الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أي: كنا نرجو أن ننتفع بك لما نرى فيك من مخايل الرشد والسداد، فتكون لنا سيداً، أو مُستشاراً في الأمور، وإن توافقنا على ديننا، فلما سمعنا هذا القول منك انقطع رجاؤنا منك أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا قبلنا لتصرفنا عن ديننا، وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ من التوحيد، والتبري من الأوثان، مُرِيبٍ: مُوقع في الريبة مبالغة في الشك، قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ طريقة واضحة مِنْ رَبِّي وبصيرة نافذة منه، وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً: نبوة، فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ من يمنعني من عذابه إِنْ عَصَيْتُهُ وأطعتكم في ترك التبليغ، وموافقتكم في الدين الفاسد، فَما تَزِيدُونَنِي باستتباعكم غَيْرَ تَخْسِيرٍ بترك ما منحني الله به، والتعرض لغضبه، أو فما تزيدونني بما تقولون لي غير تخسير لكم لأنه يجركم إلى الخسران. والله تعالى أعلم.
الإشارة: كل من وجهه الحق تعالى يدعو إلى الله فإنما يدعو إلى خصلتين: إفراد الحق بنعوت الألوهية، والقيام بوظائف العبودية شكراً لنعمة الإيجاد، وتوالي الإمداد. فقول صالح عليه السلام:(اعبدوا الله مالكم من إله غيره) ، هذا إفراد الحق بالربوبية، وقوله:(هو أنشأكم من الأرض)، هذه نعمة الإيجاد. وقوله:(واستعمركم فيها) هي: نعمة الإمداد، وقوله:(فاستغفروه ثم توبوا إليه)، هو القيام بوظائف العبودية شكراً لتلك النعمتين. وفي قوله:(إن ربي قريب مجيب) : ترهيب وترغيب.
وقوله تعالى: (قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا) : يؤخذ من الآية: أن شُعاع الخصوصية، وآثارها، تظهر على العبد قبل شروق أنوارها، وهو جار في خصوص النبوة والولاية، فلا تظهر على العبد في الغالب حتى يتقدمها آثار وأنوار، من مجاهدة أو أنس، أو اضطرار أو انكسار، أو عرق طيب. والله تعالى أعلم. وكل من واجهه منهم تكذيب أو إنكار يقول: (أرأيتم إن كنت على بينة من ربي
…
) الآية. وبالله التوفيق.
ثم ذكر معجزة الناقة، فقال:
[سورة هود (11) : الآيات 64 الى 68]
وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68)
قلت: «آية» : نصبت على الحال، والعامل فيها: معنى الإشارة. و (لكم) : حال منها، تقدمت عليها لتنكيرها.
و (من خزي يومئذٍ) - حذف المعطوف، أي: ونجيناهم من خزي يومئذٍ، ومن قرأ بكسر الميم أعربه، ومن قرأ بالفتح بناه لاكتساب المضاف البناء من المضاف إليه. قاله البيضاوي. وقال في الألفية:
وابْن، أَو اعربْ ما كَإِذْ قَدْ أُجرِيا
…
واختَرْ بنَا متَلُو فعْل بُنيا
وقَبل فَعل مُعَرب أو مُبْتَدأ
…
أعربْ، ومنْ بَنَى فَلَنْ يُفنَّدا
وثمود: اسم قبيلة، يصح فيه الصرف باعتبار الحي أو الأب الأكبر، وعدمه باعتبار القبيلة. وقد جاء بالوجهين في هذه الآية.
يقول الحق جل جلاله: قال صالح لقومه بعد ظهور آية الناقة، وقد تقدم في الأعراف قصتها: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً تدل على صدقي، فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ أي: ترعى نباتها وتشرب ماءها، وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ، فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ: عاجل، لا يتأخر عن مسكم لها بالسوء إلا ثلاثة أيام.
فَعَقَرُوها وقسموا لحمها فَقالَ لهم: تَمَتَّعُوا: عيشوا فِي دارِكُمْ منازلكم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ الأربعاء والخميس والجمعة. وقيل: عقروها يوم الأربعاء، وتأخروا الخميس والجمعة والسبت، وهلكوا يوم الأحد.
ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ فيه، بل هو حق.
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا: عذابنا، أو أمرنا بهلاكهم، نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، قيل: كانوا ألفين وثمانمائة رجل وامرأة. وقيل: أربعة آلاف، وقال كعب: كان قوم صالح أربعة عشر ألفاً، سوى النساء والذرية، ولقد كان قوم عاد مثلهم ست مرات. انظر القرطبي. قلت: وقول كعب: كان قوم صالح
…
الخ، لعله يعني الجميع: من آمن ومن لم يؤمن، فآمن ألفان وثمانمائة، وهلك الباقي. وكذا هود، أسلم أربعة آلاف، وهلك الباقي.
قال تعالى: فنجينا صالِحاً ومن معه بِرَحْمَةٍ مِنَّا، ونجيناهم مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ وهو: هلاكهم بالصيحة، أو من هوان يوم القيامة، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ القادر على كل شيء، الغالب عليه، وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ باركين على ركبهم، ميتين، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا: يعيشوا، أو يقيموا فِيها ساعة، أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ جحدوه، أَلا بُعْداً لِثَمُودَ هلاكاً وسحقاً لهم.
الإشارة: ما رأينا أحداً ربح من ولي وهو يطلب منه إظهار الكرامة، بل إذا أراد الله أن يوصل عبداً إليه كشف له عن سر خصوصيته، بلا توقف على كرامة. وقد يظهرها الله له بلا طلب تأييداً له، وزيادةً في إيقانه، فإن طلب الكرامة، وظهرت له، ثم أعرض عنه، فلا أحد أبعدُ منه. قال تعالى، في حق من رأى المعجزة ثم أعرض:
(ألا بعداً لثمود) . وبالله التوفيق.