المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[مَبَاحِثُ اللُّغَةِ] وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِأَنَّ مُعْظَمَ نَظَرِ الْأُصُولِيِّ - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٢

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[خِطَابُ الْوَضْعِ]

- ‌ السَّبَبِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ لِلْأَسْبَابِ أَحْكَامٌ تُضَافُ إلَيْهَا]

- ‌[الْمَانِعُ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَانِعِ]

- ‌[مَسْأَلَة الصِّحَّة وَالْفَسَادِ]

- ‌[الصِّحَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَاهِيَّاتِ مِنْ عِبَادَةٍ وَعَقْدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصِّحَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثَوَابُ الصَّلَاةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْزَاءُ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالْفِعْلِ فِي سُقُوطِ الْأَمْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجَائِزُ مَا وَافَقَ الشَّرِيعَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يُقَابِلُ الصِّحَّةَ الْبُطْلَانُ]

- ‌[التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الرُّخْصَةُ وَالْعَزِيمَةُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي مَدْلُولِهِمَا]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي الرُّخْصَة مِنْ أَيِّ الْخِطَابَيْنِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ أَقْسَامِ الرُّخْصَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِعَادَةُ]

- ‌[فَرْعٌ تَأْخِيرُ الْمَأْمُورِ بِهِ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعِبَادَةُ الَّتِي تَقَعُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَتَكُونُ أَدَاءً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْبَقَاءِ]

- ‌[التَّكْلِيفُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ حَسَنٌ فِي الْعُقُولِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ هَلْ يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالْأَصْلَحِ]

- ‌ الْمُكَلَّفِ

- ‌[فَرْعٌ تَكْلِيفُ مَنْ أَحُيِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ]

- ‌[فُرُوعٌ الِانْشِغَالُ عَنْ الصَّلَاةِ بِلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ]

- ‌[تَكْلِيف السَّكْرَان]

- ‌[التَّكْلِيفُ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَى قِسْمَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَنْتَفِي شَرْطُ وُقُوعِهِ عِنْدَ وَقْتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَعْدُومُ الَّذِي تَعَلَّقَ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ مَأْمُورٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُكَلَّفِ الْحُرِّيَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الذُّكُورِ فِي الْإِنَاثِ فِي الْخِطَابِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْجِنِّ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُكَلَّفُ بِهِ]

- ‌[جَوَازُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ]

- ‌[وُقُوعُ التَّكَلُّفِ بِالْمُحَالِ]

- ‌[التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ لَا يُشْتَرَطْ فِيهِ الْإِمْكَانُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خِطَابُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ اسْتِحَالَةُ مُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ بِإِنْشَاءِ فَرْعٍ عَلَى الصِّحَّةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الثَّانِي هَلْ يُخَاطَبُ الْكَافِرُ بِالْفُرُوعِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ تَكْلِيفُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ سُقُوط حَقّ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْكَافِر إذَا أَسْلَمَ]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ]

- ‌[التَّنْبِيهُ السَّادِسُ حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ]

- ‌[التَّنْبِيه السَّابِعُ الْإِمْكَانَ الْمُشْتَرِطَ فِي التَّكْلِيفِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ نَاجِزًا]

- ‌[التَّنْبِيهُ الْحَادِيَ عَشَرَ قُرَبُ الْكُفَّارِ]

- ‌[جُنُونُ الْكَافِرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ يَرْفَعُ عَنْهُ الْقَلَمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّكْلِيفُ هَلْ يَتَوَجَّهُ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ أَوْ قَبْلَهَا]

- ‌[تَقَدَّمَ الْأَمْرُ عَلَى وَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلتَّكْلِيفِ]

- ‌[مَبَاحِثُ الْكِتَابِ] [

- ‌تَعْرِيفُ الْقُرْآنِ]

- ‌[الْإِعْجَازُ فِي قِرَاءَةِ كَلَامِ اللَّهِ]

- ‌[إنْزَالُ الْقُرْآنِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ]

- ‌[الْأَلْفَاظُ غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وُرُودُ الْمُهْمَلِ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا زَائِدَ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ]

- ‌[بَقَاءُ الْمُجْمَلِ فِي الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النَّصُّ وَالظَّاهِرُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَيْسَتْ الْقِرَاءَاتُ اخْتِيَارِيَّةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْبَسْمَلَةُ فِي الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ]

- ‌[مَبَاحِثُ اللُّغَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُفْرَدَاتُ مَوْضُوعَةٌ]

- ‌[الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ لَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَضْعُ اللَّفْظِ الْمَشْهُورِ فِي مَعْنًى خَفِيٍّ جِدًّا]

- ‌[مَعْنَى التَّوْقِيفِ]

- ‌[الْأَسْمَاءُ الَّتِي عَلَّمَهَا اللَّهُ آدَمَ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الِاحْتِجَاجُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَغْيِيرُ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌[ثُبُوتُ الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[الْمُنَاسَبَةُ فِي الْوَضْعِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْأَلْفَاظِ تَقْسِيمُ الدَّلَالَةِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ]

- ‌[أَقْسَامُ اللَّازِمِ]

- ‌[الْمُلَازَمَةُ الذِّهْنِيَّةُ شَرْطٌ فِي الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَفْظِيَّةٌ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ قَدْ تَنْفَكُّ عَنْ التَّضَمُّنِ]

- ‌[دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ]

- ‌[دَلَالَةُ الِاسْتِدْعَاءِ]

- ‌[انْقِسَامُ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ]

- ‌[الْكُلِّيُّ وَالْجُزْئِيُّ]

- ‌[الطَّبِيعِيُّ وَالْمَنْطِقِيُّ وَالْعَقْلِيُّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّيِّ وَالْكُلِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْكُلِّيِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرَضِيِّ اللَّازِمِ وَالذَّاتِيِّ]

- ‌[الْجُزْئِيُّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ عَلَمِ الْجِنْسِ وَعَلَمِ الشَّخْصِ وَاسْمِ الْجِنْس]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِسْبَةِ الْأَسْمَاءِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ]

- ‌[تَقْسِيمُ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي أَمْرَيْنِ يَتَعَيَّنُ الِاهْتِمَامُ بِهِمَا]

- ‌[مَبَاحِثُ الِاشْتِقَاقِ]

- ‌[حَدّ الِاشْتِقَاق]

- ‌[فَائِدَةُ الِاشْتِقَاق]

- ‌[تَقْسِيم الِاشْتِقَاق]

- ‌[أَرْكَان الِاشْتِقَاق]

- ‌[أَقْسَام الِاشْتِقَاق]

- ‌[مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ فِي اشْتِقَاقِ الْأَفْعَالِ مِنْ الْمَصَادِرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شَرْطُ صِدْقِ الْمُشْتَقِّ صِدْقُ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاشْتِقَاقُ مِنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالشَّيْءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ]

- ‌[مَبَاحِثُ التَّرَادُفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ تَرَادُفٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي سَبَبِ التَّرَادُفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّرَادُفُ خِلَافُ الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللُّغَاتُ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةَ سَوَاءٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَرَادُفُ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِتْبَاعُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّأْكِيدُ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ]

- ‌[هَلْ التَّأْكِيدُ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ]

- ‌[مَسْأَلَةُ التَّأْكِيدُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ]

- ‌[أَقْسَامُ التَّأْكِيدِ]

- ‌[مَبَاحِثُ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعِلْمُ بِكَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حَقِيقَةِ وُقُوعِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ خِلَافُ الْغَالِبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ لَهُ مَفْهُومَانِ فَصَاعِدًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَجَرُّدُ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْقَرِينَةِ]

- ‌[اقْتِرَانُ الْقَرِينَةِ بِالْمُشْتَرَكِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حُكْمِ الْمُشْتَرَك بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ]

- ‌[تَنْبِيه الْخِلَافَ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ]

- ‌[اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَافُ الْمَعْنَيَيْنِ]

الفصل: ‌ ‌[مَبَاحِثُ اللُّغَةِ] وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِأَنَّ مُعْظَمَ نَظَرِ الْأُصُولِيِّ

[مَبَاحِثُ اللُّغَةِ]

وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِأَنَّ مُعْظَمَ نَظَرِ الْأُصُولِيِّ فِي دَلَالَاتِ الصِّيَغِ، كَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَأَحْكَامِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَدَلِيلِ الْخِطَابِ وَمَفْهُومِهِ.

فَاحْتَاجَ إلَى النَّظَرِ فِي ذَلِكَ تَكْمِيلًا لِلنَّظَرِ فِي الْأُصُولِ، وَنَسِمُهُ بِمُقَدِّمَتَيْنِ:

إحْدَاهُمَا: تَعَلُّمُ اللُّغَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ.

قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ فَارِسٍ: تَعَلُّمُ عِلْمِ اللُّغَةِ وَاجِبٌ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ لِئَلَّا يَحِيدُوا فِي تَأْلِيفِهِمْ أَوْ فُتْيَاهُمْ عَنْ سُنَنِ الِاسْتِقْرَاءِ.

قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحَاجَةُ إلَى عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّ الْإِعْرَابَ هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْمَعَانِي، أَلَا تَرَى إذَا قُلْت: مَا أَحْسَنَ زَيْدٌ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالنَّفْيِ إلَّا بِالْإِعْرَابِ؟ . وَنَازَعَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ " فِي كَوْنِهِمَا فَرْضَ كِفَايَةٍ، لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ وَاحِدٌ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ.

قَالَ: وَاللُّغَةُ وَالنَّحْوُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ فِي كُلِّ عَصْرٍ أَنْ يَقُومَ بِهِ قَوْمٌ يَبْلُغُونَ حَدَّ التَّوَاتُرِ، لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الشَّرْعِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِوَاسِطَةِ مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ، وَالْعِلْمُ بِهِمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، فَإِنَّهُ لَوْ انْتَهَى النَّقْلُ فِيهِ إلَى حَدِّ الْآحَادِ لَصَارَ الِاسْتِدْلَال عَلَى جُمْلَةِ الشَّرْعِ اسْتِدْلَالًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الشَّرْعُ مَظْنُونًا لَا مَقْطُوعًا، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ.

الثَّانِيَةُ: نَبَّهَ الْإِبْيَارِيُّ فِي كَلَامٍ لَهُ عَلَى شَيْءٍ يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهُ هُنَا، وَهُوَ

ص: 228

أَنَّ الْأُصُولِيَّ إنَّمَا احْتَاجَ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ لِيَفْهَمَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ بِالْأُصُولِيِّ إلَى مَعْرِفَةِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ وَالْأَلْفَاظِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ افْتَقَرْنَا إلَى تَقْدِيمِ أَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ هَلْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي اللُّغَةِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ ثَبَتَ عَدَمُ التَّصَرُّفِ اكْتَفَى الْأُصُولِيُّ بِمَعْرِفَةِ وَضْعِ اللُّغَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُقْنِعٌ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ، وَإِنْ ثَبَتَ تَصَرُّفُ الشَّرْعِ اكْتَفَى الْأُصُولِيُّ بِمَعْرِفَةِ وَضْعِ الشَّرْعِ لِلِاسْمِ وَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَإِنْ عَرَفَ وَضْعَ اللُّغَةِ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ هَلْ لِلشَّرْعِ تَصَرُّفٌ فِي الِاسْمِ أَمْ لَا؟ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْحُكْمُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ لَهُ وَضْعُ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا إنَّ الْفُقَهَاءَ قَلَّ مَا يَتَكَلَّمُونَ عَلَى الْأَلْفَاظِ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ اللُّغَةِ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ تَصَرُّفَ الشَّرْعِ فِي الْأَسْمَاءِ فَتَرَاهُمْ يَجْنَحُونَ إلَى الْإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ مُكْتَفًى بِهِ وَمُضَافٌ إلَيْهِ، وَعُرْفُ اللُّغَةِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عِنْدَ احْتِمَالِ التَّغْيِيرِ لَا يُفِيدُ.

[مَادَّةُ اللُّغَةِ وَمَقْصُودُهَا وَمَوْضُوعُهَا] وَيَتَعَلَّقُ النَّظَرُ بِمَادَّتِهَا وَمَقْصُودِهَا وَمَوْضُوعِهَا.

أَمَّا مَادَّتُهَا: فَتَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِينَ، إمَّا التَّوْقِيفُ أَوْ الِاصْطِلَاحُ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي، وَأَمَّا فِي حَقِّ مَنْ بَعْدَهُمْ فَمَادَّتُهَا النَّقْلُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ.

وَأَمَّا مَقْصُودُهَا: فَالتَّشْبِيهُ بِأَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ فِي إعْلَامِ مَا فِي أَنْفُسِهِمْ.

وَأَمَّا مَوْضُوعُهَا: فَالْأَلْفَاظُ وَمَا يَعْرِضُهَا لِذَاتِ الْأَلْفَاظِ وَهُوَ مَا يَبْحَثُ اللُّغَوِيُّ عَنْهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضُوعِ إمَّا فِي حَالِ الْإِفْرَادِ كَكَوْنِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا أَوْ مُشْتَرَكَةً أَوْ مُتَرَادِفَةً أَوْ مُتَبَايِنَةً، وَكَكَوْنِ فَاءِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَوْ عَيْنِهَا أَصْلِيًّا أَوْ مَقْلُوبًا عَنْ غَيْرِهِ صَحِيحًا أَوْ مُعْتَلًّا مَفْتُوحًا أَوْ مَضْمُومًا أَوْ مَكْسُورًا،

ص: 229

وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ التَّصْرِيفِ، وَأَمَّا فِي حَالِ تَرْكِيبِهَا كَكَوْنِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مُبْتَدَأً أَوْ خَبَرًا أَوْ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْرَاضِ الذَّاتِيَّةِ لِلْأَلْفَاظِ، فَالْأَلْفَاظُ هِيَ مَوْضُوعُ اللُّغَةِ وَهَذِهِ أَعْرَاضٌ ذَاتِيَّةٌ لِلْأَلْفَاظِ.

[أُمُورٌ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَبَاحِثِ اللُّغَةِ]

ثُمَّ الْكَلَامُ فِي مُهِمَّاتٍ:

الْأَوَّلُ: فِي الْوَضْعِ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى أَمْرَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: جَعْلُ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى كَتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ وَلَدَهُ زَيْدًا، وَكَإِطْلَاقِهِمْ عَلَى الْحَائِطِ مَثَلًا الْجِدَارَ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَخْطُرَ الْمَعْنَى بِبَالِ الْوَاضِعِ فَيَسْتَحْضِرَ لَفْظًا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى، ثُمَّ يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ بِلُغَتِهِ يَجِبُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى عِنْدَ عَدَمِ الْقَرَائِنِ.

وَالثَّانِي: غَلَبَةُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى حَتَّى يَصِيرَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الذِّهْنِ حَالَ التَّخَاطُبِ بِهِ، وَذَلِكَ فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ، وَالْعُرْفِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ.

[الْعُرْفُ الشَّرْعِيُّ]

أَمَّا الْعُرْفُ الشَّرْعِيُّ: فَكَإِطْلَاقِهِمْ الصَّلَاةَ عَلَى الْحَرَكَاتِ الْمَخْصُوصَةِ،

ص: 230

وَالصَّوْمَ عَلَى الْإِمْسَاكِ الْمَخْصُوصِ، وَالزَّكَاةَ عَلَى إخْرَاجٍ مَخْصُوصٍ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَضَعْ اللَّفْظَ لِهَذِهِ الْمَعَانِي، وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَهُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ وَضْعٍ، وَتَكَرَّرَ الِاسْتِعْمَالُ فِيهَا حَتَّى صَارَتْ هِيَ الْمُتَبَادِرَةُ إلَى الذِّهْنِ حَالَ التَّخَاطُبِ.

[الْعُرْفُ الْعَامُّ]

وَأَمَّا الْعُرْفُ الْعَامُّ: فَكَإِطْلَاقِهِمْ الدَّابَّةَ عَلَى ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ عَلَى دَابَّةٍ مَخْصُوصَةٍ عِنْدَ قَوْمٍ كَالْفَرَسِ وَالْحِمَارِ، وَمَفْهُومُ الدَّابَّةِ فِي اللُّغَةِ لِكُلِّ ذَاتٍ دَبَّتْ سَوَاءٌ ذَوَاتُ الْأَرْبَعِ وَغَيْرُهَا، وَأَهْلُ الْعُرْفِ لَمْ يَضَعُوا اللَّفْظَ لِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ ذَوَاتُ الْأَرْبَعِ، وَإِنَّمَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُمْ لِلَفْظِ الدَّابَّةِ، حَتَّى صَارَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الذِّهْنِ حَالَةَ التَّخَاطُبِ.

[الْعُرْفُ الْخَاصُّ] وَأَمَّا الْعُرْفُ الْخَاصُّ: فَكَاصْطِلَاحِ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلَى أَلْفَاظٍ خَصُّوهَا بِمَعَانٍ مُخَالِفَةٍ لِلْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ، كَاصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِ فِي الْجَوْهَرِ وَالْعَرْضِ، وَاصْطِلَاحِ الْفَقِيهِ فِي الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ، وَاصْطِلَاحِ الْجَدَلِيِّ فِي الْكَسْرِ وَالنَّقْضِ وَالْقَلْبِ، وَاصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، فَجَمِيعُ هَذِهِ الطَّوَائِفِ لَمْ يَضَعُوا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لِتِلْكَ الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ، وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلُوهَا اسْتِعْمَالًا غَالِبًا حَتَّى صَارَتْ هِيَ الْمُتَبَادِرَةُ إلَى الذِّهْنِ حَالَةَ التَّخَاطُبِ، فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْوَضْعِ فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ لِلْوَضْعِ مَعْنًى ثَالِثًا وَهُوَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْمَجَازُ هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا أَمْ لَا؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ

ص: 231

هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مَسْمُوعًا أَوْ لَا؟ . وَيَتَعَلَّقُ بِالْوَضْعِ مَبَاحِثُ:

أَحَدُهَا فِي شُرُوطِهِ: وَهِيَ ثَلَاثَةٌ:

أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَبْتَدِئَهُ بِمَا يُخَالِفُهُ.

ثَانِيهَا: أَنْ لَا يَخْتِمَهُ بِمَا يُخَالِفُهُ.

ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ صَادِرًا عَنْ قَصْدٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِكَلَامِ السَّاهِي وَالنَّائِمِ وَعَلَى السَّامِعِ التَّنَبُّهُ لِهَذِهِ الشُّرُوطِ. وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي " فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: طَلَّقْتُك، ثُمَّ قَالَ: سَبَقَ لِسَانِي، وَإِنَّمَا أَرَدْت طَلَبْتُك، أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ظَنَّتْ صِدْقَهُ بِأَمَارَةٍ فَلَهَا أَنْ تَقْبَلَ قَوْلَهُ وَلَا تُخَاصِمُهُ، وَأَنَّهُ مَنْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ إذَا عُرِفَ الْحَالُ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ، وَلَا يُشْهَدُ عَلَيْهِ.

قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا هُوَ الِاخْتِيَارُ.

الثَّانِي فِي سَبَبِهِ: وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ النَّوْعَ الْإِنْسَانِيَّ وَصَيَّرَهُ مُحْتَاجًا إلَى أُمُورٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا، بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى الْمُعَاوَنَةِ عَلَيْهَا، وَلَا بُدَّ لِلْمُعَاوِنِ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي النَّفْسِ، وَذَلِكَ إمَّا بِاللَّفْظِ أَوْ الْإِشَارَةِ أَوْ الْمِثَالِ، وَاللَّفْظُ أَيْسَرُ لِمَا سَيَأْتِي. فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى الْوَضْعِ لِأَجْلِ الْإِفْهَامِ بِالْمُخَاطَبَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلَّمَا اشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُ أَنَّهُ يُوضَعُ لَهُ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ مُخِلًّا بِمَقْصُودِ الْوَضْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَمَا لَا تَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ جَازَ فِيهِ الْأَمْرَانِ يَعْنِي الْوَضْعَ وَعَدَمَ الْوَضْعِ، أَمَّا عَدَمُ الْوَضْعِ، فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَأَمَّا الْوَضْعُ فَلِلْفَوَائِدِ الْحَاصِلَةِ بِهِ.

ص: 232