المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[إنزال القرآن بلغة العرب] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٢

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[خِطَابُ الْوَضْعِ]

- ‌ السَّبَبِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لِلْأَسْبَابِ أَحْكَامٌ تُضَافُ إلَيْهَا]

- ‌[الْمَانِعُ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَانِعِ]

- ‌[مَسْأَلَة الصِّحَّة وَالْفَسَادِ]

- ‌[الصِّحَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَاهِيَّاتِ مِنْ عِبَادَةٍ وَعَقْدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصِّحَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثَوَابُ الصَّلَاةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْزَاءُ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالْفِعْلِ فِي سُقُوطِ الْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجَائِزُ مَا وَافَقَ الشَّرِيعَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُقَابِلُ الصِّحَّةَ الْبُطْلَانُ]

- ‌[التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الرُّخْصَةُ وَالْعَزِيمَةُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي مَدْلُولِهِمَا]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي الرُّخْصَة مِنْ أَيِّ الْخِطَابَيْنِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ أَقْسَامِ الرُّخْصَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِعَادَةُ]

- ‌[فَرْعٌ تَأْخِيرُ الْمَأْمُورِ بِهِ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعِبَادَةُ الَّتِي تَقَعُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَتَكُونُ أَدَاءً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْبَقَاءِ]

- ‌[التَّكْلِيفُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ حَسَنٌ فِي الْعُقُولِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ هَلْ يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالْأَصْلَحِ]

- ‌ الْمُكَلَّفِ

- ‌[فَرْعٌ تَكْلِيفُ مَنْ أَحُيِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ]

- ‌[فُرُوعٌ الِانْشِغَالُ عَنْ الصَّلَاةِ بِلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ]

- ‌[تَكْلِيف السَّكْرَان]

- ‌[التَّكْلِيفُ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَى قِسْمَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَنْتَفِي شَرْطُ وُقُوعِهِ عِنْدَ وَقْتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَعْدُومُ الَّذِي تَعَلَّقَ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ مَأْمُورٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُكَلَّفِ الْحُرِّيَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الذُّكُورِ فِي الْإِنَاثِ فِي الْخِطَابِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْجِنِّ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُكَلَّفُ بِهِ]

- ‌[جَوَازُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ]

- ‌[وُقُوعُ التَّكَلُّفِ بِالْمُحَالِ]

- ‌[التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ لَا يُشْتَرَطْ فِيهِ الْإِمْكَانُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خِطَابُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ اسْتِحَالَةُ مُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ بِإِنْشَاءِ فَرْعٍ عَلَى الصِّحَّةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الثَّانِي هَلْ يُخَاطَبُ الْكَافِرُ بِالْفُرُوعِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ تَكْلِيفُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ سُقُوط حَقّ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْكَافِر إذَا أَسْلَمَ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ السَّادِسُ حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ]

- ‌[التَّنْبِيه السَّابِعُ الْإِمْكَانَ الْمُشْتَرِطَ فِي التَّكْلِيفِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ نَاجِزًا]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْحَادِيَ عَشَرَ قُرَبُ الْكُفَّارِ]

- ‌[جُنُونُ الْكَافِرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ يَرْفَعُ عَنْهُ الْقَلَمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ هَلْ يَتَوَجَّهُ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ أَوْ قَبْلَهَا]

- ‌[تَقَدَّمَ الْأَمْرُ عَلَى وَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلتَّكْلِيفِ]

- ‌[مَبَاحِثُ الْكِتَابِ] [

- ‌تَعْرِيفُ الْقُرْآنِ]

- ‌[الْإِعْجَازُ فِي قِرَاءَةِ كَلَامِ اللَّهِ]

- ‌[إنْزَالُ الْقُرْآنِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ]

- ‌[الْأَلْفَاظُ غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وُرُودُ الْمُهْمَلِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا زَائِدَ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ]

- ‌[بَقَاءُ الْمُجْمَلِ فِي الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النَّصُّ وَالظَّاهِرُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَيْسَتْ الْقِرَاءَاتُ اخْتِيَارِيَّةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْبَسْمَلَةُ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ]

- ‌[مَبَاحِثُ اللُّغَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُفْرَدَاتُ مَوْضُوعَةٌ]

- ‌[الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ لَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ اللَّفْظِ الْمَشْهُورِ فِي مَعْنًى خَفِيٍّ جِدًّا]

- ‌[مَعْنَى التَّوْقِيفِ]

- ‌[الْأَسْمَاءُ الَّتِي عَلَّمَهَا اللَّهُ آدَمَ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الِاحْتِجَاجُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَغْيِيرُ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌[ثُبُوتُ الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْمُنَاسَبَةُ فِي الْوَضْعِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْأَلْفَاظِ تَقْسِيمُ الدَّلَالَةِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ]

- ‌[أَقْسَامُ اللَّازِمِ]

- ‌[الْمُلَازَمَةُ الذِّهْنِيَّةُ شَرْطٌ فِي الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَفْظِيَّةٌ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ قَدْ تَنْفَكُّ عَنْ التَّضَمُّنِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ]

- ‌[دَلَالَةُ الِاسْتِدْعَاءِ]

- ‌[انْقِسَامُ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ]

- ‌[الْكُلِّيُّ وَالْجُزْئِيُّ]

- ‌[الطَّبِيعِيُّ وَالْمَنْطِقِيُّ وَالْعَقْلِيُّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّيِّ وَالْكُلِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْكُلِّيِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرَضِيِّ اللَّازِمِ وَالذَّاتِيِّ]

- ‌[الْجُزْئِيُّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ عَلَمِ الْجِنْسِ وَعَلَمِ الشَّخْصِ وَاسْمِ الْجِنْس]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِسْبَةِ الْأَسْمَاءِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ]

- ‌[تَقْسِيمُ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي أَمْرَيْنِ يَتَعَيَّنُ الِاهْتِمَامُ بِهِمَا]

- ‌[مَبَاحِثُ الِاشْتِقَاقِ]

- ‌[حَدّ الِاشْتِقَاق]

- ‌[فَائِدَةُ الِاشْتِقَاق]

- ‌[تَقْسِيم الِاشْتِقَاق]

- ‌[أَرْكَان الِاشْتِقَاق]

- ‌[أَقْسَام الِاشْتِقَاق]

- ‌[مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ فِي اشْتِقَاقِ الْأَفْعَالِ مِنْ الْمَصَادِرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شَرْطُ صِدْقِ الْمُشْتَقِّ صِدْقُ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاشْتِقَاقُ مِنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالشَّيْءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ]

- ‌[مَبَاحِثُ التَّرَادُفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ تَرَادُفٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي سَبَبِ التَّرَادُفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّرَادُفُ خِلَافُ الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللُّغَاتُ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةَ سَوَاءٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَرَادُفُ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِتْبَاعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّأْكِيدُ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ]

- ‌[هَلْ التَّأْكِيدُ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ]

- ‌[مَسْأَلَةُ التَّأْكِيدُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ]

- ‌[أَقْسَامُ التَّأْكِيدِ]

- ‌[مَبَاحِثُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعِلْمُ بِكَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حَقِيقَةِ وُقُوعِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ خِلَافُ الْغَالِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ لَهُ مَفْهُومَانِ فَصَاعِدًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَجَرُّدُ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْقَرِينَةِ]

- ‌[اقْتِرَانُ الْقَرِينَةِ بِالْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حُكْمِ الْمُشْتَرَك بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ]

- ‌[تَنْبِيه الْخِلَافَ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ]

- ‌[اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَافُ الْمَعْنَيَيْنِ]

الفصل: ‌[إنزال القرآن بلغة العرب]

[إنْزَالُ الْقُرْآنِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ]

مَسْأَلَةٌ [إنْزَالُ الْقُرْآنِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ]

وَأَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلُغَةِ الْعَرَبِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] وَأَوْرَدَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ سُؤَالًا حَسَنًا، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام مَبْعُوثًا إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَبْعُوثًا بِلِسَانِهِمْ. أَمَّا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَمَبْعُوثٌ إلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ، فَلِمَ صَارَ مَبْعُوثًا بِلِسَانِ بَعْضِهِمْ؟ أَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عليه السلام مَبْعُوثًا بِلِسَانِ جَمِيعِهِمْ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْعُرْفِ وَالْمَعْهُودِ مِنْ الْكَلَامِ، وَيَبْعُدُ بَلْ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَرِدَ كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ مُكَرَّرَةً بِكُلِّ الْأَلْسِنَةِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِلِسَانِ بَعْضِهِمْ، وَكَانَ اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ أَحَقَّ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ، لِأَنَّهُ أَوْسَعُ وَأَفْصَحُ، وَلِأَنَّهُ لِسَانُ أَوْلَى بِالْمُخَاطَبِينَ.

قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ: وَنَزَلَ بِلُغَةِ الْحِجَازِيِّينَ إلَّا قَلِيلًا، فَإِنَّهُ نَزَلَ بِلُغَةِ التَّمِيمِيِّينَ فَمِنْ الْقَلِيلِ إدْغَامٌ {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 4] فِي سُورَةِ الْحَشْرِ {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [المائدة: 54] فِي قِرَاءَةِ غَيْرِ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ فَإِنَّ الْإِدْغَامَ فِي الْمَجْزُومِ وَالْأَمْرَ الْمُضَاعَفَ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَالْفَكُّ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَكَذَلِكَ نَحْوُ

ص: 182

{مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [المائدة: 54]{فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ} [البقرة: 282] وَ {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] وَ {يُمْدِدْكُمْ} [آل عمران: 125] وَ {وَمَنْ يُشَاقِقِ} [الأنفال: 13] وَ {مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ} [التوبة: 63] وَ {واسْتَفْزِزْ} [الإسراء: 64]، {فَلْيَمْدُدْ - وَاحْلُلْ} [طه: 75 - 27] وَ {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه: 31]{وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ} [طه: 81] قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى نَصْبِ {إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157] لِأَنَّ لُغَةَ الْحِجَازِيِّينَ الْتِزَامُ النَّصْبِ فِي الْمُنْقَطِعِ، وَإِنْ كَانَ بَنُو تَمِيمٍ يُتْبِعُونَ، كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى نَصْبِ {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31] ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ الْحِجَازِيِّينَ، وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النمل: 65] أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ جَاءَ عَلَى لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ، ثُمَّ نَازَعَهُ فِي ذَلِكَ.

مَسْأَلَةٌ [الْإِعْجَازُ فِي النَّظْمِ وَالْإِعْرَابِ]

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ مُعْجِزٌ، لِأَنَّ الْعَرَبَ عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِهِ هَلْ كَانَ لِكَوْنِهِ مُعْجِزًا أَوْ لِمَنْعِ اللَّهِ إيَّاهُمْ عَنْ ذَلِكَ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالصَّرْفِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

ص: 183

وَالثَّانِي: قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَالْأَوَّلُ: قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: الْإِعْجَازُ لِخُرُوجِهِ عَنْ سَائِرِ أَسَالِيبِ الْعَرَبِ فَزَادَهُمْ أُسْلُوبًا لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي لُغَتِهِمْ، لِأَنَّهَا مَحْصُورَةٌ فِي الرَّجَزِ، وَالشِّعْرِ، وَالرِّسَالَةِ، وَالْخَطِّ، وَمَنْظُومِ الْكَلَامِ وَمَنْثُورِهِ، وَالْقُرْآنُ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ، فَجَرَى مَجْرَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى فِي زَمَنِ عِيسَى، لِأَنَّ فِي وَقْتِهِ كَانَ الْأَطِبَّاءُ يَدَّعُونَ تَصْحِيحَ الْمَرْضَى، وَلَمْ يَكُنْ دَعْوَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى فَزَادَ عَلَيْهِمْ إحْيَاءُ الْمَوْتَى، وَكَذَلِكَ عَصَا مُوسَى.

وَقِيلَ: الْإِعْجَازُ فِي بَلَاغَتِهِ وَجَزَالَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ الْمُجَاوِزَةِ لِحُدُودِ جَزَالَةِ كَلَامِ الْعَرَبِ.

قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْأَسَالِيبِ ": وَالْمُخْتَارُ: أَنَّ الْإِعْجَازَ فِي جَزَالَتِهِ مَعَ أُسْلُوبِهِ الْخَارِجِ عَنْ أَسَالِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَالْجَزَالَةُ وَالْأُسْلُوبُ مَعًا مُتَعَلِّقَانِ بِالْأَلْفَاظِ، وَالْمَعْنَى فِي حُكْمِ الشَّائِعِ لِلَّفْظِ، وَاللَّفْظُ هُوَ الْمَتْبُوعُ، وَمِنْ ثَمَّ لَا تَقُومُ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ مَقَامَهُ فِي إقَامَةِ فَرْضِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَاخْتَارَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " نَحْوَهُ.

وَحُكِيَ عَنْ الْجَاحِظِ أَنَّ الْإِعْجَازَ مَنْعُ الْخَلْقِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُ الصِّرْفَةِ الْمَعْزُوِّ إلَى الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَالْمُعْتَزِلَةِ. فَإِنَّ قَوْلَ الصَّارِفَةِ مَعْنَاهُ: أَنَّ قُوَاهُمْ كَانَتْ مَجْبُولَةً عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ سَلَبَهُمْ اللَّهُ تِلْكَ الْقُوَّةَ، فَصَارُوا عَاجِزِينَ، وَالْإِعْجَازُ حَاصِلٌ بِهَذَا حُصُولَ ابْتِدَاءٍ، لِأَنَّ سَلْبَ الْإِنْسَانِ قُدْرَتَهُ أَعْجَزُ لَهُ وَأَبْلَغُ مِنْ تَحَدِّيهِ بِمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ.

وَقِيلَ: الْإِعْجَازُ فِيهِ غَرَابَةُ النَّظْمِ مَعَ الْإِخْبَارِ عَنْ الْغَيْبِ وَإِتْيَانِهِ بِقَصَصِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.

مَسْأَلَةٌ

وَهَلْ الْإِعْجَازُ فِي النَّظْمِ وَحْدَهُ دُونَ الْإِعْرَابِ أَوْ فِي النَّظْمِ وَالْإِعْرَابِ

ص: 184

مَعًا؟ خِلَافٌ. حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي فِي " التَّتِمَّةِ " وَالرُّويَانِيُّ فِي " الْبَحْرِ " فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَفَرَّعَا عَلَيْهِ مَا لَوْ لَحَنَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى، كَمَا لَوْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَنَصَبَ الْهَاءَ، هَلْ تُجْزِئُهُ؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: الْقُرْآنُ عِبَارَةٌ عَنْ النَّظْمِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى.

مَسْأَلَةٌ

لَا يَجُوزُ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَغَيْرِهَا بَلْ يَجِبُ قِرَاءَتُهُ عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْإِعْجَازُ لِتَقْصِيرِ التَّرْجَمَةِ عَنْهُ، وَلِتَقْصِيرِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْسُنِ عَنْ الْبَيَانِ الَّذِي خُصَّ بِهِ دُونَ سَائِرِ الْأَلْسِنَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195] هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَحَدًّى بِنَظْمِهِ وَأُسْلُوبِهِ، وَإِذَا لَمْ تَجُزْ قِرَاءَتُهُ بِالتَّفْسِيرِ الْعَرَبِيِّ الْمُتَحَدَّى بِنَظْمِهِ فَأَحْرَى أَنْ لَا تَجُوزَ بِالتَّرْجَمَةِ بِلِسَانِ غَيْرِهِ. وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ ": عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِالْقُرْآنِ بِالْفَارِسِيَّةِ. قِيلَ لَهُ: فَإِذَنْ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُفَسِّرَ الْقُرْآنَ.

قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ هُنَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَعْضِ مُرَادِ اللَّهِ وَيَعْجَزُ عَنْ الْبَعْضِ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ مُرَادِ اللَّهِ.

وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بَيْنَ التَّرْجَمَةِ وَالتَّفْسِيرِ، فَقَالَ: يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْأَلْسُنِ بَعْضِهَا بِبَعْضِهِ، لِأَنَّ التَّفْسِيرَ: عِبَارَةٌ عَمَّا قَامَ فِي النَّفْسِ مِنْ الْمَعْنَى لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ.

وَالتَّرْجَمَةُ: هِيَ بَدَلُ اللَّفْظَةِ بِلَفْظَةٍ تَقُومُ مَقَامَهَا فِي مَفْهُومِ الْمَعْنَى لِلسَّامِعِ الْمُعْتَبِرِ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ، فَكَأَنَّ التَّرْجَمَةَ إحَالَةُ فَهْمِ السَّامِعِ عَلَى الِاعْتِبَارِ،

ص: 185

وَالتَّفْسِيرُ تَعْرِيفُ السَّامِعِ بِمَا فَهِمَ الْمُتَرْجِمُ، وَهَذَا فَرْقٌ حَسَنٌ، وَمَا أَحَالَهُ الْقَفَّالُ مِنْ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ فَارِسٍ عَنْ كِتَابِ " فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ " أَيْضًا.

فَقَالَ: لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَرْجِمِينَ عَلَى أَنْ يَنْقُلَ الْقُرْآنَ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَلْسِنَةِ كَمَا نُقِلَ الْإِنْجِيلُ عَنْ السُّرْيَانِيَّةِ إلَى الْحَبَشِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ، وَتُرْجِمَتْ التَّوْرَاةُ، وَالزَّبُورُ وَسَائِرُ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّ الْعَجَمَ لَمْ تَتَّسِعْ فِي الْمَجَازِ اتِّسَاعَ الْعَرَبِ. أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ أَرَدْت أَنْ تَنْقُلَ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَلَا:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَأْتِيَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُؤَدِّيَةً عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي أُودِعَتْ فِيهِ حَتَّى تَبْسُطَ مَجْمُوعَهَا، وَتَفُكَّ مَنْظُومَهَا، وَتُظْهِرَ مَسْتُورَهَا فَتَقُولُ: إنْ كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ قَوْمٍ هُدْنَةٌ وَعَهْدٌ فَخِفْتَ مِنْهُمْ خِيَانَةً وَنَقْضًا، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّكَ قَدْ نَقَضْتَ مَا شَرَطْتَهُ لَهُمْ، وَآذِنْهُمْ بِالْحَرْبِ لِتَكُونَ أَنْتَ وَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِالنَّقْضِ عَلَى اسْتِوَاءٍ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف: 11] اهـ.

وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ الْمَحْكِيَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ قِرَاءَتِهِ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَصَوُّرِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ. حَكَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي " شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ ". وَاَلَّذِينَ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى الرُّجُوعِ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالُوا: أَرَادَ بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْعَجْزِ عَنْ الْقُرْآنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ اُمْتُنِعَ، وَحُكِمَ بِزَنْدَقَةِ فَاعِلِهِ.

وَجَعَلَ الْقَفَّالُ فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي " الْأَسْرَارِ " مَأْخَذَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ الْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَرَأَيْتُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمَغَارِبَةِ أَنَّ الْمَنْعَ مَخْصُوصٌ بِالتِّلَاوَةِ، فَأَمَّا مَا تَرْجَمَتُهُ

ص: 186