الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإرشاد والدلالة على الله، أينما حلوا من البلاد، أولئك بعضهم أولياء بعض في العلوم والأسرار، وكذلك في الأموال. فقد قال بعض الصوفية:(الفقراء: لا رزق مَقْسُومٌ، وَلَا سِرٌّ مَكْتُومٌ) . وهذا في حق أهل الصفاء من المتحابين في الله.
والذين آمنوا ولم يهاجروا هم أهل الأسباب من المنتسبين، قد نهى الله عن موالاتهم في علوم الأسرار وغوامض التوحيد لأنهم لا يطيقون ذلك لشغل فكرتهم بالأسباب أو بالعلوم الرسمية، نعم، إن وقعوا في شبهة أو حيرة، وجب نصرهم بما يزيل إشكالهم، لئلا تقع بهم فتنة أو فساد كبير في اعتقادهم. والله تعالى أعلم.
ثم أثنى على المهاجرين والأنصار، فقال:
[سورة الأنفال (8) : آية 74]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)
قال البيضاوي: لما قسم المؤمنين ثلاثة أقسام، - أي: مهاجرين، وأنصار، ومن آمن ولم يهاجر- بين أن الكاملين في الإيمان منهم هم الذين حققوا إيمانهم، بتحصيل مقتضاه من الهجرة، والجهاد، وبذل المال، ونصرة الحق، ووعد لهم الوعد الكريم، فقال: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ لا تبعة له، ولا فتنة فيه. ثم ألحق بهم في الأمرين من يلتحق بهم ويتسم بسمتهم فقال:
[سورة الأنفال (8) : آية 75]
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
أي: من جملتكم أيها المهاجرون والأنصار. هـ.
ثم نسخ الميراث المتقدم، فقال:
وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يقول الحق جل جلاله وَأُولُوا الْأَرْحامِ من قرابة النسب، بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في التوارث من الأجانب، وظاهره: توريث ذوي الأرحام، كالخال والعمة وسائر ذوي الأرحام، وبه قال أبو حنيفة، ومنعه مالك، ورأى أن الآية منسوخة بآية المواريث التي في النساء، أو يراد بالأولية: غير الميراث، كالنصرة وغيرها. وقوله:
فِي كِتابِ اللَّهِ أي: في القرآن، أو اللوح المحفوظ. إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ من أمر المواريث وغيرها، أو عليم بحكمة إناطتها بنسبة الإسلام والمظاهرة أولا، وبالقرابة ثانياً، والله تعالى أعلم.
الإشارة: الناس ثلاثة: عوام، وخواص، وخواص الخواص. فالعوام: هم الذين لا شيخ لهم يصلح للتربية.
والخواص: هم الذين صحبوا شيخ التربية، ولم ينهضوا إلى مقام التجريد. وخواص الخواص: هم الذين صحبوا شيخ التربية وتجردوا ظاهراً وباطناً، خربوا ظواهرهم، وعمّروا بواطنهم، وهم الذين خاضوا بحار التوحيد، وذاقوا أسرار التفريد. وهم الذين أشار المجذوب الى مقامهم بقوله:
يا قارئين علم التوحيد
…
هنا البحور اليَّ تغبى
هذا مقام أهل التجريد
…
الواقفين مع ربي
فأهل التجريد، كالمهاجرين والأنصار، وأهل الأسباب من أهل النسبة، كمن لم يهاجر من الصحابة، ومن تجرد بعدُ ودخل معهم، التحق بهم. قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ، ومن لا نسبة له كمن لا صحبة له، وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق. وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه، وسلم تسليماً، وآخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين «1» .
(1) كتب فى آخر المجلد الأول من النسخة الأصلية: هذا آخر السفر الأول من (البحر المديد في تفسير القرآن المجيد) ، ووافق الفراغ من تبييضه سادس عشر من جمادى الأولى، سنة ست عشر ومائتين وألف، يتلوه سورة التوبة بحول الله وقوته.
انتهى، بحوله وقوته، عشية يوم استخراجه من مبيضته الجمعة ثالث وعشرين من جمادى الأولى، أيضا، من تلك السنة المذكورة قبل. ونسأله الإعانة على التمام، بجاه النبي- عليه السلام صلى الله عليه- على مَرِّ الليالي والأيام.