المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[جواز تكليف المحال] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٢

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[خِطَابُ الْوَضْعِ]

- ‌ السَّبَبِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لِلْأَسْبَابِ أَحْكَامٌ تُضَافُ إلَيْهَا]

- ‌[الْمَانِعُ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَانِعِ]

- ‌[مَسْأَلَة الصِّحَّة وَالْفَسَادِ]

- ‌[الصِّحَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَاهِيَّاتِ مِنْ عِبَادَةٍ وَعَقْدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصِّحَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثَوَابُ الصَّلَاةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْزَاءُ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالْفِعْلِ فِي سُقُوطِ الْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجَائِزُ مَا وَافَقَ الشَّرِيعَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُقَابِلُ الصِّحَّةَ الْبُطْلَانُ]

- ‌[التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الرُّخْصَةُ وَالْعَزِيمَةُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي مَدْلُولِهِمَا]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي الرُّخْصَة مِنْ أَيِّ الْخِطَابَيْنِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ أَقْسَامِ الرُّخْصَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِعَادَةُ]

- ‌[فَرْعٌ تَأْخِيرُ الْمَأْمُورِ بِهِ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعِبَادَةُ الَّتِي تَقَعُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَتَكُونُ أَدَاءً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْبَقَاءِ]

- ‌[التَّكْلِيفُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ حَسَنٌ فِي الْعُقُولِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ هَلْ يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالْأَصْلَحِ]

- ‌ الْمُكَلَّفِ

- ‌[فَرْعٌ تَكْلِيفُ مَنْ أَحُيِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ]

- ‌[فُرُوعٌ الِانْشِغَالُ عَنْ الصَّلَاةِ بِلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ]

- ‌[تَكْلِيف السَّكْرَان]

- ‌[التَّكْلِيفُ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَى قِسْمَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَنْتَفِي شَرْطُ وُقُوعِهِ عِنْدَ وَقْتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَعْدُومُ الَّذِي تَعَلَّقَ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ مَأْمُورٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُكَلَّفِ الْحُرِّيَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الذُّكُورِ فِي الْإِنَاثِ فِي الْخِطَابِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْجِنِّ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُكَلَّفُ بِهِ]

- ‌[جَوَازُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ]

- ‌[وُقُوعُ التَّكَلُّفِ بِالْمُحَالِ]

- ‌[التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ لَا يُشْتَرَطْ فِيهِ الْإِمْكَانُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خِطَابُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ اسْتِحَالَةُ مُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ بِإِنْشَاءِ فَرْعٍ عَلَى الصِّحَّةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الثَّانِي هَلْ يُخَاطَبُ الْكَافِرُ بِالْفُرُوعِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ تَكْلِيفُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ سُقُوط حَقّ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْكَافِر إذَا أَسْلَمَ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ السَّادِسُ حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ]

- ‌[التَّنْبِيه السَّابِعُ الْإِمْكَانَ الْمُشْتَرِطَ فِي التَّكْلِيفِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ نَاجِزًا]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْحَادِيَ عَشَرَ قُرَبُ الْكُفَّارِ]

- ‌[جُنُونُ الْكَافِرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ يَرْفَعُ عَنْهُ الْقَلَمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ هَلْ يَتَوَجَّهُ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ أَوْ قَبْلَهَا]

- ‌[تَقَدَّمَ الْأَمْرُ عَلَى وَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلتَّكْلِيفِ]

- ‌[مَبَاحِثُ الْكِتَابِ] [

- ‌تَعْرِيفُ الْقُرْآنِ]

- ‌[الْإِعْجَازُ فِي قِرَاءَةِ كَلَامِ اللَّهِ]

- ‌[إنْزَالُ الْقُرْآنِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ]

- ‌[الْأَلْفَاظُ غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وُرُودُ الْمُهْمَلِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا زَائِدَ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ]

- ‌[بَقَاءُ الْمُجْمَلِ فِي الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النَّصُّ وَالظَّاهِرُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَيْسَتْ الْقِرَاءَاتُ اخْتِيَارِيَّةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْبَسْمَلَةُ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ]

- ‌[مَبَاحِثُ اللُّغَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُفْرَدَاتُ مَوْضُوعَةٌ]

- ‌[الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ لَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ اللَّفْظِ الْمَشْهُورِ فِي مَعْنًى خَفِيٍّ جِدًّا]

- ‌[مَعْنَى التَّوْقِيفِ]

- ‌[الْأَسْمَاءُ الَّتِي عَلَّمَهَا اللَّهُ آدَمَ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الِاحْتِجَاجُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَغْيِيرُ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌[ثُبُوتُ الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْمُنَاسَبَةُ فِي الْوَضْعِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْأَلْفَاظِ تَقْسِيمُ الدَّلَالَةِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ]

- ‌[أَقْسَامُ اللَّازِمِ]

- ‌[الْمُلَازَمَةُ الذِّهْنِيَّةُ شَرْطٌ فِي الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَفْظِيَّةٌ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ قَدْ تَنْفَكُّ عَنْ التَّضَمُّنِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ]

- ‌[دَلَالَةُ الِاسْتِدْعَاءِ]

- ‌[انْقِسَامُ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ]

- ‌[الْكُلِّيُّ وَالْجُزْئِيُّ]

- ‌[الطَّبِيعِيُّ وَالْمَنْطِقِيُّ وَالْعَقْلِيُّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّيِّ وَالْكُلِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْكُلِّيِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرَضِيِّ اللَّازِمِ وَالذَّاتِيِّ]

- ‌[الْجُزْئِيُّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ عَلَمِ الْجِنْسِ وَعَلَمِ الشَّخْصِ وَاسْمِ الْجِنْس]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِسْبَةِ الْأَسْمَاءِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ]

- ‌[تَقْسِيمُ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي أَمْرَيْنِ يَتَعَيَّنُ الِاهْتِمَامُ بِهِمَا]

- ‌[مَبَاحِثُ الِاشْتِقَاقِ]

- ‌[حَدّ الِاشْتِقَاق]

- ‌[فَائِدَةُ الِاشْتِقَاق]

- ‌[تَقْسِيم الِاشْتِقَاق]

- ‌[أَرْكَان الِاشْتِقَاق]

- ‌[أَقْسَام الِاشْتِقَاق]

- ‌[مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ فِي اشْتِقَاقِ الْأَفْعَالِ مِنْ الْمَصَادِرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شَرْطُ صِدْقِ الْمُشْتَقِّ صِدْقُ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاشْتِقَاقُ مِنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالشَّيْءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ]

- ‌[مَبَاحِثُ التَّرَادُفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ تَرَادُفٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي سَبَبِ التَّرَادُفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّرَادُفُ خِلَافُ الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللُّغَاتُ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةَ سَوَاءٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَرَادُفُ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِتْبَاعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّأْكِيدُ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ]

- ‌[هَلْ التَّأْكِيدُ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ]

- ‌[مَسْأَلَةُ التَّأْكِيدُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ]

- ‌[أَقْسَامُ التَّأْكِيدِ]

- ‌[مَبَاحِثُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعِلْمُ بِكَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حَقِيقَةِ وُقُوعِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ خِلَافُ الْغَالِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ لَهُ مَفْهُومَانِ فَصَاعِدًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَجَرُّدُ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْقَرِينَةِ]

- ‌[اقْتِرَانُ الْقَرِينَةِ بِالْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حُكْمِ الْمُشْتَرَك بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ]

- ‌[تَنْبِيه الْخِلَافَ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ]

- ‌[اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَافُ الْمَعْنَيَيْنِ]

الفصل: ‌[جواز تكليف المحال]

إذَا عَلِمَتْ هَذَا فَالنَّظَرُ فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ الْعَقْلِيُّ، وَالثَّانِي: الْوُقُوعُ.

[جَوَازُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ]

[جَوَازُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ] أَمَّا الْجَوَازُ فَفِيهِ مَذَاهِبُ: أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ جَوَازُهُ مُطْلَقًا، قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ.

وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الشَّامِلِ " الَّذِي مَالَ إلَيْهِ أَكْثَرُ أَجْوِبَةِ شَيْخِنَا وَارْتَضَاهُ الْمُحَصِّلُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ جَائِزٌ عَقْلًا، وَكَذَلِكَ تَكْلِيفُ الشَّيْءِ مَعَ تَقْدِيرِ الْمَنْعِ مِنْهُ اسْتِمْرَارًا، وَفِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ لَا يُسَوِّغُ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ كَجَمْعِ الضِّدَّيْنِ، وَالْإِقْدَامِ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ مَعَ اسْتِمْرَارِ الْمَانِعِ مِنْهُ، وَمَعَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ ثُمَّ لَمْ يَصِرْ فِي مَنْعِهِ إلَى التَّقْبِيحِ الَّذِي ادَّعَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ، فَإِنَّ هَذَا الْأَصْلَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ " الْإِرْشَادُ ": مِنْ صُوَرِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ، وَإِيقَاعُ مَا يَخْرُجُ عَنْ قَبِيلِ الْمَقْدُورَاتِ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ جَائِزٌ عَقْلًا غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ. اهـ.

وَقَدْ نَصَّ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ " الْوَجِيزِ " عَلَى الْجَوَازِ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِاسْتِحَالَتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] فَقَالَ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَالًا لَمَا اسْتَقَامَ الِابْتِهَالُ إلَى اللَّهِ بِدَفْعِهِ. اهـ. يَعْنِي لَوْلَا جَوَازُهُ لَمَا اسْتَعَاذُوا مِنْهُ، إذْ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ مُحَالٍ مُحَالٌ، وَالْخَصْمُ يَتَأَوَّلُهُ عَلَى مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ، ثُمَّ هِيَ مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي صَدْرِ الْآيَةِ:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .

ص: 111

وَحَاوَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ نَفْيَ هَذَا الْمَذْهَبِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ، وَزَعَمَ أَنَّ الَّذِي جَوَّزَهُ وُرُودُ صِيغَةٍ مُضَاهِيَةٍ لِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَالْغَرَضُ مِنْهَا تَعْجِيزُ وَتَبْيِينُ حُلُولِ الْعِقَابِ الَّذِي لَا مَحِيصَ عَنْهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ طَلَبًا وَاقْتِضَاءً، وَمَثَّلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] فَإِنَّ ظَاهِرَهُ تَعْلِيقُ الْخَلَاصِ مِنْ الْعِقَابِ بِانْسِلَاكِ الْجَمَلِ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ تَعْلِيقًا، وَإِنَّمَا هُوَ إبْدَاءُ الْيَأْسِ مِنْ النَّجَاةِ.

وَيَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ صَدْرُ الْآيَةِ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَهَذَا مَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الشَّامِلِ " عَنْ وَالِدِهِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَارْتَضَاهُ صَاحِبُ " الْمَحْصُولِ " حَيْثُ قَالَ فِي بَعْضِ الْأَجْوِبَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: الْمُرَادُ بِقَوْلِنَا: التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ جَائِزٌ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْأَمْرُ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَصَوَّرُ الطَّاعَةَ مِنَّا فِي ذَلِكَ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَأْمُرَ بِأَمْرٍ نَعْجَزُ عَنْهُ قَطْعًا وَأَنَّهُ مَتَى أَمَرَنَا بِهِ حَصَلَ الْإِعْلَامُ بِنُزُولِ الْعِقَابِ لَكِنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ لَمَّا حَكَاهُ عَنْ وَالِدِهِ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ عَقْلًا تَسْمِيَةُ الطَّلَبِ مِنْ الْمُحَالِ لَزِمَ مِثْلُهُ وَتَكْلِيفُ مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْفِعْلِ وَإِنْ سَاغَ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ طَلَبًا سَاغَ فِي تَكْلِيفِ الْمُحَالِ وَيُعْتَضَدُ ذَلِكَ بِأَصْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أُصُولِنَا، وَهُوَ أَنَّ التَّكْلِيفَ الصَّادِرَ لَيْسَ مَنِّ شَرْطِ ثُبُوتِهِ كَوْنُ الْمُكَلَّفِ مُرِيدًا لِوُقُوعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِيلُ إرَادَةُ وُقُوعِ الْمُحَالِ، وَأَمَّا طَلَبُهُ مَعَ انْتِفَاءِ إرَادَةِ امْتِنَاعِهِ فَلَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ.

وَالثَّانِي: الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ، قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ ": وَسَاعَدَهُمْ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ.

ص: 112

قُلْت: وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَنَقَلَهُ فِي " الْمُرْشِدِ " عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَمِنْ الْأَقْدَمِينَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِ " الدَّلَائِلِ وَالْإِعْلَامِ " وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي " الْأُمِّ " فَإِنَّهُ قَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أَنَّ عَلَيْكُمْ إتْيَانَ الْأَمْرِ فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ، لِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كُلِّفُوا فِيمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ الْفِعْلِ اسْتِطَاعَةَ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ مُكَلَّفٌ.

وَأَمَّا النَّهْيُ فَالتُّرْكُ لِكُلِّ مَا أَرَادَ تَرْكَهُ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَكْلِيفِ شَيْءٍ يَحْدُثُ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مُتَكَلَّفٌ عَنْهُ. اهـ لَفْظُهُ.

قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَلَيْسَ مَأْخَذُ الْمَانِعِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ التَّقْبِيحُ الْعَقْلِيُّ كَمَا صَارَ إلَيْهِ الْمُعْتَزِلَةُ بَلْ مَأْخَذُهُمْ: أَنَّ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ لَا يَصِحَّانِ مِنْ الْعَاجِزِ فَبَطَلَ تَقْدِيرُ الْوُجُوبِ وَعَلَى هَذَا إنَّمَا كُلِّفَ أَبُو لَهَبٍ بِأَنْ يُصَدِّقَ بِأَنْ لَا يَصْدُقَ، بَلْ كُلِّفَ أَنْ يُصَدِّقَ، وَلَوْ صَدَّقَ لَكَانَ مِمَّنْ لَا يَصْدُقُ، لِقَوْلِهِ:{سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد: 3] أَيْ إنْ لَمْ يُؤْمِنْ، وَخِلَافُ الْمَعْلُومِ مَقْدُورٌ، فَلَا يُمْكِنُ تَكْلِيفُ الْعَاجِزِ.

وَالثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ، أَوْ لِغَيْرِهِ فَيَجُوزُ، وَنُقِلَ عَنْ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ مَيْلِ الْغَزَالِيِّ وَقَدْ رَأَيْت فِي " الْإِحْيَاءِ " لَهُ التَّصْرِيحُ بِالْجَوَازِ، وَقَالَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ وَجَدَ لَهُ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ. وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي " شَرْحِ الْعُنْوَانِ " الْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ، وَاَلَّذِي يَمْنَعُهُ الْمُحَالُ بِنَفْسِهِ وَإِيمَانُ أَبِي لَهَبٍ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ مُسْتَحِيلٌ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِعَدَمِهِ فَلَا يَكُونُ

ص: 113