاتُرَ السَّبْعِ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ مَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ، كَالْمَدِّ، وَاللِّينِ، وَالْإِمَالَةِ، وَتَخْفِيفِ الْهَمْزِ يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَوَاتِرَةٍ، وَهَذَا ضَعِيفٌ.
وَالْحَقُّ: أَنَّ الْمَدَّ وَالْإِمَالَةَ لَا شَكَّ فِي تَوَاتُرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْهَا وَهُوَ الْمَدُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَدٌّ، وَالْإِمَالَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ إمَالَةٌ، وَلَكِنْ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاءُ فِي تَقْدِيرِ الْمَدِّ فِي اخْتِيَارَاتِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ طَوِيلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ قَصِيرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ بَالَغَ فِي الْقِصَرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَزَايَدَ كَحَمْزَةَ وَوَرْشٍ بِمِقْدَارِ سِتِّ أَلِفَاتٍ، وَقِيلَ خَمْسٍ، وَقِيلَ: أَرْبَعٍ، وَعَنْ عَاصِمٍ: ثَلَاثٍ، وَعَنْ الْكِسَائِيُّ: أَلِفَيْنِ وَنِصْفٍ، وقالون: أَلِفَيْنِ، وَالسُّوسِيِّ: أَلِفٍ وَنِصْفٍ.
وَقَالَ الدَّانِيُّ فِي التَّيْسِيرِ " أَطْوَلُهُمْ مَدًّا فِي الضَّرْبَيْنِ جَمِيعًا يَعْنِي الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْفَصِلَ وَرْشٌ وَحَمْزَةُ، وَدُونَهُمَا عَاصِمٌ، وَدُونَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ، وَدُونَهُمَا أَبُو عَمْرٍو مِنْ طَرِيقِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَ: وقالون مِنْ طَرِيقِ
أَبِي نَشِيطٍ بِخِلَافٍ عَنْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى التَّقْرِيبِ مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مِقْدَارِ مَذَاهِبِهِمْ مِنْ التَّحْقِيقِ وَالْحَذْفِ. اهـ.
فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ أَصْلَ الْمَدِّ مُتَوَاتِرٌ، وَالِاخْتِلَافُ وَالطُّرُقُ إنَّمَا هُوَ فِي كَيْفِيَّةِ التَّلَفُّظِ. وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ (رحمه الله) يَقْرَأُ بِمَدَّيْنِ طُولِيٍّ لِوَرْشٍ وَحَمْزَةَ، وَوَسَطِيٍّ لِمَنْ بَقِيَ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ كَرِهَ قِرَاءَةَ حَمْزَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ طُولِ الْمَدِّ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ: لَا تُعْجِبُنِي، وَلَوْ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً لَمَا كَرِهَهَا. إلَّا أَنْ يُقَالَ. إنَّمَا كَرِهَ كَيْفِيَّتَهَا لَا أَصْلَهَا. وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَصْلِ الْإِمَالَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي حَقِيقَتِهَا مُبَالَغَةً وَقِصَرًا، فَإِنَّهَا عِنْدَهُمْ قِسْمَانِ: مَحْضَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَنْحَى بِالْأَلِفِ إلَى الْيَاءِ، وَبِالْفَتْحَةِ إلَى الْكِسْرَةِ، وَبَيْنَ بَيْنَ، وَهِيَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْأَلِفَ وَالْفَتْحَةَ أَقْرَبُ وَهِيَ أَصْعَبُ الْإِمَالَيْنِ، وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ، وَكَذَلِكَ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ أَصْلُهُ مُتَوَاتِرٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَيْفِيَّتِهِ. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الْمُخْتَلَفَةُ فِيهَا بَيْنَ الْقُرَّاءِ فَهِيَ أَلْفَاظُ قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْمُرَادُ تَنَوُّعُ الْقُرَّاءِ فِي أَدَائِهَا، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْمُبَالَغَةَ فِي تَشْدِيدِ الْحَرْفِ الْمُشَدَّدِ، فَكَأَنَّهُ زَادَ حَرْفًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْحَالَةَ الْوُسْطَى، فَهَذَا هُوَ الَّذِي ادَّعَى أَبُو شَامَةَ عَدَمَ تَوَاتُرِهِ، وَنُوزِعَ فِيهِ، فَإِنَّ اخْتِلَافَهُمْ لَيْسَ إلَّا فِي الِاخْتِيَارِ، وَلَا يَمْنَعُ قَوْمٌ قَوْمًا.
مَسْأَلَةٌ [يَجُوزُ إثْبَاتُ قِرَاءَةٍ حُكْمًا لَا عِلْمًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ]
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الِانْتِصَارِ ": قَالَ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ